نكسة اردوغان الانتخابية كما يرها الكتاب: غسان شربل/أسعد حيدر/وسام سعادة/داود الشريان

309

نكسة اردوغان الانتخابية كما يرها الكتاب: غسان شربل/أسعد حيدر/وسام سعادة/داود الشريان/

جروح السلطان
 غسان شربل/الحياة/09حزيران/15

ما جدوى مئات الغرف؟ والقاعات. والممرات. والشرفات. والحدائق. والثياب الباهرة للحراس. غداً يكتب صحافي حاقد أن القصر أكبر من ساكنه. وأن القصر لا يصنع السلطان. وأن الرجل الذي كان حلماً تحول عبئاً. على محازبيه ومواطنيه ومستشاريه. وأن عناد الرئيس لن ينجح في إخفاء النزيف المتدفق تحت ثيابه. الصحافيون حاقدون. يحسدون أصحاب القرار. يكرهون أصحاب القامات. يتربصون بهم. يعتاشون من انتكاساتهم. ولا هم لهم غير العناوين المثيرة. غداً يكتبون. الشعب عاقب الرئيس. الناخبون صفعوا الرئيس. حلم السلطان يتبدد. لا يُبنى مستقبل الدول بأحقاد الصحافيين. حين أبلغوه نتائج الانتخابات دهمه حزن غريب. حاول تعزية نفسه. هذه هي الديموقراطية. حصان غدار. هذه هي الشعوب. ذاكرة تنسى. راح يتمشى في الممر الطويل. خذل البريطانيون ونستون تشرشل. خذل الفرنسيون شارل ديغول. يتعب الشعب من القائد الاستثنائي لأنه يتحداه ويطالبه بالخروج من حرير الخنوع والكسل. حين أبلغوه النتائج سمع رنين ضحكات قريبة وبعيدة. سياسيون معارضون. وجنرالات متقاعدون. كأنه سمع أتاتورك يضحك في قبره. وفتح الله غولن في منفاه الذهبي. كأنه سمع ضحكة عبدالفتاح السيسي. وبشار الأسد. استوقفه اسم الرئيس السوري. كان يسميه «صديقي بشار» في شهر العسل التركي – السوري. في السنوات الأخيرة صار رحيل بشار همه وهاجسه. انتابته فكرة غريبة. هل يرغمه الأتراك على مغادرة القصر قبل مغادرة أعدائه قصورهم؟ سمع أيضاً ضحكات زعماء استفزهم أو تشاجر معهم حول الإبادة الأرمنية وملفات أخرى. نكران الجميل عادة أصيلة لدى الشعوب. لم يغفر لي ناخبون أنني قلمت أظافر الجنرالات وأعدتهم إلى عتمة الثكن. عاقبني آخرون لأنني منعت القضاة من وراثة دور الجنرالات. عارضني فريق ثالث لأنني لم استسلم لمشيئة الأكراد وأغامر بوحدة البلاد. وبرر فريق رابع موقفه بالخوف من النظام الرئاسي والميول الديكتاتورية وتقليم أظافر القيم العلمانية. تناسى كل هؤلاء ما فعله حزب العدالة والتنمية للاقتصاد التركي. لولا تلك المعجزة الاقتصادية لكانت تركيا اليوم تتسول وتجول مكسورة الإرادة. كان من واجب الناخبين أن يمحضوني تفويضهم الكامل. أبقيت تركيا هادئة فيما الزلازل تتلاطم على حدودها. لم ينظروا إلى الجحيم المشتعل في الجوار. لم تتعرض مدينة تركية لما تعرضت له الموصل. لم تتعرض مدينة تركية لما تعرضت له حلب. لم يتمزق الجيش التركي ويسارع إلى الاحتماء بـ «الحشد الشعبي» أو «ميليشيات الممانعة». شاخت خرائط جيراننا وجددنا شباب خريطتنا. بغداد تنام مع الخوف. دمشق تنام مع المجهول. طهران متوترة ومشتبكة مع الأكثرية. وإسطنبول تختنق بعجقة السياح. صحيح أن سياستنا اصطدمت بصخور المنطقة هنا وهناك لكننا منعنا العاصفة من اجتياح الأراضي التركية. لعبنا على ملاعب الآخرين ومنعناهم من التسلل إلى ملاعبنا. يخرج إلى الشرفة. ارتكب الأتراك غلطة كبرى. أحدثوا ثقباً بسيطاً في السفينة التي كانت تحميهم من الأنواء. إنها ليست قصة أردوغان وأحمد داود أوغلو. إنها قصة منطقة تنحدر مسرعة إلى هاوية التفكك. قصة الحدود الجديدة بين الفرس والأتراك والعرب والأكراد. بين السنّة والشيعة والقوميات والمذاهب. وفي زمن الانعطافات تحتاج الدولة إلى رئيس واسع التفويض والصلاحيات. يحيرني الشامتون. ينشغلون بالشجرة وينسون الغابة. بدل الشماتة عليهم أن يتعلموا ويتدربوا. يستخدم الأتراك صناديق الاقتراع لمكافأة الحاكم أو معاقبته. تركيا دولة مؤسسات. ماذا يجري في سورية والعراق واليمن ولبنان؟ مجازفات وميليشيات وخرائط أقل. أنا لن أستسلم. وليس من عادتي أن أفعل. أنا ملاكم بطبعي مذ كنت شاباً في شوارع إسطنبول. إصابة الملاكم بجرح لا تعني خروجه من الملعب. ستندلع جدالات وأزمات. حروب صلاحيات وحقوق أكراد. شيء من عدم الاستقرار. وسيخاف التجار والمستثمرون. وفي النهاية سنحتكم مجدداً إلى صناديق الاقتراع. وسيتراجع الأتراك عما اقترفوه.

