راغدة درغام: الخليج وإيران الجديدة/علي نون: في مدح التجاهل//روزانا بومنصف: فرصة محدودة للبنان بعد ولادة النووي

216

الخليج وإيران الجديدة
راغدة درغام/الحياة/10 تموز/15
أي إيران ستولد في أعقاب الاتفاق النووي المزمع التوصل إليه اليوم – ما لم يفشل في الساعات الأخيرة – والذي سيُطلق العصر الذهبي للجمهورية الإسلامية بمئات البلايين من الدولارات، وينصبها «قوة إقليمية ناجحة جداً»، كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما؟
هل ستكون قوى الاعتدال داخل إيران قادرة على إحداث تغيير جذري في التوجّه الإقليمي للجمهورية الإسلامية، فتتصرف طهران كقوة إقليمية عاقلة وحكيمة وبنّاءَة؟ أم إن قوى التطرف ستملأ جيوبها بالبلايين الكافية من الدولارات لتنفيذ مشاريع السطوة الإقليمية للتحكم بالعراق وللتمسك ببشار الأسد في سورية وللتخريب في اليمن ولامتلاك لبنان عبر «حزب الله»؟ القرار سيكون إيرانياً بالدرجة الأولى في حال انتصر تيار الاعتدال أو نجح تيار التطرّف أو في حال حدوث تنسيق تبادل أدوار بين التيارين. إلا أن مسؤولية ما سيؤول إليه الدور الإيراني في الشرق الأوسط، بناءً كان أو تخريبياً تقع على عاتق الدول الست التي رعت إبرام الصفقة التاريخية مع إيران. فالولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا عقدت العزم على التعاون مع روسيا والصين من أجل التوصل إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران بكثير من التنازلات. وهذه الدول رضخت لإصرار طهران على الاستبعاد الكامل لأدوارها الإقليمية من المفاوضات النووية. الدول الست، إذاً، وافقت على التخلي عن أدوات التأثير في التوجهات الإيرانية الإقليمية، بل إنها كانت تعي تماماً أن رفع العقوبات عن إيران سيدر عليها فوراً ما بين 100 و150 بليون دولار ستمكّن طهران من تعزيز كامل قدراتها العسكرية ومؤسساتها العسكرية، كما ستمكّن معسكرها للهيمنة الإقليمية من فرض تلك الهيمنة على الأراضي العربية. فلا أحد جاهل بما هو آتٍ إلى منطقة الشرق الأوسط ما لم يتخذ الرئيس الأميركي قرارات إقليمية جاهزة في جيبه حفظها إلى حين الانتهاء من الاتفاق النووي وينوي لها أن تكون بدورها تاريخية. غير أن الرئيس الأميركي ليس المساهم الوحيد في صنع التاريخ في الشرق الأوسط. روسيا والصين شريكان استراتيجيان في علاقاتهما مع الجمهورية الإسلامية، وهذه الشراكة ستنمو وتتعزز كثيراً عبر نادي «شنغهاي» فيما نادي «بريكس» كان السند الكبير لإيران وحليفها في دمشق مذ كانت دول «بريكس» في مجلس الأمن.
أوروبا أيضاً متأهبة للاستفادة الاقتصادية بعد رفع العقوبات عن طهران، وشركاتها جاهزة لمزاحمة الشركات الأميركية للاستفادة من العصر الذهبي الآتي. حتى الآن، لا مؤشر إلى أي استراتيجية عربية أو خليجية جديدة أخذت في حسابها هذه التغييرات الجذرية في موقع الجمهورية الإسلامية الإيرانية أميركياً ودولياً وإقليمياً. لعل في الجيب الخليجي وعود أميركية تطمئنه أو خطط نووية في موازين الرعب. لكن ما تتطلبه هذه المرحلة الفاصلة يجب أن يكون جديداً بأفكار متجددة خارج الصندوق التقليدي. فشراء القدرات النووية للتوازن في معادلة الرعب لن يشفي المنطقة العربية من كوارثها في سورية واليمن وليبيا والعراق ولبنان وتونس ومصر، ولن ينقذها في المنطقة الخليجية.
