علي رباح: إجراءات الكويت بيئة حزب الله مهددة/منير الربيع: اسم من خارج الأربعة الموارنة بمباركة دولية/سليم نصار: واشنطن وموسكو تختلفان على مصير الأسد

227

إجراءات الكويت.. بيئة “حزب الله” مهددة!
علي رباح/المدن/السبت 02/04/2016

يعيش اللبنانيون المقيمون في الكويت حالة من القلق والترقب وربما الرعب من مستقبل مجهول، مع إعلان الجهات الرسمية المعنية هناك تباعاً عن قوائم الوافدين اللبنانيين المبعدين بتهمة الانتماء لـ”حزب الله”، المصنف خليجيّاً “منظمة ارهابية”. وأصبح القلق من يوميات البيئات اللبنانية التي أرست طول عقود بنيتها الإقتصادية وانخرطت في المرافق الاقتصادية والشركات الكويتية، حتى بات جزء كبير منها من أصحاب الأموال والمصالح الخاصة. ماذا يجري في الكويت؟ ووفق أي آلية يتم الإبعاد أو الترحيل أو تجميد العمل بالاقامات؟ ولماذا يعبث الحزب في الساحة شبه الوحيدة المتبقية له ولبيئته الحاضنة خليجياً، ويغامر بلقمة عيش عشرات آلاف اللبانيين في دولة تحسن وفادتهم؟ ولأي أسباب يصرّ على زجّ الشيعة الخليجيين بمشاريع قاسم سليماني؟ رغم التاريخ المظلم لـ”حزب الله” منذ تورطه الأمني مع الكويت، إثر حادثة اختطاف طائرة الجابرية في الثمانينات، والتي ارتبطت باسم عماد مغنية شخصياً، إلّا أن الحزب وجد طوال العقدين الماضيين تعاطفاً من العديد من الكويتيين على اختلاف طوائفهم. حتى أن الكويت شكّلت المساحة الأكثر رحابة لتحرّك “حزب الله” في الخليج، لما له من حلفاء ملتصقين به وفاعلين في مجلس الأمة (البرلمان)، وأصدقاء من عائلات التجار الكبار ذات النفوذ الواسع في الحياة السياسية والإقتصادية، وحتى في الصحافة. وليس سراً أن مناصري الحزب عاشوا “أريحية” في الكويت، سواء من حيث حرية الرأي والتعبير عبر الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، او من حيث ممارسة الشعائر الدينية في الحسينيات والساحات العامة والطرقات. إلّا أن تغييراً كبيراً طرأ أخيراً على هذه الساحة، لجهة النظرة إلى “حزب الله” وجمهوره.
تقول مصادر كويتية لـ”المدن” إن “قرار مجلس التعاون الخليجي بتصنيف حزب الله منظّمة ارهابية، لم يكن الأكثر تأثيراً على الحزب وبيئته وجمهوره في الكويت. فإجراءات الكويت بحق الحزب انطلقت قبل شهور وتحديداً في آب الماضي، بعدما اعتقلت السلطات الكويتية ما بات يعرف بـ”خلية حزب الله الارهابية”، المتورطة بتخزين ترسانة ضخمة من الاسلحة، وصلت إلى الكويت من ايران عن طريق البحر ومن العراق عن طريق البر. وبحسب المصدر، فإن “موجتين من الإبعاد طالتا حتى اليوم عشرات اللبنانيين والعرب، بعدما ثبت انتماؤهم إلى حزب الله، أو بتهمة دعم الحزب مادياً وإعلامياً، أو حتى بالتعاطف معه. ويكشف المصدر عن آلية الإبعاد التي تتم من خلال إجراءات عدة:
أولاً، إجراء فوري وعاجل، يُستَدعى بموجبه “غير المرغوب فيه” إلى الجهات المختصة، ويتم تبليغه رسمياً بوجوب مغادرة الأراضي الكويتية. تُعطى لـ”الحالات الخطرة” مهلة 48 ساعة، وآخرون يُبلّغون بضرورة المغادرة في مدة أقصاها شهر أو شهرين (تحدّدها الجهات المختصة وفقاً للتهمة الموجّة إلى الوافد).
ثانياً، عدم تجديد الإقامات عند انتهائها (وهو إجراء تتخذه الكويت بحق المتعاطفين مع “حزب الله”).
ثالثاً، عدم السماح لـ”غير المرغوب فيهم” من الوافدين المقيمين في الكويت بالدخول مجدداً إلى الأراضي الكويتية في حال وجودهم خارج البلاد.
