اميل خوري: سوريا ربطت الجولان بالجنوب وإيران تربط الرئاسة اللبنانية بمصير الأسد/وسام سعادة: ما من لحظة روسية لبنانياً إلا في الخطابة/روزانا بومنصف: التدخّل الروسي واجهة جديدة للتعقيدات الانتظار سيطول والتحرّك الشعبي يفقد تأثيره

241

سوريا ربطت الجولان بالجنوب وإيران تربط الرئاسة اللبنانية بمصير الأسد
اميل خوري/النهار/5 تشرين الأول 2015
عندما أصرت سوريا على ربط مصير الجولان بمصير الجنوب اللبناني المحتلين عمل عميد “النهار” غسان تويني جاهداً للفصل بين مصيرهما وكان سفيراً للبنان لدى الأمم المتحدة، فتوصل الى اقرار القرار 425 عن مجلس الأمن الدولي الذي يدعو اسرائيل الى الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها بدون قيد أو شرط في حين أن القرار الدولي المتعلق بالجولان يدعو الى اجراء مفاوضات مع اسرائيل للانسحاب منه. لذا اختلفت مهمة القوات الدولية في كل من المنطقتين. لكن اسرائيل عرفت كيف تستفيد من ربط مصير الجنوب الذي لا مطامع لها فيه كتلك التي لها في الجولان عسكرياً ومائيا، فاشترطت لانسحابها من الجنوب عقد اتفاق سلام مع لبنان وهو ما لا قدرة له عليه، فطلب العودة الى اتفاق الهدنة بين الدولتين الى حين يتحقق السلام الشامل في المنطقة فلا الجنوب تحرر ولا الجولان. وحين حاول الرئيس أمين الجميل إبان عهده تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي بالتوصل الى اتفاق 17 أيار عمدت اسرائيل في اللحظة الأخيرة، الى ربط انسحابها من الاراضي التي تحتلها في الجنوب بانسحاب القوات السورية من لبنان فكان ذلك كافياً لعدم إبرام الاتفاق الذي كان قد أثار معارضة قوى سياسية وحرك تظاهرات في الشارع. وها أن ايران اليوم وعبر الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تربط مصير الرئاسة الأولى في لبنان بمصير الرئاسة في سوريا كاشفة بذلك عن تدخلها في الموضوع بعدما كانت تدعو اللبنانيين الى الاتفاق على انتخاب رئيس من دون تدخل اي خارج، فهل في امكان القادة في لبنان رداً على ذلك التوصل الى اتفاق على فصل أزمة الانتخابات الرئاسية عن الأزمة السورية أم ان خلافهم المتعدد الغاية يحول دون ذلك خصوصاً أن “حزب الله” ومن معه وبايعاز ايراني، لا يريد انتخابات رئاسية وما الاصرار على ترشيح العماد عون سوى اعطاء سبب يبرر ذلك.
لقد فشلت حتى الآن كل المحاولات التي بذلت لدى “حزب الله” ليس من أجل الاتفاق على مرشح للرئاسة الأولى إنما الاتفاق على النزول الى مجلس النواب والاتاحة للأكثرية النيابية انتخاب من تريد من بين مرشحين معلنين وغير معلنين. وهو ما يقضي به الدستور والنظام الديموقراطي. لكن الحزب الذي لم تأته اشارة بعد من ايران كي يغير موقفه لا يزال يصر على ترشيح العماد عون من دون سواه بحجة أنه الأكثر تمثيلاً والأكثر قدرة على اقامة الدولة القوية… مع علم الحزب ان الظرف الراهن غير مؤات لانتخاب مرشح لا من 8 ولا من 14 آذار وثمة شبه اجماع من الداخل والخارج على أن يكون رئيس لبنان في هذا الظرف الدقيق توافقياً يستطيع ان يجمع لا أن يفرق، إلا أنه يبدو ان ايران لم تتوصل بعد الى اتفاق مع الدول المعنية على الثمن السياسي الذي تريد كي تسهل اجراء انتخابات رئاسية في لبنان خصوصاً بعد الدخول العسكري الروسي الى سوريا وما قد يكون له من تداعيات واشتداد التوتر في العلاقات الايرانية – السعودية التي كان كثيرون يتوقعون زواله، لتحقيق تقارب بين الدولتين يقرب موعد انتخاب رئيس للبنان ما جعل المواكبين لوضع لبنان يتأكدون أنه ليس على جدول اهتمامات الدول التي لها اهتمامات أخرى أهم في المنطقة. فهل يثبت القادة في لبنان قدرتهم على حل المشاكل بأنفسهم ويقلعوا شوك الأزمات بأيديهم لأن الدول الصديقة أو الشقيقة الراغبة غير قادرة والقادرة غير راغبة… من الطبيعي حيال هذا الوضع المتأزم أن ينعكس الأفق المسدود سلباً على الحوار الجاري بين الاقطاب وأن يزيد تعقيد أزمة انتخاب رئيس للجمهورية وعدم الاتفاق على قانون