سمير منصور: لا يا جنرال فعلاً أخطأت العنوان/ نبيل بومنصف: إلى أحضان الفوضى/اميل خوري: مطلوب فصل أولويات الناس عن السياسة

260

بعد انحسار العاصفة العونية: لا يا جنرال… فعلاً أخطأت العنوان!
النهار/ سمير منصور/10 تموز 2015
والآن، بعد انحسار العاصفة العونيّة، من حق أي مواطن أن يسأل رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون عن الحصيلة التي تم انتزاعها للمسيحيين وعن الخطوة التالية. بدا واضحاً أن كل ما حصل نهار أمس كان مبرمجاً: يفتعل الوزير جبران باسيل مشكلة في مستهل جلسة مجلس الوزراء مستغلاً وجود كاميرات التلفزة صوتاً وصورة، ليبرر توجيه الفرق المحضّرة سلفاً من الصبايا والشباب صوب الهدف “العدو الغاشم”، صوب السرايا لاستعادة “حقوق المسيحيين” من مغتصبيها وعلى رأسهم تمّام سلام الذي لم يوفّق على ما يبدو في إقناع عون بأنه “غلطان بالعنوان”… وهو حقاً كذلك! وآخر عنوان فرعي لتلك الحقوق هو وقف الاعتداء على مقام رئاسة الجمهورية، وقد أعلن عون اسم المعتدي، وهو أيضاً تمّام سلام!ولأن “الجنرال” مرّ بتجربة مماثلة، فمن المفيد العودة إلى تلك الحقبة والمقارنة بين “عهدين” في كيفية المحافظة على مقام الرئاسة، بكل هدوء وموضوعية، في نقاش يفترض أن يتقبله “رجل الدولة”، أياً يكن، برحابة صدر وعقل ديموقراطي. لو قرر تمّام سلام الاقتداء بميشال عون لكان توجه فور تشكيل الحكومة إلى القصر الجمهوري واتخذ منه مقراً لإقامته واستقبالاته، العامة منها والخاصة، الرسمية والحزبية، ولنظم تظاهرات “الزحف” الجماهيري اليومية إلى بعبدا تأييداً له وتصفيقاً ودعاء بطول العمر… ولاتخذ قراراً في ليلة ليلاء بإعلان “حرب تحرير لبنان من جيش الاحتلال السوري” وزج بالجيش في أتونها وأدار مدافعه في اتجاه “المناطق المحتلة” أي “الغربية” و”الضاحية”، ولكانت باكورة التحرير “فرقة” من التلامذة سقطوا في باص مدرسي على تقاطع الاونيسكو… أوليس هذا ما حصل فور ترؤسه حكومة انتقالية نتيجة عدم انتخاب رئيس للجمهورية قبل ربع قرن؟
ولو كان لتمّام سلام أن يقتدي بميشال عون لاكتفى بحكومة “بتراء” استقال نصف أعضائها قبل أن تولد، ضارباً الميثاقية بعرض الحائط، ولم تنل الثقة في مجلس النواب، إذاً هي غير شرعية وغير ميثاقية، وكان رئيسها حاكماً بأمره، الآمر الناهي، وليس لوزيريه سوى “البصم” و”صُدِّق بالإجماع”، أهذا ما يفعله تمّام سلام اليوم؟ ولو كان لتمّام سلام أن يقتدي بميشال عون لاستمر في مصادرة القصر الجمهوري، رافضاً الاعتراف بانتخاب رئيسين للجمهورية، اغتيل الأول وهو الرئيس رينه معوض بعد أقلّ من شهر على إقامته في مبنى موقت، ومُنع الثاني من دخول القصر لأشهر قبل طرد “الجنرال” بالقوة في تاريخ عرف بـ”عملية 13 تشرين” وقد نفذت بدعم من “جيش الاحتلال” نفسه والنظام الذي بات الحليف الأعزّ للجنرال! قطعاً ليس الهدف من التذكير بتلك الوقائع نكء الجروح ونبش قبور الماضي، لكنها فرضت نفسها بعد قول عون في سياق تصريحاته المتتالية هذه الأيام، وعشية جلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي خاض ضدها “أم