وليد شقير: عن تحديد خسائر إيران//اميل خوري: هل يكون حزيران شهر الحسم في المنطقة فإما سلام شامل وإما حروب تنتهي بالتقسيم؟//رندة حيدر: الجنوب اللبناني منطقة عسكرية

235

عن تحديد خسائر إيران
وليد شقير/الحياة/22 أيار/15

في مسارها نحو تثبيت أوراقها التي اكتسبتها في الإقليم وحمايتها، تجهد طهران في استباق الاتفاق على النووي بينها وبين دول 5+1 المنتظر آخر الشهر المقبل. بات الوقت داهماً، وصار لزاماً عليها أن تتمسك بما أمكنها من هذه الأوراق التي داهمتها يقظة عربية، ولو محدودة (حتى الآن)، تعاكس خطتها اجتياح الإقليم في إطار الجموح الإمبراطوري الذي تسرّع غير مسؤول إيراني في التبشير باكتماله خلال السنة الماضية. وبالقدر الذي بدت الدول العربية عاجزة أمام الخطة الإيرانية على مدى العقود الماضية، حال غرور ايران دون رؤية تعاظم النقمة العربية ضد توسعها وتراكم النقمة على مكابرتها، إزاء الأذى الكبير الذي تسببت به للنسيج الاجتماعي في غير دولة، وصولاً إلى تصاعد الاحتقان المذهبي السنّي الشيعي. ومن أبرز أضرار هذه الفوضى أن الوحش الإرهابي الذي أرادته فزاعة لشعوب العالم تمنحها الإجازة الدولية بقيادة الحرب على الإرهاب، بات يهدد إنجازاتها الإقليمية، من دون أن ينزع عنها تهمة «الدولة الراعية للإرهاب».

وبالقدر الذي أفادت طهران من الفوضى التي ساهمت في تغذيتها، عبر الحروب بالواسطة التي خاضتها في الإقليم، بات عليها أن تحدد الخسائر التي تنجم عن استنزافها هي أيضاً في مواقع النفوذ التي اصطنعتها، لأن الفوضى أخذت تقض مضجعها وتقوض مواقع النفوذ هذه، مثلما هو حاصل في العراق هذه الأيام. لم يعد هذا الاستنزاف محصوراً بالنظام العربي، الذي ضعف نتيجة غياب المبادرة وسوء قراءة التحولات في المجتمعات والسياسات الدولية، بل تحول التسلل الإيراني إلى العديد من الدول تحت عناوين شتى، مصيدةً للتوسع الإيراني نفسه. وبالحد الأدنى، بات فريقا الصراع الإيراني والعربي متساويين في الضرر من الفوضى التي تنامت تحت نظر القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية.

في اليمن قطعت «عاصفة الحزم» طريق «الشراكة» التي كانت ايران تطمح إليها في أمن باب المندب وخليج عدن، بل إن محاولتها مقاومة استعادة دول الخليج المبادرة بتأييد عربي ودولي، جوبهت بمزيد من الإصرار على استبعادها من تلك الشراكة. انعقد مؤتمر الرياض حول اليمن على رغم معارضة ايران، واتخذ قراراً بالسعي إلى تشكيل قوة عربية مشتركة تشرف على الحل في البلد. وتبنت قمة كامب ديفيد الأميركية الخليجية في 14 الجاري منطق المبادرة الخليجية للحل، بعد أن باتت في صلب القرار الدولي 2216… واضطرت طهران إلى القبول بتفتيش سفينة «المساعدات الإنسانية» التي أرسلتها إلى اليمن من قبل الأمم المتحدة، في جيبوتي، بعد أسبوعين من التهديد والوعيد برفض التفتيش. وتتهيأ الأمم المتحدة لاستضافة حوار بين الفرقاء اليمنيين في جنيف، دور طهران فيه يقتصر على تشاور الموفد الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد معها في شأنه من بعد، كي تمارس تأثيرها على الحوثيين ليتجاوبوا مع إرادة المجتمع الدولي.

