حبيب شلوق/حقيقة تفجير المرفأ من السر إلى العلن؟

376

حقيقة تفجير المرفأ من السر إلى العلن؟
حبيب شلوق/المرصد/08 كانون الأول/2020

هل بدأ التحقيق في انفجار ـــ أو تفجير ـــ مرفأ بيروت ينحو منحىً آخر لجهة كشف خيوط يمكن أن تؤدي إلى معرفة ملابسات “جريمة معلّم التلحيم”، أو “مجزرة العمل التفجيري الإجرامي المفتعل”. وبصرف النظر عن كيل الإتهامات التقديرية أو التحليلية، لا بد من التوقف عند معطيات متلاحقة أعقبت الإنفجار الذي ألحق أضراراً تدميرية في الضاحية الشرقية (المسيحية) خصوصاً، وخلّف أكثر من 180 قتيلاً و7000 جريح وألحق أضراراً جسيمة في أكثر من 15 ألف منزل ووحدة سكنية بما يقدّر بأكثر من مليار دولار، وهجّر آلاف العائلات وشرّد عدداً يوازيها. ومن هذه المعطيات:
1 ـــ استدعاء رئيس المحكمة العسكرية العميد منير شحادة قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، ومدير المخابرات السابق العميد كميل ضاهر، وقادة عسكريين وأمنيين للإستماع اليهم في فضيحة إدخال تلاميذ ضباط إلى المدرسة الحربية.
وصحيح أن القضية منطلقة من فضيحة فساد إلا أنها يمكن أن تتشعب إلى سؤالهم عن معلوماتهم حيال إدخـــال شحنة النيترات إلى مرفأ بيروت خلال ولايتهم بدءاً من عام 2013 .
2 ـــ مقتل العقيد المتقاعد في مديرية الجمارك جوزف سكاف في”ظروف غامضة” أمام منزله في بيت الشعار عام 2017 ، وهو كان رئيساً لشعبة مكافحة المخدرات وتبييض الأموال، وسبق له أن أخطر سلطات الجمارك بعد وصول باخرة MV Rhosus، أن مادة الأمونيوم “شديدة الخطورة وتشكل خطراً على السلامة العامة”.
وكانت لسكاف برقية في 21 شباط 2014، وجّهها إلى مصلحة التدقيق والبحث عن التهريب التابعة لوزارة المالية، دعا فيها إلى إبعاد الباخرة المحملة بمادة نترات الأمونيوم إلى خارج الرصيف 11 في مرفأ بيروت، أو وضعها وحمولتها تحت الرقابة. وهو استدعي إلى القضاء وأدلى بمعلومات مهمة عن هذه الباخرة.
وبعد سكاف اغتيل رئيس قسم مكافحة التهريب في الجمارك العقيد منير أبو رجيلي بآلة حادة وهو في سريره في بلدة قرطبا ــ جبيل. وهو كان أول من تحدث عن شحنة الأمونيوم، مما يطرح الشكوك في أن الجهة المتورطة بانفجار المرفأ هي نفسها القاتلة.
وبين مقتل سكاف وأبو رجيلي كان توقيف الرائد في جهاز أمن الدولة جوزف النداف، وهو لا يزال موقوفاً منذ نحو أربعة أشهر على رغم تنويهات عدة بمناقبيته. ونظمت تحركات رفضا لتوقيف النداف، ولا سيما أنه كان مَن فتح التحقيق في وجود الأمونيوم في المرفأ وأجرى المقتضى لناحية مراسلة القضاء في أكثر من مناسبة. علماً أن النداف هو نجل المقدم المغوار ميلاد النداف الذي استشهد عام 2000 بعدما وقع في كمين لمجموعة “التكفير والهجرة” في منطقة الضنية.
كلها تطورات مترابطة، أحد فصولها أيضاً توقيف المدير العام للجمارك بدري ضاهر رهن التحقيق ولا يزال موقوفاً.
3 ـــ المواقف الديبلوماسية المتناقضة وفي مقدمها موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلانه عقب انفجار مرفأ بيروت يوم الثلاثاء 4 آب 2020 “يبدو كأنه اعتداء رهيب وليس حادثاً عرضياً”. واستند في تصريحه إلى مسؤولين عسكريين أشاروا إلى الاشتباه بتفجير قنبلة، الا أن البنتاغون رفض موقف ترامب الأمر الذي جعله يتراجع في اليوم التالي عن موقفه.
4 ــ تعليق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبر تويتر على الإنفجار ووصفه القول بفرضية المفرقعات بـأنه “مثير للسخرية”. وفي اليوم التالي ابتعد عن ترداد الكلام نفسه ثم قدم التعازي إلى الشعب اللبناني، “باسم الحكومة الإسرائيلية”.
ويذكر أن نتنياهو هدّد أكثر من مرة بقصف لبنان حتى أنه قال أمام الأمم المتحدة عام 2018 بجود صواريخ وأسلحة في مرفأ بيروت، وأبرز خريطة تدل على موقع مستودع الصواريخ فيـــه، وفي 29 أيلول 2019 قال أن بيروت قد تشهد انفجاراً ثانياً مما دفع المراقبين إلى استنتاج أن اسرائيل هي التي أحدثت الإنفجار الأول. فضلاً عن اعلان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، انهم سيضربون البنية التحتية في لبنان إذا وقع قتلى أو جرحى بين الإسرائيليين. وهم سبق أن فعلوا ذلك.
5 ـــ تجنب السلطة الرسمية اللبنانية بجميع مكوناتها وفي مقدمها “حزب الله”، الإشارة إلى دور اسرائيل في التفجير، حتى أن وكالة “رويترز” نقلت عن مصدر لبناني مطلع على التحقيقات الأولية قوله إن “الإهمال” هو السبب الرئيسي وراء كارثة المرفأ.
6 ـــ رفض فرنسا طلباً لبنانيّاً رسميّاً بتسليمه صور الأقمار الاصطناعيّة لانفجار مرفأ بيروت وعزت رفضها إلى أن الأقمار الفرنسيّة “لم تكن تعمل فوق مرفأ بيروت يوم وقوع الانفجار”.
7 ـــ إجماع أبناء المنطقة وكل بيروت والمناطق الجبلية على سماعهم هدير طيران حربي لدى حصول الإنفجار الأول والذي أعقبه انفجار آخر، علماً أن طائرات المراقبة الإسرائيلية لا تغادر سماء لبنان.
8 ـــ ازدهار مرفأ حيفا ونموه السريع على أثر تدمير مرفأ بيروت.
أسئلة عدة تدور خلال التحقيقات عن الحقيقة. والسؤال الأهم لماذا لم يوجّه الإتهام إلى اسرائيل مع أن كل الأصابع تشير إلى ضلوعها في التفجير، ولماذا الصمت اللبناني الرسمي والحزبي، ولماذا التغيّر في الموقفين الأولين الأميركي والإسرائيلي، ثم لماذا الرفض الفرنسي لتزويد لبنان صور الإنفجار؟
والأقرب إلى المنطق أن اسرائيل ما استطاعت بعد ظهور هول العمل الإجرامي قبول جريمة بهذا الحجم وتبنيها، في وقت أن لبنان والقوى الإقليمية وحلفاءها في الداخل غير قادرين على الرد على اسرائيل بفظاعة مماثلة للتفجير الإرهابي.
أسابيع أو أشهر قليلة قد تجيب عن الكثير من هذه الأسئلة.