سبعة مقالات وتعليقات تؤيد طرح البطريرك الراعي الخاص بالحياد الفعال والمتحرك وتنتقد بشدة الجهات الطروادية والإرهابية التي تطاولت بفجور على البطريرك وخونته

190

سبعة مقالات وتعليقات تؤيد طرح البطريرك الراعي الخاص بالحياد الفعال والمتحرك وتنتقد بشدة الجهات الطروادية والإرهابية التي تطاولت بفجور على البطريرك وخونته/25 آب/2020

*مع سيد بكركي… في مواجهة العملاء/طوني أبي نجم/أي أم ليبانون/25 آب/2020

*تاريخ بكركي الطويل … ولا حكي تركي/حبيب شلوق/المرصد/25 آب/2020

*حيادٌ بلا إجماع/بشارة شربل/نداء الوطن/25 آب/2020

*تاريخ بكركي الطويل … ولا حكي تركي/حبيب شلوق/المرصد/25 آب/2020

*الراعي “الصادح”… “كل من يناصر الدويلة ويخون الدولة سينهزم”/ألان سركيس/نداء الوطن/25 آب/2020

*رسالة من مار شربل/داني حداد/أم تي في/25 آب/2020

*مرحلة انتقالية نحو الحياد/الياس الزغبي/25 آب/2020

******
مع سيد بكركي… في مواجهة العملاء
طوني أبي نجم/أي أم ليبانون/25 آب/2020
مشكلة محور الممانعة أنه لا يقرأ التاريخ جيداً. يظن بعض غلمان هذا المحور، وفي طليعتهم ابراهيم الأمين، أنه يمكن لتاريخ عمره 40 عاماً من الثورة الخمينية وتصدير التخريب إلى الدول العربية أن يتطاول على 1400 سنة من أساسات لبنان الهوية والكيان.
يظن أوباش محور الممانعة وصحيفتهم الصفراء المسمّاة “الأخبار” أنهم يستطيعون تجاوز كل الخطوط الحمر لقواعد العيش المشترك في لبنان، وذلك عبر التجاسر على توجيه اتهامات ساقطة للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، كمثل اتهامه بـ”العمالة” لمجرّد طرحه الحياد!
طبعاً لا داعي للدفاع عن طرح سيد بكركي “الحياد” لأن فيه مصلحة لجميع اللبنانيين، لا الإيرانيين. ولكن المصلحة العامة باتت تقتضي أن نقول الحقيقة مهما كانت صعبة ليسمعها من يعنيهم الأمر من الأوباش:
ـ لا ليس البطريرك الماروني من يمكن نعته بالعمالة. سيد بكركي هو صخرة لبنان إيماناً وفكراً وروحاً وانتماءً وعنفواناً. الكنيسة المارونية حفرت في صخور لبنان وجباله ووديانه، ولم يتم تأسيسها بأموال الحرس الثوري الإيراني بالتآمر مع النظام الليبي لإخفاء إمام اللبنانيين موسى الصدر ولا بتصفيات ضباط الجيش اللبناني وقادة “جمّول” ولا بالإنقلاب على حركة “أمل” بما كانت تمثله يومذاك من إرث للإمام الصدر! ـ العملاء هم عملاء إيران وأزلامها في لبنان ومن يتقاضون منها الأموال والسلاح والأوامر لينفذوا مصلحتها على حساب مصالح اللبنانيين ومصلحة لبنان العليا، وفي طليعة هؤلاء “حزب الله” بجميع مسؤوليه وأتباعه. العميل هو من يضرب مصالح مئات الآلاف من اللبنانيين في الخليج العربي إرضاءً للحوثيين في اليمن، وعبر تنفيذ عمليات أمنية في قلب الدول العربية الصديقة! بطريرك الاستقلال الثاني المثلث الرحمات مار نصرالله بطرس صفير كان أعلن سابقاً أنه “في حال خُيّرنا بين الحرية والعيش المشترك فالتاريخ يشهد بأننا سنختار الحرية”. واليوم مع غبطة البطريرك الراعي نعلن أننا لن نقبل بعد اليوم أن يتطاول أحد على صخرة اللبنانيين، على رأس الكنيسة الماروني الذي لا يملك ميليشيا ولا صواريخ ولا جهازاً أمنياً ولا يتقن فن الاغتيالات، لكنه يملك مع أكثرية اللبنانيين الإيمان والإرادة لمواجهة جميع العملاء مهما تدججوا بالأسلحة الإيرانية. نعم من “أعطي له مجد لبنان” سيستمر في رفع الصوت ضد الميليشيات الإيرانية، وضد “حزب الله” تحديداً، وضد السلاح غير الشرعي، وضد انتشار مخازن أسلحته ومتفجراته، ونحن إلى جانبه حتى إسقاط هذه المنظومة الإجرامية التي مارست الاغتيالات والتي تحوم حولها كل الشبهات في مجزرة تفجير مرفأ بيروت.طفح الكيل وحذارِ التطاول على سيد بكركي بعد اليوم، فإما أن يرضخ الجميع لمنطق الاحترام المتبادل واحترام المقدسات والرموز والمواقع الدينية، وإما فلتسقط كل المحرمات إلى غير رجعة!

