رياض طبارة: تفجير مركز “المارينز” والسفارة الأميركية في بيروت عقدة الإتفاق النووي الإيراني

371

تفجير مركز “المارينز” والسفارة الأميركية في بيروت عقدة الإتفاق النووي الإيراني
رياض طبارة، السبت 13 حزيران 2015

هل سيوقَّع الاتفاق النهائي بين مجموعة 5+1 (الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا) وإيران في الموعد المحدد، أي في آخر الشهر الجاري، أم سيمدد الموعد؟ وكم سيستغرق رفع العقوبات؟ وبأي شروط؟ هناك أربع إشكاليات يجب التوقف عندها عند محاولة الإجابة على هذين السؤالين .

أولاً: العقوبات القديمة والدعاوى على إيران
بدأ فرض العقوبات أميركياً في تشرين الثاني 1979 بعد عشرة أيام من احتجاز إيران موظفي السفارة الأميركية في طهران، إذ أمر الرئيس جيمي كارتر بتجميد موجودات إيران في البنوك الأميركية وفروعها في العالم. قَدرت الإدارة الأميركية قيمتها في حينه بما بين 10 و12 بليون دولار أميركي .

 عندما حصل الانقلاب على الشاه في 11 شباط من تلك السنة، كانت العلاقات التجارية مزدهرة بين الدولتين، بما في ذلك بيع أسلحة أميركية إلى طهران بلغت قيمتها في السنة السابقة للثورة حوالى 2,6 بليون دولار أميركي. وبالطبع كانت هناك معاملات تجارية واستثمارية غير مكتملة بين البلدين جُمِّدت بدورها من الجهتين، ما جعل الأمور أكثر تعقيداً

 واتفق الطرفان في محادثات نظّمتها الجزائر في عاصمتها في كانون الثاني 1981 على إطلاق المحتجزين مقابل تعهد أميركي بـ: عدم التدخل في شؤون إيران الداخلية، وعدم السماح بمقاضاة الخاطفين بعد إطلاق المحتجزين، ومساعدة إيران في المحاكم الأميركية للحصول على أموال الشاه، وإعادة الأموال الإيرانية المحتجزة وقيمتها حوالى 8 بلايين دولار. غير أن معظم هذه الأموال وضع في حساب لتسوية أوضاع إيران مع الشركات الأميركية. وما زال هناك خلاف على عقود سلاح دفعت إيران ثمنها ولم تسلم، تبلغ قيمتها 12 بليون دولار وفق الإيرانيين، و500 مليون دولار وفق الأميركيين، كما أن هناك شبكة من المطالب والمطالب المضادة لم يتم تفكيكها بعد. أما أموال الشاه التي قدرتها إيران في حينه بـ24 بليون دولار، فتجاهلتها أميركا بعد أن توفي الشاه في مصر وليس في الولايات المتحدة، ولكن هذه المسألة لا تعتبر محسومة بعد .

 تجددت العقوبات بعد أقل من سنتين بسبب حادث تفجير مقر المارينز في لبنان باعتباره عملاً إرهابياً. وفي سنة 1995، ونتيجة لحادث هجوم على باص في إسرائيل توفيت فيه الأميركية أليسا فلاتو واتهم فيه «الجهاد الإسلامي المرتبط بإيران»، أصدر الكونغرس الأميركي قانوناً يسمح بمحاكمة حكومات أجنبية، نتج عنه حكم سنة 1998 يطالب إيران بدفع حوالى 250 مليون دولار لعائلة فلاتو، كما طالبها حكم لاحق في السنة نفسها بدفع حوالى 400 مليون دولار لأربعة أميركيين اختطفوا في لبنان وإلى أسَرهم، معظمها ذهبت للصحافي تيري أندرسون وأسرته. كل هذه الأموال وغيرها اقتطعت من الأموال الإيرانية المجمدة. الأهم من ذلك أن هذا القانون فتح المجال لدعاوى كثيرة، مثلاً من ورثة أشخاص قتلوا في تفجيرات مركز المارينز الأميركي سنة 1983 وتفجير السفارة الأميركية في بيروت في السنة نفسها، ربحها المدّعون وبلغت قيمتها بلايين الدولارات من دون الحصول على الأموال من الأصول الإيرانية المجمدة بسبب نفادها. ويعتبر البعض أن القانون الجديد يفتح المجال أيضاً لمتضررين من احتلال السفارة في 1979 أن يطلبوا تعويضاً. يقول أحد محرري «نيويورك تايمز»: «عندما تُرفع العقوبات الاقتصادية على إيران سيلاحِق محامو أصحاب الحقوق الشركات المتعاملة مع إيران بموجب قوانين أميركية تسمح بذلك»، ما قد يؤدي إلى حجز أي أموال لهذه الشركات موجهة إليها من إيران .

