موعظتي البطريرك الراعي والمطران عودة لليوم/الراعي: لا أحد بريء من دم لبنان النازف. المسؤولية جماعية والحساب جماعي. من منكم، أيها المسؤولون والسياسيون، يملك ترف الوقت لكي تؤخروا الاستشارات النيابية وتأليف الحكومة؟/عودة: عودوا إلى ضمائركم يا أيها المسؤولون. إن استمررتم في غيكم لن يبقى وطن ولا مواطنون. تواضعوا وأصغوا إلى أنين شعبكم

70

موعظتي البطريرك الراعي والمطران عودة لليوم

المطران عودة: عودوا إلى ضمائركم يا أيها المسؤولون. إن استمررتم في غيكم لن يبقى وطن ولا مواطنون. تواضعوا وأصغوا إلى أنين شعبكم. لا تفرحوا بما تكتنزونه على الأرض بل “افرحوا بأن أسماءكم كتبت في السموات
وطنية – الأحد 18 تشرين الأول 2020

البطريرك الراعي في ذكرى 17 تشرين: لا أحد بريء من دم لبنان النازف. المسؤولية جماعية والحساب جماعي. من منكم، أيها المسؤولون والسياسيون، يملك ترف الوقت لكي تؤخروا الاستشارات النيابية وتأليف الحكومة؟ من منكم يملك صلاحية اللعب بالدستور والميثاق ووثيقة الطائف والنظام وحياة الوطن والشعب؟ إرفعوا أياديكم عن الحكومة وأفرجوا عنها. فأنتم مسؤولون عن جرم رمي البلاد في حالة الشلل الكامل، إضافة إلى ما يفعل وباء كورونا.
الأحد 18 تشرين الأول 2020
وطنية – ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في بكركي، عاونه المطارنة أنطوان عوكر، حنا علوان وجورج شيحان، في حضور رابطة “كروس رود” درب الصليب، وممثل رئيس حزب الكتائب رئيس مصلحة الشهداء في حزب الكتائب فريد باسيلا، رئيس مؤسسة النورج الدكتور فؤاد أبو ناضر وايلي ابي طايع والدكتور شربل عازار وحشد من المؤمنين.
وألقى البطريرك عظة بعنوان: “العريس آت، أخرجوا إلى لقائه” (متى 25: 6)، جاء فيها: “1.يندرج إنجيل اليوم في خطاب يسوع لتلاميذه عن النهايات: مجيء الرب والموت والخلاص والهلاك، وعن نهاية الأزمنة والدينونة. إن مجيء العريس واستعداد العذارى العشر والمشاركة في فرحة العرس يطبق على الموت الذي هو اللقاء بالمسيح وغير المعروف بيومه وساعته، فعند منتصف الليل، صارت الصيحة: العريس آت أخرجوا إلى لقائه (متى 25: 6). ودخلت العذارى المستعدات بمصابيحهن المضاءة معه إلى العرس. أما غير المستعدات فبقين خارجا. وأعطانا الرب يسوع الأمثولة: إسهروا، لأنكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة (آ. 13).
إمنحنا، يا رب، أن نتذكر دوما آخرتنا، ونكون مستعدين لها يوميا بالمحافظة على فضيلة الأمانة لك ولوصاياك وتعليمك وتعليم الكنيسة، ولواجب الحالة والمسؤولية.
2. يسعدني أن أحييكم جميعا في ما نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية ومعنا رابطة Cross Road (درب الصليب) التي تجمع وتعنى بالمحاربين القدامى الذين تعرضوا لإصابات جسدية فيما كانوا يقومون بواجب المقاومة اللبنانية المسيحية. هذه الرابطة تشجعهم للبقاء فعالين عبر المساهمة في بناء مجتمع الأجيال الآتية، وللإتصال الدائم بزملائهم بواسطة نشاطات متنوعة؛ وتساعدهم للتغلب على مشاكلهم الجسدية والنفسية، ولتأمين نمط معيشي مقبول ومشرف. من أجل هذه الغاية تعمل الرابطة على تأمين أدوية مختلفة ومزمنة لهم، ووسائل المواصلات، وكراسي متحركة، وخدمات عاجلة مادية عند الضرورة، وهي مشكورة على كل ذلك.
