رابط فيديو القداس الالهي الذي ترأسه البطريرك الراعي اليوم 15 تموز/2023 لمناسبة عيد القديس شربل من الكنيسة الخارجية لدير مار حوشب الأثري – بقاعكفرا/مع نص العظة

75

رابط فيديو القداس الالهي الذي ترأسه البطريرك الراعي اليوم 15 تموز/2023 لمناسبة عيد القديس شربل من الكنيسة الخارجية لدير مار حوشب الأثري – بقاعكفرا

15 تموز/2023

عظة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي
عيد مار شربل
بقاعكفرا – السبت 15 تمّوز 2023
“حينئذٍ يتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم” (متى 13: 43)
1. تفسير الربّ يسوع لمثل زؤان الحقل، جوابًا على طلب تلاميذه، يقتضي منّا العودة إلى نصّ المثل: “يشبه ملكوت السماوات رجلًا زرع في حقله زرعًا جيّدًا. فجاء عدوّه ليلًا وزرع بين القمح زؤانًا ومضى” (متى 13: 24-25).
يقول الربّ: الزرع الجيّد هم أبناء الملكوت الذين زرعهم إبن الإنسان، يسوع المسيح، في حقل هذا العالم … أمّا الزؤان فهم بنو الشرير الذين زرعهم الشيطان عدوّ المسيح (راجع متى 13: 37-39).
2. القدّيس شربل الذي نحتفل بعيده في بلدة بقاعكفرا العزيزة حيث وُلد وتربّى ونشأ وفي قلبه نشوة وشوق إلى الله، هو هذا “الزرع الجيّد” الذي زرعه الربّ يسوع في حقل بقاعكفرا، وفي حقل الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة الجليلة وفي حقل الكنيسة المارونيّة. فنبت مثل حبّة الحنطة التي أعطت الواحدة مئة. فها هو “يتلألأ كالشمس في ملكوت الآب”(متى 13: 43). ونوره يسطع من دون ليل على الكرة الأرضيّة بأسرها.
3. يسعدنا والنائب البطريركي على الجبه سيادة المطران جوزف نفاع، أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي نكرّمه فيها، هو الذي عاش قداسه كمحور يومه. منها كان ينهل روحانيّته وقوّته، وفيها كان يضمّ ذبيحة تقشّفاته وإماتاته وحرمانه إلى ذبيحة يسوع الخلاصيّة. فعندما استبدل إسم يوسف باسم شربل، في مرحلة الإبتداء في الرهبانية اللبنانية المارونية، وهو شهيد أنطاكيّ استشهد سنة 107 بسبب إيمانه المسيحيّ، في عهد الإمبراطور الروماني تريانوس، قرّر شربل مخلوف أن يعيش شهيد المسيح. والشهيد هو في الأساس الشاهد للمسيح بإيمانه وحياته النقيّة التي يبلغ إليها يوميًّا عبر إنتصاراته على تجارب الشيطان ومغريات الحياة اليوميّة، عبر صراع دائم مع الذات.
4. في الواقع بدأ رحلة الشهادة والإستشهاد مذ كان شابًّا في بقاعكفرا العزيزة، وكان يلقّب في حينه بالقدّيس. بدخوله الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، على خطى خاليه، قرّر أن يكون للمسيح الشاهد-والشهيد. وكان أوّل استشهاد له عندما ضحّى برؤية وجه أمّه التي أتت إلى الدير لتراه، فخاطبها من وراء الباب في دير مار مارون عنّايا. ولمّا طلبت منه أن ترى وجهه ولو للحظة، أجابها، وقلبه يقطر دمًا: “يا أمّي، سنلتقي فقط في السماء، وعلى مدى الأبديّة”. وهكذا فعل. فلم يرَ وجهها قط. ولم ينظر إلى وجه أي إمرأة.
5. عندما أبرز النذور الرهبانيّة الثلاثة، الطاعة والعفّة والفقر، قدّم ذاته كلّيًا لله، مستشهدًا، وجاعلًا من نفسه تقدمة كاملة مرضيّة لدى الله. فبالطاعة تخلّى عن إرادته الذاتيّة ليعتنق إرادة الله؛ بالعفّة تخلّى عن كلّ ميل وفكر ونظرة بشريّة ليملأ عينَيه وقلبه وعقله من نور المسيح وليكرّس حبّه وكلَّ جسده وروحه لله؛ بالفقر تخلّى عن كلّ خيرات الدنيا ليغتني بالله. بكلّ هذا “التخلّي” مات عن كلّ شيء ليكون كلّه لله. بالنذور والثوب الرهبانيّ وما له من رموز، كلّ شربل “لبس” إنسانًا جديدًا. “ومشى أبدًا في جدّة الحياة” (روم 6: 4). فيا للبطولة في محبّة الله! شربل الذي “مات” عن العالم، جعله الله حاضرًا وحيًّا في كلّ العالم، ومعروفًا عند جميع شعوب الأرض، يخاطب قلوبهم تحت كلّ سماء!.
