روبرت أولسون: شيطنة إيران وتغير السياسة الجغرافية العالمية//مهى عون: العراق يتهاوى والولايات المتحدة تناور

342

شيطنة إيران وتغير السياسة الجغرافية العالمية
روبرت أولسون/السياسة/22 أيار/15

منذ ان توصلت ايران والولايات المتحدة الى اتفاق موقت في ما يتعلق ببرامج ايران النووية راحت وسائل الاعلام والصحف الوطنية في الولايات المتحدة واسرائيل وبعض الدول العربية تصف ايران ب¯ “الشيطنة” وبانها “غير جديرة بالثقة” ومخادعة” و”لا يؤتمن جانبها” الا انه من الواضح في عالم السياسة الجغرافية “الجيوبوليتيكا” ان ايران لم تتصرف بخداع اكثر من اي دولة اخرى في المنطقة.

صحيح ان في السنوات الاولى لجمهورية ايران الاسلامية حاولت نشر دعاياتها الثورية خارج حدودها خصوصا في الدول العربية التي توجد فيها اقليات شيعية كالعراق ولبنان وسورية وتركيا, ومن المهم ان ندرك ان ايران لها جماعات وطوائف جاهزة لمثل هذه الدعايات وقبيل نهاية القرن العشرين هدأت تلك الدعايات وعادت ايران الى مسايرة نظام العلاقات الديبلوماسية الكلاسيكي الذي يحافظ على “ميزان القوى” الا انها عادت الى تجديد انشطتها الدعائية بعد الغزو الاميركي للعراق في العام 2003, وتمكنت بنجاح من تأكيد تلك السياسات التي كانت قد دعت اليها من قبل نتيجة الاساليب الخاطئة التي اتبعتها الولايات المتحدة في العراق, خصوصا بعد ان سمحت لنوري المالكي بان يصبح رئيسا للوزراء.

علينا ان نتذكر ان ايران حتى قبل اعلان الجمهورية الاسلامية في العام 1979 اقامت علاقات وثيقة مع نظام البعث السوري برئاسة حافظ الاسد العلوي, كما ان التحالف مع نظام الاسد في سورية مكن ايران من مد نفوذها الى شواطئ البحر الابيض المتوسط, كذلك ساعد تأييد ايران نظام الاسد على ممارسة بعض الضغوط على الدول العربية في المنطقة, وسمح لتركيا بتأدية دور اكبر في السياسات الخاصة بدول شرق البحر المتوسط بصورة لم تكن متاحة لها من قبل.

كانت حركة ذكية ان توثق ايران علاقاتها بالنظام السوري خصوصا على المستوى الجيوبوليتيكي فبعد اندلاع الحرب الاهلية في سورية في شهر مارس 2011 استطاعت ايران ان تؤدي دورا حيويا “مع روسيا” في منع التحالف المضاد للاسد من اسقاط نظامه, وكان لهذا مغزاه السياسي بالنسبة الى ايران (التي تبلغ نسبة الشيعة فيها 90 في المئة من عدد السكان) لانه مكنها من اثبات تعاطفها مع الشيعة السوريين الذين بلغت نسبتهم 12 في المئة من عدد السكان في ذلك الوقت, بالاضافة الى ذلك ظل المسيحيون في سورية الذين تبلغ نسبتهم عشرة في المئة من السكان والذين هم بطبيعتهم اكثر ميلا لايران- متعاطفين مع نظام الاسد- وسقوط نظام الاسد يؤثر تأثيرا سلبيا وبصورة مؤلمة على قدرة جمهورية ايران الاسلامية على الاحتفاظ بمكانتها الجيوبوليتيكية القوية في منطقة شرق البحر الابيض المتوسط والوقوف بقوة ضد اسرائيل. القول نفسه يمكن ان ينطبق على لبنان الذي تبلغ نسبة الشيعة فيه نحو 30 في المئة من عدد السكان, والمعروف ان “حزب الله” انبثق عن الجماعة الشيعية, كما انه لا يحظى بتأييد كل الشيعة اللبنانيين إلا انهم يشعرون بالامن نظرا الى المكانة البارزة التي يشغلها “حزب الله” في السياسة اللبنانية.

