المشهد السياسي في زمن الانقسام: الحل بانتخاب رئيس والتخلّي عن الرهانات//روزانا بومنصف: تساؤلات قلقة حيال تصاعد الحملة العونية أي محاذير لرمي “تصحيح الخلل” على فريق

215

المشهد السياسي في زمن الانقسام: الحل بانتخاب رئيس والتخلّي عن الرهانات
النهار/س. م./22 حزيران 2015

هل يمكن الاستمرار في حال الجمود والتعطيل التي تعانيها البلاد نتيجة التعنت والخطاب السياسي التصعيدي؟ والى أي مدى؟ في غمرة السجال السياسي المستمر والانقسام في البلاد، يطرح مرجع حكومي سابق هذا السؤال ليخلص الى القول ان “البلاد باتت في حاجة الى صدمة ايجابية تضع حداً للتعنت الحاصل لغايات ومآرب سياسية وحسابات شخصية، وتعيد انتظام العمل في المؤسسات الدستورية المعطلة”، لافتاً الى أنه “من المستحيل، بل من غير المسموح الاستمرار في هذا الواقع المأزوم الى ما لا نهاية، وقد آن الأوان لوضع حد له بعدما دفع بالبلاد الى مرحلة خطيرة”. ويخاطب المرجع “المعطلين ومانعي انتخاب رئيس الجمهورية ومنفذي رغباتهم” بأنهم “وضعوا البلاد، في ظل تطورات دولية واقليمية فاصلة، على مفترق خطير، إذ تواجه تحديات جسيمة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فيما الرأي العام اللبناني منقسم على نفسه نتيجة حملات الشحن والتعبئة التي يمارسها القيّمون على شؤون البلاد والطبقة السياسية عموماً”، مبدياً الخشية من “تحكّم رهانات متسرعة في مواقف بعض القوى السياسية والحزبية من دون أي اعتبار للتوازنات في المجتمع اللبناني”. ويشخّص الواقع من وجهة نظره، فيرى ان “الساحة السياسية يتنازعها أفرقاء تباعد بينهم مواقف حادة وفي معظم الحالات مبنية على الحسابات الشخصية، وبعضهم يتصرف كأنه الواحد الأحد في هذا المجتمع لا شريك له ولا غريم، ومعظمهم يراهن على قوى اقليمية ودولية دعماً لحساباته واعتباراته، متناسياً ان الظرف في المنطقة لم يكن يوماً مهيأ لغالب ومغلوب على هذا الصعيد، والموازين تتفاوت في أذهان مختلف الاطراف تبعاً لرهاناتهم، بينما الخشية ألا يدرك كل فريق حدوده إلا بعد فوات الأوان وخراب البصرة”… ويرى المرجع المذكور ان “هناك سبيلاً أوحد لدرء الخطر عن وطننا الصغير، هو طريق المصالحة والوفاق بين أهله من خلال التخلي عن الرهانات على قوى خارجية، والاحتكام الى التعقل والاعتدال والانفتاح انطلاقاً من الاعتراف بوجود الآخر. مصيبة لبنان أن بعض المسؤولين والقوى المتحكمة به في واد، والناس في مكان آخر”. ويخلص الى التأكيد أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة هو انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت، وسيظل التعطيل وصمة عار في جبين القوى المعطّلة”… قراءة هادئة تبدو أقرب الى تحذير أو نداء استغاثة، فهل من يسمع؟

تساؤلات قلقة حيال تصاعد الحملة العونية أي محاذير لرمي “تصحيح الخلل” على فريق؟
روزانا بومنصف/النهار/22 حزيران 2015

يبدو غريباً ان يسمع البعض سفراء أجانب وصلوا حديثاً الى لبنان يعلقون على اداء بعض الشخصيات السياسية مستخدمين العبارات نفسها التي سادت حول أداء هذه الشخصيات قبل اكثر من عقدين على رغم ان هؤلاء السفراء حديثي العهد بلبنان وسياسييه ولم يعايشوا المراحل السابقة. يسري ذلك بنوع خاص على زعيم التيار العوني العماد ميشال عون الذي التصقت به صفات مانعة لوصوله الى رئاسة الجمهورية عام 1989 وعادت هي نفسها مجددا كمؤشر على عدم نجاحه خلال هذه المدة الفاصلة عن الزمن الحالي في تبديد الانطباعات التي شكلت ولا تزال تشكل حائلا دون وصوله الى الرئاسة. ومع استعادة الزعيم العوني مضمون الخطابات التي كان يطلقها زمن اقامته في قصر بعبدا كرئيس للحكومة العسكرية في معرض محاولته تزخيم حشد شعبي لمطالبه المتعلقة بتعيين صهره العميد شامل روكز في قيادة الجيش وتعطيله الحكومة حتى تلبية مطالبه، اكتسب منطق رفض انتخاب عون رئيسا صدقية اكبر ليس في الداخل فحسب بل ايضاً في الخارج الذي بات يحمل الأفرقاء المسيحيين مسؤولية الاستهانة بموقع المسيحيين في البلد وعدم انتخاب رئيس للجمهورية، بالتزامن مع رسم علامات استفهام جدية تساهم في مراجعة الحسابات حول التسليم بصهره قائداً للجيش بمعزل عن كفاية هذا الاخير واهليته لهذا المنصب نتيجة عدم فصل عون بين صلة القرابة ومؤهلات العميد روكز .

