أحمد جابر: المسيحية ضمانة ديمقراطية لبنانية/دلال البزري: حزب الله يفشل ضد الإرهاب

191

 المسيحية ضمانة ديمقراطية لبنانية
أحمد جابر/جنوبية/الأحد 03/07/2016

الهجوم الانتحاري الذي تعرضت له بلدة القاع البقاعية، ذهب أصحابه بعيداً في أهدافهم. فلقد اختيرت البلدة كخاصرة لبنانية رخوة، بسبب من انتماء أهلها الطائفي، وليس بسبب من سهولة التسلل العسكري إليها، والضرب فيها والانسحاب الآمن منها. لقد وضع المخطط السياسي الإرهابي في ذهنه توجيه ضربة إلى فحوى الصيغة اللبنانية التي ما زالت تقوم على الشراكة المعلنة، على الرغم من الأعطاب الواقعية التي أصابت هذه الشراكة. وأراد المخطِّط ذاته أن يعلن بالتفجير القاتل أن العيش اللبناني المشترك الذي عرفه اللبنانيون، قد نالت منه عوامل تنافر كثيرة، منها الخارجي الذي يشكل العمل الإرهابي الآتي من خلف الحدود، أحد عناصره الأشد خطورة. بعيداً عن صورة الحدث الدامي على الأرض، يحضر في الذهن أن الخصوصية اللبنانية تتميز بالثقل الوطني المسيحي فيها، وأن هذا الأخير طبع لبنان الكيان بطابعه، وأن ما عرفه اللبنانيون من اتصال بالغرب والتطورات الحديثة فيه، يعود الجهد الأول المبذول في مضماره إلى المسيحيين، وأن نسخة الإتصال اللبناني بالعرب والعروبة، ذات النكهة الخاصة بين أقرانها، اشترك في صناعتها المسيحيون أولاً، من خلال روادهم القوميين العرب الأوائل، ومن خلال مفكريهم النهضويين، ومن خلال حكمة رجال “الكيانية اللبنانية” الذين استطاعوا مع ما شابههم من المسلمين العرب واللبنانيين، أن يقيموا الكيان الحالي الذي صار عربياً وليس ذا وجه عربي، وحاول قدر استطاعته، أن لا يكون “للاستعمار ممراً ولا مستقرا”.

لبنان الذي ظلَّ وطناً للمسيحيين واستمر، خالف أشقاءه العرب المسلمين الذين بنوا أنظمة استبدادية استمر أكثرها إلى الأمس، محمَّلاً بشعارية العروبة وبادعاءات القومية. كان لبنان ذا تشكيلة طائفية معلنة وما زال، ولم تكن البلاد العربية الأخرى قومية ولا تحررية، وما زالت. استطاع لبنان بتوازناته التي كانت المسيحية السياسية تحتل مركزها، أن يدير اختلافه وائتلافه، على قواعد عامة منعت أياً من مكوناته الذهاب إلى حد الإطاحة بالكيان، وباشرت البلاد العربية المنكوبة اليوم بحروبها الأهلية، رحلة تفكيك كياناتها منذ أن خرج إلى العلن الخلاف على السلطة، ورفض الصيغ السلطوية التي تحكّم بموجبها سلاطين القومية برقاب العباد وبخيرات البلاد. لا يجب أن يغيب من البال، لدى نقاش النسخ السلطوية العربية، أن الأكثرية الإسلامية التي حكمت عدداً من البلاد قد حصدت الفشل والخيبة من تجاربها. كذلك يجب القول أن الذين كانوا في سدَّة الحكم كانوا “مسلمين سياسيين” بعباءات قومية وتحررية، وأن الذي انتصر لديهم، عندما واجه الخطر سلطانهم، هو النزوع القبلي العشائري، الذي توسّل مقولات إسلامية عديدة لتبرير قمعه واضطهاده، ومن ثم لتبرير ديمومة سلطانه. كثيرة هي الشواهد التي تجعل من الصعوبة بمكان إقامة الفصل بين الحاكم المسلم وإسلامه. هذه الصعوبة تتجلى اليوم بصورة فاقعة مع التنظيمات الإرهابية، التي تعلن أنها تنطق باسم “الإسلام”، الذي يصير فقط إسلامها هي حصراً، وتجهر بأهدافها التي منتهاها إقامة “الخلافة الإسلامية”، التي تفصّل أحكامها على قياس مناصريها الذين انسحبوا من العصر، ووفقاً لذهنياتهم التي تطوّع كل نص مقدس لتوليفاتها وتعريفاتها المريضة.