لقد اصبح واضحا للجميع ان “حزب الله” يؤدي دورا قويا في تأييده نظام الاسد في مواجهة القوى المعارضة له, وايضا في مواجهة نظام الدولة الاسلامية في العراق وسورية (داعش). ولايران علاقات طويلة مع شيعة لبنان, والكثير من رجالات الشيعة اللبنانيين البارزين درسوا الفقه في حوزات في العراق (كربلا والنجف) ولا تؤدي ايران دورا شيطانيا عندما تؤيد “حزب الله” في لبنان وسورية, وانما تتصرف بطريقة تحمي الجماعة الشيعية في لبنان كي تكتسب القدرة على مواجهة دول الضد والقوى والمجموعات المعارضة والافراد المناوئين ومساندة ايران للاقلية الشيعية في لبنان تشبه مساندة الفاتيكان للجماعات المسيحية في الشرق الاوسط وهذه المساندة لا تكتسب اي طابع “شيطاني”. ان الدور “الشيطاني” الذي يفترضه البعض يلقى تفهما اكثر اذا وضع في اطاره التاريخي والجيوبوليتيكي والمعروف ان عدد سكان العراق يبلغ 35 مليون نسمة منهم نحو 24 مليون نسمة من الشيعة وستة ملايين من السنة والشيعة اليوم يسيطرون على الحكومة وعلى القوات العسكرية والاستخبارات. ومن الملاحظ ان اثنين من المراكز الدينية الرئيسية للشيعة في مختلف انحاء العالم بما في ذلك شيعة ايران موجودان في العراق كما ذكرنا سابقا وقدرة ايران في الحفاظ على مركزها الجيوبوليتيكي ودعمه في العراق مسألة بالغة الحيوية ليس فقط بالنسبة لجمهورية ايران الاسلامية, وانما ايضا بالنسبة لاي حكومة يمكن ان تتقلد السلطة في ايران بغض النظر عن اتجاهها السياسي اوالايدلوجي, ومن المهم جدا ان نفهم ان السياسات الاميركية التي اسيء توجيهها في العراق مسؤولة بدرجة كبيرة فيما حدث من تطورات. وشيطنة ايران لن تغير تلك التطورات الجيوبوليتيكية العالمية ويبدو انه ليس فقط على الولايات المتحدة ان تدرك هذه الحقائق الجيوبوليتيكية وانما من الضروري ان تدركها ايضا دول الخليج العربي.

* محلل سياسي لشؤون الشرق الاوسط في ليكسنغتون – كنتاكي- اميركا
والمقالة نشرت في “تو داي زمان”
* ترجمة محمد صفوت

 

العراق يتهاوى والولايات المتحدة تناور
مهى عون/السياسة/22 أيار/15

غريب أمر الإدارة الأميركية التي تتعمد المواقف الملتبسة حيال مجريات الأوضاع في العراق, فتارة تصدر بيانات الدعم والتشجيع لفكرة تدخل ميليشيات شعبية متعددة الطوائف, وطوراً تناصر فكرة تدخل إيران الميداني لدعم مسعى الحكومة العراقية لاسترداد الرمادي من يد “داعش”, علماً ان حتى الساعة لا معطيات أميركية حيال طبيعة تكوين هذا “الحشد الشعبي” الذي دعمته في وقت سابق لتحرير تكريت من يد “داعش” وتبينت لاحقاً ارتكابات أياديه السود بحق الشعب في تكريت. فهل كانت الإدارة الأميركية مغشوشة به وبطبيعته واستفاقت اليوم فقررت تشكيل ميليشيات متعددة المشارب والمذاهب من اجل دعم الحكومة لتحرير الرمادي. قبل هذا وذاك من التفاسير لا بد من الإشارة إلى خطورة أكبر, وهي أن العراق في طور التهاوي والتفتت والسقوط في قبضة طرفين يوحيان خارجياً بعداء أحدهما للآخر, فيما حقيقتهما غير ذلك تماماً, ف¯”داعش” من جهة بات يحتل غالبية منطقة الأنبار, أي ما يشكل 40 في المئة من مساحة العراق, وذلك من ظل استمرار الغموض المسيطر على اهدافه الخفية, ناهيك عن الجهة التي تدعمه وتغذيه, ومن الجهة الأخرى ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية الطابع, والتي تتقدم لتحتل بعض المناطق السنية من غير أن تصطدم فعلياً مع قوى “داعش”. كل هذا يُظهر أن هناك تقاسماً ضمنياً للأدوار بينها, ما يحمل على الظن أن الذي يجري في منطقة الرمادي والأنبار عموماً في ظل هروب الجيش النظامي وانكفائه بهذا الشكل المزري, هو نوع من التمثيلية المحبوكة الأبواب والفصول بين تقدم هاتين القوتين على الأرض, فتقدم “داعش” يبرر لهذه الميليشيات الشيعية نفوذها المتعاظم, ويبرر تقدمها كقوة ضاربة تعمد إيران كل مرة إلى طرحها حلاً بديلاً لتواجد “داعش”.

