إيلـي فــواز: شيعة السفارة// حسان حيدر: استحضار كربلاء لن يجدي

258

شيعة السفارة
إيلـي فــواز/لبنان الآن/28 أيار/15

لم أكترث يوماً لمذهب عمر حرقوص، أو نادر فوز أو مصطفى فحص، كما لم يكترثوا يوماً لانتمائي المذهبي. فنجان القهوة الذي كان يجمع أحاديثنا، و ما زال، لم يكن يتطرق يوماً الى معتقداتنا الدينية، خاصةً وأن البعض منّا يظنّ أن الدين أفيون الشعوب. كنا نناقش بالسياسة، ننتقد موقفاً ما، كانحراف ثورةٍ كان لها يوماً نكهة الأرز، أو انتحار حزب الله في سوريا. حتى حسن نصرالله لم نكن نراه شيعياً في نقاشاتنا. ما كان يهمّنا في نقده هو حؤوله دون قيام دولة احلامنا. الولايات المتحدة كان لها حصتها من نقدنا اللاذع، للأسباب التي لأجلها بدأ حزب الله بمدحها ولو في الخفاء. سياسة كنّا نقول ستُدخل الشرق الاوسط في حروب لا تنتهي.  كنا فوق المذاهب التي لا ينفك نصرالله (و حلفاؤه من البرتقاليين) يجرّنا إليها، كونها أصبحت خط دفاعه الأول بعد ان عرّته الثورة السورية.

حتى ان بعض اصدقائي – من شيعة السفارة – دفع ثمن مناصرته الثورة السورية التي حاربها نصرالله وغضّ النظر عنها الأميركي. خسروا وظائفهم لأنهم كانوا اوفياء لمبادئهم. مناصرة قامت على جدلية الحرية وحقوق المرء في وطن يتمتع فيه بكامل حقوقه، هي لم تكن في عيونهم يوماً ثورة السنّة على الشيعة، انما ثورة الفلاح والعامل والمثقف وربّة البيت والطفل على الخوف من اجل حياة افضل. وأصدقائي -شيعة السفارة- هم اول من شعروا ان ثمة من سرق ثورتهم التي طالما انتظروها، ثورة رزان زيتونة التي خطفها نظام الأسد في جهده مذهبة الثورة السورية.  كانوا يهتفون مع ابراهيم القاشوش “يلا ارحل يا بشار”، ليس لأن بشار علوياً، بل لأنه ديكتاتور دموي. لكنهم ادركوا ان الآخرين الحاقدين عديدهم اكبر. استنتجوا ان الكره المذهبي الذي يفرّق ناسنا اكبر من القيم الانسانية التي تجمعها.

اكتشفوا ان للبعض مراقد ومزارات أهم بكثير من ارواح اطفال زهقت بالكيماوي تارة والبراميل تارة اخرى. منهم من ترك بلداً أصبحت اهواءه قاتلة، رافضين ان يكونوا كالآخرين مجرد هوية مذهبية، او واجهة تستعمل من اجل دحض احادية الحزب.

هكذا ودّعنا عمر حرقوص لأنه رفض ان يكون مجرد قيمة شيعية في نظر الآخر. وهو قد يطرد اليوم من بلد آواه، والسبب تلك الصفة المذهبية بالذات التي ما لبثت تلاحقه برغم رفضه إياها كانتماء سياسي ناهيك عن تلك الايمانية. كل اصدقائي من شيعة السفارة على رغم ضعفهم امام ماكينة حزب الله العسكرية والاعلامية بدأوا يزعجون السيد. وعلى الرغم عجزهم هددهم السيد، هدد اقلامهم، ليس على اساس انهم مجرد معارضون ولكن لأنهم معارضون شيعة اساساً. ورغم أنهم هم لا يعبرون عن أنفسهم من هذا المنطلق ولا يضعون انفسهم في تلك الخانة، ولكن “السيد” بمذهبيته المقيتة وتقوقعه الخطير يضعهم فيها. وهو يفعل كذلك ليس من باب القوة انما من باب العجز. يريد ان يكم افواههم، لأنهم أبطال حقيقيون. هؤلاء أصدقائي “شيعة السفارة” في ايام الخوف والخذلان. لعمر ونادر ومصطفى وكل شيعة المعارضة الذين لم ألتقِ، مهمة صعبة وخطيرة تنتظرهم بعد خطاب نصرالله الأخير التهديدي: لا تخضعوا للترهيب ولا تكفوا عن الكلام والكتابة والمعارضة…

