عبدو شامي/من حسن روحاني الى محمد شطح

1026

من حسن روحاني الى محمد شطح
عبدو شامي

نشرت جريدة “وول ستريت جورنال” الأميركية بتاريخ 29/12/2013  نص رسالة مفتوحة أرسلها الوزير السابق الشهيد “محمد شطح” (في الأسبوع الذي اغتيل فيه) الى الرئيس الإيراني “حسن روحاني”. وفي ما يلي، نص رسالة جوابية افتراضية  من نسج خيال كاتب هذا المقال، يورد فيها تصوّره لرد الرئيس “روحاني” على أبرز ما تضمنته رسالة الشهيد “محمد شطح” الموجهة إليه.

معالي الوزير محمد شطح،
تلقيتُ رسالتكم التي أبديتم فيها قلقكم على مستقبل بلدكم ودعوتموني في ختامها الى المساهمة في إنقاذ لبنان؛ وإني إذ أشيد بالتوصيف الدقيق الذي عرضتموه للوضع اللبناني المتأزم، لا أخفي عليكم اختلافي معكم على كثير مما تضمنته هذه الرسالة شكلاً ومضمونًا، وقد كانت لي عليها المآخذ التالية:
أولاً، من حيث الشكل: اسمحوا لي أن أصارحكم بأنكم أخطأتم العنوان! فقد افتتحتم رسالتكم بالقول: “نكتب إليكم بصفتكم رئيس جمهورية إيران الإسلامية”، ثم ما لبث أن تبيّن لي بوضوح في ثنايا رسالتكم أنكم تشْكون إليّ “حزب الله” وما يقوم به بالتنسيق مع “الحرس الثوري الإيراني” في لبنان وسوريا… معالي الوزير، لكي تؤتي الشكوى ثمارها لا بد أن يكون المشكو إليه أرفع رتبة وأعلى سلطة من المشتكى عليه، ونحن “حسن روحاني” وأخي “حسن نصرالله” في مرتبة واحدة، كلانا جندي في ولاية الفقيه المطلقة نخضع لأوامرها وننفذ سياستها ولا نملك أن نحيد عنها قيد أنملة، وبالتالي كان عليكم توجيه الرسالة الى الولي الفقيه نفسه، أي “علي خامنئي” المرشد الأعلى لجمهوريتنا.

أما من حيث المضمون، فيجدر بي أن أوضح لكم النقاط التالية:
معالي الوزير، خاطبتموني بالقول إنه “أرسل انتخابكم رئيساً الصيف الماضي مؤشراً لكثيرين في المنطقة والعالم بأن الشعب الإيراني يريد أن يضع بلاده على مسار جديد؛ مسار الإصلاح والانفتاح والعلاقات السلمية مع باقي العالم”. هنا، اسمحوا لي أن ألفت انتباهكم الى أن الانتخابات الرئاسية وحتى النيابية عندنا في إيران “فلولكلورية” شكلية دعائية، لا تقدّم في سياسة الجمهورية ولا تؤخر، لأن بلدنا خاضع لنظام ديكتاتوري حديدي يديره أولاً وآخرًا الولي الفقيه؛ جميع المرشحين للرئاسة يشترط لقبول ترشحهم حصولهم على موافقة المرشد الأعلى الذي بدوره يعيّن الفائز حتى لو أتت نتائج صناديق الاقتراع لغير مصلحته وذلك وفقًا لما تتطلّبه المرحلة الراهنة لإيران… ولعلكم تذكرون جيدًا ماذا حصل عام 2009 عندما أتت نتائج الاقتراع مخالفة لـ “محمود أحمدي نجاد” مرشح الولي الفقيه، وكيف تمّ إنجاحه بسحر ساحر أو قل بولاية ولي.

معالي الوزير، بناء على ما تقدّم أظن أن الأمر بات واضحًا لديكم، فلا إرادة شعبية صحيحة كما ذكرتم، ولا مسارًا جديدا، ولا إصلاحًا، ولا انفتاحًا، ولا علاقات سلمية مع باقي العالم…كل ما في الأمر وببساطة شديدة: لقد أراد الولي الفقيه بعد دراسته للمرحلة الحالية والقادمة -في الداخل الإيراني وفي الخارج- أن على إيران تغيير “الماكياج” من الصدامية الى الكلام اللين، ومن التصلّب الى الحوار، أما الوجه -وجه الحلف الصهيو-فارسي التاريخي المقدس ووجه التقية- فيبقى واحدًا مهما غيرنا في “مكياجه”؛ وأعطيك دليلاً بسيطًا على ذلك، ألا وهو أنه في عهدي أنا عهد “الاصلاح والعلاقات السلمية” -على حد وصفكم- لا تزال إيران مستمرة في إبادة الشعب السوري واضطهاد الشعب العراقي السني، وقد فاق عدد القتلى في الأشهر الستة الخالية من عهدي إجمالي العدد الذي تمت تصيفته في عهد سلفي “أحمدي نجاد” المعروف بتشدده.

معالي الوزير، أرجو أن تتخذوا ما سقته لكم من حقائق في الفقرة السابقة أساسًا ومدخلاً  لولوج باب توضيحي الجديد وهذه المرة ردًا على قولكم: “لقد أحيا الاتفاق الموقت الذي جرى توقيعه أخيراً بين إيران ومجموعة 5 زائد واحد، والتصريحات الصادرة عنكم منذ انتخابكم، الآمال بأن إيران ربما تتخذ فعلاً الخطوات الملموسة الأولى لسلوك ذلك المسار الإيجابي. نأمل حقاً في أن يكون هذا صحيحاً”.