جديد للانتخابات إلا اذا قرروا تقديم مصلحة لبنان على كل مصلحة واتكلوا على أنفسهم في انقاذه. لكن ارتباط بعضهم بخارج لا بل ارتهانهم له قد يدخل لبنان في الفراغ الشامل، ومنه تخرج الفوضى العارمة الهدامة، عندما تصبح جلسات مجلس الوزراء معطلة أو تنفجر الحكومة من الداخل، وتتعطل معها جلسات مجلس النواب فلا يعود ثمة مجال للاتفاق على إخراج لبنان من الكارثة التي حذر الرئيس سلام نفسه منها عندما قال في حديث له: “إن الانهيار الكامل للبنان قد لا يكون سياسياً أو أمنياً بقدر ما يكون اقتصادياً واجتماعياً يشعل غضباً شعبياً” فهل تحصل معجزة فينتخب رئيس للجمهورية لأن انتخابه هو مفتاح حل كل الأزمات والمشكلات أم أن القادة المرتبطين بخارج سيتفرجون على بيت يسقط سقفه على الجميع.

ما من «لحظة روسية» لبنانياً إلا في الخطابة
وسام سعادة/المستقبل/05 تشرين الأول/15
من التشبيح الخطابي توهّم «لحظة روسية» لبنانياً، تشكّل امتداداً للتدخل الجوي الروسي سورياً.لا شكّ بأن التطوّرات الراهنة في سوريا ستعيد الشأن الاقليمي الى مركز الضوء في المتابعة السياسية والاعلامية الداخلية، الا أنّ هذا شيء يختلف تماماً عن حصول «لحظة روسية» لبنانياً.التصدّع في التركيبة الحكومية وعرقلتها سيتواصل. المد والجزر في الشارع على خلفية مطلبية أو احتجاجية لن ينقطع. الهاجسان الأمني والديموغرافي على خلفية التطورات السورية سيتم التركيز عليهما مجدداً بقوة أكبر. لكن في المحصلة العامة، ليس ثمة ما يوحي بأنّ الشغور الرئاسي، أو «الستاتوكو الشغوري العام» سيشهدان أي تغيير في الأشهر المقبلة. الثرثرة حول الانتقال من عالم أحادي القطب الى عالم متعدد الاقطاب ستجد أمامها مادة دعائية تستهلكها لقسط من الوقت، وستستفيد بالطبع من الأخطاء الكارثية لادارة الرئيس باراك اوباما في السياسة الخارجية. لكن من هنا للايحاء مثلاً بأننا نعيش عصر تحول موسكو الى مرجعية للحل والربط في المشرق، بما فيه لبنان، مسافة كبيرة. لبنانياً، هناك عدد من الدول التي تؤثر عن كثب في الوضع الداخلي. روسيا لا تأتي بين أول خمسة. بالتوازي، تجديد دعم احرار المجتمع اللبناني لثورة السوريين هي في امر اليوم. التنديد بالتدخل الروسي الذي يعمل على انقاذ نظام ال الاسد كذلك. وبالتوازي: ضرورة استهجان السياسات الكارثية لادارة اوباما، بما في ذلك هذه الحرب اللابرية غير المجدية ضد تنظيم الدولة الاسلامية، بل التي مكنته من مواصلة بناء كيانيته. في الوقت نفسه: التدخل الروسي ينبغي ان يندد به بتعطيل أي حرف للموضوع عن اطاره. ليس الموضوع حرباً دينياً بين الارثوذكسية والاسلام، وكل ايحاء بهذا الامر ينبغي دحضه رأساً. ليس الموضوع حرباً تنويرية يقودها المعسكر التقدمي ضد القوى الرجعية. اي انزلاق لمثل هذا الدرك جدير بالفضح السريع. هناك قوة روسية جريحة بسبب خسارتها للمجد السوفياتي التي بادر الروس بأنفسهم للتحرر من ثقله، وقوة روسية تصرف معها الغرب بقيادة الولايات المتحدة بصلف وهجومية لسنوات بعد نهاية الحرب الباردة. ولا بد من استيعاب هذا الشيء، تماماً كما يجدر استيعاب ما تعرضت له المانيا من مهانة وضيم بعد الحرب العالمية الاولى. الا ان ذلك لا يعني على وجه الاطلاق تبرير ان تحل روسيا أزمة ثقتها بنفسها على حساب الشعب السوري، ولصالح نظام دموي، بل فعلياً الآن لصالح تنظيم الدولة الاسلامية ان هي اختارت استهداف الفصائل السورية المعارضة. فاذا كانت الايام الاولى من التدخل الروسي الجوي هي العينة عن وجهة هذا التدخل في الاسابيع التالية، فهذا يعني ان موسكو اختارت تمكين «داعش» والتعويل على قطبية ثنائية في سوريا، «داعش» من ناحية، و»البعث» الفئوي الدموي من ناحية ثانية. خطاب الممانعة سيطيب له في هذا الموسم الحديث المبتذل عن عودة القيصرية والشيوعية والقوزاق والجيش الأحمر، كما لو ان آلة القتل التي جرّدها النظام الأسدي ضد الشعب السورية على امتداد السنوات «صنعت في القرداحة» وليس في المصانع السوفياتية ثم الروسية.