قبيل الموعد المرتقب لإتمام الصفقة النووية للدول الست مع طهران، توجه الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى روسيا للمشاركة في عرض سياسي مهم استضافه الرئيس فلاديمير بوتين في قمتي «منظمة شنغهاي للتعاون» التي تضم روسيا والصين وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، و «مجموعة بريكس» التي تضم كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، أي نصف البشرية.
الهند وباكستان ستُمنحان عضوية كاملة في منظمة شنغهاي في قمة مدينة أوفا التي تستضيف القمتين معاً. وجميع الاستعدادات تم اتخاذها لانضمام إيران إلى هذه المنظمة فور رفع العقوبات الدولية عنها بعد توقيع الاتفاق النووي، علماً أن لطهران الآن صفة المراقب في المنظمة إلى جانب أفغانستان، فيما لتركيا صفة «الشريك في الحوار». بوتين ينظر إلى القمتين باعتبارهما تظاهرة سياسية لتعزيز تحالفاته الإقليمية في مواجهة الغرب وتعزيز العمق الآسيوي في التحالفات الإقليمية. فالصين لروسيا «حليف استراتيجي» منذ زمن، وإيران لروسيا والصين شريك استراتيجي، وأفغانستان للصين كما هي لباكستان مع اختلاف الأسباب. والعلاقة بين الصين والهند لها تاريخها كما للخلاف بين الهند وباكستان تاريخه الطويل.منذ البداية، تركت الصين لروسيا لعب دور العرّاب في ملف إيران النووي وحلفها الإقليمي عبر سورية، وكان ذلك في إطار التحالف الاستراتيجي بينهما. الصين استفادت سرّاً وهي ستستفيد علناً من النفط الإيراني بعد رفع العقوبات. أما روسيا فإنها مُقبِلة على سوق جاهزة لتصدير السلاح، وستكون الرابح الأكبر من استثمارها السياسي في الجمهورية الإسلامية التي باتت شريكاً استراتيجياً مهماً لها. أوباما أيضاً عقد العزم على التوجه آسيوياً، وبالتالي يمكن اعتبار الولايات المتحدة «ضيف شرف» غائب عن قمتي أوفا على بعد 1100 كلم شرق موسكو، لكنه حاضر في «التحول نحو آسيا» بعيداً من الاعتماد التقليدي على دول الخليج والشرق الأوسط.
إيران ستصبح الشريك الشرق أوسطي الأول لكل من الولايات المتحدة وروسيا والصين بعد الاتفاق النووي الذي سيسجّل قفزة نوعية في العلاقة الثنائية الأميركية – الإيرانية. ولا يعني هذا العداء مع أي من دول مجلس التعاون الخليجي الست المنقسمة في مواقفها من طهران. عُمان رعت المفاوضات السرية الأميركية – الإيرانية، ورأيها أن السياسة الحكيمة يجب أن تعتمد إلى ركن المصالحة والتعايش والتعاون مع الجمهورية الإسلامية. والسعودية – يدعمها عدد من دول مجلس التعاون بنسب متفاوتة – ترى أن مجرد إرجاء موعد تفعيل إيران النووية لمدة عشر سنوات تطلب منها أن تتهيأ نووياً أيضاً كي لا ينتهي الأمر بها إلى «جار نووي تحكم فيه ولاية الفقيه»، وفق تعبير أحدهم. بالتالي لا بد من الحصول على القدرة النووية من باكستان أو السوق السوداء من أجل مواجهة «السطوة الإيرانية الإقليمية» الممتدة من العراق إلى سورية إلى لبنان واليمن، بهدف السيطرة على هذه المفاصل المهمة من المنطقة العربية.
