عبدالله بن بجاد العتيبي: سوريا ما بعد التدخل الروسي/داود البصري: الجريمة الروسية في قتل الشعب السوري/أكرم البني: تساؤلات برسم الاتفاق الأميركي الإيراني

298

سوريا.. ما بعد التدخل الروسي
عبدالله بن بجاد العتيبي/الشرق الأوسط/04 تشرين الأول/15
دخلت روسيا رسميًا كطرف فاعل في الأزمة السورية، بل في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بقاعدة جوية في اللاذقية وأسطول بحري يملأ البحر الأبيض المتوسط انطلاقًا من طرطوس، وبدأت فعليًا بتفعيل الموقعين بقصف عسكري شمل أرجاء سوريا ولم يتعرض بعد لتنظيم داعش الذي جاء تحت غطاء محاربته.
التدخل العسكري الروسي أعاد خلط الأوراق المختلطة أصلاً في المنطقة، والسياسة كما تهدف للمصالح تحركها المخاوف وتدفعها الطموحات، فروسيا خائفة من الإرهاب وهذا حقها، وهي تسعى لمواجهته في سوريا حتى لا يصل لموسكو كما هي التصريحات المعلنة، ولكن السؤال هل تدخلها العسكري في سوريا سيمنع خطر الإرهاب عنها أم سيزيده؟ وهي الدولة التي يعيش في كنفها ملايين المسلمين وتجاورها دول مسلمة تكن لها عداء تاريخيًا؟ واضح أن التدخل الروسي لن يقتصر على سوريا، فهو يعرض خدماته على الحكومة العراقية، وروسيا بالتالي تنخرط في صراعات المنطقة لدعم المحور الذي تقوده إيران والذي بدأ يخسر في أكثر من مكان، من أهمها اليمن وسوريا وشيء ما في العراق وإن لم يصل لمداه بعد. إقليميًا، ثمة لاعبون رئيسيون في المنطقة، إيران والدول العربية وتركيا وإسرائيل، والتدخل الروسي مساند لإيران بشكل شبه كامل، وقد قام بطمأنة إسرائيل، ولم يلتفت للدول العربية وتركيا، وعلى الرغم من أن السياسة لا تخلو من تفاهمات معينة في الصراعات الكبرى، فإن هذا التدخل الروسي يجب الوعي بأهدافه قبل مواجهته.
دوليًا، لمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، القادم من خلفية عسكرية واستخباراتية وسياسية، تخاذلاً في المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية والرئيس باراك أوباما، القادم من خلفية قانونية وثقافية ورؤية سياسية انعزالية وانسحابية من العالم، فلم يشأ تفويت الفرصة، فضم جزيرة القرم بالقوة العسكرية، وهو يهدد أوكرانيا ويدعم الموالين له داخلها دون أي اعتبار لأي موازنات دولية، ونجح وحصل له ما يريد دون أي رد فعل يذكر. واستمرارًا لتوسيع طموحاته يمكن قراءة دخوله العسكري في سوريا، بل في منطقة الشرق الأوسط، فالوجود العسكري الروسي لأول مرة في الشرق الأوسط بهذه القوة والوضوح يضمن منطقة نفوذ جديدة لروسيا دون أي خسائر تذكر، فالحضور القوي في البحر الأبيض المتوسط بقاعدة جوية وقاعدة بحرية تضمن له نفوذًا عسكريًا على جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وفرض واقع دولي جديد سيكون من الصعب تغييره في المستقبل.
تقضي سياسة أوباما الانسحابية والانعزالية بأن تقوم الدول والتحالفات حول العالم بحماية مصالحها بنفسها دون تدخل من أميركا، وهذا ما فهمه بعض القادة في المنطقة والعالم، وتصرفوا على أساسه. لقد خلقت انعزالية ويلسون دافعًا مهمًا لتدخل روزفلت في الحرب العالمية الثانية ولخوض أميركا الحرب العالمية الباردة بعدها والانتصار فيها، وعودة أوباما للويلسونية واستماتته في الاتفاق النووي مع إيران والتقارب مع الخصوم والتباعد عن الحلفاء مع خلطها لكثير من الأوراق، إلا أنها ستعيد التاريخ مرة أخرى، وهو ما سيجري مستقبلاً، فسيكون لأميركا عاجلاً أم آجلاً رئيس لن يرضى بكل هذا الضعف والانعزال والخلط.
