نبيل بومنصف/الاستباحة الإقليمية… الأقوى دائماً

105

الاستباحة الإقليمية… الأقوى دائماً!
نبيل بومنصف/النهار/19 تموز/2023

بصرف النظر عن النتائج والتداعيات والدلالات والمؤثرات وما الى ذلك من تلاطم حاد في القراءات والمواقف التي ستملأ فضاء الازمة المفتوحة في لبنان ، بدت قطر بتنظيمها “الاجتماع الثاني للمجموعة الخماسية في شأن لبنان” كأنها نجحت في تثبيت اطار هذا “التنظيم الدولي” المعني بالازمة بدليل البيان المشترك الصادر عنه بالنص والصورة وكل المشتقات . لن نتبحر في التكهن بما سينتج عن الاجتماع وما سيؤدي اليه خصوصا من زاوية مضي فرنسا او عدم مضيها في “مبادرة” نازعت وتنازع السقوط لكن التطور الحاصل في مسار مجموعة دولية – عربية ولو محصورة بخمس دول غربية وعربية من شأنه ان يستحث على استحضار تاريخ هذا النمط من التدخلات الخارجية في أزمات لبنان ومدى تأثيرها عليها .

لعل المفارقة التاريخية في حال استجماع قيام تكتلات او تجمعات او اطر منظمة من الدول عملت في حقبات عدة من تاريخ الازمات المقترنة بقدر لبنان الجغرافي وطبيعة تركيبته الهشة وسط “وحوش” الإقليم الشرهين حياله تثبت ما لا يعترف به كثيرون من ان “التدويل” هو تحصيل حاصل حيال لبنان ولكنه غالبا ما يشكل العامل الأضعف امام سطوة العوامل الإقليمية التي تسحق بلد الأرز . لن نعود الى التاريخ السحيق قبل قرن حيث سبق ترسيم حدود بين لبنان وفلسطين نشؤ إسرائيل بقوة الاغتصاب على تراب فلسطين ، ولكن تحريك موضوع الترسيم البري للحدود الجنوبية أخيرا وتحريك “المجموعة الخماسية في شأن لبنان ” البارحة لا ينفصلان عن واقع بلد لا يزال منذ مئة عام ينازع قضاياه المصيرية الوجودية سواء في الداخل المأزوم الذي لا يعثر على استقرار او في الجغرافيا الظالمة التي وضعته وسط جيران عدوانيين وشرهين او ما بينهما في تقاطع إقليمي يربط الكثير من طوائفه وفئاته بانتماءات عابرة لمصالح لبنان وتصب في خدمة الإقليميين .

منذ الحرب تنوعت أنماط التدخلات الدولية في لبنان بتطور طبيعة التخوف دائما من ان يفجر لبنان الامن الإقليمي . حصل ذلك مرارا ولذا لم يكف اطار الأمم المتحدة وحده وقرارات مجلس الامن بالعشرات بدءا بالقرار التاريخي الأشهر 425 بلوغا الى القرار الأشهر الثاني 1559 ومن ثم القرار الأشهر الثالث 1710 لكي يتحصن لبنان ، البلد الذي ساهم عبر شارل مالك في انشاء شرعة حقوق الانسان ، بغطاء الشرعية الدولية . عبثا كان الصراع دوما بين التدويل كما تعكسه عشرات القرارت الدولية ذات الصلة بحقوق لبنان الراسخة والتاريخية في السيادة والاستقلال واحادية السلاح الشرعي ضمن حدوده المعترف بها دوليا و”الأقلمة” التي كانت ولا تزال الدول التي تستبيح لبنان كساحة لاطماعها ونفوذها وحروبها وصفقاتها تحكم قبضتها على مصيره . لا فارق “قوميا” واخلاقيا هنا بين عدو وشقيق وصديق ما دامت عوامل تدمير لبنان تمضي بلا هوادة منذ الاستقلال الأول الى الاستقلال الثاني الى ضياع كل معالم السيادة والاستقلال والدولة راهنا بايدي داخلية مرتهنة للخارج الإقليمي .

قامت منذ عقود مجموعات دولية مختلفة على اسم استنقاذ لبنان ولو كانت ولا تزال تجمعها مصالحها أولا ولكنها غالبا شكلت عامل ردع نسبي للشراكات اوالاستباحات الإقليمية للبنان . اخر النماذج الحية لهذه التجربة “المجموعة الخماسية” التي ذكرتنا البارحة بالقرارات الدولية والطائف والدستور. في الظروف التي تتآلب على لبنان يغدو عامل الزمن قاتلا حين يكتشف اللبنانيون ان مصيرهم كمصير الدستور الرهينة والقرارات الدولية التي يعلوها غبار انتظار دولة لن تولد !