ماذا بعد «الصفعة الديموقراطية» لأردوغان؟
أسعد حيدر/المستقبل/09 حزيران/15

ماذا بعد «الصفعة الديموقراطية» للرئيس رجب طيب أردوغان؟ وما هي ارتدادات النتائج على تركيا وعلى سياستها في المنطقة خصوصاً حيال سوريا؟ بداية، الديموقراطية في تركيا بخير، بكل حلوها ومرّها. صندوق الاقتراع أصبح الحكم الوحيد، ما يؤكد أن تركيا اجتازت كل الامتحانات الصعبة لتثبيت الديموقراطية فيها. أيضاً «حزب العدالة والتنمية»، الذي يترأسه أردوغان الذي لم يحصل على الأغلبية المطلقة، ما زال يشكل «العمود الفقري» لتركيا، فهو أقوى الأحزاب. جميع الأحزاب المعارضة في كفة وهو في كفة. من الضروري الآن أن يقوم أردوغان بمراجعة مع الذات، حتى لا يخسر زعامته نهائياً. من أكبر أخطائه أنه أراد أن يكون «السلطان أردوغان الأول»، فرفع الشعب التركي في وجهه «بطاقة صفراء»، على أمل ألا يكرّر خطأه فيستحق «البطاقة الحمراء». من ضمن هذه المراجعة، التفاهم مع الرئيس السابق غول بعد أن عزله وأبعده بكل ما يمثله من تواصل بين التيارين الليبرالي والاسلامي. من المهم في هذه المراجعة الذاتية الامساك برغبة الأتراك بالاسلام من دون أن تتم أسلمة المجتمع والنظام التركي.

«لا تملك تركيا رفاهية الاستمرار في حالة سياسية مضطربة. فوراً دقت البورصة جرس الانذار في الانخفاض الذي حصل، لذلك يجب تشكيل حكومة سريعاً، السؤال هل يستطيع حزب «العدالة» التحالف مع «حزب الشعب الديموقراطي» الكردي الذي حصل على 80 مقعداً في البرلمان، علماً أن الأكراد يريدون مفاوضات شاملة على وضعهم المستقبلي في تركيا ثمناً لتخلّيهم عن «الكفاح المسلح»، ما يفتح باب الاستقرار والازدهار الاقتصادي واسعاً أمام تركيا والمنطقة الكردية، أو انه لن يكون من حل أمام أردوغان سوى الدعوة لانتخابات مبكرة بعد 45 يوماً من فشل تشكيل الحكومة الجديدة. خصوصاً وان أحزاب المعارضة الثلاثة وحزب «العمل القومي» منها لا يمكنه أن يجتمع مع «حزب الشعب» الكردي، لأنه يعتبر أوجلان «إرهابياً». لم تعد مسألة تغيير الدستور وجعل النظام رئاسياً مطروحة لفترة طويلة. الأتراك لا يريدون زعيماً أحادياً ولا حزباً مهيمناً. الرئيس طيب أردوغان أمام وضع صعب، وخيارات أصعب. ليس لديه الكثير من الوقت. عليه أن يحسم بسرعة، خصوصاً وأن تركيا في قلب الأزمات التي تمر بها المنطقة. من سيكلفه أردوغان تشكيل الحكومة القادمة، تقع عليه مسؤولية تسريع الحسم، إما الاعتذار أو تشكيل الحكومة في خلال 45 يوماً. طوال هذه الفترة ستكون تركيا وقراراتها السياسية في حالة «ضبابية». ما لم تتعرض تركيا لاختيار غير متوقع لن يقدم الرئيس أردوغان على قرار أحادي خطير. وحده تعرض الأمن القومي التركي للخطر، يسمح لأردوغان بالحسم. أمام هذا الغموض الموقت، من الصعب الاجابة عن التساؤلات حول السياسة الخارجية لتركيا. الرئيس أردوغان كان قد أبلغ مسؤولاً عربياً أن الوضع في سوريا سيحسم في الأشهر الستة المقبلة». طبعاً هذا الحسم كان يعني انخراطاً تركياً قوياً. الآن يجب انتظار مرور 45 يوماً لمعرفة ماذا سينتج من قرار. إذا جرى تحالف بين حزبي «العدالة والتنمية» و»حزب الشعب الكردي» فإنه يجب أخذ العامل الكردي في الاعتبار في الحسابات السورية. أيضاً وهو مهم، أن نتيجة هذه الانتخابات و»الرسالة» التي وجهها الأتراك بأنهم لا يريدون حكم «الشخص الواحد» ولا «أسلمة» النظام، قد تدفع الرئيس أردوغان الى الانفتاح أكثر فأكثر على مصر والسعودية. تخفيف «أخونة» النظام الأردوغاني تساهم في هذا الانفتاح. في جميع الأحوال فإن السياسة الخارجية التركية مفتوحة على التطورات الداخلية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. يبقى أخيراً، أن الذين صفقوا ورقصوا لأن أردوغان تلقى «صفعات» في الانتخابات، ينسون أن ذلك جرى عبر صناديق الاقتراع التي أفرزت حقيقة الموقف الشعبي وليس ما يريده الرئيس الى الأبد.