3. تحتفل الكنيسة في هذا الأحد الثالث من شهر تشرين الأول باليوم العالمي الرابع والتسعين للرسالات. وقد وجه قداسة البابا فرنسيس كالعادة رسالة خاصة عنوانها: ها أنذا أرسلني (أشعيا 8: 6). هذه الكلمة كانت جواب أشعيا النبي عندما سمع الرب يقول: من أرسل؟ إنها دعوة صادرة من قلب الله ورحمته إلى الرسالة بالخروج من ذواتنا من أجل المشاركة في رسالة المسيح والكنيسة. نصلي من أجل جميع المرسلين والمرسلات، كي يصل إنجيل المسيح إلى الجميع فيعرفون الحق وينالون الخلاص.
4. العذارى الحكيمات هم الأشخاص الواعون المدركون معنى الحياة والتاريخ والموت، ويطرحون على ذواتهم أسئلة مصيرية متعلقة بهذه المواضيع. وبالتالي ينفتحون على سر الله وقيمة الوجود التاريخي، وحتمية الأبدية بخلاصها وهلاكها.
أما العذارى الجاهلات فيمثلن الأشخاص المغفلين عن معنى وجودهم وقيمة حياتهم وارتباطها بالله وبالآخرة. ويعيشون بالتالي لدنياهم بكل رغائبها، من دون أن يطرحوا على نفوسهم أي سؤال يتعلق بمصيرهم الأبدي بعد هذه الحياة.
5. المصابيح والزيت هما العقل وزيته الإيمان لمعرفة حقيقة الله والإنسان والتاريخ؛ والإرادة وزيتها الرجاء للإلتزام بكل ما هو خير وجمال؛ والقلب وزيته المحبة للإمتلاء من المشاعر الإنسانية وعواطف الرحمة والحنان.
في مساء الحياة، سندان على مصابيحنا: هل هي مضاءة أم منطفئة، عند مجيء الرب في حياتنا اليومية، ثم عند ساعة موتنا. يأتي الرب يسوع في حياتنا اليومية في كل مرة يريد منا أن نقول كلمة الحق بوجه الباطل، ونقف إلى جانب العدل ضد الظلم، ونزرع الحب حيث البغض، والمغفرة حيث الإساءة، والسلام حيث النزاع. لقد وهبنا المسيح الرب نعمة أن نواصل رسالته الإنجيلية، ونبني مجتمعا أفضل.
6. مرت سنة كاملة على انطلاق الثورة الشعبية، من أجل التغيير في ذهنية السياسيين، ودور المجتمع وأداء مؤسسات الدولة. لكننا نرى بألم وإدانة المنظومة السياسية تتجاهل عمدا وإهمالا وازدراء مطالب المتظاهرين وشعبنا: فلا تهزها ثورة، ولا تفجير مرفأ، ولا تدمير عاصمة، ولا انهيار اقتصاديا، ولا تدهور ماليا، ولا وباء، ولا جوع، ولا فقر، ولا بطالة، ولا موت أبرياء. فلا تؤلف حكومة، ولا تحترم مبادرات صديقة، ولا تجري إصلاحات، ولا تفاوض جديا مع المؤسسات المالية الدولية. لقد فقد الشعب الثقة بالجماعة السياسية والدولة، والمسؤولون السياسيون من جهتهم فقدوا الحياء واحترام الشعب والعالم، والقيمون على الدولة عطلوا دورها ككيان دستوري في خدمة الشعب والمجتمع.
لا أحد بريء من دم لبنان النازف. المسؤولية جماعية والحساب جماعي. من منكم، أيها المسؤولون والسياسيون، يملك ترف الوقت لكي تؤخروا الاستشارات النيابية وتأليف الحكومة؟ من منكم يملك صلاحية اللعب بالدستور والميثاق ووثيقة الطائف والنظام وحياة الوطن والشعب؟ إرفعوا أياديكم عن الحكومة وأفرجوا عنها. فأنتم مسؤولون عن جرم رمي البلاد في حالة الشلل الكامل، إضافة إلى ما يفعل وباء كورونا.
