خيرالله خيرالله: كي يستحق كيري وظريف نوبل السلام//عبد الرحمن الراشد:هل بقيت أسرار في مفاوضات إيران

259

كي يستحق كيري وظريف «نوبل السلام»…
خيرالله خيرالله/المستقبل/17 حزيران/15

ليس مستبعدا توصّل الولايات المتحدة ومعها المجتمع الدولي الممثل بمجموعة البلدان الخمسة زائداً واحداً إلى اتفاق مع إيران في شأن ملفّها النووي قريبا. في كلّ الأحوال، تتصرّف واشنطن وطهران وكأنّ هذا الاتفاق حصل وأن المطروح الآن البحث في مرحلة ما بعد الاتفاق والنتائج التي ستترتب عليه. الأكيد أن دول المنطقة، في مقدّمها دول الخليج، ليست بعيدة عن هذه الأجواء وهي تتصرّف من منطلق أن الأولوية الأميركية هي للملفّ النووي الإيراني ولتطبيع العلاقات مع إيران. وهذا يفرض على دول الخليج اعتماد أجندة خاصة بها حفاظا على مصالحها…

ما يشير إلى أنّ الاتفاق حاصل، بغض النظر عمّا إذا كان هناك توقيع رسمي في الثلاثين من حزيران ـ يونيو الجاري، استعجال بعض الأوساط الدولية العمل منذ الآن لترشيح وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف لنيل جائزة نوبل للسلام. لا يشبه هذا الجهد الذي يقوم به اللوبي الإيراني سوى ذلك الذي بذل من أجل منح الرئيس باراك اوباما الجائزة بعيد توليه الرئاسة وقبل أن يصبح ممكنا القول أنّه حقّق إنجازا ما. تبيّن مع مرور الوقت، أن الهمّ الأخير لأوباما هو تحقيق السلام، خصوصا في ضوء صعود «داعش» ومتابعة النظام السوري عملية القضاء على شعبه، فضلا عمّا نشهده في العراق واليمن ودول أخرى في المنطقة، بما في ذلك إيران نفسها. ففي إيران، هناك قمع للإيرانيين أنفسهم وللأقلّيات العربية والكردية والسنّية بطريقة ناعمة احيانا وفظّة في احيان أخرى، ولكن بما لا يثير اهتمام وسائل الإعلام العالمية! موضوع ترشيح كيري وظريف لجائزة نوبل للسلام أمر جدّي. بل جدّي أكثر من اللزوم. هناك لوبي إيراني قويّ جدا في الولايات المتحدة نفسها وفي اوروبا يدفع في هذا الاتّجاه. العمل جار على قدم وساق من أجل تصوير الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني كأنّه يحلّ كل مشاكل الشرق الأوسط وحتّى مشاكل العالم. مرّة أخرى، لا يمكن لعاقل الاعتراض على اتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني ولكن شرط أن تكون هناك مقاربة لهذا الاتفاق من جوانب مختلفة لا تفصل بين الملف النووي الإيراني وإمكان حصول إيران على السلاح النووي من جهة وبين سياستها التوسّعية في المنطقة من جهة أخرى.

 في النهاية، ما الذي تستطيع إيران عمله بالسلاح النووي غير إدخال دول المنطقة في سباق تسلّح؟ سبق للاتحاد السوفياتي أن امتلك آلاف الرؤوس النووية. هل حالت هذه الرؤوس ومعها الصواريخ العابرة للقارات دون إنهيار ما كان إحدى القوتين العظميين في العالم؟ يستأهل كيري وظريف جائزة نوبل للسلام في حال واحدة فقط، وذلك عندما يكون الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني مساهمة في دعم الاستقرار في المنطقة كلّها. حتّى الآن، ليس ما يثبت أن إيران على استعداد للعب دور إيجابي على الصعيد الإقليمي. القنبلة النووية الحقيقية التي تمتلكها إيران والتي يتوجّب التفاوض معها في شأن تعطيلها هي الغرائز المذهبية. ما نشهده في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن أفضل دليل على ذلك.

في العراق تعمل إيران على زيادة الشرخ المذهبي. هناك ميليشيات شيعية تدعمها إيران من أجل منع قيام مؤسسات تبني دولة عصرية الولاء فيها للعراق وليس للدين والمذهب.