تاريخ بكركي الطويل … ولا حكي تركي
حبيب شلوق/المرصد/25 آب/2020
لم يكن ضرورياً تسرُّع البعض في ردات الفعل على مشروع البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن “الحياد الناشط” ، خصوصاً إذا رجع المعترضون إلى تاريخ بكركي والبطاركة الموارنة، وموقفهم الثابت منذ نشأة لبنان الدولة وقبلها بمئات السنين.
من نافل القول أن لكل إنسان رأيه ولكل مجموعة رأيها ومثلهما كل طائفة ومذهب وحزب وهيئة ومجتمع، انما للكل أيضاً كرامته، وهي ليست عطية من أحد ولا هي منّة ، وبالتالي فإن منطق التخوين لا يسري لا على بكركي ولا على الكنيسة الواحدة الجامعة، وأكبر دليل على وطنية البطريركية أنها سبقت الجميع ، جميع الجميع، في مواقف وطنية أطلقها البطاركة على مرّ التاريخ وباتت قدوةً للجميع.
وللتذكير فقط فإن البطريركية المارونية قاومت الإحتلال العثماني وتوّج البطريرك الياس الحويك هذه المقاومة بمشاركته في الوفد اللبناني على رأس مجموعة من المطارنة، في تمثيله “بصدق وأمانة” الرأي العام اللبناني”بكل طوائفه المسيحية والمحمدية، للمطالبة بالاستقلال “المطلق” واستعادة الولايات التي سُلخت عنه”.
وتجدّد الموقف البطريركي في أثناء وضع الدستور اللبناني سنة 1926 ، وطالبت البطريركية المارونية يومها بالحياد اللبناني، ونتيجة لذلك طلب المفوض السامي الفرنسي هنري دو جوفنال من حكومته أن تُرسِل إليه نسخة من دستور سويسرا (المحايدة) بعدما وجده مناسبًا للتركيبة اللبنانية.
وتأْكدت هذه النَّزعة البطريركية (الحيادية) سنةَ 1943 عندما أعلنت حكومة الاستقلال بدعم واضح من البطريرك أنطون عريضة أن لبنان يلتزم “الحياد بين الشَّرق والغرب”، وشدَّد عليه لبنان سنة 1945 لدى وضعِ ميثاق جامعة الدول العربية الذي جعَل قرارات الجامعة غير مُلزِمة حتَّى لو اتخذت بالإجماع. وأكَّدت الأعمال الإعدادية لهذا الميثاق والمداخلات أن “لبنان دولة مساندة، وليس دولة مواجهة”. فيكون لبنان إذاً عنصر تضامن بين العرب، وليس عامل تفكيك وتغذية للنزاعات العربية.
وحافظ لبنان على إقتناعه بفكرةُ الحياد وعبّر عنها في خطَب رؤساءِ الجُمهورية وفي البيانات الوزارية وفي كلِّ بيان وطني يَصدُر عن كل هيئة حوار وصولًا إلى “إعلان بعبدا” في 11 حزيران 2012 الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع وبمباركة من البطريرك الراعي، وقد تضمنَ بوضوحٍ عبارةَ “تحييدِ لبنان”. وأُرسِلَ هذا “الإعلان” إلى الأمم المتَّحدة، وتمَّ توزيعه كوثيقة رسميَّة من وثائق مجلس الأمن والجمعية العامة.
وفي مشروع البطريرك عن الحياد الإيجابي أشار الراعي إلى أنه “بفضل هذه السياسة الحكيمة تمكَّن لبنان من المحافظة على وِحدةِ أراضيه على رغمَ مشاريعِ الوحدةِ العربيَّة، وعلى رغمَ جميع الحروب العربيَّة ــ الإسرائيليَّة. فجميعُ البلدان المتاخِمة لإسرائيل (سوريا، الأردن ومصر) خَسِرت أجزاء من أراضيها باستثناءِ لبنان. وإذا بتحييد لبنان النِّسبي عن صراعات المنطقة بين 1943 و 1975 أدى إلى الازدهار والبحبوحة، وزيادة النمو، وارتفاعِ نسبةِ دخل الفَرد، وتراجعِ البطالة حتى دُعِيَ لبنان “سويسرا الشرق”.
وتعكـّر صفو الحياد عام 1958 مع “محاولة الرَّئيس المصريّ جمال عبد الناصر ضمَّ لبنان إلى الوِحدةِ المصريَّةـــ السوريَّة العابرةِ”، (التي لم تدم طويلاً)، لكن سرعان ما تجاوز اللُّبنانيُّون تلك المحنة وتصالحوا وأكملوا دربَ بناء الدَّولة كما جاء في مشروع البطريرك، متسلّحين بحكمة البطريرك مار بولس بطرس المعوشي” الذي اتخذ موقفاً oghg “he,vm”غير شعبي مماثلاً لموقف البطريرك عريضة أيام الإستقلال وقد ووجها بأبيات زجلية ممجوجة رددها معارضون لمواقفهما، قارعت أبيات تأييد وتمجيد رددها مؤيّدون. ولكنهما تمسكا بالموقف الوطني الثابت.
ثم إنتكس التوازنُ اللُّبنانيُّ مجدداً مع دخولِ العامل الفِلسطيني ـــ كما جاء في المشروع البطريركي ــ إلى المعادلة الدَّاخليَّة وانطلاق العمل المسلَّح الفلسطيني في لبنان( بعد اتفاق القاهرة المدعوم من الرئيس المصري عبد الناصر) وانحياز فئة من اللُّبنانيِّين إليه، الأمر الذي أدَّى لاحقًا إلى نشوب الحرب سنة 1975.
تجاه الانقسام المسيحيّ ــ الإسلاميّ الذي عطّل الحكمَ أواخر الستينات، أذعنت الدَّولة اللُّبنانيَّة وقَبِلَت التَّنازل عن سيادتها، ووقَّعَت سنة 1969 “اتفاق القاهرة” الذي سمح للمنظَّمات الفلسطينيَّة القيامَ بأعمال عسكريَّة ضدَّ إسرائيل انطلاقًا من الجنوب اللُّبناني.
وكَرَّت سُبحةُ انحياز الدَّولة وفئات لبنانيَّة إلى النِّزاعات العقائديَّة والسِّياسيَّة والعسكريَّة والمذهبيَّة في الشَّرق الأوسط. واحتلَّت إسرائيل جنوب لبنان (1978 /2000) وسيطرت المنظَّمات الفلسطينيَّة على الجزء الباقي وصولًا إلى وسط بيروت (1969ــ 1982)، ثم دخلَت القوَّات السُّوريَّة لبنان (1976ــ2005) ونشأ “حزب الله” حاملًا مشروع الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة بأوجهه الدِّينيّ والعسكريّ والثَّقافي(1981)، وفق الوثيقة نفسها.
والجميع يذكر الدور الذي لعبه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير طوال تلك الفترة من خلال اتصالاته ولقاءاته الإقليمية والدولية من الفاتيكان إلى الدول الأوروبية كلها وصولاً إلى روسيا والولايات المتحدة والأميركتين وإفريقيا وأوستراليا وقد رافقته فيها كلها وشاركت في معظم لقاءاته، وفي كل هذه الزيارات كان البطريرك يدعو قادة الدول إلى الضغط على إسرائيل للإنسحاب من لبنان “لكي ندعو بعدها إلى جلاء القوات السورية” وهو ما حصل بانسحاب اسرائيل في 25 أيار 2000 وضاعف بعدها ضغطه مثنى وثلاث ورباع لانسحاب القوات السورية وتحقق مطلبه الثاني بانسحابها في 30 نيسان 2005 ، ولقب بحق بطريرك اللبنانيين ومُلهم “ثورة الأرز”.
وقد تكون من الخطوات الأهم التي قام بها البطريرك صفير قيادته المصالحة التاريخية في الجبل وزيارته المختارة في 4 ــ 6 حزيران 2001 حيث كرّست الزيارة التي احتضنها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط باستقبال وطني قلّ نظيره هذه المصالحة، بعد قتال دامٍ بين أبناء الجبل الواحد استمر 18 عاماً (1983 ــ 2001).
وقد يكون الرئيسان نبيه بري ورفيق الحريري خصوصاً، المسؤولين اللبنانيين المسلمين اللذين كانا يكنـّان للبطريرك صفير ومواقفه الوطنية الجريئة كل احترام، وهذا التقدير أزعج القيادة السورية في خضم المواقف الصلبة لصفير عنــدما زار بري بكركي يوم 24 تشرين الثاني 2000 ، بعد شهرين (وأربعة أيام) فقط، على صدور نداء أيلول الشهير الذي ينادي بخروج القوات السورية من لبنان ، بهدف التشاور، وعارضاً وساطة مع القيادة السورية ولقاء بين الرئيس بشار الأسد والبطريرك صفير في سوريا، الأمر الذي لم يوافق عليه صفير إذ ” أذهب إذا كنت سأعود ومعي جميع السجناء في سوريا”.
وشرط صفير أزعج الرئيس السوري بشار الأسد ومعاونيه، وصار “عتاب” سوري على بري وزعل، استمر فترة ليست بقصيرة ولم يزر بري صفير بعدها . وتبدّدت الغيوم بين بري ودمشق بعد موقف لرئيس المجلس انتقد فيه البطريرك صفيربعنف .
… ولكن تقدير رئيس مجلس النواب الدفين لصفير، عاد وبرز عندما نعاه بعد وفاته بالقول أنه البطريرك الذي “عاش من أجل لبنان ومات ليحيا لبنان”… وأضاف:” شد البطريرك الكاردينال قوس روحه وأطلقها عن عمر مديد في حراسة لبنان وخدمة الكنيسة والرعية”.
وإن ننسى لا ننسى فتح البطريرك صفير صالون بكركي للعزاء بالمفتي حسن خالد غداة استشهاده بتفجيرسيارته في بيروت يوم 16 أيار 1989 على أثر رسالته الشهيرة إلى النظام السوري التي ندّد فيها بالجرائم التي اتهمه بارتكابها في لبنان.
كذلك لن نذكّر بـعبارات “التقريظ” الكبير والثناء التي خصّ بها البطريرك أنطونيوس خريش صديقه الإمام موسى الصدر عندما أعلمه الفاتيكان بزيارته عام 1976. وأخيراً ليس آخراً، الدور الذي لعبه البطريرك الراعي في المملكة العربية السعودية في موضوع الرئيس سعد الحريري.
هذا بعض من تاريخ وطني طويل للبطريركية المارونية والبطاركة الموارنة، وهو تاريخ غير انطوائي بل سيادي، تاريخ انفتاح وتفاهم وحوار ولسان الشرق لدى الغرب.
وفي مشروع الراعي أخيراً أن الحياد كان الركيزة الأساسية للبنان، وعندما كان الحياد يهتز بسبب تدخل خارجي ، من أي خارج، كانت الدولة تفقد سلطتها الداخلية والكيانُ سيادتَه الحدوديَّة، والوطنُ دورَه السِّياسيَّ والصيغةُ توازنَها، والمجتمعُ خصوصيَّتَه الحضاريَّة. وكلما ترسخ الحياد كلما علا شأن لبنان محلياً وإقليمياً ودولياً. والمطلوب تروٍ في القراءة وأخذ العبر من تاريخ مَن أُعطي له مجد لبنان.
يبقى أن نتذكّر البطريرك صفير وهو يردد بابتسلمة عريضة الشعر الزجلي العامي بعد الحملات التي تعرضت لها بكركي عشية الإنسحاب السوري:
بكركي من عركة لــعركة لا زيتا ولا نورا شحّ
كلّن بيحكوا تركي بكركي وحدا بتحكي صحّ