بناءً عليه، ينكشف المشهد عن إقصاء أكثري مسلم، يتابع سيرة الإقصاء الذي مارسه مسلمون سابقون، وما يختلف بين حاكم سابق وساعٍ إلى الحكم اللاحق، هو أسلوب الإقصاء وطريقة ممارسته. لقد مارست الأنظمة الاستبدادية جرائمها في السر عندما كانت في جنّة حكمها، ومارسته علناً عندما دق على أبواب جنتها شياطين طامحون، هؤلاء الشياطين يتحلون بميزة الجهر، لأن ميزانهم لا يقول بتقية التعددية، ولا بكذبة اللحمة القومية، ولا بخديعة التصدي لقوى النهب والاستغلال. في هذا السياق الفاشل الذي يتحمل المسؤولية الأولى عنه حكام مسلمون، يصير الوضع اللبناني نشازاً تقتضي ضرورات “المسلمين الجدد” إزاحته. فالتعددية اللبنانية، والتوافقية والتعايش والتساكن، والاحترام المتبادل بين اللبنانيين… كل ذلك من الأمور المرفوضة في “شرع” الاستبداد الذي خرج من القمقم بلبوس ديني، وبأهداف محض دنيوية. ينبغي التذكير، بأن المسيحية اللبنانية لها سيرتها الخاصة التي تختلف عن سِيرَ مثيلاتها المشرقيات. فهي كيانية طائفية مؤسسة للكيان، ولدى الدراسة المدققة يجب التوقف أمام كل بذور الكيانية الوطنية في كل كينونة طائفية. نستطيع القول، ودائماً في السياق اللبناني، أن المسيحية اللبنانية تمتلك من الضرورات الوطنية ما يجعلها تمتنع عن ركوب مركب المحظورات في الراهن، وأنها لا تحمل عصا ترحيل البلاد إلى خارج البلاد، هذه “الفعلة” التي لا يجد غضاضة في ارتكابها كثيرون. في القاع استهدفت اللبنانية أيضاً، هذه اللبنانية يجب أن يدافع الحريصون على أن يبقى لهم وطن ولبنانية.

 

 