جزء من الرأي العام السعودي والخليجي يدعم كلياً خيار الرد النووي عبر مبدأ «توازن الرعب»، ويقول أنه لا يمكن السعودية أن تخضع أمام إيران نووية طموحاتها الإقليمية التوسعية مباركة دولياً. هذا الجزء يرى أن لا مجال لاستعادة الثقة بالولايات المتحدة التي «خدعت» حليفها العربي واحتضنت إيران حليفاً بدل الحليف السعودي والخليجي عموماً. ويرى أن الوقت حان للمواجهة. لكن يمكن القول أن من الأفضل أولاً الإصرار على «المظلة» النووية الأميركية التي تضمن للخليج تحييد القوى الإيرانية النووية عبر ترتيبات تشابه الترتيبات الأميركية مع اليابان مثلاً. وثانياً الإصرار على ضمان تحييد القوة النووية الإيرانية لعدم استغلالها لأغراض سياسية. هكذا، يتم التجميد الفعلي للسلاح النووي الإيراني وتعطيل السطوة الإيرانية.
الاندفاع الأميركي نحو إيران هزّ الثقة الخليجية بالولايات المتحدة، وربما لم يعد ممكناً أهل الخليج التعامل مع الرئيس أوباما. إنما هذا لا يمثل استراتيجية إزاء الحدث التاريخي في العلاقة الأميركية – الإيرانية التي تمثل أولاً اعترافاً أميركياً ودولياً بنظام الحكم في الجمهورية الإسلامية القائم على ولاية الفقيه. وثانياً إن التطبيع في العلاقة الأميركية – الإيرانية أمر تتفق عليه الإدارة والكونغرس في غالبيته والأكثرية من الرأي العام الأميركي. فأميركا قررت المهادنة ورفضت المواجهة واختارت طهران شريكاً إقليمياً لها بقرار مدروس له علاقة بغضبها من إرهاب 9 – 11 الذي أصابها في عمقها. وثالثاً إن الاتفاق النووي يقر لإيران بحقوقها النووية السلمية ويجعلها عملياً جزءاً من النادي النووي «على بعد برغي» من التصنيع العسكري، لو شاءت، فالعلماء بخير والأموال متوافرة بعد الاتفاق. ورابعاً إن الصمت الدولي على الطموحات الإقليمية التوسعية الإيرانية قد يعني عملياً مباركتها، أقله حتى الآن، علماً أن رهان الغرب على أن الاتفاق سيقوي الاعتدال وسيلجم التوسّع الإقليمي الذي يقوم به «الحرس الثوري»، كما يردد سفراء الدول الأوروبية أين ما كان.
هذه تحولات جذرية تستحق استراتيجيات جدية آنية وبعيدة المدى. لعل إشراك النفس في الجديد في العلاقة الدولية مع طهران، دعماً للاعتدال داخل إيران، يقع في المصلحة العربية والإيرانية على السواء، ولعله يساعد في تنفيس الاحتقان المذهبي المدمر للسنّة والشيعة على السواء. هكذا يمكن دول الخليج أن تكون مساهماً في دعم معسكر الاعتدال داخل إيران وأن تؤثر فيه ضمن شراكة دولية واضحة في إصرارها على لجم معسكر التطرف الذي يسعى إلى الهيمنة على الدول العربية. فالبعض في الغرب يرى فائدة في الحرب بين «داعش» و «الحرس الثوري» وميليشياته هي أن يصفّي كل منهما الآخر ويدمره. المأساة أن ساحة تلك الحرب المدمرة ليست إيرانية ولا أميركية ولا أوروبية ولا روسية، إنما هي الأرض والشعوب العربية. وهذه المأساة لن تنتهي ما دامت القرارات العربية ناقصة ومقيدة تأتي كرد فعل بدل استراتيجيات واقعية وجدية وعازمة وقادرة. حان الوقت لاستراتيجية خليجية أساسها الكبح الإقليميregional restraint تتضمن خطة جديدة وخريطة طريق جديدة في سورية واليمن بالدرجة الأولى، وكذلك العراق ولبنان. حتى لو كانت المبادئ الأساسية ما زالت تشكل الإطار للحلول المرجوّة، توجد حاجة إلى طروحات تجديدية على ضوء التحولات التاريخية التي سيأتي بها الاتفاق النووي مع إيران، إذا أتى.