7. في الذكرى السنوية لإنطلاقة الثورة، نحن نعتبر أنها نجحت في إحداث تحول في الشخصية اللبنانية، وفي إعادة النبض إلى الشعب، وفي تزخيم طاقاته النضالية من أجل بناء دولة حرة، وطنية، قوية وعصرية. نجحت الثورة في توحيد جيل لبناني متعدد الانتماءات الدينية والثقافية والحزبية، فاندمج وجدانيا حول أولويات الحياة. ونجحت الثورة أيضا في تعزيز المفهوم السلمي للتغيير. منذ يومها الأول، رحبنا بهذه الثورة البهية، وأيدنا شبابها وشاباتها، ودعونا الدولة، بأجهزتها الأمنية والعسكرية، إلى احتضانها وحمايتها، وشجبنا التعرض للمتظاهرين الذين هم أبناؤنا ومستقبل لبنان. لكننا في المقابل نددنا بشدة بالمتسللين الذين اعتدوا على الأملاك الخاصة والعامة وعلى المؤسسات، وشوهوا وجه الثورة الحضاري. وإذ لا نزال نتطلع إلى الثورة بأمل، نريدها ثورة متجددة، ثورة أخلاقية مستقلة وغير تابعة لأحد في الداخل والخارج. نريدها ثورة موحدة وموحدة تحدد أهدافها اللبنانية بجرأة ووضوح. نريدها ثورة تحمل برنامجا اجتماعيا ووطنيا بناء، فلا يختلف الثوار على مطالبهم في الساحات وينزلقون في حلقات العنف. نريدها ثورة تطل بقيادة جديدة متفاهمة مع بعضها البعض، تمثل الشعب وتحاور الدولة والمجتمع الدولي. فلا ثورة من دون أهداف وبرنامج وقيادة. إنها لجريمة أن يخسر لبنان ثورته الرائعة. هذه فرصة لبنان لكي يغير من خلال الديمقراطية والتراث والقيم. فهلموا يا شباب لبنان وشاباته، إلى التغيير. أنتم مستقبل لبنان وعنكم قال صديقكم البابا يوحنا بولس الثاني انتم قوة لبنان التجددية، ونحن معكم.
8. في أحد الرسالات الذي تحتفل به الكنيسة الجامعة في هذا الأحد، نصلي من أجل إنتشار إنجيل المسيح، إنجيل السلام والحقيقة والعدالة والمحبة. ونذكر بصلاتنا إخوانا لنا يعانون من الحرب الدائرة بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم ناغورنو كره باغ المحاصر، والمعروف بأرتساخ، ملتمسين من الله إيقاف هذه الحرب، وتثبيت وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين. ونأسف لإخفاق الدول ذات التأثير هناك في نقل الصراع من واقعه العسكري إلى المفاوضات السلمية. إننا نناشد الأمم المتحدة إيقاف دورة العنف وحفظ سيادة الدول وتوفير الظروف الشرعية للشعب الأرمني هناك من أجل أن ينعم بالأمن والحرية وجمع الشمل في إطار القوانين الدولية.