ويوضح المصدر أن قوائم اللبنانيين المُبعدين ضمّت مديرين عامين ومستشارين يعملون في شركات كبيرة وإعلاميين ورجال أعمال، ثبت انتماؤهم إلى “حزب الله”. ويكشف لـ”المدن” عن موجة ثالثة من الترحيل تنطلق في الايام القليلة المقبلة، وتشمل لبنانيين وسوريين وعراقيين وخليجيين، بالإضافة إلى إجراءات ستتخذها الكويت بحق شركات ومطاعم ومقاهٍ ومرافق إقتصادية، يعود مردودها المالي لتمويل “حزب الله” وانشطته الإرهابية، على حد قوله. وفي اتصال مع “المدن”، يقول أحد اللبنانيين العاملين في المجال الإعلامي في الكويت، إن “المخاوف من الترحيل أو إيقاف العمل بالاقامات وعدم تجديدها، تطال معظم اللبنانيين البالغ عددهم 54 ألفاً، وخصوصاً الشيعة، الذين يسهل اتهامهم بالتعاطف مع حزب الله”. ويعترض الإعلامي الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، على “تحميل اللبنانيين عموماً والشيعة خصوصاً مسؤولية سياسية حزب الله العدائية تجاه الخليج، بما أن الأغلبية من اللبنانيين تعيش في الكويت منذ عقود طويلة، وتحترم قوانين الدولة، ولم ترتكب مخالفات تضر بالكويت وبأمنها القومي”. وتقول مصادر دبلوماسية كويتية لـ”المدن” أن “لا مجال للزعم أن اجراءات الكويت بحق حزب الله والمنتسبين إليه والمتعاطفين معه، مؤامرة”. فالكويت، بحسب المصدر نفسه، تحافظ على خطوط مفتوحة ولغة معتدلة مع الجميع، لاسيما إيران، وتنتهج سياسة انفتاح تجاه مختلف الاطراف، حتى أن أصواتاً متطرفة داخل البرلمان تجاهر بالعلاقة مع بشار الأسد وتمجّد حزب الله، من دون أن تتعرض لها السلطات بكلمة”. ولكن، في المقابل، يقول المصدر: “أمن الكويت خط أحمر، ولن نسمح بتخطيه حتى وإن كلف الأمر ترحيل معظم الوافدين”.

اسم من خارج الأربعة الموارنة بمباركة دولية
منير الربيع/المدن/السبت 02/04/2016
بالتزامن مع انعقاد جلسة انتخاب  الرئيس الأخيرة، كان النائب وليد جنبلاط يغرّد ساخراً  بأن “العرس قائم والزفة حاضرة بينما لا يحضر من العرسان سوى النائب هنري حلو”. لكن هذه السخرية حملت في مضامينها إشارة لافتة غلّفها رئيس “اللقاء الديمقراطي” بأن الانتخابات غير جدية وحتى “لو أصبحت جدية وبخانة اليك يشوفوا غيري، يكفينا مزح ثقيل”. في رموز جنبلاط وإشاراته ما يدلّ على أن “البيك” أصبح مقتنعاً بأن ترشيح النائب سليمان فرنجية مزحة لا يمكن أن تمرّ. بعدها زار جنبلاط الكويت في محاولة لاستطلاع المرحلة المقبلة وتطوراتها في ضوء التصعيد الخليجي ضد “حزب الله”، ودور الكويت في التقريب بين إيران والسعودية واستضافتها المفاوضات بين السعوديين والحوثيين. منذ البداية، كان جنبلاط متحمساً لخيار فرنجية، حتى أنَّ المعلومات تفيد بأنه كان أحد مهندسي هذه المبادرة وممن سوّقوها إقليمياً ودولياً، لكن بعد فترة قصيرة على قراءة تداعيات المبادرة على الساحة السياسية وخصوصاً لدى “حزب الله”،  أدرك جنبلاط أن المبادرة لن تمرّ والموعد لم يحن بعد لانتخاب الرئيس. عليه، سارع إلى تجديد ترشيح النائب هنري حلو. واليوم، لدى جنبلاط ما يُشبه القناعة بأن أياً من القادة الأقوياء لن يصل إلى بعبدا، لذلك وبناء على معطيات إقليمية ودولية جديدة، يتمسك أكثر بحلو. وتؤكد مصادر متابعة لـ”المدن” أن اتفاقاً أميركياً روسياً يتبلور لحلّ أزمات المنطقة، خصوصاً في سوريا واليمن ولبنان. وتكشف المصادر عن أن أول بنود هذا الاتفاق تتمحور حول الوضع الميداني السوري، وتحديداً في الرقة بعد ما جرى في تدمر. وتعتبر المصادر أن واشنطن ستكون لاعباً أساسياً في هذا المجال، وقد توجه بالتنسيق مع موسكو ضربات مباشرة إلى تنظيم “داعش” في معقله، وتُعيد برامج دعم قوى معارضة معتدلة. والهدف هو استعادة زمام المبادرة سورياً. وتكشف المصادر أن الأميركيين والروس أبلغوا مضمون هذا الاتفاق إلى الدول العربية المعنية بهذه الأزمة، وأن ثمة لقاءات سعودية روسية في هذا الخصوص، وتهدف إلى التوصل إلى اتفاق في الشأن السوري، وإلى تقليص النفوذ الإيراني، وانسحاب “حزب الله” من سوريا. وهنا تربط المصادر، بين هذا الاتفاق والتظاهرة الدولية التي يشهدها لبنان، إذ تؤكد مصادر دبلوماسية لـ”المدن” أن مسؤولَين كبيرَين أميركي وروسي سيزوران لبنان قريباً لدعم الاستقرار وتفعيل حلّ الأزمة الرئاسية.
