غسان حجار: اللبنانيون أمام انتحار جماعي// اميل خوري: كيف يدعو نصرالله إلى قيام جبهة واحدة وفي لبنان جبهات تتصارع وتحكمه رؤوس؟

258

اللبنانيون أمام انتحار جماعي
غسان حجار/النهار/28 أيار 2015

الوضع المعقد في المنطقة يضع الجميع في مواجهة منعطفات تاريخية، غير واضحة المعالم ولا محددة التواريخ والازمنة، مما يجعل كل المجموعات اللبنانية تتخبّط في أزماتها الداخلية وفي علاقاتها بالمجموعات الاخرى، من دون امتلاك رؤية واضحة تستوعب ما هو أبعد من التطورات اليومية وتداعياتها، بل قد تتحول مجموعات أسيرة مواقفها الجامدة، أو أدوات في صراعات الخارج.

بالأمس اجتمع نواب مسيحيون في بكركي، محاولين إطلاق مبادرة ترفض استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية، لكنهم سرعان ما أضاعوا البوصلة فدعوا الى الانتخاب بالنصف زائد واحداً، الأمر الذي رفضه سيد بكركي بعدما كان من الثوابت لدى سلفه البطريرك نصرالله بطرس صفير لسنوات، خوفاً من احتكار المسلمين القرار السياسي، وضياع الدور المسيحي في اختيار الرئيس المسيحي. والمسيحيون الذين تزداد شكواهم لم يجدوا علاجاً لأمراضهم المزمنة على رغم حوار عوني – قواتي، خفّف احتقاناً، ولم يرسم بعد، وربما لن يرسم، معالم ثابتة لوفاق حقيقي، إذ أن إضاعة الوقت قبل اعلان “ورقة النيات” تؤكد وجود خطة واضحة لإضاعة الفرص، او ربما لالتقاط اشارات وفرص بديلة.

ويجنح العماد ميشال عون الى مبادرة يعتبر انها لا تتطلب تعديلات دستورية، ويدفع، مع حلفائه، الى مؤتمر تأسيسي لإعادة صوغ طريقة ادارة السلطة، وهو بذلك يضيّع البوصلة تماماً، اذ يذهب الى مكان مجهول منه على الأقل، ومن الفريق الذي يمثل ومن مجمل المسيحيين. فإصلاح النظام من داخله يختلف تماماً عن اعادة صوغ الرؤية والتركيبة. أما قوله ان “معركتي اليوم من دون سقف، فإما أن أربح أو أخسر ولن أتركها إلا شهيداً”، ففيه الكثير من الشخصانية القاتلة التي تدفع بخصومه الى الاستمرار في مضايقته ربما الى حد بلوغه تلك “الشهادة”.

في المقابل، لا يجد “حزب الله” المبرّرات الكافية لإقناع شركائه في الوطن (لا في القرار)، بمشاركته في الحرب السورية، وبتدخله المباشر او غير المباشر في مسار الأحداث في البحرين واليمن والعراق. واذا كانت معارك القلمون مقبولة من كثيرين لأن فيها دفاعاً عن حدود لبنان، فان الاستماتة في الدفاع عن نظام بشار الاسد فيها ضلال كبير واستفزاز لمواطنيهم من مختلف الطوائف الذين عانوا الأمرّين من ممارسات ذلك النظام.

أما بعض “أهل السنة”، وهي تسمية اتخذت معنى استفزازياً ايضاً، فقد أضاعوا البوصلة كثيراً بتعاطفهم مع “النصرة” و”داعش” في مواجهة “حزب الله”، وبتحولهم بيئة حاضنة للتنظيمات الارهابية التكفيرية، وحجتهم وقف التمدد الايراني، والتخفيف من سيطرة “حزب الله” على مفاصل الحياة الأمنية والسياسية، وربما الاقتصادية، في البلاد، لأن هذا الخيار قد يقود الى الخراب الكلّي، وعندها يسقط السقف على رؤوس الجميع، اي “أهل السنة” و”حزب الله” على السواء. وهذا لم يكن يوماً خياراً صائباً لأقوياء، بل خيار انتحار جماعي.

كيف يدعو نصرالله إلى قيام جبهة واحدة وفي لبنان جبهات تتصارع وتحكمه رؤوس؟
 اميل خوري/النهار/28 أيار 2015