حيادٌ بلا إجماع
بشارة شربل/نداء الوطن/25 آب/2020
يوماً بعد يوم يتبيّن أننا أضعنا وقتنا في مطالبة السلطة بالإصلاح. هي، برؤوسها وأذنابها، ملح فاسد. لا حسَّ مسؤولية ولا ما يفترضه الحد الأدنى من الأخلاق، فكيف لفاقد الشيء ان يعطيَه؟ ربما حان الوقت ليدرك من ثاروا في 17 تشرين، والذين سبقوهم الى التظاهر بعشرات الآلاف في 2015، والمطالبون بالتغيير على تنوّع المشارب والآراء، ان نياتهم الحسنة ومطالبهم المحقة وغضبهم الساطع ضد الفساد و”حكم المصرف” وتخلف النظام السياسي، ليست العنوان الصالح للخلاص من منظومة النهب والارتهان. بلا شك، كانت الأوضاع المزرية ونُذُر الانهيار محركاً لخوض تجربة اعتراض ديموقراطية في الشارع، وشكلت انتفاضة الجيل الجديد من تلامذة مراهقين وشبان جامعيين وأهال موجوعين بارقة أمل بولادة جديدة للبنان خصوصاً بعدما رفعوا شعارات المواطنية الجامعة وتجنبوا الانقسامات. بيدَ ان المنظومة الفاسدة استطاعت عبر احتراف الخديعة والعنف الرسمي والميليشيوي تبديد الحلم ومنع التغيير، حتى بالحد الأدنى الذي ينقذ ماء وجهها ولا ينتزع منها هيمنتها. سقط شعار “كلن يعني كلن”، ليس لأنه رومانسي وغير عادل بحق أحزاب وحزبيين غير ملوثين فحسب، بل لأن “الثورة المضادة” محصنةٌ بقوة ومناعة تجعلانها قادرة على احباط اي محاولة تغيير، وتمتلك من عقلية الالغاء “مخزوناً استراتيجياً” يدفعها بدم بارد الى ارتكاب تخيير اللبنانيين بين عيشة الذل أو الخراب العميم. ولماذا نستغرب؟ نماذج صدام حسين وبشار الأسد ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح وعمر حسن البشير و”الثورة الخضراء” في ايران، ماثلة في الأذهان، وذهنية المنظومة الحاكمة ليست “أنظم” من سلوك أي من المذكورين حكاماً أحياء أو سجناء أو في دار البقاء. وما انعدام رد الفعل على “إبادة الأشرفية” سوى التعبير الواقعي عن نوعية القوى السياسية، التي شاءت الأقدار النحيسة ان نعيش في ظلها فتقتل حاضرنا وتعبث في مصائرنا ومستقبل أجيالنا.
لم يكن خافياً أن جوهر الموضوع وطني مصيري، وأن لا علاج لموظف فاسد في وزارة أو ردعَ لمتنمّر في حي او قمعَ لاستيلاءِِ على مشاع وتلويث نهر، أو تنفيذ أحكام في خلاف عقاري إن لم تحل مسألة اعتقال الشرعية ومنع قيام دولة القانون والسيادة… حاولت قوى الثورة، مثل أطراف سياسية عدة، تأجيل الموضوع، تارة عبر تحييد السلاح وطوراً عبر “ربط النزاع” او الدعوة المستمرة الى “استراتيجية دفاع” و”نأي بالنفس”، لكن “فالج لا تعالج”، حتى قطع البطريرك الراعي الشك باليقين فأعلن “مذكرة الحياد النشط” التي تختصر كل العناوين.
عبثاً تبحث الثورة عن شعار مفيد أو صياغات ذكية لطروحات تعيد اليها الزخم وتؤدي الى محاربة الفساد وتطوير المؤسسات من غير ان تستفز المتمسكين بالسلاح والمحور الاقليمي، فكلها اصطدمت وستصطدم بعقبة استعادة السيادة على الأرض والقرار. وتجاوز العقبة متضمَّن حُكماً في مشروع الحياد، وهو لا يحتاج الى جهد ضائع لاجتذاب بيئة “الثلاثية الذهبية”، ولا الى “اجماع” لأنه مشروع مقاومة لتحرير الدولة والقرار. وكما كان أمين عام “حزب الله” محقاً في انه لم يكن هناك اجماع على المقاومة ضد اسرائيل ولم تكن هي بحاجة الى ذاك الاجماع، كذلك فإن المقاومة لتحقيق الحياد والعيش الآمن بلا ارتهانات و”نيترات” لا تحتاجه على الاطلاق.

