راشد فايد:”كلّة” 2015// ابراهيم حيدر: الشباب العوني… هذه ليست التسعينات

315

“كلّة” 2015
 راشد فايد/النهار/7 تموز 2015

يعرف الجنرال ان النزول الى الشارع ليس صنعته اليوم في ظل “تقنن” الحزب في هذا المجال. ويعرف ان المسيحيين، عموماً، لا يستسيغون التمرد على الدولة. والأهم ان تمويه الشخصي بالطائفي لم يعد يمارى: فالرئاسة يطلبها لنفسه، مقابل التغاضي عن أزمة صلاحياتها، وقيادة الجيش لصهره، وإلا ضاعت حقوق المسيحيين!! (وهل المرشحون المنافسون، غير مسيحيين). ويعرف الجنرال ان الرأي العام المسيحي، ممثلاً بـ “الكتائب” و”القوات اللبنانية”، غير قريب من موقفه. اذ يميل الأول الى الاعتقاد بعبثية الخطوة، ويصمت الثاني ليس دعما، بل التزاما بالحد من التوتر الذي يبتغيه “إعلان النيات”، فيما الباقون لا يخفون اختلافهم معه وعنه. يكشف التهديد بالشارع مدى أزمة التيار العوني: فدعم حليفه له محدود بمدى تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية الذي يوفره الجنرال، وتاليا تعليق مصير البلاد انتظارا لجلاء المشهد الاقليمي، فيما حليف حليفه، أقرب الى خصومه، في الأزمة الحكومية المفتعلة، وأحرص على حفظ بقايا الأسس الدستورية لوجود الدولة، في ظل الفراغ الرئاسي، والتمديد النيابي. كذلك فإن عدم تعيين صهره سيدفع بالأخير إلى غمار معركة رئاسة التيار، وخربطة السيناريو المحضّر. حتى ان حزب الامين العام، اذ يؤيد الجنرال، يعرف ان النزول الى الشارع، سيقف عند الأسلاك الشائكة في محيط السرايا الحكومية، لا أكثر، وإن لم يكن مستبعدا أن يرفده بالكثير من عناصر “سراياه” لمقتضيات “الزوم إن والزوم آوت”.

لأن الجنرال يعرف أن كل ما تقدم وأكثر، يحتاج الى “عدو” مفترض ليستنفر جمهوره المفترض، فـ”يشيطن” “تيار المستقبل” وجمهوره، و”يدعّشهما”، ناسيا كل إعجابه بالاعتدال الذي يمثلانه. وكما ينتحل لـ”المستقبل” ما ليس فيه، ينتحل لنفسه ما ليس له، فيلغي وجود المسيحيين، من غير نهجه، ويحتكر وزنهم في “الميثاقية” ليصف تخطي اعتراضاته بأنه نقيضها. لكن كل ذلك يعيد الأزمة إلى منطلقها: الفراغ الرئاسي، وحلقته المفرغة. ففي مجلس الوزراء، الأخير، أعلن وزيرا حزب الأمين العام تأييدهما مطالب وزيري التيار العوني، “استنادا إلى الآلية الحكومية في غياب رئيس الجمهورية”، وفق قول الوزير حسين الحاج حسن، فسأله الوزير رشيد درباس: وما سبب غياب الرئيس؟ فأجابه: “عدم انتخابكم مرشحنا”. أي القبول بديكتاتورية هذا السلاح، ما يعطي معنى لقول مرشحه إنه يجب أن يُرأّس لأنّ الحزب يؤيده، وهو يؤيد بقاء السلاح بيد الحزب. مع ذلك يتساءل لم لا يؤيده الخصوم! ما وصفه الرئيس ميشال سليمان بـ”النزق الصبياني” ليس بعيدا عما يريده الحزب وحلفاؤه الممانعين. ففتنة الجبل 1840 انطلقت من خلاف على لعبة الكلة بين أولاد، استفادت منه قوى خارجية، والخلاف على الرئاسة ليس أبعد من ذلك في افتعاله، فبين أطرافه مَن يصر على أن يحتكر الحق في الفوز، وبـ”كلة” مكسورة ومشهودة.