لم تبد أميركا أوباما أي اهتمام جدي بمشكلات المنطقة الكبرى وأزماتها، ففي سوريا يمكن بسهولة تذكر خطوط أوباما الحمراء التي انتهكت مرة بعد مرة، وكان في كل مرة يتراجع ويرضى بالهزيمة، وفي مواجهة تنظيم داعش الإرهابي لم تبد أميركا جادة فعليًا في القضاء عليه، وهذا الفراغ الكبير هو ما جاءت روسيا لملئه وقد تلحق بها الصين، إن صحت الأخبار في إرسالها لقوات عسكرية للمنطقة، وهو ما سيكون سابقة جديدة تلتحق بالروسية الأولى. كانت الحرب العالمية الباردة تدور رحاها في أوروبا الشرقية وفي أميركا الجنوبية وفي جنوب شرقي آسيا، ولكن الحرب العالمية الباردة والساخنة تجد لها مستقرًا اليوم في منطقة الشرق الأوسط، حيث «استقرار الفوضى» و«صراع الهويات» و«التنظيمات الراديكالية الإرهابية» التي تصب في مصلحة إيران ومحورها، في مقابل «استقرار الدول» و«نبذ الطائفيات» ورفض «التنظيمات الراديكالية الإرهابية» التي تصب في مصلحة الدول العربية.
ولكن يبقى سؤال مهم هو كيف تحولت الأزمة السورية من رغبة شعب في الخلاص إلى تعقيدات تقودها راديكاليات وتتنازع فيها ميليشيات إرهابية؟ وشيء من الجواب يكمن في أن التخاذل الدولي عن نصرة الشعب السوري أدى إلى عدة أمور، منها: أن إيران ونظام الأسد استطاعا خلق تنظيم داعش الإرهابي ودعمه لإظهار المعركة بأنها ليست حربًا بين نظام وشعب، وتغاضوا عن خلق بعض الدول الإقليمية لقوى راديكالية على رأسها تنظيم النصرة الذي يمثل تنظيم القاعدة في سوريا، ومنها أنه شيئًا فشيئًا تصاعدت هذه القوى الراديكالية والإرهابية حتى أضعفت الشعب السوري ومعارضته السياسية وجيشه الحر وأصبحت تقود المعركة، ومنها كذلك أن البشر حين يدفعون إلى الموت والمجازر والمذابح دون نصير يعودون دائمًا لأقدم الهويات انتماء ويلجأون إلى أشدها تطرفًا. من المفارقات التي يبعثها المشهد المضطرب والمختلط في المنطقة، أنه ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت هجرة يهود أوروبا إلى فلسطين على قدم وساق، واليوم لدى اليهود دولة قائمة في الشرق الأوسط، ولكن الأزمة السورية وشيئًا ما الأزمة العراقية تبعث بمئات الآلاف من المهاجرين لأوروبا، نعم لن يستطيعوا إقامة دولة هناك، ولكنهم بمنطق التاريخ لن يندمجوا في البلدان التي يصلون إليها، وسيصبحون مشكلة كبرى تضاف لمشكلة أوروبا القديمة مع هجرات أفريقيا التي لطالما اشتكت منها. التدخل العسكري الروسي في سوريا ليس أمرًا عاديًا، بل هو حدث تاريخي وسياسي ضخم وسيكون له تبعات على موازنات القوى الدولية في المنطقة والعالم، ويجب على كل الدول أن تبني سياساتها وهو حاضر بكل أبعاده وتأثيراته، ولئن كان مبكرًا الحديث عن أثر على روسيا يشبه أثر حرب أفغانستان على الاتحاد السوفياتي، إلا أنه بالتأكيد يعني تغييرًا ضخمًا وسيكون له تبعات كبرى في المنطقة والعالم وسيكون مؤثرًا في المستقبل القريب والبعيد. أخيرًا، فبقتله لمئات الآلاف من شعبه وتهجيره للملايين منهم، فقد انتهى مستقبل بشار الأسد في سوريا، وقد يؤخر التدخل الروسي رحيله عن سوريا قليلاً، ولكنه سيرحل على كل حال، والحرب التي بدأتها روسيا في سوريا قد تصل شظاياها للداخل الروسي.

الجريمة الروسية في قتل الشعب السوري
داود البصري/السياسة/04 تشرين الأول/15
مافعله الرئيس الروسي “بوتين” يعتبر وفق كل المواصفات, تدشينا روسيا لجريمة إرهابية كبرى تقترف ضد الشعب السوري, عبر ضرب الشعب و معاقبته لكونه قد انتفض على طغاته القتلة, وهو أقذر دور يمكن أن تضطلع به دولة في التاريخ.
التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الساحة السورية خلال الأسابيع الأخيرة حركت الموقف الجامد في ساحات القتال و السياسة في الشرق الأوسط, وأثارت عواصف رهيبة من المتغيرات التي توشك أن تكون انقلابية حقيقية في عموم المشهد البائس السائد. ففي ظل تواصل و تعمق أزمة الشعب السوري المستعصية وانفجار مسلسل لجوء الموجات البشرية من اللاجئين السوريين نحو الغرب و الذي بات يطرح أزمة ضمير أخلاقية كبرى, وفي مواجهة إستمرار جرائم النظام السوري في قتل الشعب بالجملة والمفرق عبر أسلوب البراميل التي أبادت أحياء كاملة من المدن السورية, في ظل صمت دولي مريب تجاوز حتى مرحلة التواطؤ ليصل لدرجة المشاركة الفاعلة في الجريمة الممنهجة ضد الشعب السوري و الذي استطاع على مدى أربعة أعوام ونيف من عمر الثورة أن ينزل هزيمة ساحقة بالنظام وأدواته, وأن يعريه تماما وان يشل قدراته العدوانية, وأوشك على الاطاحة الشاملة به لولا الحقن والمقويات الاقليمية والدولية التي تهاطلت عليه, فبدءا من العصابات الطائفية العراقية والإيرانية ثم اللبنانية, ووصولا لدعم حلفاء النظام الإيرانيين ثم الروس تكرست حقيقة منهجية تؤكد بأن النظام مجرد أداة و ألعوبة للقوى الإقليمية المتنافسة, وبأن وجوده واستمراريته يدخل ضمن ترتيبات إقليمية معروفة دوافعها وأهدافها و دواعيها, لقد سقطت ورقة التوت تماما عن عورات النظام التي حاول إخفاءها بمهارة تحت قصف الشعارات الثورية التدليسية واتضحت هويته الحقيقية ودوره المشبوه, ودخول الدب الروسي بشكل سافر وعدواني و مباشر في الحقل السوري أمر لن ينفع النظام أبدا بل سيزيد من تعقيدات أزمته البنيوية المستعصية, فجرائم الطيران الروسي الحليف العلنية ضد المدن السورية البعيدة عن أيادي تنظيم الدولة, أظهر الحقد الأممي المشبوه على ثوار سورية الحرة. وحيث ظهرت روسيا على حقيقتها كدولة مافيوزية تدير ظهرها للعالم وتدعم الطغاة تحت دواعي مزيفة, وهي حرصها على أمنها القومي كما تقول. ويبدو أن العقيدة النازية الروسية الجديدة قد مددت المجال الحيوي للأمن الداخلي الروسي ليصل لدمشق في جريمة عدوان مرفوضة وقف أمامها العالم الحر, للأسف, وقفة ضعيفة و مرتبكة, فالنظام السوري بعد هزائمه الأخيرة في الشمال والجنوب, وعجزه الكامل عن السيطرة على بقعة صغيرة كمصيف الزبداني, أظهر تحللا و عجزا مريعا في القيادة والسيطرة, وبما ينبئ بنهايته وتحلله واندثاره, وهو مادفع الحليف الروسي لاظهار أنيابه و مخالبه و الشروع في ضرب المدن و المواقع السورية الحرة لمحاولة إيقاف الانهيار وهو حتمي, فطائرات الروس العدوانية وصواريخهم الإرهابية لن تستطيع منع تحقق الحتمية التاريخية المتمثلة في حتمية انهيار الطغاة و تلاشيهم و ترحيلهم لمزبلة التاريخ, ستدفع موسكو ثمنا باهظا لحماقتها الشامية, ستضاف لسلسلة الحماقات التي أوردت النظام الشيوعي السوفياتي السابق مورد الهلاك, فمناورات الروس السابقة بالحديث مع ما أسموه “المعارضة المعتدلة” لم يكن في حقيقته سوى حقن تخديرية, ومحاولات بائسة لاختراق الموقف الوطني المعارض, وكان واضحا منذ البداية للجميع حجم التواطؤ الروسي و التخاذل الدولي الذي سمح لنظام الأسد بتحويل سورية لمقبرة جماعية لشعبها, العالم الحر مطالب اليوم بتنفيذ التزاماته و تعهداته بنصرة الأحرار, و إيقاف الهجمة الروسية العدوانية الغاشمة أضحت مهمة أممية عاجلة تنتظر المعالجة الفورية. أما مصير العدوان الروسي فسيكون الفشل الفضائحي الكبير الذي سيجلل بالعار كل الذين تواطأوا وتحالفوا لقتل السوريين وإبادة تطلعاتهم نحو الحرية والانعتاق, الروس قبل غيرهم يعلمون بأن سورية لن تعود للخلف, وإن صواريخهم لن تستطيع تعويم القتلة المنهارين, وإن انتصار الثورة السورية هو الحقيقة, وإن الخيبة و الخسران ستطيحان في نهاية المطاف بقياصرة الدجل و الإرهاب و بمافيا السلاح الدولي. السوريون على موعد مقدس مع الحرية, والبلطجة الروسية سيكون مصيرها الخسران المبين, واسألوا جبال أفغانستان فهي تنبئكم عما كان و ما سيكون. و العاقبة للأحرار والمتقين.

