شارل الياس شرتوني/الفاشية الشيعية، العدالة المبتسرة والتفكك المنهجي للدولة اللبنانية

137

الفاشية الشيعية، العدالة المبتسرة والتفكك المنهجي للدولة اللبنانية
شارل الياس شرتوني/23 آب/2020

سوف تنطلق مقاربتي من وضعية الاستثناء السيادي التي يمحضها حزب الله لذاته، ومن سياسات الاستباحة التي تجيزها لنفسها مراكز القوى الشيعية على مستوى المداخلة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وكأنها واقع يعلو على الكيان الدولاتي، ويتعاطى معه من منطلقات استنسابية تتقاطع مع مصالحه المستجدة واهدافه الاستراتيجية البعيدة المدى.

ان شعار ” الشعب والدولة والمقاومة ” هو جزء من استراتيجية نسف المقومات السيادية للدولة اللبنانية، وربط كيانها المعنوي باملاءات فريق سياسي معين يسعى الى تقويضها من خلال وضعية الاستثناء السيادي التي تجعل منه فريقا معفيا من الالتزامات المواطنية، وعبر تحالفات مرحلية وتبعيات سياسية تؤسس لاحتواء الدولة وتعطيلها، وربطها بمفكرات عائدة لسياسة النفوذ الشيعية التي تقودها ايران في منطقة الشرق الادنى من خلال حزب الله.

لقد اعتمدت هذه السياسة سياقا انسيابيا بني على أساس استراتيجية تمكينية داخل الوسط الشيعي، وتموضعات متحركة على خريطة الحرب اللبنانية، وصراعات دموية وانقلابات داخل المدى الشيعي، وممانعات وتموضعات ومداخلات انتهازية داخل البنية الدولاتية، مدغمة بسياسات العمل الاقتصادي غير المشروع المنعقد على محاور جيو-سياسية واقتصادية متنوعة ( لبنان، ايران، افريقيا، اميركا الجنوبية والشمالية واوروپا )، واعمال ارهابية استنسابية وذات اهداف متحركة.

نحن امام مد انقلابي ينتظم على اساس اعتبارات ايديولوجية واستراتيجية مرتبطة بسياسات انقلابية شيعية اقليمية يقودها النظام الاسلامي الايراني، وتتعاطى مع المتغيرات الدولاتية كقاطرات مرحلية ليس الا.

هذا ما يفسر طبيعة علاقاتها الانتهازية مع النظام السوري وحلفائها على الساحة اللبنانية، وسياسات الخرق المنهجية التي تعتمدها حيال كل الفرقاء المسلمين والمسيحيين (تجمع العلماء المسلمين، التيار الوطني الحر، الاحزاب في الوسط المسيحي، الاحباش، بعض الحركات الاسلامية في طرابلس والبقاعات…).

ان المعارضة التي عبر عنها رئيس الجمهورية ميشال عون تجاه تكليف لجنة دولية للتحقيق في انفجار المرفأ ونتائجه الكارثية في بيروت الشرقية ومداراتها، تنبع من املاءات حزب الله التي تتوخى اخفاء معالم الجريمة واقطابها واهدافها لجهة تدمير المرتكزات المدنية التاريخية للوجود المسيحي في الشق الشرقي للعاصمة، بعد ان دمر الشق الغربي خلال حرب (١٩٧٥-١٩٩٠) من قبل التحالف اليساري-الفلسطيني وأجرامه في الاوساط الاسلامية.

اما مفارقات قرار المحكمة الدولية العائدة لاغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري فتتقاطع مع مفارقات التحقيق الجنائي في كارثة المرفأ وتنعقد حول الاعتبارات التالية:

١- اصدار حكم بعد انقضاء ١٥ سنة على الاغتيال لم تكتمل فيه الادلة وعناصر الادانة لجهة القرار السياسي، ودرجة مسؤولية المشتبه بهم، وآليات التنفيذ على تدرج مستوياتها، والاكتفاء بايحاءات والاشارة الى سببية سياسية هزيلة (المشاركة في اجتماع البريستول) تحجب حقيقة الانقلاب على المعادلات الناشئة عن التبدلات السياسية الإقليمية آنذاك، وتردداتها على تحالف حزب الله والنظام السوري، ودخول الاثنين في مرحلة انعدام وزن قصيرة المدى؛

