رغيد الصلح: الشرق الأوسط الجديد كما يراه جواد ظريف/داود الشريان: موعظة محمد جواد ظريف/مصطفى زين: ليس بالمحاصصة تبنى الأوطان

351

الشرق الأوسط الجديد كما يراه جواد ظريف
رغيد الصلح/الحياة/06 آب/15
بعد نجاح محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، في التوصل إلى الاتفاق النووي مع زملائه في الولايات المتحدة والدول الست، جاء دوره في تسويق الاتفاق إقليمياً وتهدئة مخاوف دول الجوار وغيرها من الدول والقوى الدولية والإقليمية، من انعكاسات الاتفاق على أمنها واستقلالها ومصالحها الاستراتيجية. وفي هذا السياق، كتب ظريف ثلاثة مقالات مهمة، نشر أحدها في عدد من الصحف العربية والأجنبية. أبرز ما جاء في هذه المقالات دعوة أطلقها الوزير الإيراني إلى تشكيل «مجمع للحوار الإقليمي». تأتي هذه الدعوة، كما جاء في المقال الذي نشرته صحيفتا «السفير» اللبنانية و «الشروق» المصرية، بمثابة رد على الفوضى والاضطرابات التي لا تعرف الحدود، ومن «الفراغ» المنتشر في الدول المجاورة لإيران، كما جاء في المقال الذي نشرته «النيويورك تايمز». جاء المشروع الذي اقترحه ظريف مختصراً ولكنه تضمن بضعة عناوين تكفي لمناقشته بصورة أولية خاصة من زاوية الأهداف المتوخاة منه، أي تبديد الانطباعات الخاطئة والسلبية حول سياسة طهران تجاه الجيران، وإزالة المخاوف المتوقعة التي أثارها الاتفاق الأميركي-الإيراني في الدول المجاورة. ولكن هل يحقق ما أطلق عليه أحد الكتاب وصف «قانون ظريف» الغايات المطلوبة منه؟ هل تضمنت الإيضاحات التي قدمها المسؤول الإيراني تطمينات كافية إلى المعنيين بالعلاقات العربية-الإيرانية؟ لقد أكد ظريف في مقالاته على ضرورة فتح صفحة جديدة من العلاقات بين دول المنطقة تقوم على احترام سيادتها واستقلالها السياسي وعلى الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين. ولكن مشروع ظريف تضمن عدداً من العناوين والمقترحات التي تراكم مخاوف الجيران وتناقض تماماً العنوان الذي اختاره لمقاله باللغة العربية.
الفكرة المحورية في مشروع ظريف هي إنشاء مجمع للحوار الإقليمي. وهذا المجمع يتأسس على مرحلتين: الأولى ينشأ فيها المجمع «في منطقتنا» والثانية، تشمل الفكرة جميع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط. في الحالتين يتحاشى ظريف، في مقاله باللغة العربية، التحديدات، ويترك الباب مفتوحاً أمام أسئلة عديدة.
ففي مقال «نيويورك تايمز»، يتحدث الوزير الإيراني عن المجمع في مرحلته الأولى باعتباره «منتدى جماعياً لمنطقة الخليج الفارسي الموسع». أما في مقاله بالعربية فإنه يكتفي بالإشارة إلى «منطقتنا». هل سقط هذا التحديد من المقال العربي سهواً؟ الأرجح أنه كان مقصوداً. ذلك أن هذا التحديد سوف يفتح الباب أمام تجدد الجدل حول هوية الخليج. لقد كان استخدام مصطلح «الخليج الفارسي» موضع انتقادات كثيرة في دول الخليج الأخرى. ومع تفاقم هذه الانتقادات والمخاوف التي عكستها، تم التوصل إلى اتفاق على استخدام تسمية الخليج كوصف للمنطقة فحسب. وشاعت هذه التسمية في الأوساط الدولية السياسية وغير السياسية بحيث إنها لم تعد تثير الالتباس. لماذا لم يطلق ظريف تسمية «مجمع الحوار الخليجي» على مشروعه إذاً، سواء عرضه بالعربية أم بالإنكليزية؟ هل تكمن دلالات سياسية وعامة وراء الإصرار على هذه التسمية؟ هل يريد وزير الخارجية الإيراني تكريس هذه التسمية دولياً مقدمة لتكريسها إقليمياً؟
