علي الحسيني: السلاح المتفلّت يزف أمل بعد سارة.. والقتل على الجرّار

62

السلاح المتفلّت يزف أمل بعد سارة.. والقتل على الجرّار
علي الحسيني
المستقبل/12 أيار/17

تمرّ حكايات الموت بينهم، وكأنها أصبحت من سنن حياتهم. يتأرجحون على حبال صنعت من أوجاعهم وضياع أحلامهم. يتحولون إلى مُجرد ذكرى تُتلى عليهم أنواع من الصلاة، فلا الحياة تنصفهم ولا أصوات استغاثاتهم تصل إلى مسامع المعنيين ولا المسؤولين عن رصاص غدر بات يتسيّد الواقع وينشر موته على صفحات الحياة. وغالباً ما يُصيب هذا الرصاص، رصاص الحقد والغدر، الناس في الطرقات أو على الشرفات أو حتى داخل منازلهم خلال إطلاقه تحت ذرائع متعددة.

أمل خشفة. اسم جديد يُضاف إلى لائحة ضحايا الموت المجاني الذي يزرع رعبه في الشوارع وبين البيوت بسلاح متفلّت أصابها برصاصة مجهولة المصدر استقرّت في قلبها أمس الاوّل أدخلتها على الأثر إلى العناية الفائقة في مستشفى المقاصد، إلى أن فارقت الحياة بعدما توقف قلبها ثلاث مرّات، وكأنها كانت تُحاول أن تنتصر على القاتل ورصاصه. واللافت في رصاص الغدر، أن أمل قُتلت في وقت لم تكن جفّت فيه دماء سارة سليمان ابنة بلدة بدنايل في زحلة بعدما انتهت حياتها برصاصة من السلاح نفسه، السلاح الذي اعتاد قتل الأبرياء على الطرقات ومن بينهم العديد من الأطفال.

مرّة جديدة يعود السلاح المنتشر والمتفلّت من كل الضوابط والقيود، ليطرح نفسه كمُشكلة مزمنة لم تجد طريقها إلى الحل منذ سنوات، إذ لا يمر يوم، إلا ويُسمع فيه عن إصابة مواطن برصاص طائش مصدره على الدوام، جهات مجهولة العنوان لكنها معروفة الإنتماء، ولا تخضع للمحاسبة لأسباب معروفة لدى كل من يسكن في وطن يبدو أن الناس فيه، يُحاسبون بحسب إنتماءاتهم السياسية والحزبية. ولا حاجة على الإطلاق لتنشيط الذاكرة والبحث في زواياها عن الجهة التي تكاد تكون المسؤولة الوحيدة عن رصاص الفرح والحزن الذي يُوجّه إلى صدور الناس مباشرة. هي معضلة حقيقية لم يتمكن القيّمون على الأمن اللبناني من إنهائها أو على الأقل الحد منها. فقد أصبح هذا الرصاص يُشكل كارثة حقيقية ينتج عنه في كل مرة قتيل أو جريح أو حتّى مُقعد يُصبح طريح الفراش طوال ما تبقى له من عمر. واللافت أن أعداد الضحايا في تصاعد مُستمر إذ سُجِّل في الأشهر القليلة الماضية سقوط أكثر من عشر ضحايا، آخرهم الشابتان سارة وأمل.

وكما هو معروف فإن لـ «حزب الله» وجمهوره، نصيب وافر من عمليات إطلاق الرصاص العشوائي، وقد درجت «الموضة» بين عناصره وأنصاره وتحديداً بعد انغماسه في الحرب السورية، أن يُقتل في كل عملية تشييع لأحد عناصره، مواطن ذنبه الوحيد أنه يتواجد ضمن جغرافيا تقع على مقربة من بيئة يُسمح لها بامتشاق البنادق في وضح النهار وكأن وجود الدولة مثل عدمه في هذا البلد، وليس سوى تفصيل صغير قياساً مع المشروع التوسعي لأصحاب الرصاص المتفلت. وللذكير، أن الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، كان دعا أكثر من مرة الى عدم إطلاق الرصاص في المناسبات حتى انه حرّم هذا الفعل وجرّمه واعتبر ان الرصاص يُصيبه هو قبل أن يُصيب الآخرين. لكن يبدو أن لبيئة الحزب رأياً مغايراً!