6. لقد عاش الأب شربل شهيدًا، مائتًا عن نفسه كلّ يوم بالسهر للصلاة راكعًا أمام القربان في الليل، محتفظًا فقط بثلاث ساعات للنوم، متناولًا طعامًا زهيدًا، جاهدًا نفسه في عمل الحقل، مقدّمًا خدمات وضيعة للإخوة ولا سيّما المسنّين وللجماعة الرهبانيّة. هكذا عاش في دير مار مارون عنايا، حالًا بعد رسامته الكهنوتيّة في 23 تمّوز 1859 في بكركي وعاد للتو الى الدير الذي عاش فيه 16 سنة، ثمّ في محبسة القدّيسين بطرس وبولس على تلّة عنايا، التي دخلها في 15 شباط 1875، بعد وفاة آخر حبيس فيها. عاش فيها الأب شربل شهيدًا يوميًّا مدّة 23 سنة، حتى وفاته في 24 كانون الأوّل 1898، بعمر 70 سنة.
7. إكتمل استشهاد الأب شربل بعد أن تماهى كلّيًّا مع المسيح ككاهن وذبيحة. فعندما كان يقيم قدّاسه الأخير، ويرفع بيديه جسد المسيح وكأس دمه، ويتلو صلاة: “يا أبا الحقّ، هذا إبنك ذبيحة ترضيك”، أصابه فالج أوقعه أرضًا متماهيًا هكذا مع المسيح إبن الله وذبيحته. كان ذلك في أوّل يوم من تساعية الميلاد، فدخل في غيبوبة حتى أسلم الروح في ليلة العيد 24 كانون الأوّل 1898، فكان موته ميلاده في السماء. وظلّ أهالي عنّايا يشاهدون على مدى أسبوع نورًا يلمع من قبره على حائط الدير، للدلالة أنّه “يتلألأ كالشمس مع الأبرار في ملكوت الآب” (متى 13: 43).
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،
8. لا نستطيع نحن البشر أن نتصوّر هذا “التلألأ كالشمس”، إّلا بالعودة إلى تجلّي الربّ يسوع على الجبل، إذ –كما يقول الانجيليون- “سطع وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالثلج”. هكذا رآه التلاميذ الثلاثة الذين أصعدهم معه: بطرس ويعقوب ويوحنّا (راجع متى 17: 1-2؛ مر 9: 2-9؛ لو 9: 28-29).
هكذا نفهم فعل النعمة الإلهيّة في الإنسان المؤمن، ونفهم معنى تسمية الملاك جبرائيل لمريم العذراء: “بممتلئة نعمة”. “الأبرار” المتلألؤن نفسًا وجسدًا في السماء هم الذين سطعت النعمة الإلهيّة في قلوبهم فقدّستهم نفسًا وجسدًا، وظهروا أنقياء في أقوالهم وأفعالهم ومبادراتهم.
هذه دعوة لنا جميعًا، وبخاصّة المسيحيّين، أن نتقدّس بالنعمة الإلهيّة التي قبلناها أوّلًا في المعموديّة والميرون، وأُفيضت علينا في نعمة الأسرار التي تقبلناها كفي سرّ الإفخارستيّا، وسرّ التوبة، وسرّ الزواج، وسرّ مسحة المرضى، وسرّ الكهنوت.
9. لبنان ومجتمعه بحاجة ماسّة إلى مسيحيّين يسطعون بنور حياتهم وأفعالهم في عالم السياسة والإقتصاد والتجارة والمال والإدارة والقضاء. إذا لم يسطع على الأخصّ رجال السياسة والمسؤوليّة بالقيم الروحيّة والأخلاقيّة والوطنيّة، لن تستقيم الحياة العامّة في لبنان، وبالتالي لن يتمكّنوا من إنتخاب رئيس للجمهوريّة، ولن يُعيدوا إلى المؤسّسات الدستوريّة حياتها، ولن يعنيهم أمر شعبنا الفقير والمقهور.
لكنّنا نصلّي إلى الله، بشفاعة القدّيس شربل، كي يمسّ بنعمته ضمائر الجميع وعقولهم وقلوبهم، ويحرّرهم من مصالحهم الشخصيّة والفئويّة، ويعطّل مشاريعهم الهدّامة، ويخرجهم بنوره من ظلمات عقولهم وقلوبهم. فالله سميع مجيب. له المجد والشكر الآن وإلى الأبد، آمين.
#البطريركية_المارونية #البطريرك_الراعي #شركة_ومحبة #حياد_لبنان #لبنان_الكبير #الراعي