٢- ان احكام المحاكمة الابتسارية لجهة تكوين الملف الجنائي (عدم جواز اتهام فريق سياسي او دولاتي) قد حالت دون تكوين القاعدة الموضوعية لعمل التحقيق وصياغة الادلة الجنائية وتنسيب المسؤوليات، وتجهيل الفاعل، وتغييب الاشكاليات السياسية التي كانت وراء عملية الاغتيال، والاكتفاء بعموميات حول الازمة السياسية في تلك المرحلة؛

٣- ان اقتصار القرار الاتهامي على شخص سليم عياش، وازاحته عن شركاء التنفيذ الذين اعلنت اسماؤهم سنة ٢٠١١، يقع في هفوات اساسية لجهة جدية التحقيق بين ٢٠١١-٢٠٢٠ حيث لم تأت المحكمة بأية معطيات جديدة لجهة جسامة العمل المخابراتي، واللوجستي، والعملاني والسياسي الذي تتطلبه عملية بهذا التعقيد وذات النتائج السياسية الكبيرة، ناهيك عن الوضعية الهجينة التي افردت لهم على خط التقاطع بين المتهم الذي لم تثبت ادانته وغير البريء.
ان ضحالة التحقيق تلزم المحكمة الاستنكاف عن اصدار الحكم نظرا لعدم اكتمال عناصر التحقيق والمدونة الاتهامية. على اللبنانيين المطالبة بالتحقيق في اصول المحاكمة القانونية والاجرائية واداء الادعاء العام، وتقدير المترتبات العائدة لهذا العمل غير المكتمل المواصفات الذي كلف ٨٥٠ مليون دولار اميريكي، والسؤال عن مستقبله؛

٤- هذا يعني بالتالي ان الاعتبارات السياسية حددت مدى المسار القانوني فاصابت الاستقامة المهنية لعمل المحكمة، وصدقية العدالة الدولية التي اجازت لنفسها حكما مبتورا، كما قال احد المحامين الجنائيين، ودورها الاساسي في ارساء السلم الاهلي.

ان رفض التحقيق الدولي وما رافقه من تلاعب بمسارح كارثة المرفأ، والعقبات التي وضعت بوجه فرق الاغاثة وادارة الكوارث الوافدة من البلدان الاوروپية، ومفارقات آليات التحقيق المحلي تودي بنا الى استنتاجات جد سلبية، لجهة ما تبقى من وجود اسمي للدولة ولدولة القانون تحديدا في هذا البلد.

اما الادهى من كل ذلك فهو انسحاب الدولة المعلن وغير الابه من عمل الاغاثة والتواصل مع المواطنين المنكوبين في حياتهم وارزاقهم، واعمال العرقلة للمبادرات الدولية، وتفرغها التام لاعمال القمع الدموي عبر استعمال بنادق الدفع والخردق واستهداف العيون والاماكن الحساسة، والتغطية التامة لاعمال القمع التي يقوم بها المرتزقة المنتظمين تحت لواء شرطة مجلس النواب، وارهاب الرعاع الذي تستخدمه مراكز القوى الشيعية.

يضاف اليه استنكاف التحالف السلطوي القائم عن اي تشاور مع المعارضات المدنية من اجل التداول في شأن تأليف حكومة انقاذية تنتشل البلاد من الواقع الانحداري السائر باتجاه تداعي ما تبقى من المبنى الدولاتي، وواقع الاستغراق في الازمات الحياتية المميتة على تنوع موضوعاتها، ودخول البلاد في سياقات فوضوية تتماثل مع الواقع الليبي والصومالي والفنزويلي…،. سياسات الفاشية الشيعية تستحث الفراغ الاستراتيجي على قاعدة هيمنتها المطبقة على مساراته وتتناسى ان الفوضى مسار لا احد يملك ناصيته.