ثانياً: دور الكونغرس في رفع العقوبات
وضعت أميركا دفعة جديدة من العقوبات، من خلال شبكة معقدة من القوانين والإجراءات طاولت أشخاصاً ومؤسسات وتعاملات مصرفية، وذلك ابتداءً من سنة 1995 وحتى سنة 2013. هناك مسألتان يجب التطرق إليهما في هذا السياق. أولاً: بعض هذه العقوبات وضعه الكونغرس والبعض الآخر بموجب أوامر تنفيذية أصدرها رئيس الجمهورية. ثانياً: بعض هذه العقوبات يتعلق بدور إيران المساعد للإرهاب وتشمل عقوبات فرضت بعد حوادث الخطف وتفجير مقر المارينز والسفارة الأميركية في بيروت سنة 1983 بعد هجومات أيلول2001، وبعضها الآخر لدورها في تهديد الاستقرار في المنطقة (الذي قد يعتبر مسانداً أيضاً للإرهاب ولو جزئياً) كما في الوقت نفسه لأمور لا تتعلق بالإرهاب، خصوصاً برنامج إيران النووي والصاروخي .

 بالنسبة إلى المسألة الأولى، يعود الحق برفع العقوبات الرئاسية إلى رئيس الجمهورية، الذي يستطيع أيضاً «تعليق» عقوبات اتخذها الكونغرس وليس «رفعها»، وذلك بعد إعلام الكونغرس بأن السبب لوضع هذه العقوبات قد زال .

 ويستطيع الرئيس نفسه أو رئيس جمهورية بعده رفع التعليق بقرار رئاسي أيضاً. ربح الكونغرس الجولة الأولى في مواجهته أوباما عندما وقع الأخير، بعد أخذ ورد وتهديدات متبادلة، قراراً للكونغرس نال تأييد كل الجمهوريين والغالبية الساحقة من الديموقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ، يجبره على تقديم أي اتفاق ينجزه مع الإيرانيين لمطالعته من الكونغرس خلال خمسة أيام من انتهاء المفاوضات، مرفقاً بتقرير من رئيس المفاوضين الأميركيين، وزير الخارجية جون كيري، يفصّل فيه كيف باستطاعته التحقق من امتثال إيران شروط الاتفاق، وكذلك تقييم أوباما كفاية الضمانات بأن إيران لن تسعى لصنع قنبلة نووية، وتفصيل للعقوبات التي تنوي أميركا والدول الأخرى والأمم المتحدة رفعها .

 على الكونغرس بالمقابل أن يتخذ قراراً بشأن قبول الاتفاق أو رفضه خلال 30 يوماً يجمَّد خلالها أي رفع للعقوبات. المشــكلة هي في أن يرفض الكونغرس الاتفاق، ما قد يدفع أوباما إلى وضع فيتو على قرار الكونغرس، الذي يجب عليه الحصول على ثلثي الأصوات في المجلسين لتجاوزه، وهذا غير محسوم حالياً، إذ سيتوقف على نوعية الاتفاق و الضغوط التي ستمارسها إسرائيل من خلال اللوبي الإسرائيلي لرفضه. على كل حال، فكلما طال الوقت كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في تشرين الثاني 2016 وكلما أصبح الرئيس أقل فاعلية واللوبي الإسرائيلي أكثر فاعلية .

