سمير منصور: إلى أيّ مدى يمكن السجال أن يصل؟ وما هي الحدود الدستوريّة لاستمراره//نبيل بومنصف:الانقلاب بلا خداع

259

إلى أيّ مدى يمكن السجال أن يصل؟ وما هي الحدود الدستوريّة لاستمراره؟
 سمير منصور/النهار/17 حزيران 2015

للسجال السياسي أن يأخذ مداه إلى ما لا نهاية، فهو أمر طبيعي في كل الظروف وخصوصا في بلد متنوع الى درجة الانقسام في معظم الحالات كلبنان. ولكن لكل سجال حدود ويصبح من الضروري وضع حد له من خلال الاحتكام إلى الدستور واحترام بنوده ومقتضياته، ولاسيما عندما يلامس السجال خطر التهديد بتعطيل المؤسسات، وهذا ما هو حاصل في لبنان هذه الأيام ويتعلق بعنوانين كبيرين هما: الاستحقاق الرئاسي المعطل منذ نحو سنة وشهرين، والخلاف حول تعيين قائد جديد للجيش بين فريق يطالب بالتعيين قبل انتهاء ولاية القائد الحالي العماد جان قهوجي، وآخر يطالب باستمهال التعيين ريثما تنتهي تلك الولاية (الممددة من خلال تأجيل التسريح) في أيلول المقبل. وبعضهم يرى أن من الأفضل تعيين قائد للجيش بعد انتخاب رئيس للجمهورية، ويدعو إلى انجاز هذا الاستحقاق في أسرع وقت ممكن من خلال مقاطعة جلسات الانتخاب وتعطيل النصاب القانوني اللازم لانعقادها وانتخاب الرئيس. وإذا كان الاستحقاق الرئاسي مؤجلاً، بل “مُصادَراً” حتى إشعار آخر ربطاً بانتظار تطوّرات إقليمية ودولية – ولا مبرّر للانتظار على الإطلاق ولا مسوّغ قانونياً ودستورياً له – فإن الاستحقاق الآخر محكوم بمدة معيّنة أقصاها أيلول المقبل تاريخ انتهاء مدة “تأجيل التسريح”، ولا يمكن أن يبقى الأمر معلّقاً بحيث يرمي شبح الفراغ بخطره على المؤسّسة العسكرية في ظروف لعلها الأدق والأخطر في تاريخها. ومع استمرار السجال السياسي حول قيادة الجيش في ظل الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى السلوك الطبيعي هو الاحتكام الى الدستور ولا سبيل آخر غيره، إلا إذا كان الهدف تعميم الفراغ!

عن هذا الواقع يقول الخبير الدستوري الدكتور خالد قباني: “طالما أن تأجيل التسريح بُني على أسباب قانونية (قانون الدفاع الوطني) ومرتكزة على وقائع معينة ترتبط بأمن البلاد والاخطار التي تتعرض لها وبالوضع القائم في المنطقة، وبالمصلحة الوطنية العليا وبالواقع السياسي الداخلي ومنه عدم التوافق على تعيين قائد جديد للجيش، ولعل أبرز سماته عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وطالما أن كل هذه الأسباب والوقائع لا تزال قائمة، فليس من الملاءمة ولا من مصلحة البلاد أن يطرح هذا الموضوع في هذه الظروف تحديداً، حيث تشكل المؤسسة العسكرية الدرع الحامية للأمن الوطني وتبدو في أعلى درجات التماسك والانسجام داخل القيادة العسكرية، فضلاً عن دورها المهم في الدفاع عن الحدود من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب”. ويتساءل قباني: “ما المصلحة الوطنية في طرح هذا الموضوع في هذه الظروف المعقدة والخطيرة وفي الوقت الذي أصبحنا فيه على مشارف نهاية مدة “تأجيل التسريح” لقائد الجيش، ولا تعارض بينها (مدة التأجيل) وبين الشأنين القانوني والواقعي، وقد أقرت ضمن الأطر القانونية؟”.

ورداً على سؤال يقول: “إن الإصرار على طرح التعيين الآن والتهديد بتعطيل مجلس الوزراء هو أمر لادستوري ولاقانوني ولا يمتّ إلى المصلحة الوطنيّة بصلة. ولا يستطيع فريق سياسي أن يهدّد بتعطيل جلسات مجلس الوزراء، ولا هو صاحب الصلاحية في دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد أو عدم الانعقاد وتحديد زمانه ومكانه، والدستور واضح في هذا الصدد، وكل ما يستطيعه وفقاً لأحكام الدستور، هو التغيّب عن جلسات مجلس الوزراء، علماً أن غياب فريق سياسي عن هذه الجلسات ليس من شأنه جعلها غير شرعية طالما أن شروط انعقاد مجلس الوزراء وفق المادة 65 من الدستور متوافرة، وليس لأحد أن يعطي لنفسه حق تعطيل العمل في مؤسسة دستوريّة ولاسيما عندما نعلم أن هذا التعطيل ينسحب على مصالح اللبنانيين وحقوقهم وحياتهم اليومية. فهل سيلجأ المهددون الى التعطيل عن طريق القوة؟ وهل يعتبرون ذلك سلوكاً دستورياً ووطنياً؟ وإذا كان رئيس مجلس الوزراء يتروّى، انطلاقاً من حكمته ووطنيّته وبعد نظره، في دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد تأكيداً على التوافق الوطني والتضامن الحكومي، إلا أن هذا الواقع لا يستقيم ولا يمكن أن يستمرّ، لأن المؤسسات الدستورية لا تقبل الفراغ ولا تُحكم به، وهذا التروي للرئيس تمام سلام له حدوده، وهي مصلحة البلاد العليا، وهذه مسؤولية دستورية ووطنية لا يمكن أن يتخلّى عنها”.