فالله سميع مجيب، له المجد والتسبيح، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
المصري
وألقى جوني المصري بإسم رابطة ” كروس رود”، كلمة قال فيها: “جئناكم يا غبطة البطريرك لنضع بين يديكم تاريخنا وماضينا، جئناكم بآلامنا وآمالنا، جئناكم بوجعنا وفرحنا، لنقول لكم نحن معكم مع لبنان أبدي ازلي ، لا يفنى ولا يزول رغم كل ما مر به ورغم مما يمر به”. وتابع: “كانت شهادتنا واستشهادنا لهذا الوطن رديفا لشهادتنا واستشهادنا في سبيل إيماننا ليبقى إسم السيد المسيح حيا في الشرق وليبقى العلم اللبناني وفقط اللبناني مرفرفا فوق ربوعه”. وأضاف: “لبنان فريدة وطن الانسان وطن الايمان، وطن الحرية، معك ننهض ومعك نسير، ومعك نقول لبنان لجميع أبنائه، دون تفرقة أو تمييز، ولأنهم للبنان وفقط للبنان. وطن الحياد الإيجابي الذي يؤمن الأمن والسلام لجميع طوائفه، الحياد الإيجابي الذي يستطيع فيه لبنان أن يؤمن رسالته في محيطه العربي الحياد الإيجابي الذي يحيي الشراكة المسيحية الإسلامية”. وتابع: “نجتمع اليوم لنصلي معا ونذكر معا رفاقا فارقونا أصيبوا واستشهدوا من جراء إصابتهم من أجل بقائنا ومن أجل وجودنا نستذكرهم معكم ليشملهم الله برأفته ويضعهم من على يمينه ويجعل مثواهم في ملكوته “. وأضاف: “نستذكر أهلهم ليبلسم الله جراحهم الدائمة، ونصلي وإياهم على أنفس موتانا ونعاهدهم على البقاء معا”. وتابع: “وأنتم يا رفاقي المصابين الذين خاضوا معركة الكرامة والحرية ، فاكتسبتم محبة الله والوطن ، أنتم المنتمون الى أسرة الوطن، لقد علمتم البشرية كيف يكون الدفاع عن النفس، وكيف يسير الأبطال على دروب الحضارة، فهنيئا لنا بكم ساعدتم رفاقكم وما زلتم تساعدون وحبة القمح التي زرعتموها تنمو وتكبر لتزيدوا عطاء ومحبة بإسم المسيح”.

المطران عودة: عودوا إلى ضمائركم يا أيها المسؤولون. إن استمررتم في غيكم لن يبقى وطن ولا مواطنون. تواضعوا وأصغوا إلى أنين شعبكم. لا تفرحوا بما تكتنزونه على الأرض بل “افرحوا بأن أسماءكم كتبت في السموات
وطنية – الأحد 18 تشرين الأول 2020
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده قداس الاحد في كاتدرائية مار جاورجيوس في وسط بيروت، وألقى عظة قال فيها: “باسم الآب والابن والروح القدس، آمين. يا أحبة، كلام الرب يسوع في إنجيل اليوم، يعلن أن كل مسيحي هو سفير للمسيح ولله الآب، يحمل الكلمة الإلهية إلى الآخرين. كل من يسمع من السفير كأنه يسمع منْ مرسله، ومن يرفض الرسالة ويرذلها كأنه يرذل المرسل. يسبق إنجيل اليوم كلام قاس للرب يسوع يقول فيه: “أية مدينة دخلتموها ولمْ يقبلوكم، فاخرجوا منْ شوارعها وقولوا: حتى الغبار الذي لصق بنا منْ مدينتكم ننفضه لكم، ولكن اعلموا هذا، أنه قد اقترب منكم ملكوت الله” (لو 10: 10-11). السلطة التي أعطاها الرب لتلاميذه، ولكل من دعي باسمه، هي سلطة الكلمة، سلطة الرسالة التي تنص على اقتراب ملكوت الله. فمنْ رفض الرسالة يكون قدْ رفض الملكوت. ودعوة كل مسيحي، أنْ يدعو الجميع إلى مائدة الملكوت، التي قال الرب إن المدعوين إليها كثيرون، لكن المختارين قليلون (مت 22: 14).