كبح النشوة المتوقعة في صفوف «الحرس الثوري» وشركائه في سورية ولبنان والعراق واليمن يجب أن يكون قراراً أميركياً وروسياً وأوروبياً وإيرانياً أيضاً، كي لا تترجم تلك النشوة بإجراءات تندم عليها واشنطن ويدفع ثمنها الاعتدال في إيران، وليس فقط هذه الدول العربية الواقعة في قبضة «الحرس الثوري». إسرائيل حصلت على ضماناتها من الولايات المتحدة والقائمة على إبعاد القدرات النووية الإيرانية العسكرية لعشر سنوات مع وضع المفاعلات النووية تحت الرقابة، والاستعداد لإجراءات عسكرية في حال غشّت إيران وصنّعت القنبلة النووية. فما تقوله واشنطن لإسرائيل هو أنه تم «خلع أنياب» الخطر النووي الإيراني، ثم أيضاً تقديم الضمانات الأميركية للحد من الخطر الإيراني على إسرائيل. فالعلاقة الإيرانية – الإسرائيلية المهادنة أساساً ستعززها العلاقة الأميركية – الإيرانية الجديدة. ولو كانت إسرائيل حقاً معارضة للاتفاق النووي مع طهران لجنّدت اللوبي الموالي لها في الولايات المتحدة وحشدت حقاً معارضة جدية في الكونغرس لمثل هذا الاتفاق. جميع المؤشرات تفيد بأن معارضة إسرائيل عرضية، وليست جذرية أو جدية. الجمهورية الإسلامية ستخرج من العزل وستحصل على الأموال، وستدخل النادي النووي السلمي، وستبدأ علاقة تطبيع تاريخية مع الولايات المتحدة. كيف ستترجم قيادة إيران ولادتها الجديدة؟ المرشد أدرى، فهو الذي مكّن قوى التطرف من التوغّل في العراق وسورية ولبنان واليمن. وهو الذي أثبت قدرة إيران على المناورة وفن التفاوض والتقاط الفرصة. الأمل بأن يكون في ذهنه دعم قوى الاعتدال لتأخذ إيران إلى البناء في بيئتها الإقليمية.

فرصة محدودة للبنان بعد ولادة النووي “ساحة تنفّس” إقليميّة تُملي انتخاب الرئيس؟
روزانا بومنصف/النهار/10 تموز 2015
بين موعد التوصل الى اتفاق بين الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران حول ملفها النووي واستيعاب الاتفاق ومفاعيله من الدول الغربية والاقليمية على حد سواء والتموضع في المرحلة المقبلة استعدادا لما بعد هذا الاتفاق فرصة أو نافذة قد تمتد بين بضعة اسابيع ولا تتعدى الشهر أو اكثر بقليل تبحث مصادر ديبلوماسية في بيروت في امكان الاستفادة منها من اجل محاولة تمديد مفاعيل المظلة الدولية فوق لبنان بتحصين وضعه السياسي والمساعدة في انجاز استحقاقاته. فالتصعيد السياسي الذي لجأ اليه زعيم التيار الوطني الحر وتوظيفه الضغط في الشارع من اجل الضغط على الحكومة ورئيسها والذي تمت متابعته عن كثب شكل في مكان ما مؤشرا الى ما يمكن ان تتجه اليه الامور على رغم ضبط كبير تحلى به الافرقاء السياسيون ازاء التصعيد الكلامي والسياسي الذي حصل خصوصا ان هذا التصعيد أخرج عن الاطار السلمي في بعض مراحله. ومع الادراك المسبق بأن الأفرقاء المؤثرين كما رئيس الحكومة سيسعون الى إبقاء الامور تحت السيطرة بحيث لا تؤدي الى تهديد الحكومة أو تهديد الوضع الامني، فان المخاوف تساور المصادر المعنية التي تتساءل اذا كانت الفرصة متاحة بين توقيع الاتفاق النووي ودخول مفاعليه السياسية حيز التنفيذ من اجل محاولة اقتناص اللحظة كما حصل لدى تأليف حكومة الرئيس تمام سلام من اجل اقناع الدول الاقليمية بالعمل على تمرير انتخاب رئيس للجمهورية والاتفاق على حكومة جديدة. فبالنسبة الى هذه المصادر فان الذرائع التي استخدمت في محاولة اقناع ايران والمملكة العربية السعودية من اجل المساعدة في هذه الخطوة لا تزال قائمة