المعارك”: “إن رئيس الوزراء يتصرّف كرئيس للوزراء ورئيس للجمهورية في الوقت نفسه، وهذا أمر مرفوض”، فجاء من يدافع عن رئيس الحكومة ويذكّره بأن تمّام سلام كان يمكن أن “يلبس” تلك التهمة لو تصرف مثله واقتدى به، وان سلام هو من يحافظ على مقام الرئاسة لا من يتغيّب عن جلسات انتخاب الرئيس ويعطل النصاب القانوني المطلوب لانعقادها، وان اول انتهاك لحرمة الرئاسة كان من خلال مصادرة القصر الجمهوري والتمترس فيه وتحويله مقراً لحلقات الدبكة المنبثقة من “شعب لبنان العظيم”… وانه كان في استطاعته، احتراماً لمقام الرئاسة، الاكتفاء بعقد جلسات مجلس الوزراء فقط في القصر الجمهوري، وإذا كان لا بد من بعبدا، فلمَ لم تكن الإقامة في سراياها؟
تلك وقائع كان يمكن تجاوزها لولا الحملة الظالمة التي يشنها عون على الرئيس تمّام سلام، والتي اعطت المدافعين عنه في الحكومة حق الردّ… وثمة سؤال محق ومشروع يمكن أن يطرحه أي مواطن يدفع ثمن توالد الأزمات والخضات: هل ينشد عون التصعيد في الشارع وصولاً إلى إسقاط الحكومة حيث يكتمل عقد تعطيل المؤسسات؟ لمصلحة مَنْ ولحساب مَنْ؟ وما هي الخطوة التالية، هل هي “حقوق المسيحيين”؟ أول غيث “إعلان النيات” قطفه الجنرال بتحييد “الحكيم” سمير جعجع، شريكه في الإعلان، وتعطيل خطره في ظروف مماثلة تفرّد خلالها عون بالقرار في “المناطق الحرة” نواة الفيديرالية الجديدة التي يرفع لواءها هذه الأيام، وقد سبق سامي الجميّل، أبرز دعاتها، بأشواط! وأما الخطاب المسيحي، لكي لا نقول الطائفي، فهو يحتاج إلى خصم مسلم للهجوم عليه وإعلان النصر العظيم. رقصة “التانغو” تحتاج إلى اثنين، فكان لا بد من التصويب على تمّام سلام. هل وجد الجنرال شريكه في الرقص؟ حتى الآن، هو يتحرّش بجهة واحدة من طرف واحد، وفي مكان ما بدأت شظايا حربه الجديدة تصيب حلفاءه، وهم، للتذكير، من غير المسلمين… لا يا جنرال!

إلى أحضان الفوضى؟
نبيل بومنصف/النهار/10 تموز 2015
كل شيء يتبدل ويتراجع ويضعف في لبنان إلا شعبية الزعماء، فلا يخطئن احد التقدير والحساب لهذه الجهة. وبصرف النظر عن مسألة الاحجام والأوزان والانتشار العمودي والأفقي لشوارع الزعامات والتيارات والأحزاب، قد يكون العامل الأكثر مدعاة للاهتمام في الاستجابة البديهية للشارع العوني، التي ما كان يجب التشكيك فيها في التقديرات الجادة، في تحركه الناشئ، انه لا يبالي بنقطة انفصام اساسية جداً بين عنوان عصيان حقيقي على النظام وتحصن مستمر في حضن النظام نفسه. بالمعنى الطبيعي والمبسط يمكن زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون ان يسدد رصاصة الرحمة الى الحكومة بسحب وزرائه من الحكومة لأن ما سرى على الحكومة الاولى للرئيس فؤاد السنيورة عقب استقالة الوزراء الشيعة منها واستمرت بعدها طويلاً لم يعد ممكناً استعادته في الظروف الحالية. غير ان المفارقة التي ترتسم مع الازمة الطالعة تتمثل في “ثورة” عونية تلامس في اتجاهاتها وعناوينها الخطابية وتعبئتها الشعبية حدوداً انقلابية، فيما هي لا تزال منضبطة تحت سقوف النظام والحسابات السياسية التحالفية للفريق