تاريخ بكركي الطويل … ولا حكي تركي
حبيب شلوق/المرصد/25 آب/2020
لم يكن ضرورياً تسرُّع البعض في ردات الفعل على مشروع البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن “الحياد الناشط” ، خصوصاً إذا رجع المعترضون إلى تاريخ بكركي والبطاركة الموارنة، وموقفهم الثابت منذ نشأة لبنان الدولة وقبلها بمئات السنين.
من نافل القول أن لكل إنسان رأيه ولكل مجموعة رأيها ومثلهما كل طائفة ومذهب وحزب وهيئة ومجتمع، انما للكل أيضاً كرامته، وهي ليست عطية من أحد ولا هي منّة ، وبالتالي فإن منطق التخوين لا يسري لا على بكركي ولا على الكنيسة الواحدة الجامعة، وأكبر دليل على وطنية البطريركية أنها سبقت الجميع ، جميع الجميع، في مواقف وطنية أطلقها البطاركة على مرّ التاريخ وباتت قدوةً للجميع.
وللتذكير فقط فإن البطريركية المارونية قاومت الإحتلال العثماني وتوّج البطريرك الياس الحويك هذه المقاومة بمشاركته في الوفد اللبناني على رأس مجموعة من المطارنة، في تمثيله “بصدق وأمانة” الرأي العام اللبناني”بكل طوائفه المسيحية والمحمدية، للمطالبة بالاستقلال “المطلق” واستعادة الولايات التي سُلخت عنه”.
وتجدّد الموقف البطريركي في أثناء وضع الدستور اللبناني سنة 1926 ، وطالبت البطريركية المارونية يومها بالحياد اللبناني، ونتيجة لذلك طلب المفوض السامي الفرنسي هنري دو جوفنال من حكومته أن تُرسِل إليه نسخة من دستور سويسرا (المحايدة) بعدما وجده مناسبًا للتركيبة اللبنانية.
وتأْكدت هذه النَّزعة البطريركية (الحيادية) سنةَ 1943 عندما أعلنت حكومة الاستقلال بدعم واضح من البطريرك أنطون عريضة أن لبنان يلتزم “الحياد بين الشَّرق والغرب”، وشدَّد عليه لبنان سنة 1945 لدى وضعِ ميثاق جامعة الدول العربية الذي جعَل قرارات الجامعة غير مُلزِمة حتَّى لو اتخذت بالإجماع. وأكَّدت الأعمال الإعدادية لهذا الميثاق والمداخلات أن “لبنان دولة مساندة، وليس دولة مواجهة”. فيكون لبنان إذاً عنصر تضامن بين العرب، وليس عامل تفكيك وتغذية للنزاعات العربية.
وحافظ لبنان على إقتناعه بفكرةُ الحياد وعبّر عنها في خطَب رؤساءِ الجُمهورية وفي البيانات الوزارية وفي كلِّ بيان وطني يَصدُر عن كل هيئة حوار وصولًا إلى “إعلان بعبدا” في 11 حزيران 2012 الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع وبمباركة من البطريرك الراعي، وقد تضمنَ بوضوحٍ عبارةَ “تحييدِ لبنان”. وأُرسِلَ هذا “الإعلان” إلى الأمم المتَّحدة، وتمَّ توزيعه كوثيقة رسميَّة من وثائق مجلس الأمن والجمعية العامة.
وفي مشروع البطريرك عن الحياد الإيجابي أشار الراعي إلى أنه “بفضل هذه السياسة الحكيمة تمكَّن لبنان من المحافظة على وِحدةِ أراضيه على رغمَ مشاريعِ الوحدةِ العربيَّة، وعلى رغمَ جميع الحروب العربيَّة ــ الإسرائيليَّة. فجميعُ البلدان المتاخِمة لإسرائيل (سوريا، الأردن ومصر) خَسِرت أجزاء من أراضيها باستثناءِ لبنان. وإذا بتحييد لبنان النِّسبي عن صراعات المنطقة بين 1943 و 1975 أدى إلى الازدهار والبحبوحة، وزيادة النمو، وارتفاعِ نسبةِ دخل الفَرد، وتراجعِ البطالة حتى دُعِيَ لبنان “سويسرا الشرق”.
وتعكـّر صفو الحياد عام 1958 مع “محاولة الرَّئيس المصريّ جمال عبد الناصر ضمَّ لبنان إلى الوِحدةِ المصريَّةـــ السوريَّة العابرةِ”، (التي لم تدم طويلاً)، لكن سرعان ما تجاوز اللُّبنانيُّون تلك المحنة وتصالحوا وأكملوا دربَ بناء الدَّولة كما جاء في مشروع البطريرك، متسلّحين بحكمة البطريرك مار بولس بطرس المعوشي” الذي اتخذ موقفاً oghg “he,vm”غير شعبي مماثلاً لموقف البطريرك عريضة أيام الإستقلال وقد ووجها بأبيات زجلية ممجوجة رددها معارضون لمواقفهما، قارعت أبيات تأييد وتمجيد رددها مؤيّدون. ولكنهما تمسكا بالموقف الوطني الثابت.
ثم إنتكس التوازنُ اللُّبنانيُّ مجدداً مع دخولِ العامل الفِلسطيني ـــ كما جاء في المشروع البطريركي ــ إلى المعادلة الدَّاخليَّة وانطلاق العمل المسلَّح الفلسطيني في لبنان( بعد اتفاق القاهرة المدعوم من الرئيس المصري عبد الناصر) وانحياز فئة من اللُّبنانيِّين إليه، الأمر الذي أدَّى لاحقًا إلى نشوب الحرب سنة 1975.
تجاه الانقسام المسيحيّ ــ الإسلاميّ الذي عطّل الحكمَ أواخر الستينات، أذعنت الدَّولة اللُّبنانيَّة وقَبِلَت التَّنازل عن سيادتها، ووقَّعَت سنة 1969 “اتفاق القاهرة” الذي سمح للمنظَّمات الفلسطينيَّة القيامَ بأعمال عسكريَّة ضدَّ إسرائيل انطلاقًا من الجنوب اللُّبناني.