إلا أن البشر مجربون دوما بالكبرياء. فالرسل، الذين هم من البشر، سكروا بالسلطة التي منحهم إياها الرب وفرحوا. نسمع في إنجيل اليوم: “فرجع السبعون بفرح قائلين: يا رب، إن الشياطين أيضا تخضع لنا باسمك”. لقد اعترفوا من دون أن يدروا، بأن السلطة هي لاسم الرب يسوع، والشياطين لا تخضع لهم لشخصهم، بلْ لأنهم يذكرون اسم الرب، إلا أن التلاميذ فرحوا لأنهم ظنوا أن الأمر نابع منهم. لذلك حذرهم الرب قائلا: “إني رأيت الشيطان ساقطا من السماء كالبرق”. أراد الرب يسوع تذكير تلاميذه بأن سقوط الشيطان كان بسبب كبريائه، وبسبب أنه ظن نفسه أهم منْ سائر المخلوقات. إلا أن سفر أيوب النبي يرينا الشيطان عاجزا عن اتخاذ قرار منْ دون إذن الرب. كما أن سليمان الحكيم يحذر أصحاب السلطة قائلا: “وأنتم أيها الملوك، فاسمعوا وتعقلوا، ويا قضاة أقاصي الأرض اتعظوا. أصغوا أيها المتسلطون على الجماهير، والمفتخرون بجموع أممكم، لإن سلطانكم من الرب، وقدرتكم من العلي، وهو الذي سيفحص أعمالكم، ويستقصي نياتكم. فإنكم أنتم الخادمين لملكه لمْ تحكموا حكْم الحق، ولمْ تحفظوا الشريعة، ولم تسيروا بحسب مشيئة الله. فسيطلع عليكم مطلعا مخيفا وسريعا، لأن حكما لا يشفق يجرى على الوجهاء. فإن الصغير أهل للرحمة، أما أرباب القوة فبقوة يفحصون. وسيد الجميع لا يتراجع أمام أحد، ولا يهاب العظمة، لأن الصغير والكبير هو صنعهما، وهو يعتني بالجميع على السواء” (حك 6: 2-8).
يا أحبة، الكل مجرب بالسلطة، لكن من وضع المسيح نصب عينيه لا يمكنه إلا أنْ يستخدم سلطته في سبيل الخير العام. لقدْ منح الرب كل إنسان موهبة خصه بها، وهذه المواهب تعطي أصحابها سلطة على الآخرين بشكل من الأشكال، لذا يحذر الرب تلاميذه قائلا: “ها أنا أعطيكم سلطانا أن تدوسوا الحيات والعقارب وقوة العدو كلها، ولا يضركم شيء. لكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم، بل بالأحرى افرحوا بأن أسماءكم كتبت في السماوات”. يعلمنا الرب يسوع ألا نفرح بالمواهب بذاتها، بل بأننا نلنا نعمة منْ لدن العلي. الموهبة تقود إلى الكبرياء إنْ لم ترافقْها توبة دائمة، وتواضع دائم، وحياة دائمة مع الله.
وفيما يفرح التلاميذ بالموهبة التي منحهم إياها الرب، نسمع في إنجيل اليوم أن المسيح تهلل بالروح، وهذا هو الموضع الوحيد في الإنجيل الذي نرى فيه المسيح يسوع قد تهلل. لم يكن فرح الرب جسديا، بل كان ابتهاجا روحيا برؤيته الشيطان منهزما تحت أقدام المخلصين. دحْر الشيطان يأتي عن طريق الاعتراف بتوبة صادقة، ومن خلال نبذ الجسديات والماديات واتباع الكلمة الإلهية نحو الملكوت السماوي. هذا الملكوت ليس لمن يعتبر نفسه حكيما وفهيما وعاقلا، بلْ هو للأطفال. يقول الرسول بولس: “أين الحكيم؟ أين الكاتب؟ أين مباحث هذا الدهر؟ ألم يجهل الله حكمة هذا العالم؟” (1كو 1: 20). ويخبرنا الرب نفسه أننا لن نرث الملكوت ما لم نعد كالأطفال (مت 18: 3). من يقبل المسيح ببساطة قلب، ويرتمي في حضن الآب كالطفل، هذا يدخل به المسيح إلى الملكوت السماوي، أما المعتدون بمعرفتهم وفهمهم فلا يتركون مجالا للحكمة الإلهية أن تعلمهم ما المرْضي لدى الرب.