وفي سورية، أسفر التوظيف الإيراني بالدعم اللامتناهي لنظام بشار الأسد بالمال والرجال والسلاح، على مدى 4 سنوات، عن اتهام طهران بأنها اكتفت بمكاسب الأصول العقارية الضخمة التي حصلت عليها في دمشق ومحيطها مقابل هذا الدعم، عندما تمكن معارضو النظام من تحقيق تقدم على الأرض من دون أن تنفعه الحماية الإيرانية، وهو تقدم رفده توافق خليجي تركي على تعديل ميزان القوى في بلاد الشام، اعتبرته واشنطن ضرورياً من أجل ولوج الحل السياسي الانتقالي الذي يضمن «ألا يكون لبشار الأسد دور في مستقبل سورية». ومع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما رجح ألا يأتي هذا الحل خلال ولايته التي تنتهي في أول شهر من العام 2017، فإن الفترة الزمنية الفاصلة تشي بأنها ستكون المدى الذي سيستغرقه تعديل ميزان القوى بالتزامن مع مواجهة «داعش» و «القاعدة»، وهي المدة الزمنية التي يرجح أن تُستنزف فيها طهران. الفارق بين دمشق وصنعاء هنا، أن الجانب الإيراني قد يتمكن من الاحتفاظ بإمكان الجلوس الى الطاولة من أجل الحل بالنسبة إلى الأولى، بينما سيكون الأمر متعذراً في الثانية.

من العواصم الأربع التي يشملها التوسع الإمبراطوري الإيراني، تبقى بغداد وبيروت العاصمتين اللتين يملك الجانب الإيراني إمكانات عسكرية وسياسية كبرى تسمح له بالتحكم بمجريات الأمور فيهما. في بلاد الرافدين ربما يجد المجتمع الدولي مبرراً لتقاطع المصالح مع الحضور الإيراني المهم على سبل الحل في البلد الجريح. وفي لبنان، ليس هناك من قوة مقابلة للنفوذ الذي ترتكز إليه طهران، فهل تلجأ إلى تحديد خسائرها بالاكتفاء بنفوذها في هذين البلدين، بعد إبرام اتفاقها مع المجتمع الدولي على النووي، أم أنها تبقى على جموحها؟

هل يكون حزيران شهر الحسم في المنطقة فإما سلام شامل وإما حروب تنتهي بالتقسيم؟
اميل خوري/النهار/22 أيار 2015

إذا كانت قمة كمب ديفيد أخرجت في الماضي اتفاق سلام منفرداً بين مصر واسرائيل، وإن ظلّ هذا السلام بارداً، فماذا تخرج قمة كمب ديفيد بين أميركا ودول الخليج؟ هل تخرج سلاماً شاملاً للمنطقة أم حروباً لا تنتهي؟ الواقع انه لا بدّ من انتظار بعض الوقت لمعرفة حقيقة ما تمّ الاتفاق عليه في تلك القمة. وقد يظهر ذلك من خلال تطورات الوضع في العراق وسوريا واليمن، وهل يتجه هذا الوضع نحو حلّ سياسي شامل أم نحو مزيد من الحروب والدمار، وأيضاً انتظار نتائج المفاوضات حول الملف النووي الايراني، وهي نتائج إما انها تجعل دول الخليج تطمئن اليها أو تظل قلقة، والقلق لا يولّد الاستقرار ولا يبدد الهواجس. لقد كرّرت أميركا القول تطميناً لدول الخليج إنها ستقف معها إذا تعرضت لأي عدوان، وتقصد به إيران. ولكن لماذا تبقي أميركا إيران دولة مخيفة والخليج دولاً خائفة ولا تزيل أسباب الخوف والتخويف؟ هل لتظل أميركا حاجة لكلا الطرفين، الطرف الخائف والطرف المخيف لتلعب لعبة التوازن ساعة تشاء ولعبة الغالب والمغلوب ساعة تشاء… فتكون قمة كمب ديفيد أشبه بذاك الحاكم الذي طلب بناء مستشفى عند كوع خطر تكثر فيه الحوادث بدل أن يوسع الكوع…

إن شهر حزيران المقبل قد يكون الشهر الذي يحسم صورة الوضع في المنطقة، فاذا تمّ الاتفاق على البرنامج النووي الايراني، وحظي هذا الاتفاق برضى الجميع بمن فيهم اسرائيل، فان تباشير السلام الشامل تكون قد ظهرت ملامحها وصارت ترجمتها حلولاً للأزمات في العراق وسوريا واليمن، بحيث تضع نهاية للحروب فيها، ونهاية أيضاً لأزمة الانتخابات الرئاسية في لبنان. وهذا السلام قد لا يتحقق إلا إذا قام على أساس تقاسم مناطق النفوذ بين الدول المعنية. أما إذا لم يتم الاتفاق في نهاية حزيران المقبل على البرنامج النووي الايراني وكان في حاجة الى اعطائه مهلة جديدة توصلاً الى اتفاق، فان هذه المهلة قد تمنح ايران فرصة جديدة لتوسيع دائرة تمدّدها في المنطقة، أو يكون الاتفاق الذي يتم التوصل اليه لا يرضي كل الدول المعنية، فان الحروب فيها قد لا تنتهي عندئذ إلا بالتقسيم.

