الأب سيمون عساف/رجوع الضال

74

رجوع الضال
الأب سيمون عساف/08 آذار/2021

يصرح في إنجيل القداس أنه يقبل توبة التائبين، ويصعد أنفسهم من الجحيم. ويوصيهم الرسول بولس أن يكونوا متسعدين لقبول التائبين والصفح عنهم، ” ولسنا نجعل عثرة في شيء لئلا نلام في الخدمة بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير في شدائد في ضرورات في ضيقات في ضربات في سجون في اضطرابات في أتعاب في أسهار في أصوام في طهارة في علم في أناة في لطف في الروح القدس في محبة بلا رياء”.
يقول اللَّه في إشعياء النبي: “في وقت القبول استجبتك، وفي يوم الخلاص أعدتك، فأحفظك، وأجعلك عهدًا للشعب لإقامة الأرض، لتمليك أملاك البراري” (إش ٨:٤٩).
ما هو الوقت المقبول؟ مجيء المسيا هو وقت مسرة اللَّه ومراحمه الذي يتوقعه كل المؤمنين. ويوم الخلاص هو اليوم الذي فيه يقبل الإنسان خلاص اللَّه بالصليب ويتجاوب معه.
لقد صالحنا مع الآب، وسلم التلاميذ والرسل كلمة المصالحة خلال ذبيحة المسيح، إذ به تمت المغفرة عن الخطايا ونلنا فيضًا من النعمة الإلهية. “الآن” هو ملكنا، هو وقت مقبول ويوم خلاص، أما “غدًا” فليس في أيدينا ولسنا ندرك ما سنكون عليه إن أجّلنا قبول عمل اللَّه الخلاصي.
اليوم وقت قبول الروح القدس يقدم لنا خبرة عربون عدم الفساد، ونتمتع بقيامة النفس لكي يشاركها الجسد فيما بعد قيامتها ومجدها الأبدي. هذا هو يوم الخلاص، الوقت المقبول قبل أن تعبر من هذه الحياة فنجد الباب مغلقًا.
عن ذلك اليوم يقول القديس باسيليوس الكبير:
هذا هو وقت التوبة، أما الحياة المقبلة فهي للمكافأة. الآن هو وقت للاحتمال، وعندئذ سيكون يوم التعزية. إذ يلتقي الإنسان باللَّه مخلصه يتأسف على الزمن الذي ضاع منه.
ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم:-
+ لقد تركنا (الرب) هنا لنكون أنوارًا، لنعلم الآخرين، لنكون خميرة، نسلك كملائكة بين البشر، كرجالٍ مع أولادهم، كروحيين مع أناس طبيعيين فينتفعون منا، ونكون بذار تخرج ثمارًا. لا حاجة للكلمات مادامت حياتنا تضئ! لا حاجة للمعلمين ما دمنا نظهر أعمالًا! ما كان يوجد وثني لو كنا مسيحيين بحق! + ما أسوأ أن نكون فلاسفة في الكلمات لا في الأعمال!
+ نحن محتاجون إلى سلوك حسن لا إلى لغة منمقة إلى الفضيلة لا إلى الخطابة الفذة، إلى الأعمال لا إلى الكلام!
يمدح القديس يوحنا الذهبي الفم الرسول بولس فيقول:آه لو أعطيت أن ألقى بنفسي على جسد بولس، والتصق بقبره وأتطلع إلى تراب ذلك الجسد الذي أكمل نقائص (شدائد) المسيح، وحمل السِمات وبذر الإنجيل في كل موضع؟! نعم! تراب ذلك الجسد الذي تكلم المسيح خلاله! يا لسروري أن أنظر تراب العينين اللتين عميتا بالمجد ثم استردتا بصيرتهما مرة أخري من أجل خلاص العالم! هاتان العينان اللتان وهما بعد في الجسد استحقتا معاينة المسيح! رأتا الأمور الأرضية وفي نفسي لم تنظراها رأتا الأمور التي لا ترى..أود لو أتطلع إلى تراب قدميه اللتين جابتا المسكونة بلا كلل.
ويقول مار اسحق السرياني:+ “لقد وُهب لكم من اللَّه لا أن تؤمنوا بالمسيح فحسب، وإنما أن تتألموا أيضًا من أجله” (في 29:1).
