علي بردى: سوريا الأسوأ، مستنقع لمن/ديانا مقلد: رسالة الصحافية الروسية/طارق الحميد: مصر تؤيد روسيا في سوريا

539

سوريا الأسوأ، مستنقع لمن؟
علي بردى/النهار/5 تشرين الأول 2015
يعمّ السرور والابتهاج مريدي الرئيس بشار الأسد. يعتقدون أن دخول طلائع الجيش الأحمر يبدد نهائياً أوهام الساعين الى إسقاطه عسكرياً. يدرك المراقبون على الضفة الأخرى ان “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. يخشون أن تؤول الحال الى الأسوأ في سوريا. هذا مستنقع لا يتمناه أحد لروسيا. عقدت آمال عريضة على إحداث اختراق ايجابي لتسوية الأزمة السورية خلال الاجتماعات الرفيعة المستوى في الدورة السنوية السبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. أتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدف واضح: انخراط عسكري مباشر في مكافحة الجماعات الارهابية، بالتعاون الوثيق مع القوات المسلحة التي يقودها الأسد. أما نظيره الأميركي باراك أوباما فلم يبد حاسماً وثابتاً: في كيفية مواصلة الحرب الدولية ضد “الدولة الاسلامية – داعش”، في موازاة عملية سياسية و”انتقال منظم” يقود الى بديل من الأسد. لم تنجح جهود وزيري الخارجية سيرغي لافروف وجون كيري كثيراً في التغلب على “الخلافات العميقة” أو اخفائها بين زعيمي الكرملين والبيت الابيض. ظهرت التباينات مجدداً في اجتماع رفيع المستوى لم يجر الحديث عنه كثيراً برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون مع وزراء خارجية الدول الخامسة الدائمة العضوية في مجلس الامن في اطار البحث عن صيغة لـ”تفعيل” بيان جنيف. انعكست الخيبة سريعاً على برنامج المبعوث الدولي الخاص الى سوريا ستيفان دو ميستورا الذي ألغى كل مقابلاته الصحافية. كثيرون يتحدثون علناً عن تردد أوباما والزعماء الغربيين عموماً حيال المناورات الروسية سياسياً وديبلوماسياً وعسكرياً على الساحة الدولية. غير أن الواضح هو أن بوتين اقتنص فرصة جديدة في سوريا. لم يواجه رداً جوهرياً من الولايات المتحدة والدول الحليفة لها حتى بعدما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. تبدو موسكو مستعدة لملء أي فراغ تتركه العواصم الغربية وغيرها. جاء هذا التدخل الروسي في سوريا ايضاً بعدما أعاد الاتفاق الذي عقدته الدول الكبرى مع ايران في شأن برنامجها النووي خلط التوازنات وغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. كان بعض المعلومات يفيد أن الوحدات النظامية في الجيش السوري انهكت وصارت في وضع حرج. لم يعد يكفيها الدعم الذي تقدمه لها طهران مباشرة عبر الحرس الثوري الايراني و”حزب الله” اللبناني. يتوقع أن تبدأ نتائج التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا بالظهور خلال الاسابيع المقبلة. بصرف النظر عن السجال المهم الدائر حالياً حول مشاركة روسيا الفعلية في الحرب على الجماعات الارهابية، وحول حماية بشار الأسد باعتباره نظاماً موالياً لها، يرتب هذا التدخل ونتائجه مسؤوليات جديدة على موسكو للمساهمة فعلاً في ايجاد مخرج من الحرب الطاحنة التي تشهدها سوريا منذ أربع سنوات ونصف سنة.

 

