ديفيد اغناتيوس: تزايد خطر «الذئاب المنفردة» في الحرب على الإرهاب//ديانا مقلد: ريم.. وجه القهر الأوروبي

513

تزايد خطر «الذئاب المنفردة» في الحرب على الإرهاب
ديفيد اغناتيوس/الشرق الأوسط/27 تموز/15
«لقد اعترف بالحقيقة، وأظهر الولاء. صدر الأمر، والقلب يدق. لقد قبل الأمر. الفراشات تصيب الهدف. حالة الترقب انتهت، إحساس بالراحة»، تلك هي الكلمات التي سرد من خلالها مقاتل «داعش» الملقب بأبي عبد الله البريطاني نداءه يوم 10 مايو (أيار) على موقع التواصل «تويتر» لكل من يسعى في الغرب لأن يصبح «جهاديا». وفي رسالة مترجمة على موقع «سايت إنتليجنس غروب»، قال أبو عبد الله محذرا: «لا تترد ولا تفكر مرتين». «هي أفكار تدور في رأسك. كم سيكون عدد القتلى؟ كيف سيتصرفون؟ لكنك سرعان ما تخرج من هذه الحالة». كان هذا هو الوجه المتوعد الكئيب لـ«الذئاب المنفردة» الذين تراهم قوات مكافحة الإرهاب الأميركية كخطر داهم على البلاد، فهم يختلفون عن غيرهم، متخبطون، ومهرة في استخدام الإنترنت، وشغوفون بتطوير أنفسهم، ومن الصعب العثور عليهم. هوياتهم المجهولة مخيفة للحد الذي جعل خبيرا في الإرهاب الشرق أوسطي يعبر عن مخاوفه بصوت عالٍ الأسبوع الماضي، على إثر جرائم القتل التي هزت مدينة تشاتانوغا بولاية تينيسي الأميركية التي نفذها يوسف عبد العزيز، قائلا إن جريمة واحدة أخرى مثل تلك التي نُفذت، كفيلة ببث الرعب بين عموم الناس من تهديدات «الذئاب المنفردة». الرعب هو بالتحديد، وبكل تأكيد، ما يسعى مستقطبو الشباب عبر الإنترنت إلى خلقه، إلا أن المسؤولين الأميركان يقولون إن أفضل رد فعل هو هدوء وثبات الشرطة ووكالات الاستخبارات، ومرونة الناس في التعامل مع الحدث. «إنها مشكلة سوف نواجهها في المستقبل القريب»، حسب مسؤول يتعامل مع المشكلة عن كثب، وأضاف أن وضع الولايات المتحدة يعتبر أفضل من باقي مناطق العالم، إلا أن قدرتنا على تحمل الألم أقل من غيرنا.
وبعد هجمات تشاتانوغا، حذرت الإدارة الأميركية من أنه ليست هناك حلول سريعة وسهلة للمشكلة. وفي كلمة أمام هيئة المحاربين القدامى بمدينه بيتزبرغ الثلاثاء الماضي، قال أوباما: «إن تهديد الذئاب المنفردة والخلايا الصغيرة يصعب تنبؤه ومنعه»، ووعد «ببذل كل ما في وسعه في سبيل حماية البلاد»، بيد أن المسؤولين يقرون بأن أفضل الإجراءات هي أبسطها، وهي أن يلاحظ عامة الناس علامات تدل على السلوك العنيف، لكنها لا تصاب بالذعر عند حدوث الهجمات.
أظهر جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، قدرا كبيرا من الصراحة في كلمته هذا الأسبوع بمدينة سيلت ليك عند حديثه عن «الأرواح المضطربة»، التي يحاول المتطرفون حشدها عن طريق الإنترنت. «رسالتهم هي السفر لأرض الخلافة في ما يسمى بلاد العجائب. انضم إلينا هنا في العراق أو سوريا، وإذا لم يكن بمقدورك السفر، اقتل شخصا ما أينما وُجدت. اقتل أي شخص يرتدي زيا موحدا، ويفضل من يعمل بالجيش أو القضاء، المهم أن تقتل».
