نديم قطيش: اللبننة الحل للمنطقة يبدأ هنا//حالة حرب بالضاحية: رصاص على مدار الساعة والأهالي مستاؤون

274

حالة حرب بالضاحية: رصاص على مدار الساعة والأهالي مستاؤون
 سهى جفّال/جنوبية/الأربعاء، 10 يونيو 2015  

لا تكاد تمرّ ساعة في الضاحية أو في الجنوب أو في البقاع إلّا وتسمع رصاصات متواصلة لتشييع عناصر من حزب الله. تسبب الرصاص تكرارا بحالات هلع وذعر الا أنه لم يؤخذ أي اجراء من قبل حزب الله لمنعها.. فهل فقد حزب الله “المونة” على أنصاره؟ وأين الخطة الأمنية؟   بعد ان كانت الجموع تتلو آيات الذكر الرحيم وتردد عبارة “لا إله إلا الله” في التشييع، أصبح التشييع الآن يحدث وسط ال آر بي جيه والرصاص لدقائق متواصلة في الهواء فلا مراعاة لسكان المنطقة ولا احتراما لنفس ماتت في معركة لا ناقة لنا فيها ولا جمل. حزب الله الذي منع بتكليف شرعي اطلاق الرصاص عند القاء السيد حسن نصر الله كلمة، بالتزامن مع بدء الخطّة الأمنية، يقف اليوم مكتوف الايدي، وكأنه بعدما تسبب بما تسبب به لم يعدّ بمقدوره أن يفرض على مناصريه عدم إطلاق الرصاص، هو الذي يعرف مقدار الغضب لا يجرؤ علة منعهم من التنفيس عن غضبهم. هكذا انقلبت المعادلة فلا حزب الله عاد بمقدوره السيطرة على وقف استنزاف جنوده ولا بوسعه السيطرة على ردود فعل مناصريه الذين وان تظاهروا بالصمود والتمسك بما آمنوا به وصدقوه، إلّا أنهم بدأوا يستشعرون بناقوس الخطر كأنهم فجأة أدركوا ان ما زجوا به “مغطس” لا عودة منه. أصبح التشييع الآن يحدث وسط ال آر بي جيه والرصاص لدقائق متواصلة في الهواء فحرب الاستنزاف هذه اتسعت دائرتها إلى حدٍ أصبح لكل أسرة شيعية قريب أو صديق أو جار يقاتل أو قاتل حتّى الموت في سورية. ووابل الرصاص الذي يطلق عند التشييعات بالجملة يوميًا من أقصى الجنوب مروراً بالضاحية وصولاً إلى البقاع يعبر عن مدى الذعر والغضب إلى حدِّ أصبحت الرصاصات يستعاض عنها بال آر. بي. جيه أثناء التشييعات. ومع العلم ان مسألة اطلاق الرصاص في الضاحية الجنوبية ليست جديدة إلّا أن مدلولها اختلف فأصبح واحدا وواضحا: تشييع المزيد من عناصر وقادة لحزب الله. وقد تحول إطلاق الرصاص إلى مسبب ذعر لأهالي الضاحية، ويمكن بسهولة رصد ردود فعلهم واستيائهم عبر جولة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي. حزب الله الذي منع بتكليف شرعي اطلاق الرصاص عند القاء السيد حسن نصر الله كلمة، بالتزامن مع بدء الخطّة الأمنية، يقف اليوم مكتوف الايدي وقد ترجم هذا الخوف والهلع على أرض الواقع منذ أيام خصوصا أنه تزامن فيه بدء الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة والثانوية. وغالبا ما يظن كثيرون أن الصوت ناجم عن وقوع انفجار في الضاحية، وهو أمر يتوجس السكان من عودته. اطلاق الرصاص: ومع أن السيد حسن نصر الله أطلق تكليفا شرعيا لمناصريه بعدم اطلاق النار قبيل وبعد القاء خطابه والتزم فيه الجميع حتى الآن، إلّا انه لم تؤخذ بعد أي اجراءات ولم يصدر تكليف يمنع اطلاق الرصاص عند التشييع على الأقل احتراما للميت.