 انتخابات التوليف بين العثمانوية والجمهورية والتعددية
وسام سعادة/المستقبل/09 حزيران/15

قياساً على «ترنّحات» ما راجت تسميته «الربيع العربي»، وعلى تبعية الآليات الديموقراطية للآليات الثيوقراطية و»الحرسية» في ايران، واذا ما وضعنا مفارقات «الديموقراطية الصهيونية» التي يتداول فيها شعب آليات استمرار استعمار شعب آخر وحرمانه حقه في تقرير المصير، يبقى مشروع الديموقراطية التركية الأكثر مدعاة للمتابعة والمراقبة، بعيداً عن ثنائية إما التبجيل وإما الجحود. حماوة المشهد الانتخابات، وارتباطه بمشروع تبديل الدستور الجمهوري من برلماني الى رئاسي، والوجهات المتقابلة مع وضد هذا الشيء، انطلاقاً من الواقع التركي نفسه، ثم أهمية المسألة الكردية والظاهرة الملفتة لـ»حزب الشعوب الديموقراطي» في هذا المجال، بحثاً عن شراكة تفكّك المركزية والأيديولوجيا الانصهارية الفظّة، كل هذا مما يستحق المتابعة في الجانب العربي من هذا الشرق الذي جمعت لواءه الامبراطورية البيزنطية لقرون مديدة، ثم ورثتها الامبراطورية العثمانية، التي كانت على صعيد التاريخ الطويل الأمد، والى حد بعيد، بمثابة الاستمرارية المتجددة للرابطة البيزنطية ولو بنمط مختلف، ودين مختلف، وواقع محيط مختلف. واذا كان البعض في تركيا غالى في النوستالجيا العثمانية على نحو فيه افتئات على المآثر الجمهورية الكمالية، بعد أن كان الافتئات حاصلاً في الاتجاه المعاكس، فان اتجاه تركيا للمصالحة انتخابات بعد أخرى، بين الهوى العثماني والمنطلقات الجمهورية، وعلى قاعدة محورية الفكرة الدستورية، وحقوق الانسان والتداول على السلطة، هو اتجاه محمود، مع التخفيف شيئاً فشيئاً من الغلواء الاولترا قومية، بترشيد القومية نفسها وليس الاستغناء عنها، لأن الدول لا تبنى بالأهواء الكوزموبوليتية، أي الكونية المتفلت من كل رابطة ترابية، وفي نفس الوقت لم يعد من الممكن تأجيل التعاطي الجدي مع الحقوق الثقافية والمحلية والشراكة العميقة، لأي قوم من الأقوام في أي دولة، وما الانتخابات البريطانية الأخيرة واكتساح الحزب القومي الاسكوتلندي المقاعد الاسكوتلندية في مجلس العموم سوى شاهد مفصلي، والقضايا ذات الطابع اللامركزي الاثني او المناطقي تفرض نفسها اكثر فأكثر في شتى انحاء اوروبا والهند. بطبيعة الحال، يشعر الكثير من السوريين بالامتنان لحكومة رجب طيب اردوغان لموقفها المؤيد لثورتهم والمستقبل للاجئين السوريين بشكل واسع النطاق، في مواجهة بعض العلمانيين الذين لم يجدوا كنموذج يبشّرون به للعلمانية في المنطقة سوى مجازر نظام بشار الأسد، هذا النظام المتحالف حربياً مع فصائل اولترا علمانية من صنف «حزب الله» و»عصائب أهل الحق«. في الوقت نفسه، الانتخابات التركية لا تخاض تبعاً للسياسة الخارجية وحدها، ولو كان الموضوع السوري داخلياً أكثر منه خارجياً في تركيا اليوم، والموقف الهادئ وليس التعبوي ضروري اولاً للترحيب بهذا المشهد الانتخابي المشجّع، وثانياً لانتظار بعض الوقت بغية التملّي بالنتائج وتعليقات الأتراك والمراقبين الأجانب من عواصم أساسية مختلفة. أياً يكن من شيء، كلما كانت تركيا قادرة على التوليف أكثر فأكثر بين عثمانيتها وجمهوريتها وتعددية مجتمعها، كان مبرراً تخفيض رتبة التشاؤم الاقليمي بعض الشيء.