لم يبالغ كومي في ما قال، ففي 24 مايو غرد مقاتل من «داعش» لقب نفسه بأبو عولقي قائلا: «لا أستطيع أن أفهم إخواني في الغرب كيف يسيرون بالقرب من ضابط شرطة، من غير توجيه طعنة له!». الأسبوع الماضي، وجّه مقاتل في «داعش» يدعى سيف الله اليماني نداء للأميركان من أصل أفريقي قائلا: «أعلم أن هناك إخوة سودا يحاربون التهميش والعنصرية، ويحتاجون إلى العون، وأدعوهم لاعتناق الإسلام وإعلان البيعة».
ففي تلك التعليقات المتطرفة، تبدو الدعوة الوحشية للقتال مقترنة بأوهام مستقاة من ألعاب الفيديو. هذا ما جعل أحد خبراء مكافحة الإرهاب الأميركان مثل ميشال لايتر، المدير السابق لمركز مكافحة الإرهاب، لا يميل إلى استخدام تعبير «الذئاب المنفردة»، ويفضل استخدام تعبير «المعتدون المنفردون»، إذ إن التعبير الأخير لا يشتمل على إيحاء يضخم من قدراتهم بشكل مسرحي.
في حديثه حول ما وصفه بـ«المشكلة التي تزداد تعقيدا» وتشكل مصدر قلق للمسؤولين الأميركيين، قال كومي إن الـ«إف بي آي» لا يستطيع فك الشفرات القوية التي تعطيها شركات الاتصالات للمستخدمين. وقال إنه لم يطلب من الكونغرس هذا الشهر، فرض مزيد من المراقبة على الاتصالات، لكنه طلب مساعدة فنية من شركات الاتصالات، حتى يتسنى لهم الاطلاع على البيانات المشفرة «من أجل الحصول على المعلومات الإلكترونية لضمان أمن الولايات المتحدة». في الحقيقة، يعني هذا اللجوء إلى «أبواب خلفية» لفك التشفير، وهو الأمر الذي يجد مقاومة من أغلب الشركات. سوف يشكل عصر «الذئاب المنفردة» اختبارا لقدرة الدولة على خلق توازن بين متطلبات الأمن والحريات المدنية، ويُأمل هذه المرة أن يتم ذلك بشكل أكثر حكمة من الإجراءات المشددة، التي اتخذت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2011، فالمهمة هذه المرة تبدو أدق. سوف تتسبب مزيد من الهجمات في مطالب مجددة بمراقبة الاتصالات وتشديد الإجراءات الشرطية مما يخلق مزيدا من المتطرفين.
لا يستطيع أحد إنكار المهارات التكنولوجية للمتطرفين، فكل يوم تقريبا يقدم موقع «سايت إنتليجنس غروب» ترجمة لتعليقات جديدة عن كيفية فك الشفرات، والحصول على المعلومات الخاصة بمستخدمي الإنترنت، وإرسال رسائل آمنة عن طريق الإنترنت وغيرها من التقنيات، لدرجة أن أحدهم ابتدع لعبة «فلابي بيرد» التي تحاكي أسلوب «داعش». وفي تغريدة توبيخ عبر موقع التواصل الاجتماعي، قال متطرف لقب نفسه بـ«كاكماك»: «أينما كنت وبأي وسيلة متاحة، فبمقدورك أن تتحرك. أم أنكم لا تجيدون سوى الكلام ولا تتحركون؟».
يقول مسؤول أميركي إن أنسب رد فعل لتلك السخرية، هو التزام الهدوء وتجنب الخوض في لعبة الإرهابيين.
* خدمة «واشنطن بوست»

ريم.. وجه القهر الأوروبي
ديانا مقلد/الشرق الأوسط/27 تموز/15
«لا أستطيع تخيل شكل مستقبلي ما دمت لا أعرف إن كان بإمكاني البقاء في ألمانيا أم لا».. قالتها بابتسامة وعينين مفتوحتين، متابعة: «لديّ أحلام كما غيري من الناس. أرغب في الذهاب إلى الجامعة وهذه أمنية. ليس أمرا جميلا أن نشاهد كيف يمكن لأناس آخرين أن يفعلوا ما يطمحون إليه فيما شخص آخر عاجز عن الإمساك بحياته». كانت لحظة استغاثة تلفزيونية سيوثقها التاريخ حتما.. من يمكنه النجاة من مشاعر التعاطف حيال وجه شفاف وعينين معبرتين كعيني ريم، الطفلة الفلسطينية ذات الأربعة عشر ربيعا، وهي تروي معاناتها وأسرتها بألمانية فصيحة، وتحكي عن مخاوفها من احتمال ترحيلها من ألمانيا قبل أن تنهمر دموعها. بدت ريم التي تصدرت نظراتها الحائرة أغلفة العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية الألمانية وجه القهر الأوروبي للقادمين الجدد إليها.