 بالنسبة إلى المسألة الثانية، فالإدارة الأميركية والكونغرس يتفقان على عدم رفع العقوبات المتعلقة بالإرهاب في المرحلة الأولى، ولربما حتى الوصول إلى حلول للمشكلات المتعلقة بإيران في المنطقة وفصلها عن العقوبات الأخرى، خصوصاً تلك المتعلقة ببرنامج إيران النووي والصاروخي. لكن هذه العقوبات مترابطة ومتكاملة، ففي عام 2005 مثلاً أصدرت إدارة بوش الابن سلسلة من الأوامر تم بموجبها تجميد ممتلكات شركات وأشخاص بسبب مساندتهم الإرهاب، ولكن في الوقت ذاته لأسباب أخرى، كمساندة دور إيران المهدد للاستقرار في العراق وعلاقة هؤلاء ببرنامج إيران النووي والصاروخي .

 ثالثاً: دور مجلس الأمن والدول المشاركة بالعقوبات
توسعت العقوبات على إيران جغرافياً بدءاً من سنة 2006 عندما أصدر مجلس الأمن قراره الرقم 1696 تحت الفصل السابع، الذي أمر إيران بموجبه بإيقاف التخصيب كلياً، وأتبعه بخمسة قرارات كلها -إلا واحداً- تحت الفصل السابع، تم بموجبها تجـــميد أمـــوال وحظر سفر بحق أشخاص وشركات تتعامل مع إيران في برنامجها النووي، وأمر أيران بإيقاف عملها على تطوير الصواريخ البالستية ووضع حظراً على بيع الأسلحة إليها. تجاوبت دول عدة مع هذه القرارات، واتُّخذت إجراءات قانونية على أساسها، من هذه الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا والهند والصين واليابان. المشكلة هنا أن الاتفاق النهائي المنتظر لا يطلب من إيران إيقاف التخصيب بل فقط تخفيض نسبته، ولا يطلب منها إيقاف عملها على تطوير الصوارخ البالستية، أي المطلبين الرئيسين الذين على أساسهما صدرت القرارات الدولية وتبعتها قرارات الدول الآنفة الذكر. سيكون على مجلس الأمن إذاً أن يرفع العقوبات من دون انتفاء الأسباب التي وُضعت العقوبات من أجلها، كما سيكون على بعض الدول التي وضعت العقوبات بناء على قرارات مجلس الأمن أن تفعل الشيء ذاته من خلال قرارات وطنية جديدة. وعلى كل حال، مازال هناك خلاف على جدولة رفع العقوبات وآلية العودة الأوتوماتيكية إليها (snap back) إذا أخلّت إيران بتعهداتها .

 إن أهمية العقوبات الأميركية ليست في قيمة الأموال والممتلكات الإيرانية المحتجزة، والتي لا تشكل سوى قسم صغير من المجموع حول العالم، بل في العقوبات الأميركية الأخرى، خصوصاً المصرفية منها، التي تبعتها فيها أوروبا، والتي تجعل تعاملات إيران التجارية بالدولار واليورو صعبةً جداً، إن لم تكن مستحيلة، فالأموال الإيرانية المحتجزة حول العالم التي تقدر بما بين 50 و100 بليون دولار (لا أحد يعلم بالضبط) ناتجة في معظمها عن مبيعات النفط غير المسددة بسبب العقوبات المصرفية الأميركية والأوروبية، ومعظم هذه المبيعات هي للصين والهند واليابان ولشركات بريطانية وهندية وكورية ويونانية، ما دفع إيران إلى بيع نفطها في بعض الأحيان بعملات غير الدولار واليورو، أو بطريقة تبادل السلع (barter).