هل تتغير سياسة تركيا تجاه سورية؟
داود الشريان/الحياة/09حزيران/15

عجزُ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن نيل الغالبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية، وفشلُهُ في تحويل النظام في تركيا رئاسياً، أسعدا خصوم جماعة «الإخوان المسلمين» والمؤيدين للسياسة الإيرانية في المنطقة، وأحزَنَا أنصار جماعة «الإخوان» وأعداء النظام السوري. تحليلات الصحف العربية الممثلة للطرفين كتبت عن هزيمة زعيم حزب «العدالة والتنمية» التركي لعدم حصوله على الغالبية، كأن تركيا عادت إلى انقلاب عام 1980. الصحف الموالية لإيران ونظام بشار الأسد تجاهلت نجاح «حزب الشعوب الديموقراطية» الكردي ورئيسه صلاح الدين دميرطاش الذي قرر خوض المعركة بقائمة حزبية للمرة الأولى، ممثلاً الأكراد والأقليات في تركيا، على رغم أن وصول الحزب الكردي إلى البرلمان سيعزز الموقف التركي تجاه سورية، وإن اختلفت الطريقة، وربما أعطى أكراد سورية دوراً. معظم التغطيات الصحافية الشامتة بأردوغان، اعتبر أن الهزيمة مؤشر إلى تغيُّر جذري في السياسة الخارجية لتركيا إزاء قضايا كثيرة في الشرق الأوسط، أولاها الأزمة في سورية. وبالغ بعضهم إلى حد القول أن هزيمة أردوغان هي تحجيم لدور تركيا الإقليمي الساعي إلى فرض مشروع «الإخوان المسلمين» على الأتراك والمنطقة، لكنّ خصوم نظام الأسد، والمؤيدين لــ «جماعة الإخوان المسلمين» كانوا أقل تهوراً في تحليل النتيجة. تحدثوا عن تأثيرات، لكنهم لم يصوروا خسارة «العدالة والتنمية» بالانقلاب. من يتابع تغطيات الصحافة العربية الانتخابات البرلمانية التركية سيجد أنها تنطلق من عدم الإيمان بأن ما يجري في تركيا انتخابات، بل تراها مؤامرات حزبية، وهذا ليس بمستغرب، فالصحف هذه تصدر في دول تمارس «ديموقراطية» مغشوشة، وصناديق اقتراع مخرومة. لهذا، جرى تصوير معاودة تقسيم مقاعد البرلمان التركي، كأن التجربة البرلمانية التركية لعبة مزيفة، أشرف عليها وزير الداخلية المصري السابق زكي بدر. الحديث عن تغيير جذري في السياسة الإقليمية التركية بعد الانتخابات هو تفكير بالتمني. مصالح تركيا لا تتبدل بتغير الحزب الحاكم. ربما تتغير الأدوات والأساليب، فنجد تركيا تراعي مصالح الأكراد في سورية، وتعترف بدور التيارات الليبرالية والعلمانية على الساحة السورية، لكنها ستبقى على موقفها الرافض نظام بشار الأسد، وتقف مع خصومه، من أجل مصالحها الإقليمية. لا شك في أن نتائج الانتخابات التركية لن تفضي إلى تغيير في السياسة الخارجية لتركيا، بل إلى توازن. لن ترفض أنقرة دعم «الإخوان»، لكنها لن تنحاز إليهم على حساب آخرين على الساحة السورية. الأكيد أن نتائج الانتخابات التركية الأخيرة أثبتت أن التجربة الديموقراطية هناك وصلت إلى مرحلة النضج، بل إن النتائج تشير إلى أن الشعب التركي قرر تحويل انقلاب عام 1980 إلى مجرد حكاية تاريخية قديمة.