الثائر الذي يستبطن ازدواجية في لعنة الحكومة والنظام اللذين هو جزء من تركيبتهما ولا يبارحهما. ثمة رمزية صارخة شكلية في هذه الازدواجية تبرز مثلاً مع تسخير وزارة الخارجية لاجتماع غرفة عمليات وزارية للفريق الحزبي والسياسي الذي يدير عملية المواجهة داخل الحكومة عشية مجلس الوزراء. ثورة على الحكومة من عقر دارها تتهددها بالزعزعة ولكنها تحاذر بلوغ المحظور تماماً كما يجري تحشيد الشارع بعناوين تشيطن الخصم مجدداً ولكن مع التزام محاذرة الطلاق معه. ماذا بعد هذا إذاً؟ نصف حالة انقلابية عالقة ونصف حالة نظامية صامدة ببقاياها المتداعية. نحن نتجه قدماً الى حالة فوضوية عارمة لا أكثر ولا أقل ولو توصل مجلس الوزراء الى احتواء مرحلي موقت للازمة بدليل افتعال صدام بين المتظاهرين والقوى الامنية والعسكرية. إنه توازن سلبي مطلق في لحظة اقليمية شديدة الالتباس والغموض تطل على التحول النووي الكبير الذي لا يترك اي مجال للشك في ان أياً من القوى الاقليمية القابضة على المصير اللبناني ستكون متساهلة الآن حيال اي تحول جدي في لبنان يمكن ان يسجل انتصاراً أو انكساراً لأي من هذه القوى. للقوى اللبنانية عموماً والعماد عون خصوصاً مراس طويل مع ملابسات توقيت التحولات الداخلية على ساعة التحولات الخارجية وأكلافها وموازينها ونتائجها. وإذا كان من غير الجائز التسرع في اطلاق الأحكام المسبقة على التحرك “الثائر” قبل استنفاده، فان لوحة الوقائع والمواقع والموازين الراهنة لا تبقي مجالاً للشك في ان أسرع النتائج المهرولة إلينا هي في الحد الادنى الفوضى الحكومية والسياسية والدستورية التي ستعلق لبنان برمته على صورتها المجهولة الصاعدة.

بعدما تحوّل مجلس الوزراء ساحة للمناكفات مطلوب فصل أولويات الناس عن السياسة
اميل خوري/النهار/10 تموز 2015
لم يعد معقولاً ولا مقبولاً أن يظل الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد في قبضة أهل السياسة وهم يتناحرون بحيث باتت المصلحة الوطنية تقضي بفصل أولويات الناس عن أولويات الوزراء والسياسيين ومصالحهم الشخصية، لا أن تبقى هذه الأولويات جزءاً من خلافاتهم كما هو حاصل اليوم مثل موضوع تأمين تصدير الانتاج الزراعي والصناعي، وموضوع إقرار القروض والمساعدات للبنان لتمويل وتنفيذ مشاريع حيوية وانمائية تستفيد منها كل المناطق، إذ لا يجوز لخلاف على انتخاب رئيس الجمهورية تعطيل عمل الحكومة خصوصاً عندما يتناول مطالب الناس وحاجاتهم اليومية، أو تعطيل عمل مجلس النواب لعدم الاتفاق على تقديم الأهم على المهم. ومن المستغرب أن يكون من يعطلون انتخاب رئيس للجمهورية هم الذين يتذرعون بذلك ليعطلوا عمل كل المؤسسات. فما هو ذنب التاجر والمزارع والصناعي والعامل كي يدفع الثمن؟! فعلى الوزراء إذاً أن يتفقوا على إقرار المشاريع التي تهم الناس وهم من كل المذاهب والمناطق، وخصوصاً تلك التي تتعلق بمعيشتهم وحياتهم اليومية. أما تلك التي لها طابع سياسي مثل التعيينات وغيرها فليبقَ خلافهم عليها إلى ما شاء الله، لا أن تكون سبباً لتعطيل الاهتمام بأولويات الناس. وعلى النواب أيضاً أن