آلية عمل الحكومة عقدة متجدّدة في جلسة الخميس ومرسوم فتح الدورة ما زال فاقداً الميثاقية المسيحية//اميل خوري: منذ الـ 43 ولبنان من انتظار إلى انتظار والأدهى أنه لا يعرف ماذا ينتظره

218

 آلية عمل الحكومة عقدة متجدّدة في جلسة الخميس ومرسوم فتح الدورة ما زال فاقداً الميثاقية المسيحية
هدى شديد/النهار/7 تموز 2015

يبدو من المواقف عشية جلسة مجلس الوزراء، المقررة بعد غد الخميس، أن المواجهة تأخذ منحى تصعيدياً يجعل من الحكومة غير قادرة على الإنتاجية ولا على اتخاذ قرارات. كما يبدو واضحاً ان العقدة الجديدة التي ستتأزّم أمامها مناقشات الجلسة المقبلة هي الآلية التي تعمل بموجبها الحكومة في غياب رئيس للجمهورية. يظهر من مواقف المكونات الوزارية أن لكلاً وجهته إن في ما يتعلّق بآلية عمل الحكومة، وإن بالتوقيع على مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب الذي لم يحز الميثاقية المسيحية، باقتصار توقيعه على الوزير نبيل دو فريج المحسوب على “تيار المستقبل”. وتتوقّع مصادر مسيحية مطلعة أن لا يمرّ بسبب عدم الاجماع المسيحي عليه الذي حال في الدورة العادية دون انعقاد جلسة تشريعية، فكيف في دورة استثنائية لا اتفاق على كيفية توقيع مرسومها، ولا على جدول اعمالها ولا على مفهوم تشريع الضرورة. وزيرا “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والياس بو صعب يحضران الجلسة الخميس من اجل البحث بآلية عمل الحكومة ، “لأن قرار دعم الصادرات الذي أعلن رئيس الحكومة تمّام سلام أنه تمت الموافقة عليه، لم يتخذ وفق الآلية التي تم الاتفاق عليها بالإجماع في مجلس الوزراء، ولذلك يجب التوضيح ما إذا كان يريد رئيس الحكومة التفرّد بالقرارات لأنه أخذ القرار من خارج الآلية ومن دون توافق”، وفق بو صعب. وهو قال لـ”النهار”: “قطع عنّا الارسال في السرايا لقطع الطريق على موقفنا، فيما أعطي المنبر والبثّ لوزير الاتصالات بطرس حرب ليعلن التخلّي عن صلاحيات رئيس الجمهورية من أجل الوصول الى الرئاسة، فنحن لسنا مستعدين للتخلّي عنها، وهذه مسألة خطرة. ولذلك نحن حريصون على مناقشتها مع الرئيس سلام: وفق أي آلية تتخذ القرارات؟ واذا كانت الآلية المتفق عليها لا تسمح باتخاذ القرار بمعارضة مكوّنين حكوميين، فكيف اتخذ القرار الأخير باعتراض ثلاثة مكونات حكومية؟ وإذا اتخذ القرار من خارج الآلية فهذا تفرّد من رئيس الحكومة بصلاحيات رئيس الجمهورية، ونخشى أن يصبح بذلك “دولة الفخامة” على غرار ما فعله الرئيس فؤاد السنيورة عندما حلّ مكان رئيس الجمهورية…”. وشدّد بو صعب على أنه “لا يمكن مجلس الوزراء بالنكايات أن يمشي ولا أن يكون منتجاً، ولا يمكن هذه الحكومة أن تعمل إلا بالتوافق والاتفاق، فنحن لم نعترف بالقرار الأخير ولن نوقّع على مرسومه ونحن لا نعترف به أصلا”.

وأشار الى امكان الاقتناع بوجهة نظر حزب الكتائب التي عبّر عنها وزير الاقتصاد ألان حكيم بعدم القبول باتخاذ قرار اذا اعترض عليه مكوّن واحد وليس مكونان في الحكومة…

وهل تخلّى “حزب الله” عن العماد ميشال عون في معركته الحكومية؟ يقول بو صعب: “نحن لم نطلب من أحد أن يقف الى جانبنا، ولا ان يذهب الى المواجهة ولا ان ينزل الى الشارع معنا، فنحن لدينا وسائلنا التي نتبعها، ومن يقف الى جانبنا نقف الى جانبه، والحزب ليس بوارد فكّ تحالفه معنا…” في المقابل، استبعد الوزير حرب البحث في آلية عمل الحكومة، وقال:” لن نسمح بأن يفرض أحد علينا شيئاً كاعتماد الآلية حجة واستخدام كل الوسائل من اجل عدم ترك مجلس الوزراء يعمل. على رئيس الحكومة ترؤس الجلسة وتحديد كيف يديرها، ولكننا لن نقبل باجترار الكلام نفسه من دون فائدة لتضييع الوقت ومنع الحكومة من العمل، ومن يحسم هو رئيس الحكومة”. واعتبر أن الكلام على صلاحيات رئيس الجمهورية قضية تطرح في اطار عملية ابتزاز سياسي تحت طائلة تعطيل العمل كأن يقال” إما تعمل ما أريد أو اعطّل لك”. وقال:” لم أعلن شيئاً سوى أن الدستور ينصّ بوضوح على أن رئيس الحكومة يطلع رئيس الجمهورية الذي له ابداء الرأي انما ليس من منطلق خلافي بل من مصلحة وطنية، كما انه لا يرفض كل جدول الأعمال، وابداء الرأي يكون لتفعيل عمل الحكومة وليس لتعطيلها. وبوجود رئيس الجمهورية فهو الذي يدير الجلسة لما فيه مصلحة البلد، كما انه لا ينتخب من أجل تعطيل الجمهورية”.