رابعاً: ضغوط وحرب إسرائيلية
وأخيراً، هناك ضغوط من دول عربية وغير عربية، كفرنسا وتركيا، لربط جدولة رفع العقوبات بتوقف إيران عن تدخلها في شؤون دول المنطقة، خصوصاً لبنان وسورية والعراق واليمن والبحرين وغيرها. الموقف الأميركي حتى اليوم يتعاطف مع هذا الطرح، كما ظهر من زيارات قام بها مسؤولون كبار لهذه الدول، وهذا لربما ما دفع وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، نشر مقالة استباقية في «نيويورك تايمز» (في 25 نيسان من هذه السنة) بعنوان «رسالة من إيران» يقول فيها «إن مساحة انخراطنا البنّاء تتعدى بكثير المفاوضات النووية. العلاقات الجيدة مع جيران إيران هي على رأس أولوياتنا. حان الوقت لإيران والمعنيين الآخرين للبدء بمعالجة أسباب التوتر في الخليج الفارسي الكبير. الحوار الإقليمي يجب أن يرتكز على أسس معترف بها وأهداف مشتركة، خصوصاً احترام السيادة، وسلامة الأراضي، والاستقلالية السياسية لكل الدول، وحصانة الحدود الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وفضّ النزاعات بالطرق السلمية، وعدم جواز التهديد أو استعمال القوة، ودعم السلم والاستقرار والتقدم والازدهار في المنطقة ».

 يقول عدد متزايد من المعلّقين الأميركيين إن عدم إرضاء إسرائيل قد يجعلها تقوم في نهاية الأمر بحرب لإفشال الاتفاق أو إعاقة تطبيقه. الحرب كما يقول هؤلاء، لن تـــكون ضد إيران مباشرة، لأن ذلك ليس محسوباً، ولكن ضد «حزب الله» لإظهار أن إيران ما زالت راعية للإرهاب، إذ إنها تساند منظمات عدوانية تعتبرها أميركا إرهـــابيـــة. هذه الضغوط الإسرائيلية تعرفها جيداً الإدارة الأميركية، ما دفعها لأن تَعد إسرائيل بمساعدات عسكرية غير مسبوقة، لجهة حجمها ونوعية الأسلحة المتطورة التي تشملها .

 خلاصة القول أن طلبات حلفاء أميركا، العرب والأوروبيين وغيرهم، لربط رفع العقوبات بعدم تدخل إيران بالأمور الداخلية لجيرانها، والضغوط الإسرائيلية المباشرة، ومن خلال الكونغرس الأميركي، إضافة إلى تعدد العقوبات وصعوبة تفكيكها، كل ذلك قد يؤخر حصول اتفاق إلى ما بعد آخر الشهر الجاري، كما سيجعل تطبيق أي اتفاق -إذا حصل- على مراحل عدة، ويستغرق وقتاً طويلاً، لربما حتى ما بعد عهد أوباما، وعندها… يخلق الله ما لا تعلمون .

سولانا يدعو لشراكة مع إيران: الوحيدة المؤهلة لمحاربة «داعش»

السفير 13 حزيران/15
لو أرادت طهران أن تقدِّم مرافعة حول محورية دورها الآن، لما فعلت ذلك أفضل ممّا فعله السياسي والأكاديمي المعروف خافيير سولانا. الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية، دعا من بروكسل إلى تحالف استراتيجي مع إيران، مع كبح مقاومة السعودية اليقينية لهذا الخيار. طهران، برأيه، تمثِّل الدولة الوحيدة المؤهَّلة والجاهزة لمحاربة «داعش»، خصوصاً أنَّه حذَّر من أنَّه لا يمكن استبعاد تمدّد التنظيم الإرهابي إلى دمشق.