رسالة الصحافية الروسية
ديانا مقلد/الشرق الأوسط/05 تشرين الأول/15
«مرحبا.. أنا زميلتك من روسيا.. من التلفزيون الوطني الروسي»..كان هذا المدخل كافيًا لأحدق طويلاً في الرسالة الإلكترونية التي وصلتني من صحافية روسية تريد أن تأتي إلى لبنان لتنجز وثائقيًا عن اللاجئين السوريين كما ذكرت في رسالتها. «زميلتي في القناة الروسية».. رنّت هذه الكلمة في رأسي أكثر من مرة وأنا أتابع أمامي على المواقع الإلكترونية صورًا كثيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسيلاً من الأخبار حول مغامرته العسكرية الجديدة في سوريا لإنقاذ حليفه الطاغية الصغير بشار الأسد.. شعرت أن هذه الزمالة المزعومة التي أعلنتها في وجهي الصحافية التي تعمل في قناة حكومية تأتمر بقرارات الكرملين تريد توريطي بما لم أرغب به سابقًا ولا أرغب به اليوم حتمًا. لماذا تريد هذه الصحافية أن تأتي إلى لبنان وتعد تقريرًا عن اللاجئين؟ هل أرسلها بوتين شخصيًا؟ لماذا تريد أن تعمل معي هذه الصحافية؟؟ هل هو تعاطف مع الهاربين من الموت أم هو رغبة في التأكيد على أن اللاجئين هربوا من «داعش» وأن الحرب التي تخوضها روسيا في سوريا الآن هي حرب مقدسة كما أعلنت الكنيسة الروسية؟ ومن أعطاها اسمي وبريدي؟؟ وكيف ولماذا؟ وأسئلة كثيرة أخرى.. لم أستطع منع نفسي من الاسترسال وتحميل رسالة محدودة من صحافية لا أعرفها ولا تعرفني هذا الكم من التحليلات والهواجس المؤامراتية ربما. ولكن لماذا لا أسترسل في الهذيان هذا بعد أن فرضت موسكو وطهران معادلة أن الأسد جزء من الحل وأنه قد يبقى في المرحلة الانتقالية.. ألم يكن الاعتقاد، مجرد الاعتقاد، بإمكانية بقاء الأسد كل هذا السنوات ضربًا من الجنون وأن الواقعية تقتضي بأنه حتمًا سيرحل في الأسابيع الأولى من الثورة السورية؟ ألم يكن التحليل الواقعي يفترض أن موت متظاهرين ومعتقلين تحت التعذيب سيحرك العالم وأن استعمال أسلحة محرمة لن يمر ولن يتحمله الضمير العالمي؟ ما كنا نعتقده ضربًا من الهذيان، أي أن يموت آلاف السوريين ولا يتحرك أحد، بات هو الواقع ولا شيء غيره. وها نحن اليوم يُطلب منا أن نكف عن الهذيان وأن نكون واقعيين ونتقبل فكرة أن قاتلاً ومجرمًا كبشار الأسد هو جزء من الحل وأن المشكلة هي حصرًا إرهاب حفنة من مجانين «داعش».. ما هو الواقع وما هو الهذيان والحال هذا؟ أليس هذيانًا أن أولى الضربات العسكرية الروسية لم تصب «داعش»؟ وطبعًا لم تصب النظام، بل أودت بمدنيين من حمص. والحال أن مقولة أن يكون الأسد جزءًا من المرحلة الانتقالية وحدها تقف عند حدود توازن المرء وعند قدرته على مخاطبة نفسه بهذا القدر من الاختلال بميزان الأخلاق والواقع، وهذا وحده كاف كي يعتقد المرء أن العالم لا يمكن أن يستقيم وأن يتعايش مع هذا القدر من الاختلال الذي أصاب قيمه.. هل لنا أن نتخيل مستقبلاً لسوريا لبشار الأسد مكان فيه؟؟؟ أنا شخصيًا لا أحتمل مجرد تخيل هذه الحقيقة، ولا حاجة للقول كم من السوريين لا يتحمل الفكرة نفسها. أما العالم فهو متأرجح في مواقفه رغم هدير طائرات السوخوي فوق السماء السورية.. قلبت في رأسي صورة متخيلة لهذه الصحافية التي فاجأتني برسالتها في هذا التوقيت بالذات، ثم لجأت إلى «غوغل» عساني أعثر على ضالتي وأجدها وربما أجد في وجهها ملامح بوتين الذي شمّر عن سواعده التي لم تهدأ بعد من ضرب أوكرانيا وشرع في الدفاع عن قاتل السوريين.. عثرت على صورة لصاحبة الاسم، ربما هي غيرها، لكنني لم أتمكن من مقاومة ميلي إلى رؤية بوتين في وجهها.. نعم، الأرجح أن ما أقوله هذيان لكن هل في بقاء الأسد واقعية؟ بغير ذلك تغرق روسيا في المستنقع طويلاً. لا شك في أن الإرهابيين يريدون معركة كهذه معها.