تساؤلات برسم الاتفاق الأميركي الإيراني
أكرم البني/الحياة/04 تشرين الأول/15
مع تصاعد المؤشرات عن بناء إطار تفاهم بين أميركا وإيران يمهد لإبرام اتفاق دائم يطوي ملفها النووي وصفحة من الصراع امتدت لعقود من الزمن، تثار جملة من التساؤلات عما يمكن أن ترثه المنطقة بعدئذٍ. هل يرسم هذا الاتفاق، إذا تم، أفقاً جديداً في الشرق الأوسط، عنوانه صفقة أميركية إيرانية لتقاسم النفوذ الإقليمي، تتنازل بموجبها واشنطن عن حصة لطهران في ضمان استقرار المنطقة لقاء التخلي عن برنامجها النووي؟! أم أن الثمن لن يتعدى تلبية حاجة إيران الماسة لفك الحصار المفروض عليها، كي تعالج تدهور أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية وتلتقط أنفاسها لتتمكن من هضم ما حققته من تمدد في عدد من البلدان العربية؟!. إذا كان أمراً مفسراً أن تتمسك إدارة البيت الأبيض بنهج التخلص من تركة التدخل العسكري الثقيلة في الصراعات الدولية، ومن الآثار السلبية الناجمة عن حربي العراق وأفغانستان، فهل يسوغ ذلك ما نلمسه من انقلاب جذري في دورها وانتقاله من عارضة توازن إلى أخرى، من سياسة تدخلية نشطة رافقت عهد الرئيس بوش، إلى انكفاء بليد وبحث عن مكاسب أنانية في عهد أوباما؟!. وإذا كان أمراً مفهوماً ربط تفرد البيت الأبيض في المفاوضات الجارية وإصراره على إنجاحها، بحسابات استراتيجية غرضها فك ارتباط إيران بروسيا والصين وضمان تعاونها في مواجهة التطرف الجهادي، فماذا عن الحلفاء الأوروبيين؟! وماذا عن مصالح دول صديقة، عربية وإقليمية، تتعرض لأضرار متنوعة جراء ازدياد النفوذ الإيراني في المنطقة؟! ثم أين قيم الديموقراطية ومبادئ حقوق الإنسان التي طالما روجت لها الولايات المتحدة، أمام استهتارها المشين بما يخلفه العنف المتمادي في غير بلد عربي؟! وكيف تفسر المغانم الوفيرة التي يمكن أن تجنيها الشركات الأميركية من السوق الإيرانية بعد رفع العقوبات الاقتصادية؟!. وفي المقابل، أليس واضحاً أن الملف النووي عند القيادة الإيرانية هو مجرد ورقة ضغط لانتزاع اعتراف دولي، وبالأخص من الولايات المتحدة، بما حققته من مكاسب إقليمية؟!. وأليست هي حقيقة، محاولة طهران استثمار التعاون المشترك مع الغرب ضد الإرهاب الجهادي لتسويغ إدارتها للصراعات في اليمن والمشرق العربي وحث واشنطن على التشارك في تفكيك الأزمة السورية بارتباطاتها وتشعباتها، وبما يحافظ على النظام كأهم حلقة من حلقات نفوذها، لتبدو تصريحات كيري المرنة تجاه النظام السوري كأنها استجابة لمسار المفاوضات الجارية مع طهران؟!.