هذه الخلاصات أوردها سولانا في مؤتمر أقامه المركز البحثي «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، بمشاركة مجموعة من الأكاديميين والسياسيين المعروفين، كما تحدثت فيه وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيدريكا موغيريني.

مفصلاً مسألة انعدام إمكانية قيام دول أخرى بأدوار حاسمة الآن، قال سولانا «في النهاية، إذا أردنا أن نكون نزيهين مع أنفسنا، فسنقول إنَّ إيران هي الوحيدة المستعدة لقتال داعش فعلا». جاء ذلك في سياق تشديد السياسي الإسباني على أنَّ «داعش» يشكّل «وضعاً معقداً» يستوجب إستراتيجية طويلة المدى، كما يشدّد أنَّ «داعش موجود ليبقى لذا يجب أن نحسب على المدى الطويل».

البلد الأكثر انكشافاً على هذا التهديد هو سوريا وليس العراق، إذ يعلق: «أنا مستعد للقول إنَّ داعش لن يسيطر على العراق، لكني لست مستعداً للقول إنَّ داعش يضع يده على دمشق».

لم يكن سولانا الوحيد الذي حذَّر من هذا السيناريو. وزير خارجية السويد السابق كارل بيلد دعا الحضور إلى تحريك مخيلتهم بتصوّر الكابوس الممكن، متسائلاً: «أي عواقب ستنزل بعموم العالم العربي، إذا كان داعش سيلقي عظاته من المسجد الأموي الكبير في دمشق». أما وزيرة خارجية إيطاليا السابقة إيما بونينو فكانت أكثر تشاؤماً، قائلةً إنَّ الإستراتيجية الأفضل هي «مساعدة الأردن ولبنان وتونس، تلك الدول التي لم تشهد هذا الكابوس بعد».

في تفاصيل حسابات سولانا، بشأن انعدام الشريك الإستراتيجي في المعركة ضدّ الإرهاب، بيَّن أنَّ السعودية غير مستعدة للعب دور حاسم ضد «داعش»، شارحا تحوّل موقف الرياض، إذ بدأت كعنصر أساسي في «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن الوضع انقلب لاحقاً: «القيادة السعودية الحالية ليست مهتمة بهزيمة داعش، بل هي مهتمة أكثر باليمن».

التهديد الذي يسببه التورط في حرب اليمن للدور السعودي، هو أمر توقعه سابقاً المستشار السابق للأمن القومي الأميركي زبيغينو بريجنسكي خلال حديث إلى «السفير» مؤخراً. قال حينها إنَّ السعودية «نقطة انطلاق لحركات وهابية، لا أعتقد أنَّه علينا أن ندعم هذا لأنه سيساهم في الصراع»، قبل أن يضيف «سيكون أفضل بكثير لو يصل السعوديون بأنفسهم إلى هذا الاستنتاج، بألا ينخرطوا في صراعات ستكون مكلفة جداً لهم، وقد تهدد سيادتهم الاقتصادية، انظر إلى اليمن كيف يتغيّر».

مصر أيضاً، برأي سولانا، غير مؤهَّلة لمشاركة حاسمة، نظراً إلى انشغالها بأوضاعها الداخلية. هكذا لم يبق في الساحة، وفق رؤيته، سوى طهران، خصوصاً أنَّ توقيع اتفاق نووي سيجعل دورها أكثر رسوخاً.

يقول إنه في حال التوصل إلى اتّفاق، فإنَّ «الوضع سيتغير جذريا»، بالنسبة إلى إيران والمنطقة ككل. ليس فقط بفعل الاتفاق، بل أيضا لردّ الفعل عليه. أول المنفعلين ستكون الرياض، إذ يؤكد سولانا أنَّ «السعودية ستردّ ردا سيئا جداً» على إنجاز الاتفاق النووي.