وكَرَّت سُبحةُ انحياز الدَّولة وفئات لبنانيَّة إلى النِّزاعات العقائديَّة والسِّياسيَّة والعسكريَّة والمذهبيَّة في الشَّرق الأوسط. واحتلَّت إسرائيل جنوب لبنان (1978 /2000) وسيطرت المنظَّمات الفلسطينيَّة على الجزء الباقي وصولًا إلى وسط بيروت (1969ــ 1982)، ثم دخلَت القوَّات السُّوريَّة لبنان (1976ــ2005) ونشأ “حزب الله” حاملًا مشروع الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة بأوجهه الدِّينيّ والعسكريّ والثَّقافي(1981)، وفق الوثيقة نفسها.
والجميع يذكر الدور الذي لعبه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير طوال تلك الفترة من خلال اتصالاته ولقاءاته الإقليمية والدولية من الفاتيكان إلى الدول الأوروبية كلها وصولاً إلى روسيا والولايات المتحدة والأميركتين وإفريقيا وأوستراليا وقد رافقته فيها كلها وشاركت في معظم لقاءاته، وفي كل هذه الزيارات كان البطريرك يدعو قادة الدول إلى الضغط على إسرائيل للإنسحاب من لبنان “لكي ندعو بعدها إلى جلاء القوات السورية” وهو ما حصل بانسحاب اسرائيل في 25 أيار 2000 وضاعف بعدها ضغطه مثنى وثلاث ورباع لانسحاب القوات السورية وتحقق مطلبه الثاني بانسحابها في 30 نيسان 2005 ، ولقب بحق بطريرك اللبنانيين ومُلهم “ثورة الأرز”.
وقد تكون من الخطوات الأهم التي قام بها البطريرك صفير قيادته المصالحة التاريخية في الجبل وزيارته المختارة في 4 ــ 6 حزيران 2001 حيث كرّست الزيارة التي احتضنها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط باستقبال وطني قلّ نظيره هذه المصالحة، بعد قتال دامٍ بين أبناء الجبل الواحد استمر 18 عاماً (1983 ــ 2001).
وقد يكون الرئيسان نبيه بري ورفيق الحريري خصوصاً، المسؤولين اللبنانيين المسلمين اللذين كانا يكنـّان للبطريرك صفير ومواقفه الوطنية الجريئة كل احترام، وهذا التقدير أزعج القيادة السورية في خضم المواقف الصلبة لصفير عنــدما زار بري بكركي يوم 24 تشرين الثاني 2000 ، بعد شهرين (وأربعة أيام) فقط، على صدور نداء أيلول الشهير الذي ينادي بخروج القوات السورية من لبنان ، بهدف التشاور، وعارضاً وساطة مع القيادة السورية ولقاء بين الرئيس بشار الأسد والبطريرك صفير في سوريا، الأمر الذي لم يوافق عليه صفير إذ ” أذهب إذا كنت سأعود ومعي جميع السجناء في سوريا”.
وشرط صفير أزعج الرئيس السوري بشار الأسد ومعاونيه، وصار “عتاب” سوري على بري وزعل، استمر فترة ليست بقصيرة ولم يزر بري صفير بعدها . وتبدّدت الغيوم بين بري ودمشق بعد موقف لرئيس المجلس انتقد فيه البطريرك صفيربعنف .
… ولكن تقدير رئيس مجلس النواب الدفين لصفير، عاد وبرز عندما نعاه بعد وفاته بالقول أنه البطريرك الذي “عاش من أجل لبنان ومات ليحيا لبنان”… وأضاف:” شد البطريرك الكاردينال قوس روحه وأطلقها عن عمر مديد في حراسة لبنان وخدمة الكنيسة والرعية”.
وإن ننسى لا ننسى فتح البطريرك صفير صالون بكركي للعزاء بالمفتي حسن خالد غداة استشهاده بتفجيرسيارته في بيروت يوم 16 أيار 1989 على أثر رسالته الشهيرة إلى النظام السوري التي ندّد فيها بالجرائم التي اتهمه بارتكابها في لبنان.
كذلك لن نذكّر بـعبارات “التقريظ” الكبير والثناء التي خصّ بها البطريرك أنطونيوس خريش صديقه الإمام موسى الصدر عندما أعلمه الفاتيكان بزيارته عام 1976. وأخيراً ليس آخراً، الدور الذي لعبه البطريرك الراعي في المملكة العربية السعودية في موضوع الرئيس سعد الحريري.
هذا بعض من تاريخ وطني طويل للبطريركية المارونية والبطاركة الموارنة، وهو تاريخ غير انطوائي بل سيادي، تاريخ انفتاح وتفاهم وحوار ولسان الشرق لدى الغرب.
وفي مشروع الراعي أخيراً أن الحياد كان الركيزة الأساسية للبنان، وعندما كان الحياد يهتز بسبب تدخل خارجي ، من أي خارج، كانت الدولة تفقد سلطتها الداخلية والكيانُ سيادتَه الحدوديَّة، والوطنُ دورَه السِّياسيَّ والصيغةُ توازنَها، والمجتمعُ خصوصيَّتَه الحضاريَّة. وكلما ترسخ الحياد كلما علا شأن لبنان محلياً وإقليمياً ودولياً. والمطلوب تروٍ في القراءة وأخذ العبر من تاريخ مَن أُعطي له مجد لبنان.
يبقى أن نتذكّر البطريرك صفير وهو يردد بابتسلمة عريضة الشعر الزجلي العامي بعد الحملات التي تعرضت لها بكركي عشية الإنسحاب السوري:
بكركي من عركة لــعركة لا زيتا ولا نورا شحّ
كلّن بيحكوا تركي بكركي وحدا بتحكي صحّ