لا بل باتت اكثر الحاحا. والتوجه الى طهران والرياض انما يستند الى الاقتناع بانهما مسؤولتان عن الوضع في لبنان وليس الولايات المتحدة أو أي بلد آخر وان كانت هذه يمكن ان تقدم المساعدة. اذ انه من جهة ثمة ضرورة لأن يبقى لبنان كما كانت سويسرا ابان الحرب العالمية الثانية حاجة للدول المحيطة يتم التنفس من خلالها على ما يحصل بالنسبة الى لبنان باعتبار انه يبقى متنفسا للافرقاء السوريين وخصوصا للنظام على صعد عدة للاعتبارات المعروفة في ظل التطويق الذي بات يعاني منه في الآونة الاخيرة، حتى ان لبنان يشكل مقصدا للشيعة العراقيين مثلا الذين باتوا يحذرون تبعا لطبيعة الصراعات في العراق والمنطقة التوجه الى الدول العربية. وهذه بعض الذرائع التي قد تنفع مع ايران من اجل الابقاء على تماسك الوضع الداخلي وتأمين استمرارية الاستقرار وتدعيمه عبر دعم التوافق على رئيس للجمهورية بعدما بات التيار العوني حليف “حزب الله” يعترض على صلاحيات رئيس الحكومة السني بذريعة انه يستحوذ على صلاحيات رئيس الجمهورية ايضا. وفي حال صح ذلك وفقا للدعم الذي يمحضه الحزب لحليفه المسيحي فان هذا يمكن التخفيف من وطأته من خلال الدفع في اتجاه انتخاب رئيس جديد انطلاقا من اعتبارين على الاقل احدهما ان أي حل داخلي لهذا المأزق غير محتمل لأن الافرقاء الداخليين لا يملكون ان يقدموا الحلول فعلا لأن الازمة اكبر من هذه الذريعة التي يتم رفعها وهي لا تقع فعلا من ضمن قدرة هؤلاء جميع الافرقاء المعنيين. ومن ثم لانه اذا كان الرئيس سلام مستحوذا كرئيس حكومة محسوب على قوى 14 آذار على صلاحيات رئيس الحكومة وعلى صلاحيات رئيس الجمهورية أو الجزء الاكبر منها كما يقول التيار الوطني فانه قد يكون اجدى لايران والحزب المساعدة في الوصول الى انتخاب رئيس يكون لهم نصفه على الاقل متى كان توافقيا بدلا من ان يبقى هذا الموقع شاغرا ومجيرا لمجلس الوزراء حتى لو تم التوافق على الية توافقية أخرى. هذا اذا لم يؤخذ في الاعتبار الحاجة الماسة لابقاء الحزب مرتاحا من دون خضات داخلية بالتزامن مع المأزق الذي يواجهه في سوريا.
وثمة ذرائع مماثلة تفيد بالنسبة الى المملكة السعودية وان كان من مقلب مختلف انطلاقا من ان التطورات الميدانية السورية خصوصا في اتجاه حمص يمكن ان تشكل مخاطر كبيرة على لبنان بحيث يتطلب الوضع تحصينا له عبر انتخاب رئيس يشكل طمأنة لكل القوى.
الى هذه الاعتبارات ثمة اعتقاد انه يجب النفاذ في هذه الفرصة التي تعتقد هذه المصادر بانها ستكون متاحة ببعض الاستحقاقات اللبنانية قبل أي بحث في موضوع اقليمي آخر لأن كلا من هذه المواضيع يستغرق وقتا طويلا ومن غير المرجح ان يستطيع لبنان الانتظار حتى الانتهاء منها ولا سيما اذا فتح موضوع بدء مفاوضات جدية حول الازمة السورية. اذ انه في هذه الحال سيربط لبنان مجددا بنتائج الرهانات والحسابات في الموضوع السوري ونتائجه ايضا. ومع ان هناك اراء متناقضة في شأن امكان بدء مفاوضات جدية حول سوريا مع اعتقاد البعض ان الرئيس الاميركي باراك اوباما سينصرف في المدة الفاصلة عن نهاية ولايته الثانية الى تدعيم انجازاته في الملف الايراني والعلاقات مع كوبا ومشروع الاوباما كير وتاليا لن يكون محتملا العمل بجدية على الموضوع السوري، فان ذلك يشكل عاملا اضافيا من اجل الدفع قدما بموضوع لبنان قبل أي شأن آخر على رغم الاقرار بان ذلك قد لا يكون سهلا في ظل حسابات معروفة أو غير معروفة للدول المؤثرة فيه وعليه.