هذا الرد يشمل جانبين وفق قراءته. الجانب السياسي بدأت مفاعليه مسبقاً، لأنَّ السعودية «تضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كي لا نترك إيران تصبح لاعباً إقليمياً كبيراً»، مشيرا إلى أنَّ ذلك يمثِّل «المعركة الكبيرة». الرد وارد أيضاً على الجبهة الاقتصادية، إذ يتوقع سولانا أنَّ الرياض «ربَّما تغرق الأسواق بالنفط»، لمنع إيران من عائداته بعد رفع العقوبات وتضاعف قدرتها التصديرية.

لكن يبقى أنَّ إتمام الاتفاق النووي هو مسألة لها شروطها الخاصة أيضاً. تقديرات سولانا، الذي يتمتع بعلاقات واسعة مع صناع القرار في الغرب، تقول إنَّ الاتفاق لن يُنجز في موعد نهاية حزيران الحالي، بل ستمتدّ المفاوضات إلى وقت أطول. هناك مشكلتان أسياسيتان برأيه، ترسَّختا بعدما وضع المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي خطوطاً حمراء: أولاً تفتيش المواقع العسكرية، وثانياً طلب «محادثات» (أو استجوابات) مع العلماء الايرانيين الذين كانوا منخرطين في إطلاق البرنامج النووي الايراني.

لكن المعركة ليست فقط «صراع سنة وشيعة»، بحسب رأي العديد من المشاركين في الندوة البحثية، بل أيضاً صراع «داخل معسكر السنة». إذ جرى الحديث عن المشاكل التي تواجه الدول التقليدية، خصوصاً في الخليج، ومحاولات الإسلام السياسي لتغييرها. هذا ما أشار إليه أيضاً الرئيس الأميركي باراك أوباما، حين حذَّر قادة الخليج من أنَّ التهديد الأكبر لا يأتيهم من إيران بل من داخل مجتمعاتهم.

بالنسبة إلى الصراع الأول، يقول سولانا إنَّه من الأفضل «ألا يربحه أحد»، بل عمل الغرب على تحقيق تسوية رغم صعوبتها. أما في الصراع الآخر، فيرى أن «الأفضل أن يربحه السنة الأقل تشدداً».

هنا تبرز مسألة الترويج للمصالحة والتطبيع مع جماعات متطرفة، حتى لو كانت مصنفة «إرهابية». المنطق الذي يبنى عليه ذلك هو أن الخيار بات: العمل مع أهون الشرور لتفادي اشتداد أعظمها. أحد من نظّروا لذلك هي الباحثة والناشطة السورية المعارضة بسمة قضماني. جالسة إلى جانب سولانا وبونيو، أمام جمهور من النخبة السياسية والأكاديمية، دعت القضماني إلى الحوار مع «جبهة النصرة» – «فرع من تنظيم القاعدة»، مبررة ذلك بالمحاججة أنَّه يجب فعل كل ما يمكن «كي لا ينضموا إلى داعش»، ما دامت «النصرة لديهم عنوان يمكن الذهاب إليه».

تدهور قدرات القوات السورية مسألة أشار إليها متحدثون عديدون، رأوا أنّها ربّما لحظة الضغط والضعف المناسبة التي ستجبر الحكومة على القبول بتسوية. هذه الخلاصة بشأن «مناخ ملائم للصفقة» كانت وكالة «رويترز» قد أوردتها أيضاً، من خلال حديث إلى مصادر مشاركة في قمة «مجموعة السبع» في ألمانيا قبل أيام. أوردت حينها أنَّ المسألة تدور حول إقصاء الرئيس السوري بشار الأسد والتسوية مع عناصر في نظامه.

بدا أن لدى سولانا معطيات تمكنه من التعليق على ذلك. أشار إلى زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف الشهر الماضي، معلقاً بالقول إنَّ «رحلة كيري إلى سوتشي كانت بالفعل لمناقشة هذه النقطة: كيف نتعامل مع العلويين… وقد تم إنجاز تقدم في هذا الاتجاه».