وعما تردّد عن ان وزراء “اللقاء التشاوري” الثمانية تبنّوا وجهة نظر الرئيس امين الجميّل الرافض مع حزبه التشريع في غياب رئيس للجمهورية، أكد حرب “أن وجهات النظر مختلفة ومتناقضة بين القوى السياسية داخل اللقاء التشاوري كما مع الأطراف الأخرى حول فتح الدورة وجدول أعمالها، وكيفية تطبيق “تشريع الضروري والملحّ “، والمسألة ما زالت محور بحث ولا توافق ولا اتفاق عليها بعد”. الى ذلك، يتعارض موقف وزير الكتائب سجعان قزّي مع طرح الوزير بوصعب بشأن الآلية الحكومية، وهو قال لــ”النهار”: “القرار المتخذ بدعم الصادرات قرار نهائي وموافق عليه ولا تجوز العودة عنه. والمسّ بالآلية يبدأ حين تبدأ مناقشة مشاريع القوانين وليس حين نرفض كل جدول الاعمال بالجملة، فالتوافق لا يعني تعطيلاً”. وأشار قزي الى “أن اجتماعاً سيعقد في حزب الكتائب وسيتم التشاور مع الحلفاء في اللقاء التشاوري وغيره للبحث في هذا الموضوع الدقيق، كما سيتم اطلاع رئيس الحكومة على الموقف بروح ايجابية وبناءة، “فنحن لسنا لتعطيل عمل الحكومة”.

وعن الموقف من التوقيع على مرسوم الدورة ، نفى قزّي ما تردّد عن تعهّد اعطي للرئيس امين الجميّل بعدم التوقيع، وقال: ” اللقاء لا يعمل على اساس وعود بل التشاور والقرار المشترك،والقرار الذي اتخذ في الاجتماع الأخير كان بالتريّث في التوقيع الى حين معرفة جدول أعمال الدورة ومدى استعداد رئيس الحكومة لردّ قرارات والطعن فيها ومدى صلاحية المجلس الدستوري النظر بصوابية القوانين التي تقرّ. بكل الأحوال، اذا لم يكن في الجدول شيء يتعلّق بانبثاق سلطة، فإن الكتائب لا يشارك في التوقيع على فتح الدورة ولكنه لن ينزل الى الشارع من أجل ذلك”. وختم قزي: “سنجتمع الخميس ولن نخضع للتهويل ولـ “اللادستور” وهذه جلسة طبيعية، ويمكن الحديث عند الدخول في جدول الأعمال عن الآلية ، ويمكن القول إن هناك آلية نرفضها ولكننا لا نرفض البحث في جدول الأعمال كله، وإلا فليستقل من يرفض”.

منذ الـ 43 ولبنان من انتظار إلى انتظار والأدهى أنه لا يعرف ماذا ينتظره…
 اميل خوري/النهار/7 تموز 2015

