جويس كرم/شرق أوسط جديد يصدُم أوباما//الياس حرفوش/قمة الهواجس الخليجية

415

شرق أوسط جديد يصدُم أوباما
جويس كرم/الحياة/13 أيار/15

أن يحضر اثنان فقط من زعماء دول مجلس التعاون الخليجي قمة “كامب ديفيد” التي تنطلق غدا، يعني تحولاً في النمط الديبلوماسي والجيوسياسي بين واشنطن والمنطقة ورسالة الى الرئيس باراك أوباما فحواها أن المنطقة ليست حبيسة نفوذ “العم سام”، وبدأت تتطلع الى بدائل.

ويقول مصدر ديبلوماسي رفيع المستوى أن الاجتماعات التي سبقت القمة كانت متوترة ولا تعبر عن ارتياح أي من دول مجلس التعاون في التعاطي مع إدارة أوباما. وزير الخارجية الأميركي جون كيري سأل نظراءه في اجتماع باريس “لماذا تخافون من إيران وموازنتكم الدفاعية تضاهي موازنة ايران عشر مرات”. السؤال بحد ذاته يعكس سذاجة الادارة في النظر الى الدور الايراني وقراءة مخاوف الخليج. فتأثير إيران لا يخضع لموازنة دفاعية تقليدية، وطهران تحارب من اليمن الى العراق الى سورية ولبنان بميليشيات وتمويل أبعد من جداول برامج “أكسيل” و”باور بوينت” التي تعتمدها واشنطن.

الاجتماعات قبل القمة فضحت أيضا السقف المحدود الذي تتحرك تحته واشنطن في التعاطي مع دول الخليج. فمسودة البيان الختامي التي اطلعت عليها “الحياة” وقد يطرأ عليها تعديلات قبل نشرها رسمياً الخميس، ليست اتفاقاَ بين الجانبين ولا عقيدة دفاعية مثل التي قدمها جيمي كارتر في السبعينات. البيان الختامي بمسودته الحالية لا يعرض طائرات “أف 35” خوفا من تململ اسرائيل وتهديد تفوقها العسكري، ولا يتحدث عن أي اجراءات في سورية تتخطة كلام السنوات الاربع الماضية من أوباما حول “فقدان الأسد الشرعية… ودعم المعارضة المعتدلة”. انها التصريحات التقليدية التي لن يغير وهج اجتماع كامب ديفيد نمطيتها.

جُل ما تريده الادارة نيل موافقة وغطاء اقليمي على اتفاق شامل قد يوقعه أوباما مع إيران في تموز (يوليو) المقبل. هذا الغطاء لن يتخطى أيضا الموقف المكرر لدول الخليج باعتبار أي اتفاق “ذي براهين” يمنع ايران من تطوير السلاح النووي يصب في مصلحة المنطقة. آلية هذا الاتفاق وبنوده ستتحدد على طاولة الدول الخمس الكبرى وفي قاعات الأمم المتحدة والكونغرس اذا كان “شاملا”، والبراهين ستنكشف في معايير تطبيق ايران للاتفاق أو انتهاكه.

في أحد الاجتماعات التحضيرية للقمة قال مسؤول عربي للجانب الأميركي “هل نمتلك حق التخصيب كما تمتلكه ايران؟”. السؤال أزعج البيت الأبيض وكان الرد “بعد هذا المسار المضني مع طهران هل تريدون أن تصبحوا إيران”. وهنا أيضا جدل بيزنطي يعكس الهوة البعيدة بين فهم واشنطن والواقع الجديد في دول المنطقة. هناك اليوم تحول خليجي أكبر باتجاه السوق الآسيوية والعملاق الصيني، وثقة بالقرار الخليجي وقدرته على التحرك باستقلالية، على رغم تحفظات ادارة أوباما.

هذا الواقع يعقد حسابات الادارة الأميركية، وقد يدفع بتحولات سياسية وميدانية لا ترضي واشنطن في اليمن والعراق وسورية. إذ تذمر أخيرا مسؤول في البيت الأبيض من تقدم المعارضة السورية شمالا وكون ذلك “يفيد الجهاديين وجبهة النصرة”. لكن بغض النظر عن التحليل السياسي الخاطئ لهذا المسؤول، فموقفه ليس له وقع القوة العظمى بعد أربع سنوات من التردد والتذبذب الأميركي في سورية. قمة كامب ديفيد في الشكل والمضمون سترسخ واقعا أكثر استقلالية لدول الخليج، وآخر أقل استراتيجية ونفوذاً لادارة باراك أوباما.