ولا تخفي مصادر في قوى 8 آذار لـ”المدن” صحة هذه المعلومات، لافتة إلى أن البلد سيدخل في مرحلة سياسية جديدة، وسيكون خلالها ترشيح النائبين ميشال عون وسليمان فرنجية من الماضي، وسيكون للبنان رئيس توافقي. فهل بدأ العد العكسي محليّاً؟ لعل الجواب عن هذا السؤال في “المساعي السرّية جدا” التي بدأت بين أفرقاء من قوى 8 آذار وآخرين من ١٤ آذار، تهدف إلى الاتفاق على مرشّح من خارج نادي الأربعة الكبار.

واشنطن وموسكو تختلفان على مصير الأسد!
سليم نصار/الحياة/03 نيسان/16
حرص الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على إنهاء مهمته في المنظمة الدولية بجولة واسعة في الشرق الأوسط، كان لبنان إحدى محطاتها. واستغل رئيس مجلس النواب نبيه بري هذه المناسبة ليحضّ الأمين العام على ضرورة ترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية مع إسرائيل. علماً أن الإدارة الأميركية كانت اعترفت في التقرير الذي رفعه الخبير هوف بمساحة 580 كلم، في حين يؤكد جيولوجيون محترفون أن المساحة تتعدى 800 كلم. وجاء طلب رئيس المجلس استطراداً لمحاولات بذلها بري مع مساعد وزير الخارجية الأميركية أموس هولشتاين، أثناء زيارته لبنان. والسبب – كما فسره بعض نواب الجنوب – يعود إلى حاجة الدولة اللبنانية إلى ضرورة استثمار اكتشاف احتياطات غازية ونفطية في المياه الإقليمية، خصوصاً بعدما قفز الدّين العام إلى أكثر من سبعين بليون دولار، في وقت يتوقع المصرفيون هبوط المداخيل الخارجية من سبعة بلايين في السنة إلى خمسة بلايين. أما السبب الآخر، فيتعلق باحتمال سحب إسرائيل الغاز من الحقول اللبنانية من طريق الحفر الأفقي. ومعنى هذا أن كل تأخير في عملية الاستثمار سيخفض إنتاج الحقول اللبنانية في المستقبل. إضافة إلى رغبة إسرائيل في احتكار الاكتشافات المشتركة بين فلسطين وإسرائيل ولبنان وسورية وتركيا وقبرص. عام 2000، اكتشفت شركة «اتحاد المقاولين» (سي سي سي) حقلاً غازياً أطلقت عليه اسم «غزة مارين». ويضم الحقل احتياطاً يقدَّر بترليون قدم مكعبة من الغاز، ويقع على بُعد ثلاثين كيلومتراً غرب ساحل غزة. لكن إسرائيل أصرت على إغلاق الحقل، مدعية أن «حماس» ستستثمر هذا المصدر لزيادة «إرهابها»، وتحويل جزء من الريع لتغذية صندوق المساعدات لفلسطين.
يقول المطلعون على محادثات الأمين العام في لبنان أنه لفت انتباه المسؤولين إلى ضرورة استئناف ترسيم الحدود مع سورية من الجهتين الشمالية والشرقية. وربما دفعه إلى إثارة هذا الموضوع القديم اقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهمية إنشاء فيديرالية في سورية بهدف حل المشاكل المتأتية عن تركيبة المجتمع الإثني والطائفي. وهي تركيبة غنية بالتناقضات يمكن أن تساعد الفيديرالية على صهر العلوي والكردي والمسيحي والسنّي والأرمني والآشوري والكلداني والدرزي في بوتقة واحدة.
