عبد الرحمن الراشد: تفادي الصدام السعودي الإيراني/طارق الحميد: لا ترقصوا على إيقاع بوتين وخامنئي/فـؤاد مطـر: لو تصرَّف المرشد والسيد كما فعل الرئيسان الروسي والصيني

337

تفادي الصدام السعودي الإيراني
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/04 تشرين الأول/15
هذه أعلى درجة من التوتر بين الجارتين السعودية وإيران، منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وذلك قبل 27 عامًا. وليس عسيرًا على المتابع أن يتفهم دوافع القلق السعودي من إيران. فهي تتمدد حتى أصبحت توجد عسكريًا في محيطها، شمالاً في العراق وجنوبًا في اليمن، وجماعاتها تنشط كمعارضة في البحرين شرقًا، وتدير القتال مباشرة في سوريا. إيران تستثمر الكثير من رجالها وأموالها في مشروع يبدو هدفه محاصرة دول الخليج. ولولا هذا التوتر ما حولت القيادة الإيرانية بأعلى مستوياتها، المرشد الأعلى والرئيس روحاني، حادثة التدافع في موسم الحج إلى قضية وصعدتها سياسيًا. فالحج منطقة تزاحم، ووقوع حوادث فيه محتمل بوجود مليونين ونصف المليون حاج في المشاعر الدينية المحدودة المساحة والزمن. والهدف من ذلك تحريض الشعب الإيراني وتبرير نشاطات الحكومة الإيرانية في الخارج. والاحتجاج الإيراني الآخر هو ضد ما تسميه بـ«الحرب العسكرية السعودية في اليمن»، مع أنه تدخل جاء بموافقة كل أعضاء مجلس الأمن، وبمساندة عشرات الدول الإسلامية. إيران وجدت أن استثمارها في دعم المتمردين الحوثيين، وهم جماعة صغيرة، يتبخر بعدما كانوا قريبين من الاستيلاء على الحكم، وحكم اليمن، عندما قاموا بتنفيذ انقلابهم واعتقال رئيس الجمهورية الشرعي. وقد قطع «التدخل السعودي» الطريق على الإمدادات العسكرية الإيرانية بحرًا، وجوًا، بإغلاقه ميناء الحديدة، وقصف مدرج مطار صنعاء، والاستعانة بالبحرية الأميركية لفرض رقابة بحرية ضد المدد من إيران. وفي سوريا، أيضًا، هناك صدام غير مباشر، حيث تقود قوات الحرس الثوري الإيراني مباشرة ميليشيات جلبتها من العراق ولبنان وأفغانستان، تقاتل جميعها نيابة عن نظام بشار الأسد. وقد تسببت في ارتكاب أكبر مأساة عرفتها المنطقة، ربع مليون قتيل واثني عشر مليون مهجر ومشرد. أما العراق، فإنه في طور التحول إلى نقطة تماس ثالثة، وبالغة الخطورة، بعد أن أصبحت الهيمنة الإيرانية واضحة على الحكم في بغداد، وقيادات الحرس الثوري تقاتل في محافظات عدة.
تزايد شهية الحكومة الإيرانية لنشر نشاطاتها في منطقة الشرق الأوسط يخالف كل الفانتازيا التي تحدث عنها الأميركيون، من أن الاتفاق النووي مع الغرب سيحول إيران إلى دولة تلتفت إلى أوضاعها الداخلية، وتتخلى عن مغامراتها الخارجية، وستسعى للتعاون من أجل الانفتاح الاقتصادي وتطوير خدماتها لمواطنيها. الذي يحدث عكس ذلك تمامًا. والحرارة المرتفعة جدًا في علاقات السعودية بإيران تنذر بالخروج عن السيطرة، ما لم يسعَ البلدان إلى وضعها في إطارها، كما تقتضي العلاقات والأعراف بين الدول. وقد زاد من توجس دول المنطقة من إيران الاتفاق النووي، لأنه يرفع العقوبات العسكرية والاقتصادية، ليتفاعل سلبيًا فيزيد الخلاف والتراشق الدبلوماسي والإعلامي. لكن تزايد التوتر يستوجب تحسين وسائل التواصل وليس العكس، من أجل محاولة فهم أسبابها ودوافعها وإلى أين يمكن أن تتجه. ونتوقع أن يستمر الخلاف الإقليمي في اليمن والبحرين والعراق وسوريا وغيرها، وستصاحبه نعرات طائفية، لكن لن يكون سهلاً إطفاء الفتن الدينية بعد إنهاء الخلافات السياسية. لكن يفترض ألا يخرج التوتر عن سيطرة الطرفين.