إن بعض فقهاء الدراسات الشرقية قد يرى خطأ في الاهتمام بمسألة الهوية لأنها تركز على قضايا ثانوية في الوقت الذي ينبغي التركيز على القضايا الجوهرية. ولكن من قال إن الصراع حول الهوية بعيد من مصالح الشعوب وحقوقها، أي من القضايا الكبرى؟ إن اكثر الذين اعترضوا على استخدام مصطلح «الخليج الفارسي» لم يعترضوا على حق الإيرانيين في التاريخ ولا في الجغرافيا. وأكثر هؤلاء من الذين يحترمون الحضارة الفارسية ويرغبون في مصادقة إيران والتعاون معها، فارسية كانت أم إيرانية. ولكنهم أعربوا عن خشيتهم من أن يمهد إطلاق الصفة الفارسية على الخليج إلى قيام نظام إقليمي غير عادل وغير منصف، وإلى تحول الصفة الفارسية إلى مسوّغ للمطالبة بالامتيازات لإيران على حساب غيرها من الدول الخليجية الأصغر حجماً من حيث عدد السكان والمساحة والإمكانات العسكرية. فهل هناك مسوغ لهذه المخاوف؟
قد تكون هذه المخاوف في غير محلها لو أن مجمع الحوار الإقليمي سوف يبدأ بالحوار ويستمر به كإطار خليجي لتبادل الآراء وللتعاون المحدد والمحدود بين دول الخليج. هذا ما يوحي به المقال المنشور باللغة العربية. أما مقال «نيويورك تايمز» فإنه يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يتضمن تحضيراً للأذهان لتحول منبر الحوار إلى تكتل إقليمي خليجي يضم في حلقته المصغرة دول «الخليج الفارسي الموسع» وفي حلقته الأوسع جميع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط. فإلى أين يذهب بنا وزير الخارجية الإيراني البارع بعد إنجاز الاتفاق مع الولايات المتحدة؟
ما يقترحه ظريف هو في حقيقته دعوة إلى قيام «شرق أوسط جديد» يضم دولاً تجمع بينها «قواسم مشتركة في الدين والثقافة والسياسة والجغرافيا». تنطبق هذه السمات على ثلاثة تكتلات إقليمية موجودة في المنطقة، هي جامعة الدول العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة التعاون الاقتصادي. ومن البديهي أن تسعى إيران وزعماؤها إلى قيام نظام إقليمي يضمها تحقيقاً للمنافع المحققة التي تأتي بها مثل هذه التكتلات للدول المشاركة فيها. ولقد بحث مسؤولون عرب مسألة انضمام إيران إلى جامعة الدول العربية كعضو مراقب، لكنهم لم يصلوا إلى نتيجة على هذا الصعيد. ولكن حتى لو وافقوا على الفكرة، فإن إيران تتوق إلى أن تكون أكثر من عضو مراقب في التكتل الإقليمي. أما منظمة المؤتمر الإسلامي، فهي أقرب إلى أن تكون شبيهة بالكومنولث منها بالاتحاد الأوروبي، بسبب كثرة عدد أعضائها. استطراداً، فان إيران تستطيع أن تبقى عضواً نشطاً في هذه المنظمة، ولكن هذا لن يقودها بعيداً على طريق الأقلمة.
تبقى منظمة التعاون الاقتصادي (إيكو)، فإذا أرادت إيران التعاون الإقليمي فان المنظمة تشكل الإطار النموذجي لإشباع طموحات الإيرانيين في هذا المضمار. إنها تضم إيران مع دول الجوار في تركيا وأفغانستان وباكستان ودول آسيا الوسطى. ومقر هذه المنظمة هو طهران، ومن ثم فإن أكثر العاملين في هياكلها وإداراتها التنفيذية هم من الإيرانيين أو من سكان طهران. وبحكم هذه الاعتبارات واعتبارات أخرى تتعلق بعلاقة إيران التاريخية ببعض مكونات مجتمعات الدول المنتمية إلى المنظمة، فقد اكتسبت إيران مكانة مرموقة فيها.