عندما قال الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في ذكرى عيد التحرير إن اسرائيل استفادت من تجزئة السلام مع الدول العربية ومن تجزئة الحروب الآن في المنطقة، ودعا الى توحيد الجبهة في مواجهة “الداعشيين” والتكفيريين واسرائيل، فانه لم يسأل عن الاسباب وقد باتت معروفة، وهي ان كلمة الدول العربية لم تكن واحدة في موضوع السلام مع اسرائيل، ولا أمكن تشكيل وفد عربي وفلسطيني واحد لمفاوضتها على هذا السلام لكي يكون شاملاً وعادلاً لأن كل دولة عربية اعتبرت ان وضع الاحتلال الاسرائيلي لجزء من اراضيها ليس واحداً، كما ان قرارات مجلس الامن لتحريرها لم تكن واحدة ايضاً، لذلك توصلت اسرائيل الى اتفاقات سلام منفردة، مع مصر عرف باتفاق “كمب ديفيد” ومع الاردن وعرف باتفاق “وادي عربة” ومع السلطة الفلسطينية وعرف بـ”اتفاق اوسلو”، ما جعل الحروب مع اسرائيل حروباً مجزأة وليست واحدة حاسمة. لذا تعذرت استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وصار موقف المفاوض مع اسرائيل ضعيفاً والمفاوضات عقيمة تدور في حلقة مفرغة منذ سنوات طويلة. حتى ان المقاومة والعمليات العسكرية توقفت التزاماً لقرارات مجلس الامن الدولي. ففي الجولان أوقفها اتفاق “فك الاشتباك”، وفي الجنوب اللبناني أوقفها الالتزام للقرار 1701. وهكذا نجحت اسرائيل في عقد اتفاقات منفردة مع كل دولة عربية وحالت دون عقد سلام شامل وعادل بواسطة وفد عربي – فلسطيني مشترك. وها هي تستفيد اليوم من حروب داخل دول عربية جعلت كل دولة تنشغل بها عن اي امر آخر، وتقلع شوكها بيدها واسرائيل تتفرج عليها بفرح… فكيف يدعو السيد نصرالله الى جبهة واحدة لمواجهة اسرائيل وتنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” وكل دولة عربية منقسمة على نفسها سياسياً وعرقياً ومذهبياً، ما جعل الجيوش فيها تتشرذم وتتقهقر امام المجموعات الارهابية والتكفيرية؟ وكيف يدعو الى قيام جبهة واحدة للمواجهة وفي لبنان جبهات تتصارع سياسياً ومذهبياً وكلامياً ولا أحد يعرف متى تتحارب وتتقاتل فيصيب لبنان ما أصاب العراق وسوريا وليبيا واليمن؟ وكيف للسيد نصرالله ان يدّعي حماية شركائه في الوطن اذا انتصر وكأن لا دولة تحمي الجميع من الجميع…؟ وكيف تقوم مثل هذه الجبهة الواحدة ولبنان بلا رئيس وتحكمه رؤوس… ولا اتفاق على اهداف الجبهة ولخدمة من؟ فمقاومة “حزب الله” ما كانت لتربح “حرب التحرير” على اسرائيل عام 2000 لو لم تكن الوحدة الداخلية هي السلاح الامضى في تلك الحرب، ولم تكن لتربح حرب تموز عام 2006 ايضاً لو لم تكن تستند الى هذه الوحدة التي من دونها لن تربح الجيوش ولا المقاومون حرباً ضد أي عدو.

لذلك على “حزب الله” ان يسهّل انتخاب رئيس للجمهورية قبل اي امر آخر لأن كل بيت بلا سقف غير صالح للسكن، وكل بيت ينقسم على نفسه يخرب… فالجبهة الواحدة التي يدعو السيد نصرالله الى اقامتها لمواجهة “الداعشيين” والتكفيريين واسرائيل تحتاج الى وحدة داخلية تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وبالاتفاق على تحديد اهداف هذه الجبهة بحيث تكون خدمة للبنان أولاً واخيراً، وليس خدمة لسواه، وان تكون بقيادة مؤسسات وليس بقيادة اي حزب أو طائفة والادعاء بحماية الآخرين عند الانتصار، اذ لا حماية للجميع من الجميع غير الدولة القوية القادرة والعادلة. واذا كان السيد نصرالله لا يزال يعتبر ان معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” هي معادلة ذهبية، فان سواه لا يعتبرها كذلك ما دام الحزب هو الآمر والناهي وحده، وكأن لا وجود لجيش ولا لشعب في هذه المعادلة. فكيف يمكن مع وضع شاذ كهذا في لبنان توحيد الجبهات لخوض حرب واحدة ضد اي عدو ولا تظل كل جبهة تخوض حروبها وحدها ولأهداف خاصة بها؟ إن اكبر خدمة يسديها “حزب الله” للبنان هي في ان يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية توصلا الى حل كل ازماته وجعل كل المواضيع بعد انتخابه قابلة للبحث

تتواجه وتتصارع. فاذا لم نبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، فقد لا تبقى جمهورية ولا جمهور فيها بل مهاجرون ومهجرون. وليعلم الحزب ان الوحدة الوطنية في كل دولة هي السلاح الامضى للانتصار على العدو، ومن دونها لا تقوم دولة ولا تكون سيادة ولا استقلال، بل بيئة حاضنة لعدو خارجي لا حبّاً به بل نكاية بعدو داخلي…