فهل يمكن القول إن حزيران المقبل سيكون حاسماً في تقرير مصير المنطقة ومعرفة أي صورة سترسم لها؟ فاذا كان الأمر كذلك فان على الزعماء اللبنانيين، إذا كانوا مخلصين لوطنهم، الاتفاق قبل أي أمر آخر على تحديد دور لبنان في حال تحقق السلام الشامل في المنطقة، أو في حال استمرت الحروب فيها، واذا لم يفعلوا ذلك في أقرب وقت فإنهم يتحملون مسؤولية إدخال لبنان في لعبة التقاسم أو التقسيم. فاتفاق اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم على أي لبنان يريدون، أو الى أين يذهبون به وسط ما يجري في المنطقة، هو ما ينقذ لبنان من تداعياته. فهل يتفقون على تحييده وهو ما تقرّر بالاجماع في هيئة الحوار الوطني في قصر بعبدا باعتباره الحل الذي يحقق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الدائم والثابت، ويحلّ مشكلة المناصفة بالغاء الطائفية توصلاً الى إقامة الدولة المدنية التي لا يحكمها سوى أصحاب الكفاية والجدارة والنزاهة؟ ولا شكّ في أنّ ما يعجّل تحقيق ذلك هو الاسراع في ايجاد حلّ للحرب في سوريا كي يتاح لـ”حزب الله” الانسحاب منها والعودة الى لبنان بوجهه الجديد الذي يريحه من متاعب التجاذبات في الداخل ومن متاعب التجاذبات في الخارج، ويكون ما بعد قمة كمب ديفيد غير ما قبلها.

الجنوب اللبناني منطقة عسكرية
رندة حيدر/النهار/22 أيار 2015

منذ تولي غادي إيزنكونت رئاسة اركان الجيش الإسرائيلي عكف على وضع النظرية الآتية وهي ان الحرب المقبلة مع “حزب الله” واقعة لا محالة ويجب الاستعداد لها بكل الوسائل؛ لكن ينبغي في الوقت عينه الحؤول بشتى الوسائل دون وقوعها. ومن أجل التوفيق بين الاستعداد للحرب والمساعي لمنع وقوعها، عمل أيزنكوت على خطين: الخط الاول عسكري يتناول اعداد الفرق العسكرية للحرب من خلال تكثيف التدريب، وتطبيق دروس الحروب الإسرائيلية على غزة، وتعزيز سلاح المشاة الإسرائيلي لمواجهة خطر الانفاق وعمليات تسلل نوعية وتحديث الاستخبارات. والخط الثاني اعلامي دعائي يقوم على شن حملات تهديد موجهة الى “حزب الله”، والقيام بحملات دعائية في الاعلام الغربي. ولهذه الغاية انشأ إيزنكوت شعبة خاصة في الجيش للسياسة الاعلامية والديبلوماسية مهمتها التواصل مع وسائل الاعلام ولا سيما منها الاجنبية من أجل تمرير رسائل الى الحزب، وانشاء قنوات تواصل مع الديبلوماسيين الاجانب لإطلاعهم على مستجدات الوضع من وجهة نظر الجيش الإسرائيلي. ضمن هذا الاطار، يمكن ادخال المعلومات الاخيرة التي نشرتها صحيفة ” النيويورك تايمس” الاسبوع الماضي نقلاً عن ضباط إسرائيليين والتي تظهر بالصور والارقام كيف ينشر “حزب الله” ترسانته الصاروخية داخل البلدات الشيعية في الجنوب خارقاً القرار 1701، ومستخدماً المدنيين على حدّ زعم هؤلاء المسؤولين “دروعاً بشرية”. فما الغاية الحقيقية من حملة التهديدات الإسرائيلية لـ”حزب الله”؟ والى أي حد هي مؤشر لاحتمالات تصعيد محتملة قريبة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية؟ ان الهدف الاساسي لتجدد الحملة الإسرائيلية على خرق “حزب الله” قرار مجلس الأمن 1701، والحديث عن مخاطر ترسانته الصاروخية على إسرائيل، هو تعزيز معادلة الردع القائمة بين إسرائيل و”حزب الله” وخصوصاً في ضوء التصريحات الأخيرة للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بعد عملية مزارع شبعا مطلع السنة الجارية عن تغيير قواعد اللعبة واستعداد الحزب للرد على أي هجوم إسرائيلي عليه سواء في لبنان أم في سوريا. هدف آخر هو ردع الحزب عن نقل عتاد عسكري متطور من سوريا الى لبنان في ضوء تراجع سيطرة النظام السوري. لكن ثمة هدفاً آخر لا يقل أهمية وخطورة عن سابقيه هو سعي الجيش الإسرائيلي الى الحصول على الشرعية الدولية لاستخدام كامل قوته ضد مناطق انتشار الحزب في الجنوب حتى لو أدى ذلك الى وقوع اصابات كبيرة بين المدنيين بحجة ان هؤلاء موجودون في مناطق عسكرية. التسويق الإسرائيلي لفكرة تحول القرى الجنوبية مناطق عسكرية اثناء الحرب مؤشر خطر للنيات العدوانية الإسرائيلية.