لهذا الخطاب ان يتسلى ويتبختر بما شاء من شعارات اليسار المتطرف واليمين المتطرف الروسيين؛ في المقابل لا وقت لاضاعته بالانفعالية. حرب التدخل الروسي في سوريا تعمّق المسار الكارثي للأمور فيها، لكن من خارج البحث تماماً ان يعود نظام محتضر بهذا الشكل الدموي فيقف على رجليه، ومن خارج البحث اكثر ان يكون هناك امكانية استفادة قوى الممانعة في الداخل اللبناني من هذه «اللحظة الروسية» المزعومة، باستثناء الصخب الخطابي بشأنها، والذي ينبغي تفادي الانجرار من وراءه الى منطق «حرب مقدسة في مواجهة اخرى»، او الى «الروسوفوبيا» بأشكالها المحتقنة. لا داعي للاحتقان، أسابيع قليلة ويستفيق الروس على انهم دخلوا في مأزق جديد، مثلهم في ذلك مثل كل القوى الاجنبية المتدخلة في الحرب السورية، او التي تشن حروبها ضد تنظيم «الدولة الاسلامية«.

التدخّل الروسي واجهة جديدة للتعقيدات الانتظار سيطول والتحرّك الشعبي يفقد تأثيره
روزانا بومنصف/النهار/5 تشرين الأول 2015
تعززت مع الدخول الروسي العسكري المباشر على خط دعم الرئيس السوري بشار الأسد الانطباعات حول مرحلة انتظار ستطول اكثر في لبنان بما يجعل استمرار الكلام على انجاز الاستحقاقات اللبنانية أمراً لا طائل منه في ظل رهانات قوية ارتفعت وحسابات باتت تنتظر مآل التطورات السورية. فحتى الآن كان متعذراً ارساء وضع لبناني لبضع سنوات بناء على الصورة الميدانية الموقتة السائدة في سوريا. ومن غير المرجح ان يتغير ذلك الآن خصوصاً ان ثمة الكثير مما بات على المحك بحيث غدا من غير المرجح ان يتم الاتفاق على اي بند لا على طاولة الحوار ولا خارجها انطلاقاً من اي تسوية باتت رهناً بما سيتم الاتفاق عليه في شأن النظام السوري في حال كان ذلك وارداً نتيجة التصعيد الروسي ام لا. ورغم ان مصادر ديبلوماسية ترفض كلياً الربط بين الوضع اللبناني وهذه التطورات انطلاقاً من ان لبنان لا يمكن ان ينتظر سنوات اخرى اضافية قد يستهلكها الوضع في سوريا، وانطلاقاً من ان التدخل الروسي قد لا يكون محفزاً في اتجاه تسوية ما بل منطلقاً لمرحلة طويلة اخرى من الحرب، فان الجهود التي بذلتها هذه المصادر منذ بدء مرحلة الفراغ الرئاسي قبل ما يزيد على سنة ونصف سنة لم تنجح في اقناع الافرقاء اللبنانيين بفك ارتباط استحقاقاتهم الدستورية عن جملة امور في المنطقة، تارة تحت عنوان موجبات الاتفاق النووي الإيراني وطوراً تحت عنوان موجبات الحوار السعودي الايراني وما الى ذلك، وحتى تلك المتعلقة بالترقيات الأمنية على رغم ان هذه الأخيرة سابقة للتدخل الروسي العسكري في سوريا. لكن اي تجاوب مع المطالب المرتفعة للعماد ميشال عون وتالياً مع “حزب الله” الداعم له يخشى انه بات يندرج اكثر فاكثر في حسابات الربح والخسارة قياساً على الرهانات التي باتت معقودة على مفاعيل التدخل الروسي وامكان توظيف هذه المفاعيل في الداخل اللبناني ولو حتى على المستوى النفسي ازاء الخصوم. هناك من يقول بان مسألة الترقيات مجرد مسألة داخلية بحيث يساعد بتها على فكفكة ارتباط لبنان