استحضار كربلاء لن يجدي
 حسان حيدر/الحياة/28 أيار/15

تصرّ إيران على العيش في الماضي على رغم نشاطها النووي الدؤوب. والماضي هنا سياسي وديني، يعتاش عليه نظامها ويحاول جاهداً تعميمه على الجوار العربي خصوصاً، فيتعمد الدفع في اتجاه تجييش طائفي يفيده في تبرير استمراره، بعدما أخفق بفداحة في الاقتصاد، وأخلّ بوعوده في جعل الإيرانيين يعيشون حياة أفضل، وأوقعهم في عزلة شبه تامة، على رغم مرور 36 عاماً على استيلاء آيات الله على الحكم. وتصرّ طهران المتمسكة بانقسامات الماضي على الانتقام من التاريخ والجغرافيا، فالعالم العربي بالنسبة اليها، على تفككه، يشكل خطراً وجودياً، ولا بد من تقسيمه أكثر بين سنّة وشيعة، وبين تابعين وأعداء. لا تزال «القادسية» ماثلة في ذهن قادتها ولا تزال «كربلاء» حاضرة في خطابهم. ترفض ان ترى الى المستقبل وتسعى الى اجهاض الحاضر وإعادته الى الوراء عبر تكبيله بقيود لا تتّسق مع مسارات التقدم.

يقول سياسيوها إنها عادت «إمبراطورية» عاصمتها بغداد، وتطلق الميليشيات العراقية التي يقودها جنرالاتها تسمية «لبيك يا حسين» على حملة مشبوهة لـ «تحرير» الأنبار، ويدعو صنيعتها «حزب الله» كوادره الى «الصمود في صفّين» وإلى تعبئة عامة للدفاع عن «الوجود الشيعي»، في استعادة خبيثة لكل ما يحرّض ويؤلّب، ولكل ما يقسّم ويفرّق. يقول الإيرانيون وأتباعهم إنهم يحاربون «التطرف السنّي»، لأنهم لا يرون في «داعش» سوى تنظيم «سنّي»، علماً ان غالبية ضحاياه من السنّة، وإن المناطق الخاضعة لجوره وارتكاباته سنّية في معظمها، سواء في العراق او سورية، وعلماً ان الدول التي يصنفونها «سنّية» هي التي تحارب متشدديه، وهي المتضررة من ارهابه وتقاتله في اكثر من ساحة.

تلجأ إيران وأحزابها في المنطقة العربية الى اخراج الرواية التاريخية من سياق صراع عادي ومتكرّر على السلطة، وتملأها بالدم والنحيب لتحريض أتباعها على الوقوف ضد الوحدة الوطنية في أوطانهم. وتستغل ابتلاء السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين بأنظمتهم لتدّعي ان العرب لا يستطيعون العيش في دول موحدة، وإن الحل يكمن في دويلات طائفية على غرار دويلة نصرالله في لبنان، ودويلة العلويين المزمعة في سورية، ودويلة الميليشيات «الكربلائية» في بغداد. وتقول إنها تشارك في قتال «داعش»، لكنها تستغل ذلك لإعلان أن جيشها توغل 40 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية. ويترك الجيش العراقي المؤتمِر بأوامر ممثليها في بغداد دباباته وآلياته ومدافعه وأطناناً من ذخائره ليتسلمها مقاتلو «الدولة الإسلامية» في الرمادي، ثم ينتفض سياسيوها وعسكريوها وجنرالات «الحرس الثوري» رفضاً لاتهامات الأميركيين لهم بأنهم فرّطوا بالأرض لغرض سياسي وليس لسبب عسكري، وأنهم كانوا يتفوقون عدداً وعدة على المهاجمين.

وتترك قواتُ حليفها الآخر، حاكم دمشق، مواقعها وآلياتها وذخائرها في تدمر، وتنسحب من أمام المتشددين إياهم بعد «معركة» لم يؤكدها سوى الإعلام السوري الرسمي. وفي الحالتين يصدر القرار من طهران لإخافة العالم والتلويح له بفزاعة التطرف لإجباره على الاختيار بين سيء وأسوأ. تريد إيران إعادة المنطقة إلى القرن السابع وإبقاءها هناك، لأن ذلك يوفر لها فرص التدخل في سيادة الدول العربية وقرارها، ويمنح توغلاتها «شرعية» تفتقر إليها. وتركّز جهودها على محاولة عكس مسار التاريخ، ومنع العرب من دفن الماضي والتخلص من انقساماته، فترفع شعار «كل أرضٍ كربلاء»، وتتستّر بعداء لفظي لإسرائيل، وتستغل «سذاجة» الأميركيين الذين صدّقوا كذبة اخترعوها عن «توازن» بينها وبين العالم العربي، فيما هم يحلمون بعقود النفط والتصدير. لكن الوقوف على الأطلال لن يفيد و»كربلاء» اندثرت ولن يجدي استحضارها.