يفصلوا بين المشاريع التي لها طابع سياسي والمشاريع التي لها طابع إنمائي واقتصادي، فلا يعطلون مشاريع تهم الناس مثل الكهرباء والماء والاستشفاء بسبب خلافهم على مشاريع لها طابع سياسي أو شخصي مثل التعيينات من أجل تعطيل آلية تصدير الانتاج الزراعي والصناعي الذي يهم كثيراً من اللبنانيين وفي كل المناطق. ثم ما علاقة إقرار الموازنة العامة والقروض والمساعدات والهبات للبنان بشرط إقرار قانون للانتخابات النيابية واستعادة الجنسية ومشاريع قوانين مماثلة؟
لذلك ينبغي فصل المواضيع الاقتصادية والمالية والانمائية عن المواضيع السياسية، وأن يتم إقرارها بأكثرية النصف زائد واحد إذا تعذّر التوافق عليها لأسباب شخصية أو سياسية. أما الموافقة على المواضيع السياسية والأساسية المثيرة للخلاف فتحتاج الى اجماع أو إلى أكثرية الثلثين، وعلى الجميع أن يفهم أن الاستقرار الاجتماعي هو الذي يحقق الاستقرار الأمني. لقد أيدت تقارير صندوق النقد الدولي خطوات مصرف لبنان في دعم الاستقرار النقدي وأشادت بدور الحاكم رياض سلامة في ترسيخ هذا الاستقرار، لكنها اعتبرت أن الصراع الدائر في سوريا لا يزال يهيمن على لبنان، وان وجود اللاجئين السوريين فيه رفع نسب الفقر والبطالة وفرض ضغوطاً على المالية العامة والبنية التحتية. وقد تراجعت الاستثمارات في لبنان وكذلك الرساميل الوافدة اليه ما يقلص فرص العمل.
والسؤال المطروح هو: هل تعي الطبقة السياسية عواقب هذا الواقع وأخطاره وهي تتناكف وتتناحر على تعيينات، ومحاصصات وسمسرات ولا تأبه لا لنداء 25 حزيران الذي صدر عن الهيئات الاقتصادية والنقابية والعمالية الممثلة لمختلف اتجاهات الشعب وفئاته أكثر مما تمثله هذه الطبقة، ولا تهتم حتى بمؤشرات احتمال حصول انهيار اقتصادي في لبنان، اذ أن نسبة البطالة بلغت 25 في المئة والنمو 2 في المئة والدين العام 70 مليار دولار والعجز التجاري 20 ملياراً؟ أليس من حق الناس أن يسألوا الطبقة السياسية أو بعضها الى أين تذهب بلبنان؟ فلا هي تتفق على انتخاب رئيس للجمهورية يكون انتخابه مفتاحاً لحل كل المشكلات التي تواجهها الحكومة ومجلس النواب، ولا هي تهتم بأولويات الناس لأنها تخضعها لخلافاتها السياسية وحتى الشخصية، فيما لبنان يسير نحو الهاوية، وزعماء فيه يتفرجون أو يتجادلون على جنس التعيينات وعلى جنس المرشحين للرئاسة الاولى. إن هذا الوضع السياسي المتردي يذكّر بكلمة الرئيس حسين الحسيني في جلسة مناقشة البيان الوزاري (12/ 8/ 2008) وجاء في مستهلها: “أقول بصدق، أكثر يوم ينطبق على وضع الناس القول المأثور: “الناس من خوف الذل في ذل”، وختمها بالقول: “إن أغرب ما في الأمر هو أن نكون مدعوين الى الفرح بتعليق قيام الدولة، والى تقديم الشكر. وأمام حقيقة أن السلطة قادرة إذا أرادت وحقيقة أنها حتى الآن لا تريد، أجدني مضطراً الى إعلان استقالتي من عضوية هذا المجلس، عودة مني الى أصحاب الثقة التي باسمها يكون عملي. وقد يصبح المرء عقبة أمام ما أراد، إلا أن للفرد أن يعرف حدوده”. هل من آذان تسمع وعيون ترى وألسنة تنطق بما صار اليه لبنان الوطن والمواطن؟