“حزب الله” يفشل ضد الإرهاب
دلال البزري/جنوبية/الأحد 03/07/2016

عندما يلغي “حزب الله” الحدود الوطنية، يعبرها بحرية، يحمل الى الداخل السوري سلاحه ورجاله للمساهمة إلى جانب بشار الأسد في قتل السوريين؛ وعندما تكون الحرب التي يخوضها هي “ضد التكفيريين”، وتكون المعركة الاستراتيجية لبلوغ فلسطين، هي تلك الدائرة رحاها حول مدينة حلب، الأبعد جغرافياً من الحدود اللبنانية؛ وعندما يكون “حزب الله” أقوى من الجيش اللبناني نفسه؛ وعندما يكون لبنان، بعد ذلك، من أكثر بلدان العالم تعرضا للهجمات الارهابية، وآخرها الهجمة، غير المفهومة حتى الآن، على بلدة القاع البقاعية… وبعد ذلك، أو على اثر ذلك، ينتعش الخطاب الممانع، ومعه “حزب الله” و”الثلاثية الذهبية”، أي “الجيش، والشعب، والمقاومة” (أي “حزب الله”)؛ فيخطب حسن نصر الله بأنه لولا حربه “الإستباقية” على الشعب السوري “سيكون هناك عشرات السيارات (المفخخة) في المدن اللبنانية”؛ ويصرخ معه الإعلام الممانع عاليا “وينيّ (أين هي) الدولة؟”، مستهجناً، مستنكرا غيابها… فيتطوع بمنح هذه الدولة نصائح مضحكة، من قبيل ان عليها، من ضمن 12 نصيحة أساسية، أن “تفعّل غرفة عمليات مشتركة”، أو “أن تشدّد على تأمين الحدّ الأدنى من الإجماع الوطني”، أو “تطور بصورة عاجلة تقنيات الرصد والتنصّت ومراقبة الإتصالات اللاسلكية والانترنت”الخ… من “أساسيات” محاربة الإرهاب؛ كل هذه النصائح على أساس التزام أصحابها بنظرية “الدولة الواحدة التي عليها تحمل مسؤولية العمليات الإرهابية”… فهذا يعني بأن هذا الاعلام، يصدق فعلاً انه ربح ضد الإرهاب؛ أو انه يحتقر عقل مريديه وأعدائه على حدّ سواء؛ أو انه لم ينتبه إلى أضعف الايمان: من انه، أي “حزب الله”، يتعارض جذرياً، من حيث كينونته، مع كيان الدولة الواحدة الموحّدة، المطلوبة للحرب على الإرهاب؛ بل ايضاً، يختلف مع جيش هذه الدولة في أدنى المتطلبات، منها مثلاً، رؤية منابع الأخطار؛ وكانت آخر تجلياتها ان الحزب قال بأن الإرهابيين جاؤوا من “جرود عرسال” إلى القاع لتنفيذ عملياتهم الارهابية، فيما وزير الداخلية قال انهم أتوا من “الداخل السوري”. والحال ان الواقع الحيّ يقول العكس تماما: يقول بأن كل هذه الحرب التي يخوضها “حزب الله” في سوريا منذ ست سنوات، فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة. فشلت في حماية لبنان من الإرهاب، ولم تنجه منه. يمكن ان يردّوا بأن لولا حرب “حزب الله” في سوريا لكان لبنان قد تعرض للمزيد، كما فعل حسن نصر الله مؤخراً… ولكن، هل نبني نظرنا للأشياء السياسية على التخمين والتبصير؟ فاذا كان المطلوب من الجيش القيام بدور الحماية، علينا أولاً الإقرار بأنه القوة الوحيدة المخولة لذلك، ويأتمر “حزب الله” بأوامره، لا يتركه خاضعا لأوامر ولي الفقيه. فالواضح ان هذا الأخير، أي ولي الفقيه، ليس في وارد إنقاذ لبنان من الإرهاب، بل “محاربة التكفيريين” في سوريا؛ وشتان ما بين الإثنين. ولذلك فشل ولي الفقيه وذراعه الامضى،”حزب الله”،  في محاربة الإرهاب، فيما نجح في تحويل الإرهاب إلى ذريعة للوقوف، هو وميليشياته الناجحة، مع بشار الأسد وأجهزته. “حزب الله” يفشل في معركته ضد الإرهاب، ولكنه ينجح، بعد مجزرة بلدة القاع، في إيقاظ الحنين إلى السلاح لدى حزب “القوات”؛ وهو واحد من أطراف 14 آذار، المنضوي تحت سقف “بناء الدولة”، والمعادي للحزب على هذا الأساس. رغم فشله في رد ّ الإرهاب على أعقابه، نجح “حزب الله” في فضح فشل مشروع “بناء الدولة” ومؤسساتها على يد الفريق المعادي.فضلاً عن نجاح الجميع في التعبير عن عنصرية وقحة ومبطّنة ضد اللاجئين السوريين. الشهر الماضي، وقع تفجير إرهابي تبنّاه “داعش” في كل من جبلة وطرطوس السوريتين، أودى بحياة العشرات من السوريين. ردة الفعل المباشرة كانت هجمات للشبيحة وقوات الأسد على تجمعات اللاجئين في طرطوس، تقتل سبعة منهم وتحرق مخيم عمريت. بشار الأسد أول عنصري ضد اللاجئين السوريين. هو لا يكتفي بتطفيش السوريين من بلادهم وفي داخلها، وتركهم لمصيرهم، إنما يقتلهم أيضاً، هو وميليشياته المنفلتة من عقالها. وعندما يكون اللاجئون محرومين من أية حماية، وطنية كانت ام دولية، فهذا ما يثير شهية الذئاب، يسيل لعابهم، ويجعل اللاجئين السورين أسهل فريسة للتنفيس عن حقد تحييه تلك الحروب؛ بما يجعله فائض حقد، يحتاج الى “مجال حيوي”، تكون مخيمات النازحين الأقرب، الأسهل، الأقل تعرضا للمحاسبة، والحساب الأخير. فليكونوا على بيّنة من هذا الحساب الأخير، عليهم ان يؤمنوا بالآخرة، على الأقل. لكنهم في أعماقهم متعصبون حاقدون مشحونون، وصلت رائحة الدماء إلى أنوفهم، فأجّجت غريزتهم الإستكبارية على أضعف مخلوقات الجحيم السوري.