المهم أن الدولة اللبنانية كانت حريصة على ترسيم الحدود مع سورية، الأمر الذي شجع مديرية الشؤون الجغرافية على مفاتحة دمشق بهذا الموضوع. وأوكلت وزارة الدفاع المهمة إلى المقدم يوسف البيطار، والمهندس أمين عبدالملك، رئيس مصلحة المساحة، والمهندس ألبير متى، عن مديرية الشؤون الجغرافية.
بينما تشكل الوفد السوري على النحو الآتي: المهندس أحمد عبارة، مدير عام المصالح العقارية، والعقيد الركن عبدالودود السباعي، والمهندس عبدالحكيم عباس، مدير المساحة. واستند الجانب اللبناني في خرائط المساحة إلى الخرائط الرسمية الأولى التي وضعها مهندس فرنسي يدعى درافور. وكانت تلك الخرائط تشير إلى تداخل في الحدود من الجهتين.
يُستدَل من ملاحظة بان كي مون حول ضرورة ترسيم الحدود اللبنانية مع سورية، على إيمانه بأن المنطقة مقبلة على مرحلة ستُصاغ فيها حدود جديدة لبلدان جديدة. وهو مقتنع أيضاً بأن سورية ستتعرض للتفكك، وإعادة تشكيل المناطق على نحو يشبه إعادة ترسيم المنطقة عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية.
الرئيس بشّار الأسد يعلم أهمية السيطرة التي تفرضها قواته على أرض الواقع. وهذا ما ساعد الرئيس الروسي بوتين على تأمينه، خصوصاً أن استعادة مدينة تدمر ستوفر لموسكو مادة تفاوضية ثمينة يمكن توظيفها في أوكرانيا.
مصادر مطلعة أطلقت الأسبوع الماضي خبراً مثيراً يتعلق بالاجتماع الذي عقده الوزير الأميركي جون كيري مع الرئيس بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف. ومع أن موسكو تكتمت على تفاصيل اللقاء، إلا أن مؤشرات كثيرة توقعت الاتفاق على ترحيل بشار الأسد إلى إيران، مع الاختلاف على تحديد ساعة الصفر.
الصحف الفرنسية شككت في مهمة كيري لاقتناعها بأن نشاط الرئيس باراك أوباما ابتعد من أزمات الشرق الأوسط. وذكر بعضها أن هذا القرار اتخذ في أيلول (سبتمبر) 2013. أي حين انسحب أوباما من الخطوط الحمر التي وضعها البيت الأبيض حول استخدام السلاح الكيماوي. يومذاك تعهد الرئيس الأميركي ضرب القوات السورية النظامية في حال ثبت أن الأسد سمَّم آلاف المواطنين بالغاز. لكن أوباما تراجع عن هذا التعهد مقابل الموافقة السورية – الروسية على إخراج هذا السلاح من التداول.
سفير إسرائيل السابق في واشنطن مايكل أورن ادعى في كتاب نشره الصيف الماضي أن فكرة إخراج السلاح الكيماوي من سورية مقابل امتناع واشنطن عن قصف قوات الأسد كانت فكرة إسرائيلية. وتقدم حينذاك بهذه المبادرة الوزير يوفال شتاينبتس!
تقول صحف بريطانية أن الاتفاق الأميركي – الروسي على ترحيل الأسد لم يعد ملزماً بعد استعادة تدمر بواسطة قواته ومساندة الطيران الروسي. وقوبل هذا الحدث بفرح عارم عبَّرت عنه شخصيات سياسية وثقافية في طليعتها عمدة لندن بوريس جونسون.
حقيقة الأمر أن تدمير الآثار والكنوز التاريخية على أيدي جماعة «داعش» كان الحافز الذي شجع الأسد على استردادها، ولو دفع الثمن غالياً من قواته النظامية. كما أن موقعها الاستراتيجي المميز شجع الروس على تكثيف غاراتهم الجوية.
يدل موقع تدمر الجغرافي على قيمتها التاريخية، كونها في وسط البلاد. وقد بنيت كمحور مركزي بين دمشق ودير الزور حيث يسهل الاتصال بالعراق. ويفترض العسكريون أن خطوة الأسد المقبلة ستركز على الوصول إلى دير الزور بغرض استعادة السيطرة على معابر الحدود مع العراق.