المنحى الخطير الذي تأخذ المواقف العونية الوضع اليه لا يتمثل في تعطيله الحكومة وعدم المساهمة في انعقاد جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية فحسب من اجل الضغط لانتخابه رئيساً وتعيين صهره في قيادة الجيش، بل هو في خطاب يرتكز على استعادة حقوق المسيحيين من اصحاب القرار وممن سلبوا هذه الحقوق. ومع ان عون لا يسمي فريقاً معيناً، فانه وفي ضوء تحالفه مع “حزب الله” من جهة وتالياً عدم اعتباره ان حقوقه مهدورة مع هذا الفريق وفي ضوء دعم الحزب ما يسميه سعي حليفه المسيحي الى استعادة حقوقه على غرار الانتقاد الذي وجهه نائب الحزب حسن فضل الله “للتفرد والاستئثار في البلد واقصاء الآخر وتهميشه والتي يعتمدها فريق داخلي ضد مكون اساسي في البلد هي المسؤولة عن الشلل في المؤسسات الرسمية”، فان التقديمات مطلوبة من الطائفة السنية وفق هذا المنطق من زاوية تصويرها انها من يستولي على الحقوق المسيحية. الأمر الذي بات يرسم علامات استفهام كبيرة ليس لدى تيار المستقبل فحسب بل لدى شخصيات سنية مهمة ليست حليفة لهذا التيار والتي ترى في ركوب “حزب الله” موجة تعطيل العماد عون للحكومة من اجل الضغط من اجل تعيين مرشحه قائدا للجيش عاملاً مكملاً لوقوف الحزب وراء دعم عون للرئاسة وتالياً تحول الانتخابات الرئاسية ورقة قوية في يد ايران. فحين يعمد الحزب الى اعتبار ان حقوق المسيحيين مهدورة ويحيد نفسه عن موقع الاستئثار والتفرد في قرارات البلد علماً انه من يسيطر على مقدراته وعلى قرار الحرب والسلم وعلى انتاجية الحكومة وعملها فضلا عن انه كان ولا يزال شريكاً مع الافرقاء الاخرين للنظام السوري الذي سلب من المسيحيين حقوقهم زمن الوصاية السورية ولم يعترض على ذلك كما لم يسع الى تصحيح هذا الخلل لاحقاً باعادة اي من المناصب التي كانت تعود للمسيحيين مثلاً، فانما يثير خشية لدى مسؤولين سنة من ان ركوب الموجة الجديدة المعطلة للحكومة انما باتت ترسم مساراً يحتم طرح حل شامل متكامل لا يقل عن اتفاق الطائف من أجل اعادة الامورالى نصابها في البلد بعدما غدا صعباً الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية وحده من دون الاتفاق على سلة متكاملة من المسائل السياسية. وعلى رغم الاعتقاد ان وصول الحزب الى انجاز الوصول الى مؤتمر تأسيسي او اياً كانت تسميته تبقي الحاجة قوية الى تصدر العماد عون الدفع في هذا الاتجاه وليس الحزب، فان الشخصيات السنية غير المتحالفة مع تيار المستقبل او حتى المناوئة له تعتقد ان حاجة الحزب الى عون ستتراجع على الأثر. لكن حتى الآن، فان كل الخطاب العوني الذي يقول انه تصالح مع تيار المستقبل ما ساهم في تأليف الحكومة ولم يعد يستهدف السنة كما كان يفعل من قبل بات يرسم علامات استفهام اكثر خطورة على عكس ما يعتقد انه يحاول ان يقول انه يستطيع ان يشكل الضمان متى حصل من السنة على موافقتهم لانتخابه رئيساً وتعيين مرشحه لقيادة الجيش. فهناك اقتناع ظل يسري لبعض الوقت وحاول ان يدفع به البعض عن امكان محاولة تقليل الخسائر والاتيان بعون رئيسا تفاديا لما هو اسوأ، الا انه مع مرور الوقت تكشفت ممارسات بددت هذا الاقتناع كليا ولم تعد تسمح بالعودة اليه اطلاقا فضلا عن اثارة المخاوف من تقديم تنازلات في تعيينات امنية تصب لمصلحة فريق 8 آذار. اذ ان كل الخطاب الذي يعتمده زعيم التيار وان كان يخفي قدراً كبيراً من المصالح الشخصية، فانه لا ينفصل في الوقت ذاته عن اهداف سياسية يتم السعي الى استثمارها عن فضلا معطيات محلية واقليمية تحول دون اخذ هذه المطالب منعزلة عن هذه المعطيات. ومن هذه الزاوية بالذات ما بات يثير الاستياء من اعتداء يطاول موقع رئاسة الحكومة وصلاحياتها كجزء من ان المسايرة قد تعطي انطباعا بان وراء محاولة الاستيعاب ذنوبا يتم التكفير عنها.