 

لا ترقصوا على إيقاع بوتين وخامنئي
طارق الحميد/الشرق الأوسط/04 تشرين الأول/15
نعم تغيرت قواعد اللعبة في سوريا بعد الغارات الجوية الروسية، والسؤال الآن: كيف يمكن  التعامل مع هذا الواقع الجديد؟ الأكيد أنه مهما حقق الروس الآن من نتائج فإنها آنية، وستتبخر، وهذا ليس تفكيرًا رغبويًا، وإنما هناك ما يسنده. التدخل الروسي، والمشاركة الإيرانية لنصرة مجرم محسوب على أقلية، وهذا توصيف لواقع وليس شحنًا عاطفيًا، من شأنه تأجيج الطائفية، والتطرف، ولن يكون بمقدور روسيا أو إيران الانتصار على مخزن السنة، وهذا ليس تفاخرًا بالنزعة السنية بقدر ما هو تحذير من إشعال جذوة التطرف التي أشعلها الروس الآن عمليًا. ولذا فمن المهم التساؤل الآن حول ماهية ردة فعل دول المنطقة، الجادة، وحلفائها الغربيين، وعلى رأسهم أميركا، الراغبين في دعم الشعب السوري، ووضع حد للضربات الروسية – الإيرانية على سوريا؟ نتحدث أولاً عن منطقتنا، حيث من المهم أن لا تكون ردة الفعل عاطفية، أو انفعالية، بحيث لا اندفاع ولا انكفاء. من المهم الآن، عربيًا، أن تكون هناك غرفة عمليات تضم العرب الجادين بنصرة الشعب السوري، ومعهم حلفاؤهم، وتعمل على فرز المعارضة جيدًا، وتركز تحديدًا على الجيش السوري الحر، تدريبًا وتسليحًا نوعيًا بمعنى الكلمة. وقد يقول قائل وهل بقي شيء من الجيش الحر؟ حسنًا، قليل من التبصر.. اليوم وبعد الضربات الروسية الجوية التي طالت المعارضة، والجيش السوري الحر، تحديدًا، خرجت بريطانيا، وأميركا، محذرتين من المساس به.. أميركا التي كان يقول رئيسها إن الجيش الحر هو عبارة عن مزارعين وأطباء، الآن تحذر إدارته من المساس به، وتتعهد بدعمه! ولتأكيد أن ما نطرحه ليس تفكيرًا رغبويًا، فقد أخطأ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خطأ الشاطر، ويجب أن يدفع ثمنًا حقيقيًا، حيث صرح قائلاً إن بلاده لا تستهدف الجيش الحر، بل يجب أن يكون جزءًا من الحل السياسي. وليكن ذلك! وعليه يجب الآن دعم الجيش الحر وتدريبه، وتسليحه، بأسرع وقت، وتسهيل وانتظام تمويله للتأكد من انضمام أكبر المجموعات إليه، وبالتالي، وهذا أمر واجب وحتمي، عدم الانزلاق في دعم أي مجموعات راديكالية متطرفة، ومهما كانت درجة الغضب الآن. والأمر لا يقف عند هذا الحد، فالواجب على العرب الآن الإصرار على الغرب، وتحديدًا أميركا، بضرورة تسريع، وتفعيل، دعم الجيش الحر، وضرورة سرعة مباشرة فرض مناطق آمنة محظورة الطيران في سوريا، حول الحدود التركية والأردنية، وغيرها، وبذلك يساهم المجتمع الدولي بالحد من تدفق اللاجئين، ومنع سقوط المناطق المحررة من الوقوع بيد الأسد مرة أخرى، وكذلك تشجيع المقاتلين المجبرين على الانضمام لـ«داعش» على الانسحاب منه، والانضمام لصفوف الجيش الحر. ومهما بدت هذه الاقتراحات باردة إلا أنها عملية، ومن شأنها إعطاء الروس درسًا قاسيًا، وكسر لطوق روسيا وإيران اللتين تعتقدان أن بمقدورهما العبث بمنطقتنا، وأمننا. يجب أن يكون الرد قاسيًا، لكن ليس بالرقص على إيقاع بوتين وخامنئي.

