آرون ديفيد ميلر/أميركا لا يمكنها هزيمة “داعش” لخمسة أسباب

203

أميركا لا يمكنها هزيمة “داعش” لخمسة أسباب
آرون ديفيد ميلر/السياسة/14/06/15

في الللقاء الاخير بين الرئيس الاميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بحث الجانبان ستراتيجية الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية “داعش”. وأوضح أوباما ما يطلبه من الجانب العراقي بما في ذلك تنفيذ الوعود الخاصة بتسليح الميليشيات والقبائل السنية.

والمعروف من الناحية الواقعية ان هناك اشياء كثيرة يمكن للولايات المتحدة القيام بها لمواجهة تنظيم داعش, فبمقدورها, على سبيل المثال, زيادة عدد القوات الخاصة المطلوب نشرها في المنطقة, وتخصيص جنود اميركيين كمراقبين ومنسقين لمساعدة الوحدات العسكرية العراقية المتقدمة, وتزويد الميليشيات السنية المدربة مباشرة بالاسلحة وزيادة عدد الهجمات الجوية ضد “داعش”.

الا ان الذي لا تستطيع الولايات المتحدة تنفيذه هو الحاق الهزيمة التامة بتنظيم “داعش” وما يمكنها فعله حاليا الانخراط في حرب طويلة المدى جدا وحتى في هذه الحالة نجد ان النصر وفقا لمفهومه التقليدي لا يزال هدفا صعب المنال للاسباب الخمسة التالية:

1- لن تموت الدولة الاسلامية الا بعد ولادة “شرق اوسط” جديد: لن يولد الشرق الاوسط من جديد في السنوات القليلة المقبلة هذا اذا حدثت ولادة جديدة اصلا, والمعروف ان تنظيم داعش الاسلامي او التنظيم الذي سبقه وهو تنظيم القاعدة في العراق جاء على شكل انتفاضة سنية ردا على غزو اميركا للعراق وعلى السيطرة الشيعية الاقليمية ومما ساعد على نشاط هذا التنظيم انتصار الشيعة في العراق وتلقيهم المزيد من الدعم والتأييد على انسحاب القوات الاميركية السريع من البلاد واليوم تزداد فعالية هذا التنظيم الاسلامي نتيجة لحالات القصور الاقليمي.

ونجح في بعض الدول التي تعاني من عدم وجود حكومة فعالة مثل سورية وفي بعض الدول التي توجد فيها حكومات سيئة كالعراق.

وامتد نفوذ الدولة الاسلامية “داعش” الى اليمن وليبيا وسيناء اعتمادا على مساحات الاراضي الشاسعة التي تصعب السيطرة عليها, وسهولة الحصول على الاسلحة والاموال وسرعة انتشار الايديولوجيات الدينية المشبوهة التي تدعو الى دعم الجماعة السنية التي راحت تبحث عن هوية جديدة تجذب اليها الجموع, ولهذا يمكن القول ان هزيمة داعش وازالة هذا التنظيم من الوجود يتطلب حدوث تغييرات كثيرة في الهياكل التنظيمية القائمة في كل من سورية العراق.

ويتلخص علاج هذه المشكلة في نظام حكم جيد يجمع بين كل من الشيعة والسنة.

2- هزيمة “داعش” تتطلب حلا للازمة السورية:
من المعروف ان “داعش” تنظيم عراقي في الاصل والآمال تنعقد على اصلاح الأوضاع هناك الا ان سورية هي المركز الديني الرئيسي بالنسبة لهذا التنظيم كما انها تظل القاعدة الاساسية للتوسع, ومما يسهل على “داعش” تنظيم وحشد المزيد من المؤيدين له تلك السياسات الوحشية التي يتبعها نظام بشار الاسد وهم اسرع واكثر استعدادا من اي قوات سنية اخرى يحاول الغرب تدريبها وتجنيدها وفوق هذا كله نجد ان معظم السنة يريدون قتال الاسد اكثر من إرادتهم قتال “داعش” وفي بعض الأحيان نجد ان التنظيم يتعاون مع النظام السوري من اجل اضعاف مجموعات سنية اخرى منافسة وفي ظل هذا الاضطراب وتلك الفوضى يستمر “داعش” في الانتعاش, وحتى اذا انتهت الحرب الباردة “بصورة او بأخرى” سيكون “داعش” – في الغالب – هو أكثر المستفيدين بل ان الكثيرين يتوقعون له المزيد من التوسع باعتباره اليوم اكبر قوة برية في المنطقة ولا تزال دمشق اكبر عاصمة عربية يهددها حاليا.

3- لا يوجد جيش اقليمي قادر على الحاق الهزيمة ب¯”داعش” نحن لا نرى ان الحل العسكري هو الحل المناسب لمشكلة هذا التنظيم وكل ما يمكن ان تحققه القوة العسكرية هو وقف مكاسب “داعش” والبدء في وضع الاساس لانهاء وجود هذا التنظيم لاحقا, اما اليوم فإن هذا الهدف ليس قابلا للتحقيق ولا توجد حاليا قوة – او مجموعة قوى- راغبة او قادرة على تحقيق هذا الهدف, ولا تزال الرغبة في تشكيل قوة عسكرية مشتركة مجرد فكرة مطروحة, وعلينا الا ننسى مستوى القوة العسكرية العراقية الذي اتضح في معركة الرمادي والذي لم يكن بالمستوى المأمول على الاطلاق, وفي الوقت ذاته توجد اعتبارات سياسية تحول دون تدريب وتسليح الميليشيات والقبائل السنية, كما ان الاكراد لا يزالون في موقف ضعف والقوة التي يملكونها حاليا “البشمركة” لا تزال قوة محلية بل ان الميليشيات الشيعية ستواجه ظروفا صعبة – كما يتوقع الكثيرون- في محاولتهم مواجهة تنظيم “داعش” في المناطق ذات الاغلبية السنية, كما ان الاعتماد على ايران سيهدد التوازن بين السنة والشيعة في العراق, والحل النموذجي يتمثل في وجود جيش عراقي وطني قوي لديه الارادة الوطنية والطاقة والقدرة ليس فقط على استعادة الاراضي المفقودة وانما ايضا الاحتفاظ بها والثبات فيها الا ان هذا الهدف لا يزال حلما بعيد التحقيق.