أحبائي، السلطة الوحيدة في المسيحية هي سلطة المحبة. عندما نسلط المسيح على حياتنا نضع أنفسنا تحت سلطة المحبة الحقيقية التي لا تخالطها مصلحة، المحبة الصادرة عن قلب طاهر وضمير حي وإيمان لا رياء فيه (1تيم1: 5). أما عندما نضع أنفسنا تحت سلطة الشيطان، أو سلطة شهواتنا ومصالحنا وأحزابنا وقبائلنا أو أي من الزعماء الأرضيين، فإننا نضع نيرا على ظهرنا سيحنينا إلى الأرض ويذلنا. نسمع كلاما كثيرا ضد المسيح والكنيسة، فلا ينهز كيان الكثيرين، لكن عندما تسمع كلمة واحدة عنْ زعيم أولئك الكثيرين، تمتلئ الشوارع بالمحتجين والمنددين وقطاع الطرق. منذ عام، فرحْنا واليوم نفرح ببدء تشكل الوعي الوطني الصادق الذي يرفض التبعية والإستزلام، ويفضح الفساد وسوء الحكم والإدارة، وينشد الدولة العادلة، دولة القانون والمؤسسات. لكن هذا الفرح يتلاشى مع عودة الروح الطائفية والقبلية والحزبية. لقدْ أثبتنا أننا لا نزال شعبا يحتاج الكثير من الوعي والحرية. هل فوتْنا فرصة صنع التغيير؟ لقد نسي اللبناني الله، وأله أشخاصا مائتين ومميتين، لكنهم لم يكونوا على قدر كاف من المسؤولية للحفاظ على لبنان الرسالة الذي يتغنى به الجميع. وماذا بقي من تلك الرسالة، رسالة التسامح والأخوة والمحبة وقبول الآخر واحترام رأيه ومعتقده وحريته؟ نحن نعيش في فساد سياسي وأخلاقي يقودنا إلى موت حتمي. ألا تثبت المماطلة في اتخاذ القرارات المهمة أن دولتنا مائتة ومميتة في آن؟ لم كل هذا التردد والتأجيل في تشكيل حكومة تنقذ الوطن الجريح والشعب الكسيح؟ لم كل تلك الإجراءات الخانقة والعراقيل الواهية؟ لم لا نطبق الدستور وننفذ بنوده دون اجتهاد أو تحريف؟ هل بسبب عبادة الأنا؟
ما زال اللبنانيون يصفقون للزعماء الذين يهدرون مستقبلهم ومستقبل أولادهم، ويضيعون الفرصة تلو الأخرى لإنقاذ البلد، ولا يهتمون للوقت الذي يمر، ويجر وراءه ما تبقى من أمل في انتشال البلد من الحضيض، متمسكين بمماحكاتهم التافهة ومطالبهم العقيمة. ما زال عدد الوزرات وأسماء الوزراء والحصص أهم من مصير لبنان واللبنانيين. يهتمون بأمور كثيرة والحاجة إلى أمر واحد: إنقاذ البلد والتكاتف والعمل الجدي من أجل ذلك.
عودوا إلى ضمائركم يا أيها المسؤولون. إن استمررتم في غيكم لن يبقى وطن ولا مواطنون. تواضعوا وأصغوا إلى أنين شعبكم. لا تفرحوا بما تكتنزونه على الأرض بل “افرحوا بأن أسماءكم كتبت في السموات” كما يقول الرب في إنجيل اليوم. تحلوا بالحكمة، وافتدوا الوقت “لأن الأيام شريرة” (أف 5: 16).
دعوتنا اليوم، أن نتواضع، وأن نحب، وأن نخشى حكم الرب، وألا نتسلط على الآخرين أو نشعر بأننا مميزون، مهما علا شأننا أو كثر فهمنا أو زادتْ حكمتنا. لنجتمعْ جميعنا تحت سلطة واحدة، هي سلطة المحبة الإلهية، عندئذ تنتفي كل شرور البشرية، ويعم السلام مجددا، آمين”.