“اللبننة”.. الحل للمنطقة يبدأ هنا
 نديم قطيش/المدن/الخميس 11/06/2015 

عرفت الأدبيات السياسية الأكاديمية وغيرها مصطلح “اللبننة”، بعد إنقضاء سنوات قليلة على إنفجار الحرب الاهلية عام ١٩٧٥. حُمِّلت “اللبننة” كل دلالات السوء والشؤم. فهي تعني تحول دولة ما إلى دولة شبه فاشلة، تحتضن جغرافيتها “حروب الاخرين” عبر ميليشيات مذهبية أو مناطقية محلية تعجز أمامها سلطة الحكومة المركزية وتذوي.

راج إستخدام اللبننة في مراحل كثيرة. وصف بها العراق بين الأعوام ٢٠٠٦ و٢٠٠٩ حين بدا أن بلاد الرافدين تغرق في حروب المليشيات المذهبية. يومها وصف الديبلوماسي الأميركي المخضرم ريان كروكر الإستراتيجية الإيرانية في العراق بإستراتيجية “اللبننة”، من خلال تطبيق الحرس الثوري في العراق السياسات نفسه التي إعتمدت في لبنان في ثمانينيات القرن الماضي. أبرزها إستتباع مجموعات شيعية عراقية وإستخدامها كأدوات نفوذ وهيمنة إيرانية في العراق.

في السياق نفسه إستخدم مصطلح اللبننة لوصف الحال في سوريا مع بروز المليشيات المتصارعة وعجز المعارضة السياسية والمسلحة عن الوصول إلى أرض مشتركة وقيادة موحدة. ولم يفت الليبيين أن يسبغوا اللبننة على صراعاتهم الجهوية وفشلهم في الإتفاق على إعادة تكوين السلطة بعد سقوط نظام القذافي.

وفي العام ١٩٩٢ وفي معرض إستشرافه لمآلات الشرق الأوسط بعد حرب الخليج الثانية وإنهيار الإتحاد السوفياتي، وضع شيخ المؤرخين الأميركيين برنارد لويس في مقالة مهمة في مجلة فورين أفيرز، “اللبننة” كواحد من الإحتمالات التي قد تواجه هذه البقعة من العالم، إذا ما تأخرت عن فهم العالم المولود من رحم هذين الحدثين. حذر لويس من أن صعود الأصوليات الإسلامية وإنهيار الأفكار القومية، في ظل إنعدام مجتمعات مدنية حقيقة وضعف الهويات الوطنية الجامعة، قد يؤدي إلى تحلل حكومات مركزية وغرقها في الفوضى وصراعات المليشيات كما حصل في لبنان.

للَّبننة إستخدامات أخرى. فقد وصفت حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تشكلت عام ٢٠١٤ بين حركتي حماس وفتح بخيار اللبننة، بما هو هنا، إئتلاف حزب مسلح خارج الشرعية مع حزب او أحزاب غير مسلحة في حكومة واحدة.

لم تقترن اللبننة إلا بكل ما هو سلبي وقاتم. مفردة جنائزية لموت الأوطان والدول. وضعتها الأدبيات السياسية في مصاف العدوى التي تستأهل الحجر ومنعها من الفتك بالإستقرار، أي إستقرار.

مع كل هذا، تلوح اللبننة وربما للمرة الأولى في تاريخ إستخدام المصطلح، كمعطى إيجابي له مساهمته في مصائر دول المنطقة. واللبننة الآن لبننتان. نموذجان يتصارعان في لبنان قبل صراعهما خارجه. درجت العادة مؤخراً أن لبنان ينتظر ما سيحصل في المنطقة لتقرير ما سيحصل فيه، إلا أن المعركة الحقيقة تجري في لبنان، ونتائجها ستقرر إلى حد كبير نتائج ما يحصل خارج لبنان.