4 ¯ الولايات المتحدة تنقصها الرغبة في هذا القتال:
يمكن للولايات المتحدة ان تهزم »داعش« في ميدان القتال… في العراق بالتأكيد, وربما في سورية ايضا, الا ان المشكلة تكمن بعد ذلك (سواء بالنسبة للادارة الاميركية الحالية, او حتى بالنسبة لادارة اميركية من الجمهوريين) في مسألة بالغة الحساسية ¯ وهي ضرورة استمرار الرغبة الاميركية في الالتزام بضبط الامور في ميداني القتال بالعراق وسورية بعد ذلك. والمعروف اليوم ان الشعب الاميركي والكونغرس اصبحا اكثر عزوفا عن الدخول في مغامرات محفوفة بالمخاطر والمجازفات بعد سنوات من التدخل في الشرق الاوسط من دون تحقيق مكاسب ملموسة. هذا بالاضافة الى ما اتضح من ان استخدام القوة العسكرية اصبح ¯ ببساطة ¯ اداة استثمار من اجل تحقيق اهداف سياسية. وليس هناك سبب وجيه يجعلنا نعتقد ان الوضع السياسي في العراق او سورية في المسقبل القريب سيصبح افضل من مثيله في افغانستان والعراق خلال السنوات العشر الاخيرة عندما لجأت الولايات المتحدة الى نشر عشرات الالاف من الجنود وانفاق تريليونات الدولارات.

5 ¯ الافتقار الى التفويض:
لوحظ ان ادارة اوباما عادت الى تركيز انتباهها على العراق بعد ان لجأ »داعش« الى قطع رؤوس بعض الاميركيين, واستعداده ¯ كما بدا ¯ لوضع خطط لشن هجوم ضد اهداف اميركية. واظهر استطلاع اميركي للرأي العام في فبراير الماضي تأييد الحكومة في اتخاذ اجراءات عنيفة ضد »داعش« لكن ظهرت ¯ في الوقت ذاته ¯ مخاوف من حدوث تورط اميركي كبير في العراق وسورية. وبدا ان غالبية الاراء تسمح للادارة الاميركية بالمزيد من الحرية السياسية لاتخاذ الاجراءات الحاسمة ضد »داعش« لكن في حدود معينة.

والسؤال المطروح هو: ما معنى هذا كله? وما الذي ينبغي ان تفعله الادارة الاميركية في ما يتعلق ب¯ »داعش«?

للرد على هذا الاستفسار, قال المطلعون على بواطن الامور ان ذلك قد يعني لجوء اميركا الى قصف قوات »داعش« بالطائرات, او نشر قوات عسكرية اميركية خصوصا في مراكز محددة. وليس هناك اي تفويض بان تشكل الولايات المتحدة جيشا وطنيا كبيرا لتنفيذ مهمات كبرى مثل ما سبق حدوثه في العراق وافغانستان منذ عام .2001

ان تحديد افضل وسيلة للتعامل مع »داعش« والمصادر الصحيحة التي يمكن الاستعانة بها او استخدامها في هذا التعامل لاتزال تمثل تحديا اساسيا للادارة الاميركية الحالية والادارة التي ستخلفها.

وقد يؤدي هجوم ارهابي كبير يشنه »داعش« ضد الولايات المتحدة الى قلب الموازين وانتهاج اميركا سياسة اكثر عدوانية, وحتى اذا حدث ذلك, فان القيود ذاتها ستظل موجودة واليوم وبعد مرور اربعة عشر عاما على احداث الحادي عشر من سبتمبر(2001) يشعر الاميركيون ان عليهم هزيمة الفروع الارهابية التي انبثقت عن تنظيم »القاعدة« ومن بينها تنظيم الدولة الاسلامية (داعش).

وعلى الاقل نرى ان بامكان الاميركيين الحد من امكانات هذا التنظيم, واجباره على ان يظل في موقف الدفاع والوقوف في وجهه (عند نقاط معينة) اذا اراد الاستيلاء على المزيد من الاراضي العراقية, كما انه بالامكان حشد اعداد كبيرة من سكان المنطقة, ومن الحلفاء المحليين ضد هذا التنظيم, والاهم من ذلك (بالنسبة للاميركيين) العمل على عرقلة اي هجوم عدواني مباشر من جانب »داعش« ضد اهداف غربية او على اي جزء من الاراضي الاميركية.

الا اننا نقول في النهاية, ان هزيمة كاملة ليست هدفا قابلا للتحقيق في الوقت الحالي, وهي مسألة تحتاج الى المزيد من التفكير والدراسة خلال فترة الحرب الطويلة المقبلة.

* وكيل مركز وودرو ويلسون للدراسات الستراتيجية والسياسية, وعمل كمفاوض اميركي فيما يتعلق بشؤون الشرق الاوسط, وكمحلل ومستشار لدى الادارات الاميركية الجمهورية والديمقراطية

والمقالة نشرت في »ريال كلير ويرلد«

* ترجمة ¯ محمد صفوت