نديم قطيش: هذا ما يريده محور حزب الله – باسيل

176

هذا ما يريده محور الحزب – باسيل
نديم قطيش/اساس ميديا/12 أيلول/2022

جولة الاستطلاع بالنيران التي خاضها جبران باسيل عبر القضاء، والتجرّؤ على طرح قاضٍ رديف لطارق البيطار، الذي يتولّى التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، يعطيان فكرة واضحة عن العقل السياسي الذي يدير المرحلة المقبلة بعد نهاية ولاية ميشال عون، وعن متانة التحالف السياسي بين باسيل وحزب الله في معركة تقرير مصير السنوات الستّ المقبلة، وربّما أكثر.

صحيح أنّ خيار الرديف لم يمرّ بعد، إلا أنّه كان مفيداً في فحص حصانة الشارع والرأي العامّ وتقصّي ما بقي من ثورة 17 تشرين 2019 بين الناس، في ظلّ غياب أيّ اختراق حقيقي في القضيّة التي ستبقى تهزّ وجدان اللبنانيين لعقود طويلة. وهو فحص ضروريّ لقياس السقوف السياسية التي يمكن الذهاب إليها في معركة رئاسة الجمهورية. فمن يتجرّأ على دماء الناس من ضحايا انفجار المرفأ، يسهل عليه التجرّؤ في تمديد العونيّة السياسية عبر باسيل في بعبدا، مهما بدا هذا الخيار غريباً اليوم ولا يمتلك إمكانيّات التحقّق.

يتلطّى كلّ من نصرالله وباسيل خلف لياقات لفظيّة تارةً تقول بأنّ الهدف هو تطوير اتفاق الطائف لا نقضه، وتارةً تقول إنّ التعديلات رهن التوافق أو الإجماع، لكنّها تلتقي عند تحالف الطرفين تحالفاً متيناً ضدّ كلّ ما له علاقة بركائز الجمهورية الثانية ما ثار في وجه مناورة باسيل الاستطلاعيّة ليس مقلقاً له، ولكن هذا ليس الأهمّ. الأهمّ هو التنبّه إلى أنّ التفكير العمليّ بكيفيّات الإقصاء الجزئي للقاضي البيطار، يتناغم مع ما طرحه قبل فترة وجيزة الأمين العامّ لميليشيا الحزب، من أنّ “المسؤول الأكبر عن تعطيل التحقيق هو مَن يرفض التنحّي”.

هذا التناغم بين باسيل والحزب، يبدّد كلّ التنظيرات حول ما يريده الحزب في المرحلة المقبلة والتمنّيات أنّ الحزب ذاهب إلى خيارات تسوويّة عاقلة لا يُراد منها استفزاز اللبنانيّين أو استنفار المجتمع الدولي. ما أظنّه أنّ الحزب مع باسيل، ذاهبان إلى تثبيت نتائج مسار طويل من التحالف السياسي التغييريّ للنظام اللبنانيّ وتوازناته، وهي معركة تحتاج إلى أعلى درجات الثقة بين الطرفين وأعلى درجات الاستعداد للمغامرة والعناد. فليس منطقيّاً بعد كلّ ما حقّقه هذا الثنائي أن يأتي اليوم ويبدّد استثماراته بتسويات لا تغني ولا تسمن.

التناغم بين باسيل ونصرالله
في كلمة له في احتفاليّة “أبجديّة النصر” لمناسبة الذكرى الأربعين لانطلاقة الحزب، يحدّد حسن نصر الله برنامج حزبه في داخل لبنان على النحو التالي:
“برنامجنا الأساسيّ في المرحلة المقبلة هو المساهمة والتعاون مع مختلف القوى السياسية اللبنانية، من أجل بناء دولة عادلة وقادرة. هذا بحاجة إلى نقاش (…) وحوار وطنيّ واتّفاق على أساسيّات (…) يُترجم في المجلس النيابي عبر قوانين وفي مكان ما تعديلات دستورية إذا حصل اتّفاق ما وإجماع عليها”.
هذا المنطق الذي ما انفكّ يتكرّر بصيغ وأشكال مختلفة منذ العام 2005، هو المنطق العميق لعقل ميشال عون وصهره جبران باسيل.

ففي سياق مماثل لكلام نصرالله، قال باسيل في مؤتمره الصحافي الأخير: “من الضروريّ أن نؤلّف حكومة وننتخب رئيس جمهورية بهذين الشهرين و”يطلع رئيس الجمهورية بكرامة بـ31 أكتوبر، وننتقل لحوار وطني نطرح فيه موقع لبنان ونظامه والنموذج الاقتصادي والمالي الحرّ والمنتج، ونطرح نموذجاً اقتصادياً ماليّاً حرّاً ومنتجاً”.

كما دعا باسيل إلى:
“حوار وطني ينتج عنه مشروع وطني جامع لتطوير النظام اللبناني”. طبعاً يتلطّى كلّ من نصرالله وباسيل خلف لياقات لفظيّة تارةً تقول بأنّ الهدف هو تطوير اتفاق الطائف لا نقضه (باسيل)، وتارةً تقول إنّ التعديلات رهن التوافق أو الإجماع (نصرالله)، لكنّها في العمق تلتقي عند تحالف الطرفين تحالفاً متيناً ضدّ كلّ ما له علاقة بركائز الجمهورية الثانية، التي وُلدت خارج كنفهما، وفي رحم إقليمي ودولي لم يبقَ إلا القليل القليل من توازناته السابقة.

اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005، هو مقدّمة اغتيال هذه الجمهوريّة. وقد استُكمل هذا المسار الصراعيّ بأشكال متعدّدة، اتّخذت شكل الحوار السياسي قبل العام 2008، ثمّ شكل الانقلاب المسلّح بعد السابع من أيار 2008. وما لبث أن توسّع المشروع الانقلابي بدخول الحزب في الحرب على الشعب السوري عام 2012، ثمّ النزاع اليمنيّ 2015، وصولاً إلى فرض ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2016. وحين جاءت ثورة 17 تشرين 2019 من خارج حسابات الحزب وعون وعموم أركان الطبقة السياسية، نجح الحليفان في مقاومة رياحها والرهان على يأس اللبنانيين وتعبهم، مستفيدين من أنّ هذه الثورة أخرجت عمليّاً الحريريّة السياسية من معادلة الحكم في لبنان وأضعفت السُنّة في معادلة الشراكة الوطنية وتوازنات النظام السياسي، وهو ما انعكس بدوره إنهاكاً لكلّ خصوم ثنائي الحزب – باسيل. فلا القوّات اللبنانية تستطيع قيادة مشروع سياسي مضادّ من دون حليف مسلم ولا وليد جنبلاط يقوى على أكثر من الصراع من أجل البقاء، من دون أيّ أدوار أو فاعليّة سياسية تشبه قيادته مثلاً لانتفاضة الاستقلال.

ما تحقّق كلّ ما تحقّق من أجل أن يمشي الحزب اليوم بتسويات وأنصاف حلول. إنّ نجاح أو فشل هذا المشروع رهن بظروف وتطوّرات وأحوال ليست في متناول التحليل الآن. بيد أنّ الضروريّ والملحّ هو التنبّه إلى أنّنا بإزاء معركة يعني أصحابها ما يقولون، ويقولون ما يعنون.