كما كتب القديس بطرس في رسالته: “إن كنتم تتألمون من أجل البر فطوباكم فإنكم تصيرون شركاء في آلام المسيح” (1 بط 14:3؛ 13:4). عبر كل الأجيال، خلال الصليب والموت. الطريق إلى اللَّه هو صليب يومي. لا يصعد أحد إلى السماء بالطريق السهل. نحن نعلم إلى أين يقود الطريق السهل.+

الإنجيل من لو 15: 11 –32/وقال إنسان كان له ابنان فقال أصغرهما لأبيه يا أبي أعطني القسم الذي يصيبني من المال فقسم لهما معيشته كان ينبغي أن نفرح ونسر لان أخاك هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد
لا يمكن الحكم على أحد ما دام لا يزال في طريق الجهاد، فقد ظهر الأصغر في بدء حياته إنسانًا محبا للملذات،.. لكنه يرجع بالتوبة إلى الأحضان الأبوية ليظهر لابسًا الثوب الجديد وخاتم البنوة وحذاء في قدميه ومتمتعًا بالوليمة في بيت أبيه، أما الآخر فقد بدأ حياته إنسانًا لطيفًا في معاملاته،.. لكنه يختم حياته بالوقوف خارجًا ينتقد أباه على حبه ويغلق قلبه نحو أخيه فيفقد سلامه الداخلى وفرحه ليعيش بقلب مناقض لقلب أبيه.
فرجع إلى نفسه، وقال: كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعا ؟! أقوم وأذهب إلى أبى.. “. يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك، ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك أبنا، اجعلني كأحد أجراءك..
فرجوع الإنسان إلى نفسه يحتاج إلى عمل إلهي ينير بصيرة الإنسان الداخلية ليكتشف فقره التام بل وموته وفي نفس الوقت يدرك عمل الله الخلاصي ومحبته له فيمتلئ رجاء.
يكشف هذا المثل عن أبوة الله الحانية، قدام سيد الرحمة، أمام ديان الخطية. وإذ كان لم يزل بعيدًا رآه أبوه فتحنن، وركض، ووقع على عنقه وقبَّله، فقال له الابن: يا أبى أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنًا، فقال أبوه: أخرجوا الحلة الأولى… “.
فلا يتركه يقول: ” اجعلني كأحد أجراءك “، إنما يطلب له ثوب الابن وخاتمه، مكرمًا إياه في بيته!
” فقال الأب لعبيده: أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاء في رجليه، وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح، لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوجد،
إن هؤلاء العبيد هم الأرواح الخادمة، والملائكة، فالحلة الأولى هي الكرامة التي فقدها آدم، وهي ثوب الحكمة التي بها غطى الرسل عرى جسدهم، وبها يكتسي كل إنسان.
الخاتم الذي في اليد هو عربون الروح القدس،وهو صك الإيمان الصادق وختم العهد والحق.
الحذاء في القدمين هما الاستعداد للبشارة بالإنجيل كي لا تمس الأرضيات..
لا يزال الله ينتظرنا فاتحًا ذراعيه ليتقبلنا كأولاد له نعود إلى بيت أبينا.
فإنه وإن كان لا يلزم الإنسان بالرجوع إليه، لكنه إذ يراه من بعيد منطلقًا نحوه يركض هو مسرعًا لا ليعاتبه أو يوبخه وإنما ليقع على عنقه ويقبله.. إنه ينصت لاعتراف ابنه المخطئ لكنه لا يسمح له بالمذلة، فابتدأوا يفرحون ” ع 22 – 24.
أن الأب لا يوجه حديثه لابنه الراجع بل لعبيده، أو وكلائه، فإن كان التائب هو الذي جاء متوسلًا لكنه ينال الإجابة لا خلال كلمات موجهة إليه، وإنما خلال أعمال الرحمة التي تقدم له.
هذه الأمور الثلاثة (الثوب، الخاتم، الحذاء) قدمها السيد المسيح للبشرية الخاطئة، ليقيم منها أبناء الله الحي، الذين يرتدون ثوب العرس اللائق بالوليمة السماوية، ويحملون خاتم البنوة، ويسترون أرجلهم ويحفظونها من أتربة هذا العالم ودنسه أثناء عبورهم خلال كلمة الكرازة.