الشباب العوني… هذه ليست التسعينات
 ابراهيم حيدر/النهار/7 تموز 2015

يكفي أن يستدعي رئيس “تكتل الاصلاح والتغيير” النائب ميشال عون طلاب “التيار” لوضعهم في أجواء تحرك في الشارع تحت شعار “الدفاع عن حقوق المسيحيين وصلاحيات رئيس الجمهورية، لنستنتج أن الجنرال حسم أمره بالنزول الى الشارع عبر عصب التيار الأساسي، اي الطلاب، والذين مارسوا دوراً مهماً في التسعينات من القرن الماضي ضد الوجود السوري، او ما كان يطلق عليه “التيار” آنذاك تسمية الاحتلال السوري، قبل انسحابه من لبنان في 26 نيسان 2005. واعتبر العماد عون أن “التيار” والمسيحيين عموماً ليسوا اليوم اضعف مما كانوا عليه في 13 تشرين 1989. لم ينتظر طلاب “التيار العوني”، فعقدوا سلسلة اجتماعات استعداداً لتنفيذ قرار النزول الى الشارع، لتكن جهوزيتهم كاملة عند صدور كلمة السر، خصوصاً وأن السنة الدراسية انتهت في الجامعات، فبدأت التعبئة بين الشباب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكأننا في التسعينات لإخراج محتل جديد أو سلطة وصاية مختلفة. وقد استعاد بعض الشباب شعارات رفعت أيام الوصاية وكأنهم على ابواب معركة كسر عظم، هي ليست مع الاحتلال السوري وفق الوصف العوني الذي ساد في المرحلة السابقة انما مع الشركاء والتحالفات التي نسجت خلال الأعوام الماضية، وشارك على اساسها العونيون في الحكم وباتوا مقررين فيه وزارياً ونيابياً وفي مواقع الدولة ومؤسساتها.

يعرف شباب “التيار الوطني” انه لا يمكنهم الحشد بالمعنى الذي كانت فيه حركتهم تضج بحيويتها في التسعينات، إذ لا قضية مركزية يتحلقون حولها، طالما أن الشعارات عامة، ويمكن لأي طرف سياسي أن يتحصن خلفها على المقلب الطائفي، فكيف نستقطب طلاب الجامعات المسيحيين على سبيل المثال في الشارع ضد خصم وهمي؟ أو “عدو” نتشارك معه الحكم ونقرر السياسات ولو بالتوافق؟ وكيف نقنع الجمهور بأن المعركة اليوم هي مصيرية ضد خصم موجود في البلد وفي الوقت عينه نتحالف معه على قضايا أخرى؟ وبما ان الشعار المرفوع لاستنفار الشارع والعصب الأساس أي الطلاب والشباب، هو الدفاع عن المسيحيين وصلاحيات رئيس الجمهورية، فلماذا هذا التوقيت بالذات حيث يدعم “التيار” معركة “حزب الله” ضد التكفيريين ويقول إنهم الخطر الأول على لبنان؟

والواقع أنه ليس مهماً ما ستؤول اليه نتائج جلسة مجلس الوزراء المقبلة، لتظهر كلمة سر “التيار” في التحرك، إذ إن استعادة المواقع المسيحية وصلاحيات الرئاسة لا تتم بإحراق “العصب” الطالبي والشبابي الذي استند اليه في معركة إخراج سلطة الوصاية السورية، فيما المعركة التي سيخوضها الشباب في الشارع اليوم هي داخلية، وكل ما يمكن أن تحققه، ليس إلا إضافة متاريس جديدة على الانقسام اللبناني الراهن والخلافات والفيتوات التي منعت انتخاب الرئيس وعودة المؤسسات. فتحرك الشباب ضد الوجود السوري نجح بالنَفَس الطويل والتراكم، أما شارع اليوم فبعيد من التسعينات!