الياس الزغبي/بازار الارهاب

332

بازار الارهاب
الياس الزغبي/لبنان الآن
17 كانون الثاني/15

توسّع توظيف العمليّة الارهابيّة الأخيرة في باريس، على مستويات شتّى، خصوصاً ضمن صراعات الشرق الأوسط، وتحديداً في المثلّث السنّي – الشيعي – الإسرائيلي. وبلغت استخدامات العمليّة، في أحد وجوهها، مستوى المزايدة السياسيّة – الجهاديّة في الدفاع عن الاسلام ورسوله. وفي حين التزمت ضحيّة الارهاب، فرنسا، ووراءها أوروبا وأميركا والغرب عموماً، عقلانيّة التمييز بين الارهاب والاسلام، مع الاستمرار في التزام حريّة التعبير. وفي حين حرصت الدول العربيّة، مع تركيّا ودول إسلاميّة أُخرى، على إدانة الارهاب والتطرّف، وعدم تبرير أيّ ارتكاب شنيع باسم الاسلام، مع دعوتها إلى عدم بلوغ حريّة التعبير حدّ المسّ بقيم الدين ورموزه، وقد لاقاها بابا الفاتيكان إلى الموقف نفسه، بهدف انتزاع ذريعة القتل.

تفرّد المحور الذي تقوده إيران، من رأسه في طهران إلى أخمصه في لبنان، باستخدام الحدث في التوظيف السياسي على مستويَيْن متعارضَيْن:

– استخدام عمليّة باريس في ركوب موجة الحرب على الارهاب، ومحاولة تقدّم صفوف مكافحيه، إلى درجة تصوير هذا المحور نفسَه حامياً حمى الحريّات والديمقراطيّة والقيم الإنسانيّة، ورافعاً لواء العدالة وحقوق الإنسان، مع التشفّي الفظّ من الغرب بعبارات “نصحناكم” و”نبّهناكم” وهذه “بضاعتكم تُردّ إليكم وترتدّ عليكم، دعمتم الارهاب فاستقبلوه”! – الظهور بمظهر حامل راية الدين الاسلامي وكرامة نبيّه، في حفلة مزايدة سافرة، وسباق محموم مع شعارات المنظّمات المتطرّفة، من “القاعدة” إلى “داعش” والفروع.

وكان “حزب الله” سبّاقاً في الانزلاق إلى فضح هذه المزايدة. فقد سارع إلى استغلال ما نشرته “شارلي آيبدو” في إصدارها الأوّل بعد محنتها، كي ينشر بياناً رسميّاً شديد التوتّر الديني والمذهبي، يصل إلى حدّ التلويح المموّه بتكرار الاقتصاص منها، والقضاء على من بقي حيّاً من أسرتها. وهذا التهديد المبطّن يذكّر بال”أدبيّات” السياسيّة و”التكليفات الشرعيّة” لهذا الحزب وأوليائه، التي هدرت دم الكاتب البريطاني سلمان رشدي وكلّ من تناول “الثورة الخمينيّة” بالنقد، وسفكت فعليّاً دماء كتّاب ومفكّرين ومثقّفين ومتنوّرين علمانيّين بالعشرات، ومعظمهم من الشيعة، لمجرّد رفضهم نظريّة ولاية الفقيه، وليس فقط بسبب النقد العقلي للدين.

إضافة إلى تصفية قيادات سياسيّة لا تماشي “محورالممانعة”، والردّ بالحرائق واجتياح مناطق محاذية للضاحية ك”بروفا” ل”7 أيّار”، لمجرّد الانتقام من رسم كاريكاتوري عن “سيّد المقاومة”، أكثر بكثير من الردّ على رسوم دانماركيّة عن النبيّ العربي، في المرحلة نفسها. فالأولويّة ل”نبي” الضاحية! كان “حزب الله”، ومعه نظاما الأسد وإيران، في حاجة إلى الرقص على الحبلَيْن: يزايدون من جهة على الغرب في إدانة الارهاب، وعلى السنّة من جهة ثانية في الدفاع عن الاسلام والمسلمين. رقصة مكشوفة لم تستطع بلوغ غاياتها.

فلا الغرب مخدوع ب”ديمقراطيّة” “جبهة الممانعة” وبراءتها من الارهاب، ولا السنّة مخدوعون ب”إسلاميّتها الطهرانيّة” وحرصها على الدين أكثر من 85% من مسلميّ العالم.

ولعلّ انكشاف لعبة المزايدة المزدوجة، دفع قائد “حزب الله” إلى توجيه البوصلة نحو مكان آخر، إسرائيل، مستعيداً الخطاب الخشبي عن الردّ على الهجمات الإسرائيليّة ” في المكان والزمان المناسبَيْن”، وعن صواريخ نوعيّة ممّا تتوقّعه إسرائيل ولا تتوقّع، والاستعداد لاجتياح ما بعد الجليل!

إنّه الهروب إلى الأمام بعينه. فورطة “حزب الله” في سوريّا، لا تغطّيها المزايدة في الاسلام ولغة الارهاب، ولا الردح عن الصواريخ النوعيّة والجهوزيّة القتاليّة ضدّ إسرائيل، ولا زجليّات الحوار مع “تيّار المستقبل”، ومحاولة تصويره كأنّه الترياق للأمن والعصا السحريّة لحلّ مشاكل لبنان.

الكلام العاقل وحده يُنقذ “حزب الله”، ومعه لبنان. هذا الكلام العاقل والمنطقي سمعنا شذرات منه لدى مرجعيّات سنّية دينيّة وسياسيّة من بيروت إلى الأزهر والرياض، ومفاده أنّ التطرّف الديني (اللاديني فعلاً) المولّد للعنف، لا تُسقطه إلاّ قوى الاعتدال. الاعتدال وحده هو الحلّ.

إنّ تطرّف “حزب الله” في لبنان وسوريّا والبحرين وساحات أُخرى، يستجرّ التطرّف، ولا يستطيع التبرّؤ من مسؤوليته برميها على “شارلي آيبدو” في استخدامها الكاريكاتور بعد صدمتها، وكأنّ الارهاب الذي هو في صلبه بات معقوداً على ريشة رسّام!

بمعنى أوضح، إنّ التطرّف الشيعي يستولد تطرّفاً سنّياً، والعكس صحيح. فالارهاب دائرة مقفلة، وخروج “حزب الله” ووراءه إيران من التطرّف، يعالج الجزء الأكبر منه ويسهّل مكافحته.

فالضرورة تقضي بمكافحة التطرّفَيْن معاً، وفي آنٍ واحد.

وبالتحرّر من البازارات الثلاثة: المزايدة في الاسلام، وفي التهديد الورقي لإسرائيل، وفي دعم أنظمة الارهاب، بحجّة الحرب على الارهاب.