في مدح التجاهل..
علي نون/المستقبل/10 تموز/15
في كثير من الحالات يصبح تجاهل الشر خيراً أكبر من ذلك الشر.. والدراية عدّة العالِم وزوّادته، وسنده الأول في سعيه إلى الابتعاد عن الاستفزاز، وجعل أعصابه في مركز الركن الأول للعقل. أحدهم يوم أمس، حاول أن «يشتري» مشكلة كبيرة ولم تظبط معه.. مارس عدائية الاستنفار العصبي في وقت حرج وفي غير موضعه. ونظّم عراضة استفزازية مزدوجة (ومدروسة) تبدأ في قاعة مجلس الوزراء وتمتد إلى الشارع المحيط، وخاب رجاؤه في المكانين. لم ينتبه إلى العنوان الذي توجّه إليه بحثاً عن البضاعة (المشكلة) التي يطلبها: لا تمام سلام بيّاع مشكلات وأزمات ولا قائد الجيش أيضاً. بل العكس تماماً بتاتاً. ولولا ذلك لدبّ الهمّ في الركب، وغاص الناس في لجّة القلق، وراحوا بعيداً في الخشية من الأسوأ. المعضلة في الباحث عن الشر، أنه مخلص لطبعه وطبائعه. لكنه، على عادته، مايسترو ممتاز في فتح المعارك الناقصة، ثم في خسارتها. ولأنه كذلك فإن السهام التي أطلقها ارتدّت إليه بسرعة البرق، بحيث إن أحداً، أياً يكن، بما في ذلك أخلص حلفائه وخلّانه، لم يجاره في صلافة اتهام شخص مثل تمام سلام بأنه «داعشي»! ولا في استمرار التطاول على قيادة الجيش واتهامها بأي غواية أو نقص، أو تقصير.. أو بمخالفة «الدستور»! والقوانين المرعية في الجمهورية ككل وفي المؤسسة العسكرية تحديداً. ولأنه «دقيق» في حساباته، فإن توقيت معاركه التي يفتحها، يشبه، في المحصّلة، المسرح الذي يختاره لتلك المعارك!.. وفي «حالته» المستعصية، يصبح الأمر منطقياً ويتناسق مع حسابات الجمع والطرح وخلاصات المنطق الصحيح. حيث يستحيل أن تنفصم شخصية هذا النوع من «الأفذاذ» الألمعيين. كأن يقدّم مقاربة صحيحة في مكان خطأ. أو أن يختار المكان الصحّ لمقاربة خطأ، بل إن التلازم حتمي في المكانين طالما أن المصدر واحد!يذكّر ما فعله ويفعله، بقصة ذلك العصبي الذي يتمنطق مسدساً محشواً، والرصاصة دائماً في بيت النار، وعندما قرّر مرّة أن يستعرض عصبيته، أطلق النار.. على قدمه! صاحبنا العصبي عندنا يختلف قليلاً: يستعرض بعضلات غيره ويستقوي بسلاح حليفه. لكنه يتوافق مع الحالة السالفة لجهة أنه عندما أراد هو شخصياً، وحده، أن يلعب بالنار، أحرق أصابعه! ومع أن صراخه ملأ الدنيا، فإن أحداً في واقع الحال، لم يلتفت إليه سوى من زاوية مساعدته على تلقي العلاج! مع أن أهم علاج لحالته، هو التجاهل التام.. وفقط ذلك!