الراعي “الصادح”… “كل من يناصر الدويلة ويخون الدولة سينهزم”
ألان سركيس/نداء الوطن/25 آب/2020
يواصل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خرقه كلّ السقوف، واضعاً الإصبع على الجرح وعلى النزيف الحقيقي الذي يستنزف الوطن.
عندما أطلق البطريرك الراعي دعوته الشهيرة للحياد في تموز الماضي ظنّ الجميع أن هذا الموقف عابر ومن دون أفق وأنه نداء عرضي في معرض توصيف ما يمرّ به الوطن، لكن تدرّج المواقف وصولاً إلى إطلاقه مذكّرة الحياد أثبت أن البطريرك لا يناور أو يطلق المواقف العابرة، فحسب مصادرها فإن “بكركي قالت كلمة حق والكل أيدوها”. واللافت أيضاً أن الراعي تخطى بمواقفه أفرقاء 14 آذار والمعارضة في توصيف عمق المشكلة، لا بل شكّل البوصلة للإتجاه الوطني العام، فهو الذي تحدّث عن الدويلة التي تأكل الدولة ووجوب فك أسر الشرعية، وعن ضرب “حزب الله” بتصرفاته علاقات لبنان مع العالم العربي والغرب وأخذه إلى محور لا يريده، وحشره في المحور الإيراني وقطع علاقاته مع العالم، ومن ثمّ تحدث في مذكرة الحياد عن أن “الحزب” يُشكّل أحد أبرز أوجه خرق الحياد لأنه يحمل المشروع الإيراني بكل تفاصيله، كما أنه الميليشيا الوحيدة التي لا تزال تحمل السلاح بعد “إتفاق الطائف”، لكن الأبرز كان في عظة الأحد الأخيرة عندما طالب الدولة بدهم مخازن الأسلحة غير الشرعية الموجودة بين منازل المدنيين، في إشارة واضحة إلى “حزب الله” الذي يخزّن السلاح الإيراني بين المدنيين ليستخدمه في حروبه المتنقلة.
يستشهد الراعي في جلساته بعبارة شهيرة كان يردّدها البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير وهي أن “العربة لا تسير بحصانين، واحد يشدّها إلى الأمام والآخر إلى الخلف”، وهنا يقصد الراعي أن لبنان الوطن لا يمكنه أن يكمل مسيرته على الشكل الذي يسير عليه حالياً، حيث أن معظم اللبنانيين يناضلون ويكافحون من أجل بناء دولة تُحقّق طموحاتهم، في حين أن هناك “حزب الله” الذي يعمل لإستكمال بناء دويلته الخاصة ويقضي على الدولة، محاولاً فرض أفكاره وإيديولوجيته المستوردة من إيران على الشعب اللبناني ويجرّهم إلى حروب وسياسات لا يريدونها، وبالتالي فإن المعادلة باتت واضحة عند سيّد الصرح: “إما مع الدولة أو مع الدويلة”.ولا يرى الراعي أي أمل بحل الأزمة اللبنانية، على بُعد أيام من الإحتفال بالمئوية الأولى لولادة لبنان الكبير، إلا بالعودة إلى منطق الدولة وتسليم كل السلاح غير الشرعي سواء كان مع “حزب الله” أو مع المنظمات الفلسطينية، وبسط سلطة الجيش على كامل الأراضي اللبنانية وإقرار مبدأ الحياد، والعمل على تحصين الوحدة الداخلية وتحييد البلد عن صراعات المحاور، لأن لبنان ليس منصة لإطلاق الصواريخ الإيرانية أو صندوق بريد لتبادل الرسائل الإقليمية والدولية، لذلك فإن الكنيسة تؤكد أن كل من يخون منطق الدولة القوية ويناصر الدويلة سينهزم.
وعلى رغم أن التفاؤل يجب أن يحضر دائماً، إلا أن بكركي تُبدي أسفها للإنحطاط الذي وصلت إليه الطبقة السياسية، فهي تغطّي في جزء كبير منها الدويلة، وفي جزء آخر تواصل فسادها وتتصرّف وكأن ليس هناك إنهيار إقتصادي حاصل أو إنفجار دمّر المرفأ وأجزاء من العاصمة وحصد أرواح الأبرياء، وكل همّهم تقاسم الحصص والإستمرار بالسرقة والمحاصصة والفساد. وأمام كل هذه المواقف المتقدمة للبطريرك، فإن كل الأجواء التي تروّج عن إمكان فرملة “حزب الله” لإندفاعة الراعي لا أساس لها من الصحة حتى لو تمّ لقاء بين الطرفين، لأن الهوة تتسع كثيراً و”الحزب” يرفض منطق الحياد بالمطلق ولا يريد أن يتخلّى عن سلاحه، خصوصاً وأن لهذا السلاح وظيفة إقليمية ومرتبط بإيران مباشرة وقراره ليس موجوداً في حارة حريك. لكن من جهة ثانية، بدأ الغطاء على هذا السلاح يضيق مع الإنهيارات المتتالية في صفوف العهد وبدء سقوط الغطاء المسيحي نتيجة تراجع شعبية “التيار الوطني الحر”، في حين أن موقف الراعي يأخذ مداه مسيحياً ووطنياً وإقليمياً ودولياً.