 

مصر تؤيد روسيا في سوريا
طارق الحميد/الشرق الأوسط/05 تشرين الأول/15
من المثير أن تعلن مصر عن تأييدها للتدخل الروسي في سوريا، ومهما كان الموقف المصري أصلا! مصر، وعلى لسان وزير خارجيتها سامح شكري، تقول إن «المعلومات المتاحة لدينا خلال اتصالاتنا المباشرة مع الجانب الروسي تؤشر إلى اهتمام روسيا بمقاومة الإرهاب والعمل على محاصرة انتشار الإرهاب». مضيفًا أن «دخول روسيا بما لديها من إمكانات وقدرات في هذا الجهد، هو أمر نرى أنه سوف يكون له أثر في محاصرة الإرهاب في سوريا والقضاء عليه»! هذا التصريح يعني أن هناك نقاطًا خلافية جادة مع مصر. هناك إشكالية حقيقية إذا كانت مصر تصدق أن الروس جادون بمكافحة الإرهاب، وهم، أي الروس، يقصفون المعارضة السورية، ولم يستهدفوا «داعش» بضرباتهم إلا خمسة في المائة فقط! والإشكالية الأخرى، أن هذه التصريحات المصرية تظهر تهاونًا، ولا أقول تعاطفًا، مع المجرم بشار الأسد، ولا ترى أن جرائمه هي السبب فيما وصلت إليه سوريا، وأن الأسد هو الراعي الرسمي للإرهاب، وسبب ظهور «داعش» هناك.
والموقف المصري هذا يظهر إشكالية توحي بأن القاهرة لا تكترث بالتنسيق الروسي – الإيراني الداعم للأسد، خصوصًا وأن دمشق تحت الحماية الإيرانية، فهل ترى مصر بذلك ضمانًا كافيًا لمحاربة الإرهاب؟ أو حفاظًا على وحدة دولة عربية؟ ما يجب أن يقال، وإن تأخر كثيرًا، إن هناك خللاً حقيقيًا في فهم الأزمة السورية بمصر، نخبويًا وسياسيًا. مصر ليست سوريا، وتونس ليست ليبيا، ولا اليمن، ولا توجد وصفة واحدة لكل أزمات ما عرف بالربيع العربي، وبالتالي لا يوجد اتساق بالمواقف، إلا من ناحية حقن الدماء، والحفاظ على الدولة، وليس رأس النظام، وخصوصًا في حال كان مجرمًا مثل الأسد. ما لا يعيه البعض بمصر أن جيش الأسد طائفي، وأبدل الآن بالميليشيات الشيعية، والإيرانية، والقوات الروسية، وليس كالجيش المصري. وأن الأسد يستعين بإيران، وعملائها، للتنكيل بالسوريين، وليس كالمؤسسة العسكرية المصرية التي ساندت شعبها، وتحركت تحت غطائه، وبالتالي نالت دعمًا عربيًا. وما لا يعيه البعض بمصر أيضًا أن الأسد، الذي قتل بسببه ربع مليون سوري، وشرد ملايين آخرين، هو أول نظام عربي يستعين بدولة خارجية لضرب شعبه بعد أن استعان بميليشيات طائفية، وهذا ليس كالحالة المصرية. وما لا يعيه البعض بمصر أيضًا هو أن التدخل العسكري الأجنبي بالمنطقة لم ينفع دولة قط، ونحن هنا نتحدث عن احتلال، وليس تحريرًا كالحالة الكويتية، وكان وقتها تحالفًا دوليًا. فلا نفع الاحتلال الأميركي العراق، ولا أفغانستان، ولن ينفع التدخل الروسي سوريا، ولا حتى الأسد، كما لم ينفع العدوان الإيراني أحدًا بالمنطقة. ولذا فإن الموقف المصري مستغرب، ومقلق للمؤملين بمصر، ولا بد من القول إن السياسة ليست مناكفة، ولا هي محكومة بلون أبيض أو أسود، في السياسة كثير من اللون الرمادي، وبالحالة السورية اللون أحمر بحمرة الدم!