ربما يؤدي النجاح في طي المشروع النووي الإيراني إلى لجم سباق تسلح مكلف للجميع وفتح الباب أمام نوع من الصراعات السلمية والتطبيع وإزالة التوتر، وربما يفضي إلى انسحاب طهران من دور عسكري مباشر فرض عليها نتيجة ضعف الحلفاء كما في حالتي العراق وسورية، وتالياً إبعاد شبح الحروب عن منطقة حبلى بنزاعات مستمرة وقديمة دفعت الشعوب العربية ثمنها دماً وتراجعاً تنموياً واقتصادياً، لكن من يضمن أن لا يفضي ذلك إلى العكس، إلى تعزيز الغطرسة الإيرانية وتشجيعها على مزيد من تحقيق النفوذ الإقليمي عبر تصدير الثورة وتوسل لغة القوة والعنف ومنطق كسر العظم، مطمئنة إلى حياد الموقف الغربي وإلى أن ما تقوم به لن تعترضه مساءلة أو حصار، ومستقوية بحنين إلى ماضٍ إمبراطوري بدأت رائحته تفوح من خلال تصريحات واضحة لغير مسؤول إيراني، دون اهتمام إن أفضى ذلك إلى زج شعوب المنطقة في حروب استنزاف مذهبية يخطئ من يعتقد أنها سوف تنتهي بسهولة؟!.
والحال، هل تكون إحدى نتائج التسوية الأميركية الإيرانية، شحذ التوتر المذهبي والطائفي الذي يكاد يشكل الوصفة الأمثل لحروب أهلية ونزاعات طويلة في غير دولة عربية، وما قد تخلفه من ضحايا ودمار واضطرابات؟! أم تؤدي إلى انحسار الصراع المذهبي، وفتح الباب لإعادة السياسة إلى موقعها الطبيعي ولإجراء مراجعات نوعية جوهرها تشجيع الإصلاح الديني والبحث عن خيارات فكرية وبرنامجية تدحض الصراعات الطائفية المتخلفة وتتطلع إلى رد المظالم وضمان الحقوق عبر مجتمع المواطنة والديموقراطية؟!.
وأخيراً، ماذا عن تأثير هذا الاتفاق إن أبرم، على الجانب الإيراني وعلى المعادلة السياسية الداخلية وما يرتبط بها من توازنات، هل سيتقوى التيار المتشدد ومراكز القوة الهجومية على حساب التيار الإصلاحي أم يسحب البساط من تحت أقدام جماعات التطرف والعنف لمصلحة التعاطي السياسي والمدني؟! واستدراكاً، ألن تغدو إدارة الرئيس حسن روحاني، بمجرد توقيع الاتفاق النووي، أكثر جرأة واستعداداً لمعالجة قضايا حقوق الإنسان، مثل أوضاع معتقلي الرأي وحقوق الأقليات وحقوق المرأة وحريات الصحافة وغيرها؟! أولا يفضي الانفتاح على الغرب ورقابة وسائله الإعلامية إلى كف اليد القمعية وخلق دينامية ترجح كفة الاعتدال في الحياة السياسية على حساب المتشددين الذين سيقفون وجهاً لوجه أمام انفلاش جوف المجتمع الإيراني بأزماته المتعددة، وقد فقدوا آليات التعبئة والتحشيد ضد الشيطان الأكبر ومن أجل بناء قدرة عسكرية نوعية؟!. ويبقى السؤال في عصر أفول الإمبراطوريات، هل تتكرر النتائج التي حصلت للإمبراطورية السوفياتية بعد أن أنهكتها التدخلات العسكرية في غير مكان، وأجج أزماتها خيار التعايش السلمي ووقف سباق التسلح، أم أن الأمور، ومع حفظ الفوارق، ستأخذ مساراً مختلفاً في التجربة الإيرانية، في حال امتلكت قدرة تفوق قدرة الاتحاد السوفياتي لاحتواء صراعاتها الداخلية وتحويل نفوذها الإقليمي من عبء ثقيل عليها إلى سند لها؟!. إن ما سبق مجرد تساؤلات تثار بطرق مختلفة في مجتمعات لا يزال التخلف والقهر يكبلانها، ولا تزال مصالح الطامعين الأنانية والضيقة تنهش لحمها، وما كان يمكن أن تصل إلى ما وصلت إليه من ضعف وتفكك لولا تغييب دور البشر والاستهتار بأرواحهم والتنكر لحقوقهم بصفتهم مواطنين أنداد وذوات حرة يملكون حظوظاً متساوية في الحرية والكرامة والاجتهاد والمشاركة، بغض النظر عن اللون والجنس والعرق والمعتقد.