عن صراعات الخارج ونحو محاولة تقديم ادارة شؤون اللبنانيين ما دامت اوضاع المنطقة الى تعقيد اكبر. لكن كل تفصيل من التفاصيل على الصعيد الاقليمي تبدو ذريعة مستمرة للتصعيد الداخلي بحيث ان حلحلة بند خلافي ما لا يشكل ضماناً لتسهيل عمل الحكومة، بدليل تزايد المواقف السياسية المرتفعة النبرة على خط تيار المستقبل و” حزب الله” على خلفية مسألة سقوط ايرانيين في تدافع منى في المملكة السعودية. فهذه المسألة التي لم يسقط فيها لبناني واحد لا من الحزب ولا من سواه اظهرت كم ان الاصطفاف الاقليمي في لبنان مستمر في اوجّه علماً انه سبق لملفات اليمن والبحرين كما سوريا ان شكلت ولا تزال عمق هذا الاصطفاف.
وتقول مصادر سياسية ان رئيس الحكومة تمام سلام الذي رسم صورة سوداوية عن الوضع اللبناني في نيويورك امام محدثيه في نيويورك على هامش مشاركته في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، وكرر مراراً تلويحه بعدم قبول الوضع الحكومي الحالي، لم ينجح في استدرار الاهتمام على النحو الذي يطمح اليه بحيث تولي الدول الكبرى لبنان الأهمية التي تلزمه للخروج من الاستنقاع الذي يعيش فيه. وفي رأي هذه المصادر، فان الشيء الوحيد الذي كان يمكن ان يشغل الدول الخارجية ويثير قلقها يتمثل بالتحركات الشعبية التي نشأت اخيراً واحدثت ثغرة في الجمود القائم في لبنان، وكان يمكن ان تتطور ككرة ثلج تساهم في تغير الأوضاع. لكن هذه التحركات قد خفت وتضاءلت اهميتها نتيجة اعتبارات متعددة من بينها دخول القوى السياسية على خط اجهاضها. ومع انها لا تزال مستمرة فانها فقدت قدرتها على ان تشكل دينامية دافعة مهددة للزعماء اللبنانيين أو دافعة لهم على تغيير ادائهم وتبديل أولوياتهم. فغداً هؤلاء أكثر اطمئناناً راهناً إلى أن لا ضغط شعبياً يدفعهم الى إظهار أي مرونة في شروطهم أو في تعاطيهم مع قضايا الشأن العام، وقد مضت بضعة اسابيع على محاولة بت موضوع النفايات الذي فجر الأزمة المطلبية من دون ان يدفع ذلك الزعماء السياسيين الى عمل شامل وجماعي وجدي ينقذ البلد مما يتهدده على هذا الصعيد، بل هو لا يزال معرضاً للتجاذبات السياسية. وكما ان البرودة التي تحول اليها الشارع برّدت همة الزعماء السياسيين وازاحت ثقلاً عن كاهلهم، فهي بردت اهتمام الخارج ايضاً وهدأت خاطره الى ان لا ضرورة لأن يحصل اي تحرك خارجي من أجل لبنان راهناً ما دام الشارع لا يشكل اي خطر يذكر. اذ ان الأمر الوحيد الذي كان يمكن ان يدفع الدول الاقليمية التي ترهن لبنان لحساباتها لأن تبدل أولوياتها أو الدول الكبرى لأن تتحدث مع الدول الاقليمية أو تفاوضها هو انتفاضة الناس التي يمكن ان تتحول الى ثورة خصوصاً بعدما اخطأت هذه الدول في تقويم الحركات الشعبية في المنطقة ولم تحسن استيعابها.في هذاً السياق، يغدو الحوار الضروري والمفترض بين الأفرقاء السياسيين مجرد تمرين يساهم في تنفيس الاحتقانات وإظهار اهتمام السياسيين بشؤون الناس، لكنه لا يتخطى في الوقت نفسه كونه مجرد ثرثرة سياسية لملء الوقت الضائع ليس إلا.