إذا كان هذا حال إيران في منظمة التعاون الاقتصادي، فلماذا لا تركز على تطويرها وتعميقها بحيث تحقق من خلالها فوائد التعاون الإقليمي؟ من الصعب أن يجد المرء جواباً على هذا السؤال وعلى الأسئلة التي أشرنا إليها أعلاه إلا أن الذين يمسكون بمقاليد الحكم في طهران لا يريدون حقاً التعاون الإقليمي، بل يريدون الهيمنة الإقليمية. والفرق بين الاثنين كبير. ويدرك الزعماء الإيرانيون هذا الفرق، لذلك فإنهم لا يعلقون الآمال الكبيرة على «إيكو»، لأن إيران لا تستطيع، لأسباب بديهية، الهيمنة على منظمة تضم تركيا وباكستان. أقصى ما تستطيعه طهران في منظمة مثل «إيكو» هو الاضطلاع بدور نافذ ولكن غير مهيمن. وهذا حالها أيضا في منظمة المؤتمر الإسلامي. تبقى المنطقة العربية، حيث يجد صقور النخبة السياسية الإيرانية في انهيارها والتحديات التي تواجه دولها الرئيسية، فرصةً مناسبة لبسط هيمنة إيران على دول الجوار ولتأسيس تكتل إقليمي تتزعمه طهران ويشمل دول الخليج «الموسع» وعدداً من دول المشرق العربي. وسوف يكون هذا المشروع هو الأقرب إلى الإمبراطورية الفارسية التي يكثر الحديث عنها في طهران. لقد بدأ الوزير الإيراني مقاله بعنوان «الجار ثم الدار»، أما الشروح التي قدمها، فتوحي بأن ما يسعى إلى تسويقه هو مشروع يقوم على أساس أن «الجار للدار»، أي أن المنطقة العربية هي المدى الحيوي للنخبة الإيرانية الحاكمة. لذلك، من المرجح أن يعود ظريف من جولته العربية من دون أن يحقق نجاحاً كبيراً يوازي نجاحه في فيينا.

 

موعظة محمد جواد ظريف
داود الشريان/الحياة/06 آب/15
نشرت جريدة «السفير» اللبنانية الإثنين الماضي مقالاً بقلم وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، بعنوان «الجار ثم الدار»، وتبرعت الجريدة في تفسير رسالة المقال، قائلة إن كلام ظريف موجه للسعودية. المقال قائم على فكرة حوار إقليمي، وهو حدد لهذا الحوار مبادئ أهمها: «احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تسوية الخلافات سلمياً، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة».
لا خلاف مع وزير الخارجية الإيراني على مبدأ الحوار وحقوق الجيرة. وإن كان العرب، أو معظمهم يقول، «الجار قبل الدار»، ولعل الذي ترجم النص، اجتهد في معاودة صوغ الوصية القديمة في تراث العرب والمسلمين. لكن هذه الوصية التي وصفها ظريف بأنها «أخلاقية وضرورة لا يمكن إنكارها في عالمنا المعاصر»، لم تعد تحمل قيمتها القديمة، فالجيرة أصبحت تخضع للقوانين، واختيار الجار لم يعد يشكل أهمية تذكر، في ظل الأنظمة التي تحكم علاقة الناس ببعضهم البعض، فضلاً عن أن الدول لا تختار جيرانها. وقبل سنوات، كتبت هنا مقالاً حاولت فيه قراءة مستقبل العلاقات بين الدول من خلال مقارنة موقعها في «حي السفارات» في مدينة الرياض، بموقعها على الكرة الأرضية. فوجدت أن دولة البحرين تجاور الكاميرون، وليست بعيدة عن كندا، وتشاركها الكويت في هذا الفأل الحسن، حيث أصبحت الكويت بالقرب من باكستان، تاركة العراق وإيران، وذكريات الحروب والغزو. والأردن الذي يعاني من حدوده مع إسرائيل والأراضي الفلسطينية، جاور الفيليبين، ونأى بنفسه عن أزمة الشرق الأوسط. وليبيا أصبحت تجاور إيران. أما العراق، الذي أصبحت حكومته متيمة بإيران فأصبح جاراً لكينيا. ولبنان صار جاراً للسنغال، مبتعداً عن سورية، التي بدورها صارت تقع بين كوريا الشمالية وفرنسا. تخيل أن يكون للدول الحق في اختيار جيرانها، ستجد أن العالم انقلب رأساً على عقب. لكنني أعتقد أن لبنان لن يرضى بمجاورة السنغال، وهو ربما طلب جيرة السعودية.
ومثلما أن تغيير مواقع الدول محض خيال، فإن وزير الخارجية الإيراني كتب مقالاً أقرب إلى الخيال، وجمع في مقاله بين الوعظ والأمنيات، وانطلق من فكرة أن جيرانه في حاجة للعودة إلى رشدهم، وترك التدخل والعنف، حتى يخيل إليك أن الذي كتب المقال هو وزير خارجية سويسرا. لا نتمنى أن ترحل إيران عن جيرتنا، فضلاً عن أننا لا نستطيع تغيير موقعها، أو مواقعنا، خلقنا نحن وإيران «جيراناً» وسنبقى. وإيران ليست جارة في الجغرافيا فحسب، بل بيننا وبينها قيم مشتركة وتاريخ، وروابط نسب وقربى. لكننا نتمنى على الوزير المبتسم دائماً، محمد جواد ظريف، أن يبدأ بتطبيق ربع الأفكار التي وردت في موعظته، وأضمن له أن أهل الخليج والعرب الآخرين، سوف يتكفلون بالباقي.