 

لو تصرَّف المرشد والسيد كما فعل الرئيسان الروسي والصيني
فـــؤاد مطـــر/الشرق الأوسط/04 تشرين الأول/15
انتهى موسم الحج الذي كنا نتمنى أن ينتهي على نحو ما يريده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مبروراً لكل آتٍ من فج عميق، يحل ضيفاً على بقاع مقدسة ويَلقى خير عناية، ويعود كل حاج إلى بلده حامداَ شاكراً ممتناً. الشكر لله، والامتنان للقيادة السعودية الرشيدة التي وضعت كل الإمكانات التي توفر الراحة والأمان والسلامة للمليون ونصف المليون مسلم الآتين من بلاد العالم، لتأدية الفريضة التي تصادف للمرة الأولى في ظل الملك سلمان بن عبد العزيز وقد بات خادماً للحرمين الشريفين وملكاً سادساً بين أبناء الملك المؤسس عبد العزيز الذي حلت قبل أسبوع من بدء موسم الحج الذكرى الخامسة والثمانون ليوم تأسيسه المملكة الصامدة. والذي يحدث أن كل ملك، يحرص على إضافة المزيد من الاهتمام لما سبق أن حققه إخوانه من قبل وبالذات منذ أن بدأت مشاريع التوسعات والتطوير مع الملك فهد بن عبد العزيز ثم تَزايَد التطوير في زمن الملك عبد الله رحمة الله عليهما، وها هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يضيف المزيد من التطوير. وإستناداً إلى ما ينويه ويتطلع إليه، فإن هنالك الكثير في برنامجه من خُطط التطوير للأماكن المقدسة، ويسعى الملك سلمان جاهداً إلى أن يؤدي خير واجب كخادم للحرمين الشريفين المحاطين بكل اهتمامه مثل اهتمام إخوانه الذين سبقوه.
وعندما يكون هذا هو الحرص، الذي هو ديدن هذا الإنسان المرهف إيماناً وإخلاصاً لأمتيه، فإن المرء يستهجن أن يكون هنالك مَن لا يتوقف عند الإنجازات المبهرة التي تحققت للحرمين الشريفين ملكاً بعد ملك، وإنما عند حادثة قضى فيها عشرات من الحجاج بين قتيل وجريح بفعل التدافع وحالة الازدحام، وعدم تقيد بعض الحجاج بالضوابط في أمور الحج المليوني.