متى يصير في استطاعة الزعماء في لبنان انتخاب رئيس للجمهورية من دون انتظار تدخل أي خارج؟ فمنذ عام 1943، اي منذ الاستقلال، وانتخاب الرئيس يتم بتدخل خارجي. فالشيخ بشارة الخوري انتُخب بتدخل بريطاني ونتيجة صراع على النفوذ يومئذ بين فرنسا وبريطانيا. وفي نهاية عهد الرئيس كميل شمعون، انتظر الزعماء في لبنان نتائج احداث 58 التي كشفت عن صراع اميركي – بريطاني على النفوذ في المنطقة بدأ مع سقوط “حلف بغداد” وكان سقوطاً لأول موقع نفوذ بريطاني فيها، وانتهى الانتظار بانتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية كونه خارج الاصطفافات السياسية كقائد للجيش، وبتوافق أميركي – مصري زمن الرئيس جمال عبد الناصر، مع انه كان خصماً سياسياً لأميركا وصديقاً بل حليفاً للاتحاد السوفياتي. وانتظر لبنان انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس شهاب، فصار اتفاق على تسوية عربية – دولية جاءت بشارل حلو رئيساً للجمهورية كونه معروفا بلونه السياسي الرمادي بين الألوان الفاقعة. وانتظر لبنان نتائج الصراع الداخلي بين ما كان يعرف بـ”النهج الشهابي” وخصوم هذا النهج، فصار تنافس داخلي شديد بين مرشح “النهج” الياس سركيس ومرشح “تكتل الوسط” سليمان فرنجيه الذي فاز عليه بصوت واحد، وكانت المعركة الانتخابية الأولى وربما الأخيرة التي لم يكن فيها تدخل خارجي، أقله مكشوفاً، وأصبح التدخل مكشوفاً وغير مستور في ظل الوصاية السورية على لبنان، السياسية والعسكرية، ففرضت الياس سركيس من دون سواه رئيساً للجمهورية لأنه وافق على بقاء القوات السورية في لبنان للمحافظة على الأمن والاستقرار فيه. ثم انتظر الزعماء في لبنان تداعيات الاجتياح الاسرائيلي للجنوب وبلوغه العاصمة بيروت، فكان من نتائجه تأييد انتخاب الشيخ بشير الجميل رئيساً للجمهورية. وبعد أيام اغتيل فانتخب شقيقه الشيخ أمين خلفاً له بعد انسحاب المرشح كميل شمعون من المعركة. وانتظر الزعماء في لبنان نتائج مؤتمر الطائف الذي انتهى بوضع دستور جديد للبنان واتفاق على انتخاب رينه معوض رئيساً للجمهورية بتوافق عربي ودولي، لكنه اغتيل هو أيضاً بعد أيام فتم انتخاب الياس الهراوي خلفاً له بقرار سوري، وانتخب بعده العماد اميل لحود رئيساً بقرار سوري أيضاً.

وانتظر الزعماء في لبنان نتائج مؤتمر الدوحة، فكان اتفاق عربي واقليمي دولي على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية كمرشح توافقي، وعلى اجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين معدّلاً، وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية توزعت المقاعد الوزارية فيها حصصاً بين القوى السياسية الأساسية في البلاد. وها ان الزعماء في لبنان ينتظرون اليوم انتخاب رئيس للجمهورية بعد مرور أكثر من سنة على الشغور الرئاسي، فلا هم اتفقوا على انتخابه، ولا الخارج توصل الى اتفاق على انتخابه أيضاً، ما جعل حكومة “التسوية” كما يسميها “حزب الله”، وحكومة “المصلحة الوطنية” كما يسميها الرئيس تمام سلام، تتولى صلاحيات الرئيس بالوكالة، وهي تشهد كل يوم خلافاً بين أعضائها على استخدام هذه الصلاحيات، وقد نصّب كل وزير فيها نفسه رئيساً بحيث لا يمر مشروع في مجلس الوزراء إلا بموافقة الجميع ولا يصبح نافذاً إلا بتوقيع الجميع… ما جعل عمل الحكومة مهدداً بالتعطيل في كل وقت، وكذلك عمل مجلس النواب لخلاف على تحديد ما هو ضروري من المشاريع التي تطرح عليه وما هو غير ضروري. وكاد الجميع ينسى أن في لبنان أزمة انتخابات رئاسية وليس أزمة تعيينات أو مشاريع تخص هذا الوزير او ذاك. فلو إن تعطيل عمل الحكومة وتعطيل عمل مجلس النواب يعجّلان في انتخاب رئيس للجمهورية لكان الأمر مقبولاً، لكنه، ويا للاسفن يعجّل في دفع البلاد نحو الفراغ الشامل المفتوح على شتى الاحتمالات والاخطار وهو ما يريده أعداء لبنان الذين وجدوا “عدة شغل” لهم من زعماء فيه. والسؤال المطروح الآن هو: ماذا ينتظر الزعماء في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر؟ هل ينتظرون اتفاقاً في ما بينهم لم يتم التوصل اليه بعد مرور أكثر من سنة وبعد حوارات لم ينتج منها سوى عدم الاتفاق على انتخاب رئيس؟ هل ينتظرون اتفاق الخارج على انتخابه وأي خارج؟ هل ينتظرون توصل السعودية وايران الى اتفاق كي يخرج لبنان من الأزمة الرئاسية، أم ينتظرون التطورات في المنطقة ولا سيما في سوريا وما سوف تستقر عليه، أم التوصل الى اتفاق على الملف النووي الايراني، لمعرفة أي رئيس يكون للبنان أو أي لبنان يكون لأي رئيس؟ وهل يكون الرئيس القوي المقبول من الجميع، أم يكون الرئيس التوافقي الذي يصبح قوياً بتأييد الجميع؟ إن لبنان الذي ينتقل في كل استحقاق رئاسي من انتظار الى انتظار، لا يعرف حتى الآن ماذا ينتظره…