قمة الهواجس الخليجية
الياس حرفوش/الحياة/13 أيار/15

بين ادارة أوباما والحكومات الخليجية قراءة وتحليل مختلفان للهمّ الإيراني الجاثم على المنطقة. لا سرّ في ذلك. ولا تخفف العبارات الديبلوماسية من قبل الجانبين حقيقة هذه القراءة المختلفة. ولا شك ان هذا الهمّ سيطغى على لقاءات المسؤولين الخليجيين مع الرئيس أوباما وفريقه اليوم وغداً في البيت الابيض وكامب ديفيد، وهي لقاءات يفترض ان تكون فرصة لمصارحة بين الفريقين تتناول التحفظات والهواجس، كي لا تبقى عرضة للتأويلات الاعلامية والتوقعات المغلوطة.

غير انه سيكون من الصعب، في هذه الفترة المتأخرة من ولاية أوباما، ان ننتظر تغييراً جذرياً في فهم الرئيس الاميركي وتحليله لأوضاع المنطقة وللمخاطر المحدقة بها، وعلى الاخص مشروعه القائم على المصالحة مع ايران انطلاقاً من اغلاق ملفها النووي. ففي هذا المجال هناك اختلاف حقيقي بين نظرية أوباما ومخاوف دول الخليج، وهو اختلاف لا بأس من عرضه على طاولة النقاش لمحاولة اقناع الجانب الاميركي بالمخاطر التي تنطوي عليها المصالحة مع ايران على امن المنطقة، اذا لم ترافق هذه المصالحة التزامات وتعهدات ايرانية بوقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

تراهن ادارة أوباما على ما تسمّيها «القوى المعتدلة» في قمة الهرم الايراني، التي ترغب في اعادة الانضمام الى الاسرة الدولية والتحرك في اتجاه مختلف عما كانت عليه ايران لفترة طويلة من الزمن. هذه الرؤية عبّر عنها اوباما بوضوح في حديثه الشهير الى «نيويورك تايمز» في 5 نيسان (ابريل) الماضي. اما دول الخليج فلا ترى في وصول حسن روحاني وفريقه الى الحكم في طهران سوى محاولة من المرشد الاعلى علي خامنئي و»الحرس الثوري» لتسويق ايران دولياً، من دون ان يؤدي ذلك الى تغيير في ايديولوجية الجمهورية الاسلامية، او ان يخفف من الاندفاع الاقليمي لإيران في دول الاقليم التي تنشط فيها. وما يؤكد هذا الواقع ان الدور الايراني لم يشهد أي تغيير أو تراجع منذ تولي روحاني الرئاسة، بل على العكس، فقد اتسع نفوذ ايران في سورية والعراق ولبنان والآن في اليمن. وبعد ان كان القادة الايرانيون يترددون في الكشف عن توظيف نفوذهم في هذه الدول، نجدهم اليوم يفاخرون بذلك، على ما أكد قائد «الحرس الثوري» اللواء محمد علي جعفري أخيراً من ان «مشروع تصدير الثورة الايرانية الى الخارج يسير بشكل جيد ونحن نشهد صحوة ومقاومة اسلاميتين». وفي الاشارة الى اليمن وصعود الحركة الحوثية يعترف جعفري بأن «ايران هي التي صنعت المقاومة اليمنية، التي هي أحدث انجاز للثورة الاسلامية». واذا كان من استنتاج منطقي لذلك فهو ان «الحرس الثوري» هو الذي يدير سياسة ايران في الاقليم، وليس روحاني او وزير خارجيته محمد جواد ظريف، المكلفان بوظيفة ادارة العلاقات العامة وتوزيع الابتسامات بين العواصم الغربية.

هذا الاندفاع الايراني المسكوت عنه اميركياً هو العنوان الابرز للهاجس الخليجي على الخصوص والعربي عموماً. ويجري كل ذلك فيما تسير ادارة أوباما بصورة حثيثة نحو توقيع الاتفاق النووي مع ايران، متوهمة ان هذا الاتفاق سيلجم القوة الايرانية ويعزز موقع «المعتدلين» في طهران. غير ان الرد البديهي على ذلك انه اذا كانت ايران المحاصرة بالعقوبات والمنقطعة عن معظم العالم تتحرك الآن في الاقليم بهذه الطريقة المعادية لانظمة المنطقة ولمصالح شعوبها، فكيف سيكون الحال عندما تتحرر ايران من هذه القيود وتستعيد موقعها الدولي؟

ربما كان مغرياً لادارة أوباما ان تعرض ضمانات أمنية على دول الخليج في مقابل التغيير الذي تعمل هذه الادارة عل انجازه في علاقاتها مع ايران. لكن السؤال يبقى عن فائدة ضمانات كهذه اذا لم يرافقها تغيير حقيقي في نظرة واشنطن الى المشروع الايراني وأهدافه.

مرة أخرى… ربما فات الأوان على ذلك.