لا تغطية للحزب وعرسال في عين العاصفة

 روزانا بومنصف/النهار/22 أيار 2015

من غير المحتمل الا يكون “حزب الله” قد توقّع ان الحكومة برئاسة الرئيس تمام سلام ستوافق على خططه لشنّ هجوم على جرود عرسال لدحر الإرهابيين، كما قال السيد حسن نصرالله في كلمته السبت في 16 أيار. بل هو فعل حين بدا الأمين العام للحزب يرمي الكرة على الحكومة بقوله ان الفرصة لا تزال متاحة أن تتحمل الدولة المسؤولية وأن يتحمل – من اعتبرهم – أصدقاء “هؤلاء الثوار المسؤولية” مدركاً ان لا الحكومة ولا أطرافها سيعطونه شيكاً على بياض. فتحدث “عن حق اللبنانيين والبقاعيين من كل الطوائف، خصوصاً من اهل بعلبك الهرمل، الا يعيشوا في جوار نصرة أو قاعدة أو ارهابيين. اما متى وكيف سنظل، مخبئينه” كما قال، مفصحاً عبر هذه الكلمة عما يخطط الحزب بالذات تحت عنوان استخدام الاهالي ومتهماً خصومه بحماية من يعتبرهم إرهابيين أو تكفيريين بحيث يحرجهم امام اللبنانيين من ان معارضتهم لحربه التي لا يوضح مدى صلتها باهداف خاصة بمصلحته المباشرة ومصلحة إيران والنظام السوري انما هي تفسح في المجال امام تعرض البقاعيين للإرهاب. وثمة تجربة يعرفها الجميع على هذا الصعيد حين كان يرفع عنوان الاهالي في الجنوب في اطار التعرض للقوة الدولية العاملة في الجنوب بحيث لا يتحمل الحزب المسؤولية المباشرة في ما يحصل على النتائج المتوخاة، خصوصاً في ضبط تحركات دوريات اليونيفيل أو أي شيء من هذا القبيل. وفيما يدرك الجميع أن لمعركة القلمون وسعي الحزب الى ضمان جرودها ثم جرود عرسال أهدافاً ترتبط بسعيه الى تأمين مناطق تواصله مع مناطق النظام في سوريا وضمان خطوط الامداد معها، فإنه يعيد المسألة الى الاساس الذي رفعه شعاراً للتدخل في الحرب السورية أي عنوان حماية القرى الشيعية. لذلك فإن تجربة تكرار طرح موضوع جرود عرسال على مجلس الوزراء بالتناوب بين وزراء الحزب ووزراء حليفه العوني الذي أمن له غطاء سياسياً واعلامياً تحت العنوان نفسه في المؤتمر الصحافي الاخير للعماد ميشال عون يفتقد اليه من كل الأفرقاء السياسيين الآخرين كما من الحكومة، يبدو مقدمة للذهاب الى الخيار الآخر عبر مواجهة محتملة يخشى أن تؤدي الى زج الجيش قسراً في معركة يضطر الى خوضها كما حصل في آب 2013 بعد أن يبدأها الاهالي بحيث لن يكون أمام الجميع الا دعم الجيش كما حصل في محطات عدة على رغم الثغر والأسباب التي تكون قد أدت الى ذلك على ما تشهد تجارب عدة حتى الآن كما تضع عرسال في خطر شديد. ما يستفيد منه الحزب هو الترويج لمنطق انه يستمر في التهدئة في الداخل من خلال الحوار مع تيار المستقبل فيما يستمر في توجيه الضربات لخصومه وفق ما عد مثلاً الحكم الصادر في حق الوزير السابق ميشال سماحه كما في موضوع اعداده لمعركة جرود عرسال بعدة معلنة ومعروفة كما في تهدئة التصعيد الذي كان يعتزم حليفه المسيحي القيام به الى حد تعطيل الحكومة. الأمر الذي ينفي عنه سعيه الى تفجير فتنة مذهبية أو داخلية.