وفيما لم يعد خفياً حتى على طفل أن الضحية الأولى لمشروع تقدم “داعش” في العراق هم أهل السنة, وذلك من طريق تعمُّد الحكومة العراقية تهميشهم على صعيد السلطة, أو تعمد عدم تسليح ميليشياتهم بحجة التخوف من أن يصب هذا السلاح في دعم “داعش”, رأينا قمة الهرطقة من هذه الحكومة منذ يومين, في منع الهاربين من نير القتال في منطقة الرمادي باتجاه بلدة عامرية الفلوجة, من العبور على جسر على نهر الفرات لدخول بغداد.

وحيال كل هذه التطورات الخطيرة التي تشي بالمزيد من انهيار القوى المسلحة العراقية أمام تمدد “داعش” من ناحية وتعاظم قوة “الحشد الشعبي” من الجهة الأخرى, يصدر موقف من البيت الأبيض يطالب بالإسراع في تدريب وتسليح عشائر العراق, على أن تكون القوة البرية متعددة الطوائف تحت سيطرة العراق وقيادته من أجل استعادة الرمادي.

نوايا جيدة, لكن أيٌّ منها الحسن عندما يحين وقت التطبيق والترجمة على أرض الواقع? ويدور تساؤل حول حقيقة تأثير ضربات التحالف على ردع احتلال “داعش” المتمادي للأنبار والموصل وهيمنة الحشد الشعبي على تكريت? وأي تأثير للقوى المتعددة الطوائف فيما الاختبار على صعيد تكوين الجيش على هذا المثال كانت فاشلة? هل يظن أوباما فعلاً أن بناء جيش موحد مكون من مختلف المذاهب قادر على تحمل مسؤولياته في كل المناطق العراقية وبشكل متساو ومن غير اعتبارات مذهبية? وهل تكوين ميليشيات شعبية على هذه الشاكلة معقول وقابل للترجمة بعد كل هذا التنافر والكره المذهبي المستفحل والمتفاقم على الصعيدين الشعبي والسياسي? وهنا لا بد من الإشارة إلى أن كل هذا التشرذم هو في الحقيقة نتيجة احتلال العراق, وبدأت تداعياته منذ أن بدأ بول بريمر مهمة التدمير الممنهج للجيش العراقي من خلال ما أطلق عليه حينها تسمية “تنظيف المؤسسات من حزب البعث”.

يبقى أن مجمل مواقف الإدارة الأميركية وطروحاتها حالياً لم تتعد المواقف الطوباوية الهادفة إلى ذر الرماد في العيون, وأقل ما يُقال فيها إنها استخفاف بالعقول… فما تفعله إدارة باراك أوباما ليس سوى استكمال لسياسة سلفه في قراره الانسحاب من العراق بعد احتلاله وتسليم شؤون إدارته إلى الإيرانيين, ف¯ “داعش” والحشد الشعبي وكل مكون مستقبلي على أرض العراق منتجات إيرانية, همها الأول والأخير تدجين وإسكات أهل السنة بعد سلبهم أرضهم ومناطقهم… وحين يقول جون كيري وزير الخارجية إن سقوط الرمادي في يد “داعش” لن يطول, وإن تحريرها سيتم خلال أسابيع, ولا يعارض مسؤولون أميركيون آخرون مشاركة إيران من خلال ميليشيا “الحشد الشعبي”, فإن هذا الكلام يختصر كل السيناريو.