رسالة من مار شربل
داني حداد/أم تي في/25 آب/2020
إن أردنا أن نعطي مثلاً في الزهد والفقر والطاعة، لما وجدنا في حياة اللبنانيّين أفضل من مثال القديس شربل الذي يؤمن بشفاعته كثيرون، حتى من غير المسيحيّين. لا يميّز القدّيسون، كمثل بعض أتباعهم، بين ماروني وأرثوذكسي ولا بين مسيحي ومسلم.
ولكن، لو قُدّر للقديس الزاهد والفقير والمطيع أن يكتب رسالةً الى بعض المؤمنين، لوجدته يكتب هذه السطور:
أفرح بكم، وأنتم تزورون دير مار مارون في عنايا الذي احتضنني ثمّ احتضن جثماني، أو تلك التماثيل الضخمة والمزارات التي رُفعت على اسمي وصورتي في الكثير من المناطق. أرى كثيرين يجثون ويصلّون بإيمان. منكم المريض، ومنكم المحتاج، ومنكم من يطلب حمايةً أو صحةً أو رزقاً.
أصغي الى صلواتكم جميعاً، وأتشفّع لكم لدى الربّ الإله ليشفي كلّ مريض. ولكن، كم أتمنّى أن يكون لقاء الصلاة هذا معكم مجرّداً من كلّ ما حولكم. لا حاجة لكم للصورة وأنتم تصلّون. لا تعرضوا صور صلواتكم أمام العامّة. احفظوها في قلوبكم ومارسوها في يوميّاتكم. ليست الصلاة حدثاً عابراً في يومٍ أو ساعةٍ أو دقيقة، وخصوصاً في صورة. هي فعل ممارسة يوميّة حين تنبذون الحقد وتقدّمون الخدمة وتسامحون مرّةً… ومئة.
والصلاة ليست، خصوصاً، استعراضاً يبدأ بإضاءة شمعة وتستكمل بصورةٍ أو فيديو لتراه العامّة ونوحي من خلاله بما لا نعيشه في حياتنا اليوميّة.
ولا يعود تمثالي لقائد حربٍ أو زعيمٍ، ولا هو بنصبٍ تذكاريّ يقصده السيّاح.
تعالوا إليّ لوحدكم. تعالوا بقلوبكم، لا بأقدامٍ تسجدون عليها، ولا بشمعٍ تحرقونه، ولا بصورٍ تستعرضون من خلالها، ولا بنقودٍ ترمونها عند جثماني…
لا يهمّ كيف تصلّون ما دامت صلواتكم صادقة. لا يهمّ ما تتمتمونه أمام تمثالي أو صورتي، بل ما تفعلونه في بيتكم ومكان عملكم وشارعكم…
أشفوا أنفسكم من الصغائر، ثمّ اطلبوا الشفاء من الأمراض والأوبئة وعلل الجسد.
ولا تحصروا صلواتكم في يومٍ من شهر، ولا تجعلوها نزهةً في يومٍ مشمس، أو في ليلةٍ تبحثون فيها عن تغيير مزاج.
تعالوا ببساطةٍ، وبقلوبٍ لا تعرف الحقد، وبإرادةٍ للغفران… تعالوا بلا هواتفكم، وبلا صوركم، وبلا مواقع التواصل التي تجتاح عالمكم…
تعالوا بهدوءٍ وسكينة، لتمضوا بسلام.