اللبننة الاولى تتفرع عن اللبننة التاريخية ولا تنفصل بمحمولاتها السلبية عن ما حمله المصطلح في الماضي. وهي ما تعبر عنه اليوم ثلاثية الخراب الموصوفة بثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”. أي الشراكة بين الميليشيا المسلحة القوية، وبيئتها الحاضنة والدولة الضعيفة، من دون أدنى خضوع للميليشيا لسلطة المحاسبة في الدولة. هذه اللبننة عرضت إيران، عبر أمين عام حزب الله في لبنان حسن نصرالله، تصديرها إلى العراق وسوريا واليمن. وربما تتحضر لتصديرها إلى الخليج، كما يشير الكشف عن مجموعة بحرينية شيعية تلقت تدريبات عسكرية في العراق. والأرجح أن تكون طلائع التصدير إلى البحرين مقدمة لتصدير مكون الميليشيا في الثلاثية إلى المملكة العربية السعودية من خلال تسليح مغرر بهم من المواطنين الشيعة في المملكة.

اللبننة الثانية، هي في عبقرية النظام السياسي اللبناني التعددي الذي، على ضعفه في أحيان كثيرة، لا يزال الوصفة السحرية لإدارة التعدد الطائفي والمذهبي والإثني في المنطقة. لا شك أن إنحرافات كثيرة شابت هذا النموذج، من التشويه الذي أدخلته الوصاية السورية على لعبة إدارة التعدد منذ العام ١٩٩٢ وحتى العام ٢٠٠٥، ثم التشويه الإضافي الذي فرضه التعايش القسري بين النظام السياسي وميليشيا حزب الله التي تمثل إحدى الطوائف الكبرى في لبنان. لكن جوهر النظام يبقى، نظرياً على الأقل، هو الحل السياسي الوحيد المتاح للخروج من حجيم الانهياز الدولتي والإجتماعي لا سيما في المشرق العربي وبعض شمال إفريقيا.

هذا الجوهر هو الجواب للسؤال العلوي في سوريا بعد بشار الأسد. وهو الجواب للسؤال السني في العراق للخروج من نفق تداعيات مشروع الغلبة المذهبية الذي تقوده إيران عبر جزء كبير من الكتلة الشيعية العراقية. وهو الجواب للسؤال الشيعي في الخليج لا سيما في البحرين، حيث لا مناص من تصحيح معادلة  التمثيل السياسي في المملكة والمشاركة في صنع القرار. وهو الجواب للصراع الجهوي في ليبيا، المرشحة أكثر من غيرها لشكل واضح من أشكال الفدرالية الموسعة. وهو الجواب للسؤال الحوثي في اليمن.

إن الصراع الحقيقي هو هذا الصراع بين نموذجين للبننة، وهو يجري على الارض اللبنانية. ما ستكون عليه نتيجة هذا الصراع، تقرر نتائج كثيرة في المنطقة.

القوى المسؤولة قبل غيرها عن حسم هذا الصراع لصالح اللبننة الإيجابية هم المسيحيون أولاً، وموقف أقويائهم اولاً، لا سيما الجنرال ميشال عون.

ليس بسيطاً أن يكون في لبنان طاولة الحوار الوحيدة في المنطقة التي يجلس إليها سنة وشيعة للحوار. مهما بدا الحوار هزيلاً ومنفصلاً عن الوقائع الميدانية ومسلكيات الأطراف خارج الطاولة. لكنها رمزية يبنى عليها. ولا يقويها ويزيدها معنىً إلا ادراك المسيحيين أن حماية نموذج اللبننة الايجابية وحدها ما يحميهم. وحماية هذا النموذج تبدأ بالإفراج عن الرئاسة اللبنانية بالتفاهم وبالتضحية، وبالتالي سد الذرائع أمام حزب الله لنعي النموذج اللبناني وفرض اللبننة السلبية كأمر واقع للبنان والمنطقة.