علي الحسيني/حزب الله يستعطي جمهوره… ضريبة المال بعد الدم

350

حزب الله يستعطي جمهوره… ضريبة المال بعد الدم
علي الحسيني/المستقبل/24 نيسان/15

وزّع «حزب الله» خلال اليومين المنصرمين ضمن مناطق نفوذه في الضاحية الجنوبيّة والجنوب والبقاع وعدد غير محدود من المناطق في بيروت، «بروشورات» صادرة عن مؤسّسة «هيئة دعم المقاومة الإسلاميّة»، يدعو من خلالها جمهوره الى التبرّع بالمال لدعم عمله العسكري بالتوازي مع حملة إعلامية قد تستمر لأسابيع مقبلة.

منذ فترة طويلة وتحديداً منذ انزلاقه في الحرب السوريّة، لم تقم «هيئة دعم المقاومة» بخطوة علنيّة على الأرض بين جمهور الحزب وبيئته والطلب منهم بشكل مُباشر الدعم المادي لصالح ما تسمّيه بـ«المجهود الحربي». وفي محاولة منه للتأثير على بيئته وجعلها تتعاطف مع حملته الإعلانيّة هذه عمد الحزب إلى طبع صورة أمينه العام السيد حسن نصرالله في أعلى المنشور مُرفقة بكلام له يقول فيه «إنّ دفع المال للمقاومة هو حاجة شرعيّة وأخلاقيّة وإيمانيّة ووطنيّة للمتبرعين لأنّهم من خلال هذا المال يُشاركون في الدفاع عن بلدهم، في تحرير أرضهم، والحفاظ على كرامتهم وعزّتهم«.

«بندقيّة، ذخيرة، حربة، جعبة، سك، لباس عسكري، فيلد، مطرة وحذاء«. مجموعة من العتاد الحربي العسكري كُتبت على شمال المنشور وهي جاءت كاختصار لمشروع عرّف عنه الحزب بأنه مشروع تجهيز «مُجاهد». فئة من الناس في الضاحيّة الجنوبيّة تعاطفت خلال الساعات الماضية مع الإعلان، فقدّمت ما تيسّر من التبرّع به ولكن تحت عنوانين منفصلين. فئة اعتبرت الدعوة بمثابة «تكليف شرعي» لا يجوز التنصّل منه تحت أي حُجّة فلبّت الطلب بكل رحابة صدر وطيب خاطر، وفئة أخرى تبرّعت إمّا تملُّقاً أو خوفاً من ألسنة أو اتهامات يُمكن أن تضعها لاحقاً خارج خيارات «حزب الله» وعندها قد تُحمّل ما لا طاقة لها على أن تتحمّله.

وبين هذه الفئة وتلك، فئة ثالثة لا يوجد معها في الأصل مال تدفعه وهي فئة معدومة الحال لا حول لها ولا قوّة في كسب رزقها، فئة تعتاش على التبرّعات بالرغم من أنها قدّمت أرواحاً من أبناء وأزواج وأشقاء، ضمن قافلة «المُجاهدين» الذين أستغلّت أسماؤهم بالأمس فداءً للمال. جواب أحد المسؤولين عن الحملة ردّ على سؤال والدة شهيد من «حزب الله» كان قد سقط في حرب تموز عما إذا كانت الناس قادرة على التبرّع في ظل الظروف الصعبة بالقول: «إذا كُنتم تُريدون بقاء المقاومة، فعليكم الدفع«.

فئة أخرى من الناس لم تكترث لكل هذه «الهمروجة» الدعائيّة بحسب وصفها لحملات التبرّع التي ازدادت خلال الثماني والأربعين ساعة الماضيّة لدرجة أشعرتهم وكأن «المقاومة» في «ضيقة« ماليّة. لم يتعاط أصحاب هذه الفئة مع الحملة بجديّة كما حالهم في السابق، فلهؤلاء شُبّان ورجال خسروهم في حروب الحزب في سوريا والعراق وخلال التفجيرات التي كانت طالت الضاحية والبقاع. حالهم كان يقول «كأن مصائبنا لا تكفيهم، فإذا بهم يُريدون منّا أن ندفع ضريبة على دمائنا أيضاً».