هنا، أطلب منكم المعذرة لأنني سأخيّب آمالكم، فالاتفاق بين إيران والغرب وعلى رأسه أميركا قائم لم يتزعزع منذ إنجاح الغرب لثورة إمامنا وولينا “روح الله الخميني” عام 1979، ولا داعي للاستطراد في أشكال الدعم الفرنسي والبريطاني المباشر الذي قُدّم للـ”خميني”، ثم الدعم الأميركي والاسرائيلي العسكري الذي مُنح إياه في حربه مع العراق “صدام حسين” عام 1985، وهو ما عرف بفضيحة “إيران كونترا” أو إيران جيت”.

معالي الوزير، كن على يقين أن إيران تعرف حدودها جيّدًا بالنسبة للنووي ولا تجرؤ على تخطيها، وبالتالي فالاتفاق الذي تتحدثون لم يوقّع حديثّا لكنه ظهر الى العلن حديثًا بعدما لم يعد ثمة أي معنى لستره مع فضح “الثورة السورية” لما استطعنا إخفاءه على مدى 34 عامًا…وإلا فما تفسيركم لسكوت العالم على إبادتنا للشعب السوري الى جانب حليفنا “بشار الأسد” على مدى نحو ثلاثة أعوام؟! صدقوني لستُ أبالغ إن اعترفت لكم أننا نقاتل الشعب السوري نيابة عن العالم أجمع، وفي مقدمته إسرائيل التي صدر عن قادتها ورؤساء استخباراتها تصاريح واضحة أنهم مع بقاء “الأسد” في السلطة، وأميركا التي تخدع ما تسمونه “الجيش الحر” وتمنع تسليحه بما يقلب موازين القوى ويجعله يتفوق على “حرسنا الثوري” وجيش “الأسد”.

معالي الوزير، إن إيران “الخمينية” -إذا صح التعبير- قامت على شعار شعبوي واحد “الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل”، وكان أهم أدواتها لتصدير الثورة والفكر والتشيّع “الخميني” قائمًا على دغدغة المشاعر وإثارة العواطف عبر المتاجرة بالقضية المركزية لكل عربي ومسلم وحتى مسيحي، عنيت بها القضية الفلسطينية… وتحت أستار “المقاومة” و”الممانعة” ومعاداة إسرائيل وأميركا التي أطلقنا عليها وصف “الشيطان الأكبر” إمعانًا في التضليل، وبمساعدة عسكرية مباشرة من هذين الطرفين بنينا هلالاً فولاذيًا يمتد من إيران ويمر بالعراق وسوريا وغزة ولبنان، مهمته حماية مصالح مَن ندعو عليهما بالموت في كل اجتماعاتنا وخطبنا؛ وكان حجر الاساس في بنائه تلك الخدمة الأميركية الجليلة بإزاحة حركة “طالبان” من أفغانستان عام 2001، ثم ما تبعها من إزاحة “صدام حسين” من العراق عام 2003، وقد أتت ما تسمونها “حرب تموز2006” في هذا السياق نفسه لزعزعة حكومة ما تسمونه “الاستقلال الثاني” وترجيح كفة الدويلة على الدولة، فلا يخفى عليكم أن التفوق العسكري والتكنلوجي والاستخباراتي الإسرائيلي قادر -لو أراد- على محو الترسانة العسكرية لحزبنا في لبنان في ساعات معدودة لا في 33 يومًا من الدعاية المركّزة والمكثفة لمحورنا. أما في غزة، فبعد جهودنا الناجحة في انفصال قطاع غزة وصولا الى حصاره، باتت مهمتنا توريط “حركة حماس” في محارق دامية مع إسرائيل وفي التوقيت الذي تحدّده تلك الأخيرة، وذلك كلما احتاجت إسرائيل لتلك الخدمة في سياساتها الداخلية لأغراض انتخابية أو سواها، وهو تمامًا ما جرى نهاية عام 2008 ونهاية عام 2012.

معالي الوزير، انطلاقًا من كل ما تقدّم، أعتذر منكم مجدًدا، فلا إمكانية بتاتًا لتنفيذ ما أشرتم إليه في رسالتكم من “الخطوات الضرورية” المطلوب من إيران اتخاذها لـ”حماية لبنان من مواصلة التدحرج على منحدر شديد الانزلاق” والتي حددتم خطوطها العريضة بالتزام حزبنا بـ”إعلان بعبدا” و”وضع حد لمشاركته في النزاع السوري”. فالبنسبة لـ”إعلان بعبدا” جرى توقيع حزبنا عليه بحبر “التقية”، ونوقع لكم على أكثر من ذلك طالما أننا نستخدم ذلك الحبر نفسه، ولسنا في وارد التخلي عن قاعدتنا العسكرية في لبنان. أما فيما يتعلق بأمرنا الحزب -والأمر للولي الفقيه أولاً وآخرًا- بالانسحاب من سوريا فهو طلب تعجيزي، ولم يكن أخي وزميلي في “الجندية” “حسن نصرالله” يكذب أو يبالغ عندما اقرّ في 20/12/2013 أن قتالنا في سوريا هو “معركة وجود وليس شرط كمال” وأننا “مهددون في وجودنا”، فالامبراطورية التي فصّلت لكم مهمتها وامتدادها وجهود بنائها على مدى 34 عامًا مهددة اليوم بالزوال والتفكك والانهيار على يد الشعب السوري الثائر، ولسنا في وارد التضحية بوجودنا ومصالحنا لا سيما أن آمال السياسة الصهيو-أميركية معلّقة علينا، فهم على يقين أن بقاءهم من بقائنا وزوالهم من زوالنا.
مع خالص اعتذاراتي
حسن روحاني

01.01.2014