خلال ثوان وجدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المصنفة أنها أقوى نساء الأرض نفسها في موقف لا تحسد عليه، وهي التي كانت قد لقنت رئيس وزراء اليونان درسا قبل أيام. لكن دموع ريم ومحنتها التي شاهدها الألمان ومعهم العالم وضعت ميركل وحكومتها في موقف محرج، خصوصا أن تلك اللحظات أثارت بشكل مكثف أسئلة حقيقية بشأن المعضلة الإنسانية للهاربين إلى أوروبا من دول الشرق الأوسط، وهو ما دفع بنخب سياسية ألمانية إلى التحرك سريعا من أجل تغيير القوانين الخاصة باللاجئين في ألمانيا.
ندوة تلفزيونية بين طلاب وميركل أمر يتكرر حدوثه من حين لآخر، لكن تلك المواجهة بين ميركل والطفلة ريم كانت شيئا آخر تماما. لقد شرحت ريم لإحدى عشر دقيقة في الندوة لميركل حكايتها، بدءا من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حيث نجمت عن ولادتها هناك مضاعفات أثرت عليها صحيا وجعلتها غير قادرة على السير بشكل طبيعي، وما أعقب ذلك من مسار طويل ومعقد عاشه أهلها إلى أن تمكنوا من نيل تأشيرة علاج في ألمانيا قبل خمس سنوات، ومنذ ذلك التاريخ هم يعيشون على أمل مزدوج: شفاء ريم والحصول على الموافقة على لجوئهم إلى ألمانيا. لكن قبل أسابيع جاءهم الرد بأن طلبهم تم رفضه. الأرجح أن ريم، التي تفوقت في دراسة اللغة الألمانية، تحمست حين دعيت للمشاركة في لقاء تلفزيوني مع ميركل كي تعبر لها عن محنتها، وهو ما حصل فعلا، لكن ما لم تتوقعه ريم هو أن نقاشها مع ميركل سيخلف كل هذا الاهتمام لدى الرأي العام الألماني والأوروبي. صحيح أن المستشارة الألمانية فشلت في مواساة الفتاة، رغم أنها ربتت على كتفها، لكن ردها حين قالت لها إنه ليس بإمكان كل طالبي اللجوء البقاء في ألمانيا وبأن السياسة أحيانا تكون قاسية أثار في وجهها موجة من ردود الفعل. لقد نال ميركل نقد لاذع حين أجابت عن تساؤلات ريم بشكل سياسي تقني. صحيح أنها كانت صريحة وواضحة، لكن قضية اللاجئين ليست قضايا جماعية، بل هي قضايا أفراد وتحتاج حكايات كل فرد منهم لأن تروى وتقال تماما كما حكاية ريم. هذا النقاش بدأ يعلو في ألمانيا وأوروبا، فالضجة التي أثارتها مواجهة ميركل مع ريم فتحت العيون على مخاوف آلاف اللاجئين المهددين بالترحيل القسري في أي لحظة. لقد نجحت ريم بعد اللقاء التلفزيوني في تغيير مسار حياتها، وأكد مسؤولون أنه لن يتم ترحيلها وعائلتها وأنها ستبقى في ألمانيا. لكن ماذا كان سيحصل لم لو تبك ريم ولو لم نشاهد دموعها التي أيقظت التعاطف وحركت المشاعر؟ هناك اليوم من ساعد ريم، وهي فعلا تستحق أن تحقق ما تطمح إليه.. لكن من سيساعد الآخرين؟ لعل ما خلفته حكاية ريم من نقاش واهتمام يفتح المجال أمام من لم تتح له رواية معاناته على التلفزيون.