أكثر من ذلك، تعمل إيران على خلق كلّ الظروف التي تساهم في إيجاد حاضنة عراقية لتنظيمات سنّية متطرّفة مثل «داعش» وما شابه ذلك. كلّ ما تصبو إليه إيران هو تفكيك دولة مثل الدولة العراقية وقفت في الماضي سدّا منيعا في وجه توسّعها في كلّ الاتجاهات. وفي سوريا، لا همّ إيرانيا في هذه الأيّام سوى تقسيم البلد وتأكيد أن تحرير السوريين لدمشق لا يعني أن النظام فقد كلّ أوراقه. ولذلك، تزجّ إيران ميليشيا «حزب الله» في الحرب التي يشنّها النظام على الشعب السوري. ما نشهده حاليا وضع في غاية الخطورة تسبب به الدعم الإيراني للنظام السوري وذلك من منطلق مذهبي بحت.

وفي لبنان، هناك اصرار لدى إيران على منع إنتخاب رئيس للجمهورية وعلى توريط الجيش اللبناني في حروب تستهدف عرسال وجرودها لا تخدم مصلحة لبنان واللبنانيين. مثل هذه الحرب التي يرفض الجيش حتّى الآن الدخول فيها هي بمثابة نسخة طبق الأصل عن تلك الحرب التي يخوضها «حزب الله» مع الشعب السوري. ما مصلحة لبنان واللبنانيين في أي حرب للجيش مع عرسال وأهلها؟ أليس أهل عرسال مواطنين لبنانيين قبل أيّ شيء أو أيّ إعتبار آخر؟

يمكن ايراد عشرات الأمثلة عن الممارسات الإيرانية التي لا تخدم الاستقرار في المنطقة ولا تساهم بأي شكل في نشر ثقافة السلام. يمكن الحديث طويلا عن الدور الإيراني في البحرين. ويمكن التركيز على ما فعلته إيران في اليمن من أجل تحويل هذا البلد العربي المهمّ مستعمرة من مستعمراتها وقاعدة تهدّد منها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى.

ما فعلته إيران، وما زالت تفعله في اليمن جريمة كبرى في حقّ هذا البلد الذي يحتاج شعبه إلى صيغة تحفظ أوّل ما تحفظ الوحدة الوطنية فيه، بما يسمح بمعالجة مجموعة من المشاكل التي تهدّد بحرب أهلية تجعله يتحوّل إلى ليبيا أخرى. بدل لعب دور إيجابي في اليمن، بذلت إيران كلّ ما تستطيع من جهود من أجل إثارة الغرائز المذهبية التي هي جديدة على البلد. هل الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني سيؤدي إلى توقف إيران عن عمل ما تعمله في اليمن أم العكس هو الصحيح؟ يستحق كيري وظريف جائزة نوبل للسلام في حال كان جهدهما من أجل التوصل إلى اتفاق في شأن الملف النووي الإيراني سيعود بالخير على المنطقة وسيخدم السلام والاستقرار فيها. المؤسف أنّ ذلك ليس واردا…أقلّه إلى الآن. ما هو وارد أن يحقّق الرئيس باراك اوباما طموحه في إنهاء عهده بإقامة علاقات طبيعية مع إيران ليس إلّا.

من حقّ الولايات المتحدة العمل من أجل ذلك. لا تحتاج إلى إذن من أحد. ولكن هل يختزل الملفّ النووي الإيراني مشاكل الشرق الأوسط وأزماته… أم أنّ كلّ المطلوب مساعدة المشروع التوسعي الإيراني المبني على الاستثمار في الغرائز المذهبية؟ إذا كانت مساعدة مشروع من هذا النوع مساهمة في السلام، فألف سلام على جائزة نوبل وعلى السلام…

هل بقيت أسرار في مفاوضات إيران؟
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/17 حزيران/15

يقال إنه لم يفت الإسرائيليين سماع ما كان يدور في الفنادق السويسرية التي اجتمع فيها المتفاوضون الأميركيون والإيرانيون بشأن برنامج طهران النووي، بعيدا عن عيون وآذان الدول المتطفلة.

شدة السرية لم تفلح، فما تسرّب ونشر عنها صدم الأصدقاء، وفضح المتفاوضين، وأفسد ما كانوا يتمنون إخفاءه عن ثلاث جماعات، المعارضين الجمهوريين في الكونغرس الأميركي، وإسرائيل، ودول الخليج العربية. وأسدت عملية التسريب خدمة عظيمة بكشف أسرار تفاهم إطار الاتفاق النووي، واضطرت الفريقين إلى تعديل خططهما. وحتى بعد الإفشاء والصدمة لا تزال هناك شكوك ومخاوف إن بقيت أسرار أفلح الفريقان في إخفائها، وما هي. ومع أن إدارة الرئيس باراك أوباما حرصت على تصحيح العلاقة وتقديم الكثير من التطمينات والتعهدات، إلا أن في الخليج من لا يزال متشككا، فالزوج لا يخون مرة واحدة، عندما يفعل، كما سمعته من أحدهم.