 

ليس بالمحاصصة تبنى الأوطان
مصطفى زين/الحياة/06 آب/15
مستغلين الموقف الأميركي من «داعش»، ودعوة أوباما و»حرص» نائبه جو بايدن على العراق، ذهب زعماء عراقيون، بينهم نواب وشيوخ عشائر، إلى واشنطن قبل ما يقرب الشهرين، والتقوا مسؤولين في البيت الأبيض، طالبين تسليح أبنائهم وتدريبهم لتحرير مدنهم التي احتلها التنظيم، في استعادة لتجربة «الصحوات» التي طردت «القاعدة»، وشكوا إلى مضيفيهم سوء معاملة الحكومة لهم، وتفضيلها الميليشيات الشيعية عليهم، لكنهم تلقوا جواباً قاطعاً: سلاحكم سيكون عن طريق الحكومة، وتدريب أبنائكم سيكون بالتعاون مع جيشكم، ووعدوهم بالضغط على حيدر العبادي كي يساويهم بـ «الحشد الشعبي» الذي لا تكن له الإدارة الأميركية أي ود، وتتهمه بالولاء لإيران. عاد الوفد من واشنطن خائباً، منتظراً أن تثمر الضغوط على الحكومة سلاحاً، خصوصاً أن أميركا تحتاج إليهم في الحملة العسكرية على «داعش» في الأنبار وصلاح الدين، ولاحقاً في الموصل، وهي المحافظات الخاضعة للتنظيم. وفضلاً عن المراهنة على هذه الضغوط، عاد زعماء الوفد وبينهم مسؤولون كبار، مثل نائب الرئيس أسامة النجيفي، إلى المطالبة بتطبيق الاتفاق السياسي الذي شكلت الحكومة على أساسه، وينص على إقرار قانون الحرس الوطني، على أن يكون عماده من هذه المحافظات تحديداً، في مقابل «الحشد الشعبي» المكون من أبناء المحافظات الجنوبية، أي تشكيل ميليشيات سنية مقابل الميليشيات الشيعية، فما كان من العبادي إلا أن ارسل مشروع القانون إلى مجلس النواب لإقراره، مراهناً على أن الخلافات بين الكتل السياسية ستعطله. وكان رهانه في مكانه، إذ أن القانون لم يقر، وأضيف إلى الخلافات الكثيرة التي تعصف بـ «المكونات» وممثليها. وطرح العبادي مشروعاً آخر يقضي بضم المسلحين السنّة الذين يجري تدريبهم في الأنبار، إلى «الحشد الشعبي» باسم «الحرس الوطني»، في خطوة قال إنها لتوحيد الجهود في محاربة الإرهاب، وبدأ تطبيق هذا المشروع في حدود ضيقة جداً، خوفاً من اختراق «داعش» صفوف هذه القوات. فهل ينجح؟ واقع الأمر أن العراق «الجديد» المبني على أساس المحاصصة الطائفية، لا يسمح لأي رئيس وزراء باتخاذ خطوات توحيدية من هذا النوع. ولا يتيح له، مهما حسنت نواياه، أن يخرق «التوافق» الذي أصبح فوق أي قانون، ويعطل أي قرار وطني جامع. ولربما كان لبنان خير مثال على هذا النوع من الجمهوريات، ففي هذا البلد تعطل المحاصصة الطائفية حتى الاتفاق على جمع القمامة، فما بالك بمشاريع من حجم محاربة الإرهاب والفساد، وتشكيل جيش وطني غير خاضع لهذه الطائفة أو تلك. واقع الأمر أن العراق، بعد الاحتلال الأميركي، أصبح مقسماً على مستوى المؤسسات الاتحادية، كما يسمونها، بدءاً من رئاسة الجمهورية المكرسة لحزب كردي، وانتهاء بالإدارات العامة والجيش، من دون أن ننسى رئاسة الحكومة المكرسة للشيعة، فضلاً عن الوزارات والبرلمان والجيش، و»الحرس الوطني» الذي سيكون ميليشيا سنية مقابل «الحشد الشعبي» وهو ميليشيا الطائفة المقابلة. ليس بالمحاصصة تبنى الأوطان.