وهؤلاء الذين سارعوا إلى تسجيل اللوم والغيرة على أرواح الناس، يعيش بعضهم حالة ضيق في النفس، لأنه نتيجة تعكيره صفو العلاقات لا يحج كما بقية المؤمنين، ولا حتى يؤدي العمرة، وفي الوقت نفسه يطلق للسانه العنان لكي يقول من غليظ الكلام، ما لا يُستحَّب قوله، فضلاً عن أن هذا الكلام الذي قاله بالذات المرشد الإيراني علي خامنئي يندرج ضمن الهدف البعيد المدى للمشروع الإيراني، وهو وضْع اليديْن أو إحداهما على الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. أما الذي يقوله الأمين العام ﻠ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، فلا يعدو كونه تناغماً مع كلام المرشد. وعندما لا يجد المرشد ما يقوله إزاء حادثة «منى» الناشئة عن التدافع سوى عبارة «إن للعالم الإسلامي الكثير من التساؤلات، وعلى حكام السعودية الإقرار بالمسؤولية، وعدم التنصل من مسؤولياتهم عن الكارثة بتوجيه الاتهامات للآخرين والمبادرة للاعتذار من العالم الإسلامي» فإنه بذلك يوظِّف بطلقات كلامية، حادثة يمكن لدواعي الازدحام والتدافع حدوثها، للكيد من السعودية رداً على إفشالها المخطط الحوثي في اليمن. وكان مأمولاً أن يأخذ المرشد وبالتالي السيد حسن في الاعتبار تلك العناية الصحية للألوف الذين يؤدون الفريضة والتسهيلات والسهر على تأمين راحة الحجاج وتنقلاتهم، وكذلك التوسعات المستمرة والقطار السريع بين المشاعر.
وأما دعوة السيد حسن نصر الله إلى «لجنة تحقيق»، وإبداء الأسف على حادثة تدمي القلوب، فإنه لا أحد يزايد على الملك سلمان بن عبد العزيز في مشاعره الإنسانية قبل كل شيء، وفي موضوع التحقيق البعيد عن المسايرة في أي حادث مأساوي يحصل مثل حادثة سقوط الرافعة، أو حادثة تدافُع ألوف الحجاج في منى من دون مراعاة السير بهدوء المؤمنين. وما نقوله تعليقاً على ما سمعناه من مرشد إيران علي خامنئي سمعْنا مثيله من نائب رئيس «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي المحافظ الحاكم في تركيا، الذي قال إن تركيا «يمكن أن تُنظَّم الحج بشكل أفضل من السعودية، ومن دون أن يصاب أحد بأذى …» مضيفاً القول «هل يمكننا أن نتحدث عن القضاء والقدر في ما يحدث»؟ وكما الغرض الإيراني من هذا التصويب على السعودية حاضنة الحرميْن الشريفين في معرض «الحزن الذي يدمي القلوب» ومن دون توقُّف الحزن المفتعَل على الذين قضوا وستعوِّض المملكة ذويهم بما يخفف من وطأة الحزن، وعلى الذين يتلقون أفضل العلاج في المستشفيات السعودية، وبحيث يعودون في كامل التعافي والشكر لله على ما أراده لعباده، فإن الغرض التركي المجتزأ واحد. الإيراني عينه على الحرميْن، والعثماني «الإخواني» يأمل تكحيلاً للعينيْن بأن يكون جزءاً من حماة الحرميْن، وهو الذي كاد يضيِّع مصر وأزهرها على نحو التضييع الإيراني – الروسي – الداعشي لسوريا. لقد كان المسلمون حيث هم في بلاد الله، يتمنون لو كان المرشد خامنئي والسيد حسن ومعهما التركي المغرِّد خارج سرب حزبه، تصرفوا كما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ ومئات المسؤولين في حكومات دول إسلامية ودول أجنبية، الذين هزت مشاعرهم الحادثة المأساوية فأبرقوا معزين خير تعزية إلى الملك سلمان الذين يعرفون ضمناً أي اهتمام يبديه ومِن قَبْله إخوانه وشعب المملكة تجاه ضيوف الرحمن. ولو أن اتصالاً هاتفياً تم أو برقية تعزية أُرسلت لكان ذوو الحجاج الذين قضوا، أو أولئك الجرحى منهم مرتاحين أكثر من كلام البغضاء والتشفي.
وفي نهاية الأمر لا يصح إلاَّ الصحيح. وهذا واجب كأنه فريضة يؤديها أبناء الملك عبد العزيز خير تأدية من سهرهم على راحة الحجاج.