أما كيف تمكن الإسرائيليون من افتضاح السر الكبير؟ يقال إن فيروسا دسّه الإسرائيليون إلكترونيا في كومبيوترات الفنادق الثلاثة، وكان له الفضل في جمع المعلومات حول ما قيل وكتب، دون أن يحس أحد بتطفلهم. وإن الروس هم من فضح المتلصصين من خلال شركة لهم متخصصة في مكافحة التجسس الإلكتروني. قالت إنها عثرت على الفيروس الإسرائيلي في كومبيوترات الفنادق الثلاثة التي استضافت المتفاوضين. ورغم أننا ندرك أن الإسرائيليين هم من أفضل من يطور تقنية «الهاكنغ» في العالم واختراق الكومبيوترات، أستبعد أن يكون الإسرائيليون قد جمعوا معلوماتهم إلكترونيا فقط، بل الأرجح أنهم حصلوا عليها بالطريقة القديمة، عبر أحد المشاركين أو المطلعين، في الوفد الأميركي أو حتى الوفد الإيراني. ففي داخل النظام من هو ضد الاتفاق، وهناك من هو ضد النظام نفسه. وقد يكون الإيحاء بأن الاختراق إلكتروني من أجل دفن آثار الفاعلين. طبعا عمليات التجسس الإلكترونية تطورت وصارت، تنفذ إلى الهواتف الجوالة، والكومبيوترات المحمولة والثابتة، وشبكات الهاتف، وحتى أجهزة الإنذار الإلكترونية في داخل المباني، وكذلك كاميرات الأمن والحراسة في المباني وتديرها عن بعد لمعرفة ما يدور. مع هذا، أستبعد أن يكون المتفاوضون بهذا الغباء ويسمحوا لأي من هذه الأجهزة بأن توجد معهم في نفس الغرفة. فالمعروف أن الكثير من المؤسسات الرسمية الحساسة تمنع بتاتا إدخال الهواتف والكومبيوترات بأنواعها لغرف المفاوضات والمكاتب الخاصة.

حدسي أن التسريب بشري ومن أحد الفريقين، حتى لو كان أعضاؤهما، ومن يخدمونهم، يخضعون لرقابة أمنية من حكومتيهما، فذلك لا يمنع نقل الأسرار لطرف ثالث. ويدرك معظم المتفاوضين احتمالية الاختراق البشري والإلكتروني، أيضا. في المفاوضات لا تدوم الأسرار، والخيار الأفضل للسياسيين ليس بالمحافظة عليها، بل إذاعتها والتعاطي معها لاحقا، لأنها ستفتضح. هذا ما قاله أحد المسؤولين الأميركيين لصحيفة «الوول ستريت جورنال» بعبارة مختلفة، إن الاكتشاف احتمال وارد، دائما. المهم ليس السرية بل الدفاع عن السر.

والمفاوضات ذاتها، بين الأميركيين والإيرانيين، لم تكن سرا، بل اللغز المحير كان حول غموضها. فقد زاد الأمر تشكيكا أن الوفد الأميركي حرص على منع اطلاع حلفائه، مثل الإسرائيليين والخليجيين، على مجريات التفاوض. الغموض زاد الشكوك، ماذا سيعطي الأميركيون للإيرانيين والعكس أيضا؟ تلك كانت أسئلة مصيرية بالنسبة للحكومات، مع أنها تعرف أنها أسرار مؤقتة فقط إلى وقت انتهاء الاتفاق. ونجاح الإسرائيليين في فك الأقفال فاجأ الأميركيين. ولم يدخر الإسرائيليون جهدا في سبيل فضح تفاصيل التنازلات الأميركيّة، حتى كادوا يقضون على المفاوضات، لولا أن الإدارة في واشنطن سارعت لتصحيح بعض موقفها وتوضيحه، ثم سعت لإقناع الأطراف المتشككة، مثل الخليجية، بأنها ستعوضهم بما يطمئنهم، وفي سبيل ذلك عقدت اجتماع كامب ديفيد مع القيادات الخليجية. لا أتخيل، وأستبعد، أنه بقي من أسرار مفاوضات البرنامج النووي الإيراني ما هو مهم ولم يفش بعد، ولو اكتشفنا خطأنا لاحقا، حينها يتوجب منح الإدارة الأميركية جائزة الأوسكار على أدائها السينمائي الرائع.