مليون ونصف المليون ليرة هي تكلفة «المقاوم» سنويّاً. هكذا لخصّ «حزب الله» حاجته للمال من خلال المنشور ذاته وتسهيلاً منه لعمليّة الدفع اتبّع الحزب طريقة المصارف في عمليّة التسديد.

يقول المنشور «إن المقاوم المُرابط على ثغور الوطن يحتاج سنويّاً إلى ألبسة عسكريّة وبعض العتاد، أحدهما لفصل الصيف والآخر لفصل الشتاء وبإمكانك دفعها من الحقوق الشرعيّة على رأي كافة مراجعنا العظام وباستطاعتكم تقسيطها شهريّاً وعلى دفعات». هذا مع العلم أن قيادات في الحزب أكدوا في أكثر من خطاب وكلام في معرض دفاعهم عن إيران أن الأخيرة تتكفّل بتجهيز مقاتليهم من «الحذاء إلى الطربوش«.

لم تكن حجّة «حزب الله» في منشوره الأخير وكلماته حول ضرورة التبرّع بالمال مُقنعة كما كان الحال في زمن الصراع مع إسرائيل، فبالأمس كان المال المطلوب معروف الوجهة، لتدمير سوريا وليس تل أبيب. ولعلّ بعض من تبرّع عاد ليختلي بعدها بنفسه ويُحاسبها في الشق الشرعي المُتعلّق بجواز التبرّع لغزو دولة عربيّة ومُسلمة خصوصاً وأن في آخر المنشور جملة اختصرت معاناة أهل كان لهم نصيب من القتلى على الأرض السوريّة «ويمكنكم المساهمة بمبلغ مُحدّد ومن مبدأ من جهّز غازياً فقد غزا، ولنكن الشركاء في الإعداد للنصر الحاسم إن شاء الله«.

ذات يوم أطل السيد نصرالله بشكل علني على جمهوره وقال: «أعتقد أن من يدفع المال هو حقيقة محتاج له، ونحن عندما نأخذ هذا المال ونشتري به قذيفة فأنا متأكد أن هذه القذيفة تصيب وتدمر دبابة«. والسؤال هنا هل أصابت قذائفكم يا سيد الدبّابة أم أنها تسبّبت بقتل أطفال ونساء وشيوخ، وإن كان الأمر نسبيّاً، فهل كل قذائفكم كانت مُحدّدة الأهداف أم أنّها خلّفت أيتاماً هم اليوم أولى بهذه التبرّعات؟

تقول إحدى السيدات اللواتي رفضن التبرّع، ليس من أجل المال بل للطريقة التي جرى اتباعها من قبل «الهيئة» والتي رأتها مُعيبة بحق الحزب نفسه. «علمنا عن طريق الصدفة أن مركز «هيئة دعم المقاومة» على أوتوستراد السيد هادي نصرالله والذي يرأسه شخص يُدعى «أبو زين» هو عبارة عن شقة فخمة يمتلكها «حزب الله» يكفي ثمنها تجهيز ألفي مقاتل بالمواصفات التي طلبوها في المنشور وربما أكثر.»

يُذكر أنه وبعيد إنطلاق عمله العسكري بسنوات قليلة، أنشأ «حزب الله» مؤسّسة «اجتماعيّة» تُعنى بشكل أساسي بدعم تسليحه وتجهيزه اللوجستي تحت اسم «هيئة دعم المقاومة الإسلاميّة» وقد أولى هذه المؤسّسة أهميّة كُبرى ووفّر لها آلاف الكوادر البشرية، كما قام الحزب بفتح العديد من المراكز الثابتة في معظم المناطق اللبنانيّة وتحديداً تلك التي تخضع لوصايته بهدف استقبال التبرعّات الماليّة حتّى أصبحت في فترة من الفترات بمثابة الرئة التي يتنفس بها جناحه العسكري الذي أضلّ طريق القدس باتجاه دمشق كما أضلّها ذات يوم باتجاه الداخل اللبناني.