في الوقت ذاته، قد يدفع الأسد بقواته لاسترداد مدينة الرقة التي اتخذها الخليفة أبو بكر البغدادي عاصمة له. هذا، مع العلم أن «داعش» سيكون محاصراً من ثلاث جهات: من الشمال الشرقي على طول الحدود مع تركيا… ومن الغرب حيث ينتشر الجيش السوري… ومن الشرق حيث يوجد الجيش العراقي الذي يصعّد هجماته على الموصل.
يقول المراقبون أن انتصار الأسد في تدمر منحه قوة معنوية إضافية. كل هذا بعد تثبيت حكمه في دمشق وقاطع الشاطئ العلوي. وهو في هذه الحال مضطر لاستعادة السيطرة على جنوب البلاد، قرب الحدود مع الأردن. وهو المكان الذي انطلقت منه الثورة قبل خمس سنوات.
ويرى المراقبون أن «داعش» يفقد سلطته في العراق وسورية، بعدما قرر توسيع شبكاته الخارجية في ليبيا وتونس وباريس وبروكسيل. وفي مطلع السنة الماضية طُرِدَ هذا التنظيم من عين العرب (كوباني) المدينة الحدودية مع تركيا بواسطة وحدات حماية الشعب الكردي.
وفي آذار (مارس) من السنة الماضية، استعادت القوات العراقية مدينة تكريت. وشاركت طهران وواشنطن في استعادة هذه المدينة الكبرى المأهولة بغالبية من السنّة في محافظة صلاح الدين.
في تشرين الثاني (نوفمبر) من السنة ذاتها، استعادت القوات الكردية سنجار، لتقطع بهذا الانتصار العسكري طريقاً استراتيجياً كان «داعش» يستخدمه للتحرك بين العراق وسورية. وفي هذا الموقع، ارتكب التنظيم فظائع همجية بحق الأقلية الإيزيدية.
آخر السنة الماضية، استعادت القوات العراقية مدينة الرمادي على مسافة مئة كلم غرب بغداد. وفي 24 الشهر الماضي، دخل الجيش السوري مدينة تدمر الأثرية. لكن هذا الدخول المفاجئ أثار الكثير من التساؤلات حول التجاهل المتعمد الذي قابل به النظام احتلال «لؤلؤة البادية» على أيدي مقاتلي «داعش». ففي أيار (مايو) من السنة الماضية قامت قوات الأسد بالانسحاب من تدمر قبل ساعات من وصول جحافل البغدادي. ومع أن الطريق المؤدي إلى القلعة كان مكشوفاً أمام طائرات النظام، إلا أن الأسد لم يأمر بتحريك سلاح الجو، وإنما اكتفى بنقل المعتقلين إلى سجون أخرى في دمشق.
عقب سيطرة «داعش» على القلعة والمدينة المحيطة بها، أمر بقطع رأس مدير الآثار في المدينة خالد الأسعد (82 سنة) الذي شغل هذا المنصب طيلة خمسين سنة. وبعد أسبوع، قام بتدمير المعابد والتماثيل.
تفسر المعارضة السورية تلكؤ الأسد عن ضرب قوات «داعش» وهي في الطريق الصحراوي إلى تدمر بأنه قرار سياسي لمنع الصحافيين والمصورين من الدخول إلى سجن تدمر. والسبب أنه استقبل في عهد حافظ الأسد آلاف المعتقلين من جماعة «الإخوان المسلمين» وغيرهم. وقد نشرت منظمات حقوق الإنسان عشرات الكتب عن هذا المعتقل الذي شهد سبع مذابح. وكان بين الأسرى سوريون ولبنانيون (600 شخص) وفلسطينيون وأردنيون. وبعد تحرير تدمر، يمكن أن يدّعي النظام بأن «داعش» كان مسؤولاً عن كل الارتكابات والمظالم.
من مراجعة حقبة تزيد على ستين سنة، تطل خمس سنوات من عهد بشّار الأسد فقدت فيها سورية أكثر من 300 ألف قتيل، وهجرت الحرب الأهلية أكثر من سبعة ملايين نسمة. والمطلوب من الدول المحايدة 200 بليون دولار بغرض ترميم المدن المدمَّرة.
وعلى رغم كل هذه الحرب العبثية، يسعى بشار الأسد إلى تعزيز موقفه التفاوضي لأنه استرد «لؤلؤة البادية» بعد أن تخلى عنها لخصمه أبو بكر البغدادي!