مرحلة انتقالية نحو الحياد
الياس الزغبي/25 آب/2020
السلطة تريد إعادة انتاج ذاتها العفنة وكأن بيروت لم تُدمَّر، وحكم المحكمة لم يصدر، ولم تنكشف مخابئ المتفجرات والأسلحة!
فمن هو هذا المغامر المقامر الذي يتجرّأ على القبول بتمثيل “حزب اللّه”، بشكل مباشر أو مداور، كي يكرر سيطرته على الحكومة ومفاصل الدولة، وتجريب فشله مرةً أخرى، وعزل لبنان، من جديد، عن بيئته والعالم؟
تعالَوا ننظر إلى وضعنا بعين هادئة وعقل بارد: ما بعد انفجار بيروت وحكم لاهاي باتت هذه السلطة بكل مواقعها ورؤسائها في وضع التصريف الصوري الإداري للأعمال، نظراً لصعوبة، بل استحالة، عزلها واقعياً، من جهة، وعجزها عن انتاج حلّ فعّال، من جهة ثانية.
أمّا إدارة المرحلة الانتقالية نحو نظام الحياد ففي أيدٍ أخرى.
ولا نرى أن العالم الذي اندفع لإنقاذ لبنان، سيُحبطه أداء حكّامه المتغوّلين تحت مظلّة السلاح.
نحن على مفترق تغيير تاريخي سيُطلق المئوية الثانية للبنان الكبير، على أسس تضمن سيادته وحياده مع الخارج، وتُرسي قواعد جديدة للشراكة بين أبنائه في الداخل، مفتوحة على صياغات سياسية ما بين حدّين:
مركزية قائمة على المواطنة المدنية حتّى العلمانية،
ولامركزية تصل إلى حدّ الفيدرالية.
وحين يكون لبنان محايداً تجاه الخارج، يصبح حل مشكلة العلاقات بين أبنائه أكثر سهولة، لأن سلاح “حزب اللّه” يصبح خردة بلا وظيفة، ويفقد تأثيره الضاغط على حرية القرار.
إذذاك، تنتظم الحياة السياسية على دستور وقوانين تستجيب انتظارات المواطن وجيل الثورة، ولا تستثير ريبة الطوائف والأحزاب.