وللتذكير أيضاً، فيوم أعلنت الدولة نيتها جعل بيروت مدينة منزوعة السلاح، سارعت جهات حزبية إلى وأد هذا الاقتراح في مهده متحججة يومها بوجود مراكز أمنية لها في عدد من الأحياء والمناطق في العاصمة، وبوجود مساكن ومكاتب لعدد من قيادييها الأمنيين والسياسيين. واليوم يقطف اللبنانيون «ثمار» هذه العرقلة بموتهم على الطرق من جراء هذا السلاح ورصاصه الطائش من دون أي رادع جدي للحدّ من ظاهرة الموت التي تنطلق من مناطق سيطرة الميليشيات إياها. والمحصلة ضحايا بالجملة تمر حكايات آلامهم في كل يوم حتى تحوّلت إلى جزء من سنن حياة ومصير اللبنانيين المجهول.

ومن المعروف أن الأطفال منير حزينة، محمد القاعي وحسين خير الدين، كانوا من أوائل ضحايا الرصاص الطائش، وتُضاف اليهم مجموعة أسماء قُتل أصحابها بالطريقة نفسها. الطفلان باتينا رعيدي، ياسين سيروان. وبعدهما كان «الحبل على الجرّار»، فنال نصيبه كل من الشاب وسام بليق ومحمد شرقاوي وحسين العيسى وحسين العرب وزهراء شهاب وحسين ملك هلالة غورلي وعلي رايب وغيرهم الكثير من الأسماء التي يصعب حصرها. وصولاً إلى سارة وأمل. فجميع هؤلاء لن يكونوا آخر الضحايا في وطن هو نفسه ضحية بيد الفلتان، حيث يُصر بعض من فيه، على رسم نهاية كل فرد بالطريقة التي يرونها مناسبة، تماماً كما يرسمون مستقبل بلد وشعبه منذ أن وضع السلاح في خدمة المشاريع التوسعية، بدل أن يوضع في خدمة الدولة وأبنائها.

ينطبق على حيازة السلاح واستخدامه قانون الأسلحة الصادر العام 1959، ويعاقب كل من أقدم على إطلاق النار في الأماكن الآهلة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من 500 ليرة إلى ألف ليرة حينذاك أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتحول هذه العقوبة التي مر عليها الزمن بفعل تغير قيمة العملة، دون تعرض مطلق النار للعقوبة. وهنا يقول النائب غسان مخيبر الذي تقدم مؤخراً باقتراح لتعديل هذه الأحكام، «طالما للقاضي الحرية في اختيار إحدى هاتين العقوبتين فإنه يتجه إلى إنزال عقوبة الغرامة البسيطة جداً». والجدير ذكره، ان عشرة نواب من مختلف الأحزاب الرئيسية، كانوا قد وقعوا على اقتراح القانون الذي طُبّق باقتراح ينص على تشديد عقوبة السجن حتى 20 عاماً ورفع قيمة الغرامة حتى 12500 دولار، وبإنزال العقوبتين معاً بحق كل من يطلق الرصاص وتجريده من سلاحه.

ومتابعة منه لظاهرة السلاح المتفلت وإطلاق الرصاص العشوائي، عقد مجلس الأمن المركزي أمس، إجتماعاً برئاسة وزير الداخلية نهاد المشنوق، أكد خلاله أن «انتشار السلاح ظاهرة اجتماعية تتطلب علاجاً سياسياً»، مؤكداً «الإصرار على ملاحقته لمطلقي النار وتوقيفهم وتسليمهم إلى القضاء».

والمُلاحظ، أن زرع فوضى السلاح في مناطق مُحددة، يعتبر عاملاً أساسياً لعملية استقطاب الشبان ضمن منظومة قوى الأمر الواقع العسكرية والأمنية. سلاح للاحتفاظ به داخل المنزل والمحالّ التجارية، تُضاف اليه بطاقة أمنيّة تُخوّل صاحبها زرع الرعب في الشوارع والاعتداء على كرامات الناس وقتل الأبرياء برصاص «طائش»، ثم الفرار إلى جهات مجهولةـ «معلومة». وباختصار، هذا هو حال ضحايا السلاح المُتفلّت في لبنان والذي يمتد على مساحة البلد كلّه من العاصمة باتجاه الأرياف، حيث لا يكاد يمرّ يوم حتى تروى فيه حكاية جديدة لأشخاص أضحوا في خبر كان، لا ذنب لهم سوى أنهم يسكنون ضمن مناطق يسكنها جنون السلاح المتفلّت الذي يأبى أصحابه إلا أن يُضيفوا إلى يومياتهم ويوميات الآخرين، ضحايا جدداً بذريعة التشييع أو الابتهاج.