ما هو العجل المثمن الذي قدم في الوليمة ليأكل الكل ويشبعوا ويفرحوا سوى الرب يسوع، الذي دعى هكذا مقدمًا جسده الذي بلا عيب ذبيحة، وسمى “المُسَمَّن” بسبب غناه وتكلفته إذ قادر على خلاص العالم كله..
“وكان ابنه الأكبر في الحقل، فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت آلات طرب ورقصا، فدعا واحدا من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا فقال له: أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن لأنه قبله سالما.
فغضب ولم يرد أن يدخل، فخرج أبوه يطلب إليه. فأجاب وقال لأبيه: ها أنا أخدمك سنين هذا عددها،
يُعلِّق القديس أمبروسيوس على تصرف الابن الأكبر، قائلًا:
دين الابن الأكبر، لأنه جاء من الحقل. هنا الحقل يشير إلى الاهتمام بأعمال الأرض والجهل بأعمال روح الله (1 كو 2: 11).
اشتكى لأنه لم يُعط جديًا ليذبحه، مع أن حمل الله قد ذُبح لغفران الخطايا، لا لذة الجسد.
يطلب الحاسد جديًا ليذبحه، بينما يشتهي البار أن يُذبح من أجل حمل الله!
“وكان ابنه الأكبر في الحقل. فلما جاء وقرب من البيت، سمع صوت آلات طرب ورقصا. فدعا واحدا من الغلمان وسأله: ما عسى أن يكون هذا؟ فقال له: أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن، لأنه قبله سالما. فغضب ولم يرد أن يدخل” (لوقا 15: 25-28) –
بسبب الحسد أصيب الأكبر بشيخوخة (روحيَّة) مبكرة، وقد ظل خارجًا بسبب عدم محبَّته. الغيرة (الشرِّيرة) التي فاض بها قلبه طردته خارجًا!
إنه يغضب، لأن الغير ينال غفرانًا ونعمة!
يا لعدم احتمال جنود الشر الروحيَّة، إذ لا تطيق أن تسمع ترانيم الفرح وتلاوة المزامير!..
وهنا يشير الابنان إلى شعبين، الأصغر يمثل الأمم، والأكبر إسرائيل الذي يحسد الآخر من أجل تمتعه بالبركات الأبديَّة. يطلب اليهودي الجدي
يشير الابن الأكبر للفرِّيسي الذي برر ذاته في صلاته المملوءة غرورًا، هذا الذي حسب نفسه أنه لم يكسر وصيَّة الله مطلقًا، بممارسته لحرف الناموس (18: 11). بقسوة اتهم أخاه أنه بدد ميراث أبيه مع الزواني، مع أنه كان يجب أن يحترس في كلماته لأن الرب يسوع جاء لأجل العشارين والزواني.
لم يُطرد الابن الأكبر، إنما وقف على الباب ولم يرد أن يدخل، إذ لم يقبل إرادة الله التي دعت الأمم للإيمان، بهذا صار الابن عبدًا، “لأن العبد لا يعرف إرادة سيِّده” (يو 10: 14)، وعندما عرفها غار وصار معذبًا من أجل سعادة الكنيسة، وبقي هو خارجًا. مع هذا أراد الأب المحب أن يخلصه، إذ قال له: “أنت معي في كل حين”.. يا حبذا لو أبطلت حسدك، “كل ما هو لي فهو لك”، فإذ لك أسرار العهد القديم كيهودي، وتنال أسرار العهد الجديد إن اعتمدت أيضًا.
+ الآن إذ كان أخوه الأكبر في الحقل وقد جاء إلى البيت سمع صوت موسيقى ورقصًا، فدعى أحد العبيد وسأله ما عسى أن يكون هذا. الابن الأكبر
فليعطنا الله أن نحيا حياة التوبة لنرجع إلى حضن أبونا السماوي قائلين له “أخطأت في السماء وقدامك ولست مستحقًا أن أدعي لك ابنًا بل اجعلني كأحد أجرائك أمين.