ويرى قباني أن “الحل الذي يحسم الأمور لمصلحة الوطن والمواطن ويعيد للحياة السياسية حيويتها وطبيعتها ويؤمن للبنان الاستقرار والحماية الدستورية والواقعية، هو انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، والتعاون على إنجاز هذه المهمة الوطنية واجب على الجميع، وكل ما عدا ذلك إنما هو استمرار للدوران في حلقة مفرغة ومضيعة للوقت”.

الانقلاب” بلا خداع!
 نبيل بومنصف/النهار/17 حزيران 2015

لا يدري اللبناني “المتلقي” موجات الابتكارات اللفظية التي تسعى الى تسويغ الشلل الزاحف على مفاصل الدولة والمؤسسات ما اذا كان عليه ان يصم آذانه ويعمي بصره أم يستسلم لمسلسل استهباله اليومي. تجري مع تقدم طلائع الازمة الحكومية الواعدة باكتمال نقل الفراغين الرئاسي والبرلماني بزعرور الشلل الحكومي عملية تعبئة منهجية لادخال البلاد في الفصول الاقرب الى التهويل بطبائع انقلابية، وهي لا تحتاج في توقعاتها الى العرافات وقارئات الكف. تجري هذه العملية تحت عناوين الملفات الداخلية المتشابكة على وقع عد عكسي للفصول الاشد هولا في الحرب السورية التي يُفتضح معها اكثر فأكثر الخبث الدولي والذي من شواهده الناطقة التفرج على مآس ومجازر نادراً ما عرفتها البشرية. يراد لنا ان نبتلع الوهم والخداع وان نصدق ان ملف التعيينات الامنية بات الكأس الذي فاض به كيل الجمهورية العاثرة البلا رأس منذ سنة وشهر والتي بلا برلمان بعدما تحولت وظيفته عدّاداً صامتاً آلياً لجلسات الضحك على الذقون لانتخاب رئيس الجمهورية المغيب وتعطلت معه جلسات التشريع وترك الناس على ارصفة الفوضى.

يراد لنا ان نحني الرؤوس كلما طلع علينا عظيم ومنظّر “استراتيجي” (لم يعد هناك في لبنان من يرتضي ألا يكون في هذه المرتبة) لإغداق أفضالهم علينا في اكذوبة الفصل بين التصعيد الداخلي والجحيم الخارجي لإسباغ مشروعية مزعومة على دفع لبنان الى الهاوية. بل يراد لنا اكثر ان نصدق ان سفراء العالم، المتورط حتى العظم في التفرج والتواطؤ على حروب المنطقة، هؤلاء السفراء هم صِمَام اماننا ومظلة حمايتنا من انجراف السياسيين المتهورين وان لا خوف على لبنان ما دامت عيونا حنونة دولية ترمقنا ولو عند الهاوية. آخر التقليعات المواكبة للأزمة الحكومية ان التصعيد مضبوط تحت سقوف وخطوط حمر داخلية واقليمية ودولية. ولكن ألم يكن الوضع مماثلا عندما شغرت كرسي بعبدا؟ لماذا سمح إذاً بالفراغ؟ ثم لماذا سمح بتمدد التعطيل الى مجلس النواب وبعده الى الحكومة؟ واي ضبط مزعوم هذا فيما لا يخفى على احد ان هذا الذي يجري ليس إلا خريطة طريق لدفع لبنان الى الهاوية؟ حتى الافرقاء الذين يرفعون لواء التصعيد تراهم لا يأبهون لتبشير الناس بتقويض الحكومة تحت معادلة ولا اغرب هي إخضاعها للاشتراطات الخارجة عن “توافق الضرورة” المثبت في آلية عمل مجلس الوزراء، ومن ثم التهويل على القوى الشريكة بوجوب عدم اتخاذ أي اجراء “تصعيدي” يستفز المصعّدين! ماذا يسمى ذلك غير انقلاب زاحف يراد لمفاعيله ان تتكرس تباعاً “بهدؤ”؟ ليتهم يغدقون علينا اخيرا بتسمية غير مخادعة لآخر افضالهم وبرعاية الدول التي تتغنى بالاستقرار في لبنان!!

 

وسط هذه الأجواء يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن “حزب الله” الاستمرار في مساندة حليفه رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون في معركته الهادفة إلى تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش، في مقابل مشاركة عون للحزب في التغيّب عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية؟ وما هو تأثير موقف الحليفين الآخرين، الحليف النائب سليمان فرنجيه و”حليف الحليف” الرئيس نبيه بري اللذين يدعمان عون في ترشيح العميد روكز ولكن مع إضافة: “وإذا كان ذلك متعذرا فمع استمرار العماد قهوجي تجنباً للفراغ”؟ وأخيراً ثمة سؤال لا بد منه: هل يدفع العميد روكز الذي يشهد الجميع بكفايته ومناقبيته، ثمن صلة القرابة السياسية (صهر العماد عون) وهو ما يدفعه السياسيون عادة؟!