الكولونيل شربل بركات/المونسينيور جوزيف سلامة (1958-2023)

149

المونسينيور جوزيف سلامة (1958-2023)
الكولونيل شربل بركات/30 كانون الأول/2023

انتقل مساء أمس الأول إلى رحمته تعالى المونسينيور جوزيف سلامة، خادم رعية مار شربل في ميسيسوغا (ولاية اونتاريو- كندا) بعد صراع مع المرض فاق الستة أشهر بدون أن يُشعر الرعية بمعاناته، لا بل بقي حتى آخر يوم في حياته يقنعها بأنه على ما يرام ويهتم بأدق التفاصيل. وكانت آخر زياراته يوم عيد الميلاد، حيث ألقى كلمته في نهاية القداس وفي نيته “توديع” أبنائه، ولو أنه أشعرهم بأنه تغلّب على المرض وسيعود إلى خدمتهم قريبا جدا.

كان رحيل المونسينيور سلامة ضربة موجعة للرعية، لا بل للجالية اللبنانية في كل أنحاء كندا. فهو قدم إلى هذه البلاد منذ 1988 وخدم في أكثر من عشر رعايا حيث أنشأ بعضها وساعد في رعاية بعضها الآخر، ولو لم يكن كاهنها الأصيل. وقد تنقّل من مدينة كيبيك ستي في الشمال إلى مدينة ونتزور (أونتاريو) في الجنوب حيث أمضى أطول فترة فاقت الخمس عشرة سنة، كان فيها قريبا من مدينة لمينغتون التي تستقبل كل عام احتفالات عيد انتقال السيدة العذراء في رحاب مزارها وظل تمثالها الذي يعتبر نسخة عن مزار حريصا. وهو ساهم في تلك الفترة بانشاء رعية مدينة لندن (أونتاريو). ثم خدم فترة في مونتريال (ولاية كيبيك) وتعرّف على رعية مار شربل في مدينة اوتاوا (اونتاريو). وبعد ذلك أنتقل إلى مدينة أدمنتون في ولاية البيرتا (وسط كندا) وساهم في تفعيل رعية مدينة كالغوري والاهتمام بالجماعة المارونية واللبنانية والعربية في مدينة فانكوفر (ولاية بريتش كولومبيا – أقصى الغرب). ومن ثم انتقل إلى مدينة هاليفكس (ولاية نوفا سكوتشيا) لمساعدة راعيها، ليعين أخيرا كراع أصيل في رعية مار شربل مسيسوغا. وفي رحلته هذه بين أرجاء كندا، تعرّف على الجالية اللبنانية فيها، وساهم في تذليل الكثير من العقبات، كما في مساعدة العديد من القادمين حديثا للتأقلم في هذه البلاد الجديدة والمحافظة على أجواء ثقافية قريبة من ثقافة لبنان.

المونسينيور جوزيف سلامة، دخل الرهبانية اللبنانية في الثالثة عشرة من عمره وعاش كل مآسي الحرب اللبنانية وتخرّج من جامعة الروح القدس في الكسليك حيث سيم كاهنا عام 1984، وبعد أن تنقل في عدد من أديار الرهبنة كان لخدمته في مدينة زحلة أثر كبير. ولم يكن بعيدا عن الشأن الوطني وعن السياسة في لبنان ولكنه تعلّم خلال خبرته في الحياة أن يحتفظ برأيه السياسي لنفسه ويغلّب الانتماء الوطني الأكثر شمولا. لم يكن المونسينيور سلامة محايدا في الأمور الدينية أو الوطنية، ولا كان يتهرب من تخفيف معاناة الناس في الأمور الأنسانية، بل استقبل لاجئين وحضن مهمشين وساعد متعبين وساهم في تأمين عمل وسكن لعائلات دُفعت لتغيير أماكن عيشها.

اهتم المونسينيور سلامة في رعية مار شربل ميسيسوغا بقداس مار شربل في الثاني والعشرين من كل شهر، المخصص لمساعدة الذين يعانون من الأوجاع والأمراض، وهو رافق الكثيرين ودوّن بعض الشفاءات، ولكنه تقبّل أوجاعه وعاشها بدون أن يحمّل وزرها لعائلته أو أصدقائه أو معارفه. فهل أراد المشاركة بآلام السيد وحمل جزء من أوجاعه على طريقة العديد من القديسين؟

نرفع صلواتنا إلى العلي القدير شاكرين له على نعمه، ومنها تجربة المونسينيور سلامة سائلينه الرحمة له ومباركة أعماله ونتاج “تجارة وزناته” الرابحة والتي ترافقه إلى السماء بدون شك متضرعين أن يسكنه رب السماء مع ألأبرار والصديقين في مساكن الراحة الأبدية.