إياد أبو شقرا: رياض الصلح لو التقى باراك أوباما/حسين شبكشي:مهرج الضاحية/علي الحسيني: ماذا يخبّئ حزب الله وراء أكمة تهديد المستقبل

276

رياض الصلح.. لو التقى باراك أوباما
إياد أبو شقرا/ الشرق الأوسط/04 تشرين الأول/15
تابعت كما تابع غيري كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما، يوم أول من أمس في البيت الأبيض، تعليقًا على العمليات العسكرية التي ينفذها سلاح الجو الروسي في سوريا. وانتقاده رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التمييز بين «داعش» والمعارضة السورية المعتدلة، معتبرًا خطوة موسكو التصعيدية «وصفة كارثية العواقب». ما استوقفني في كلام أوباما اللهجة التي كان يتكلم بها وأسلوبه التحليلي الهادئ البارد، الذي يبدو أكثر ملاءمة في حلقة لطلبة الدراسات العليا في جامعة هارفارد منه إلى كلام رئيس «قوة عظمى» يجب أن يكون لديه استراتيجية حقيقية في إحدى أكثر مناطق العالم توترًا والتهابًا.
لقد بدا أوباما محللاً أكاديميًا يجيد التشخيص، لكنه لا يكترث بطرح العلاج، ولدى التعامل مع حضور عسكري روسي في أزمة ملحّة متعدّدة الأوجه كالأزمة السورية، بدا أنه لا يعد لردة فعل عملية. كلمة الرئيس الأميركي المستفيضة التي لا تسمن ولا تغني من جوع أعادت إلى ذاكرتي إحدى المرويّات الممتعة التي سمعتها من جدّي، رحمه الله، عن واقعة حدثت في لبنان عند احتدام أحد الانتخابات الرئاسية في النصف الأول من القرن العشرين بين الزعيمين المارونيين الشيخ بشارة الخوري زعيم الكتلة الدستورية وإميل إده زعيم الكتلة الوطنية. ولقد نجح كل منهما في تولّي الرئاسة في فترة ما.
في أيام الخير تلك، بعكس أيامنا البائسة هذه، كانت في لبنان رئاسة جمهورية وانتخابات رئاسية. وكان الأقطاب والساسة يتحاورون ويتجادلون ويحترم أحدهم الآخر. وكان المرحوم الرئيس رياض الصلح، رئيس الوزراء الأسبق وأحد نوابغ السياسة اللبنانية وأكثر أقطابها ذكاء وحلمًا وظرفًا وسرعة بديهة، يدير حملة انتخاب حليفه الشيخ بشارة. وعندما اتضح له أن نسب الأصوات متقاربة، وأن حسم المعركة قد يتوقّف على صوت أو اثنين من أصوات النواب جنّد كل إمكانياته لكسب كل صوت مهما كان الثمن. وكلّف أحد نواب الكتلة – وأذكر أن اسمه أمين – الذهاب إلى منطقة البقاع لإقناع الزعيم البقاعي إلياس طعمة السكاف، نائب زحلة وزعيم المدينة المسيحية الكاثوليكية الكبيرة، بالتصويت للشيخ بشارة. وفعلاً، غادر النائب بيروت إلى مدينة زحلة للقاء السكاف وإقناعه. وبعد بضع ساعات عاد إلى منزل الرئيس الصلح الذي كان يغصّ بالنواب والمناصرين والصحافيين، فبادره الصلح: خير إن شاء الله يا أمين بك؟ ماذا حصل معك؟ فبدأ النائب السرد على طريقة أوباما. فقال: والله، يا رياض بك، اجتمعت بإلياس بك، وقلت له إن الشيخ بشارة رجل وطني وعظيم، وإن البلد بحاجة إلى أمثاله. وقلت له إن الشيخ بشارة صديقٌ صدوقٌ ورجل مواقف شهم.. لا يخشى في الحق لومة لائم.. فقاطعه رياض الصلح: برافو، يا أمين بك، وماذا بعد؟وأكمل النائب: وقلت له أيضًا إن الشيخ بشارة محترمٌ محليًا وعربيًا ومقبول دوليًا.. كما أنه محبوب من كل اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق و… ومجدّدًا قاطعه رياض الصلح: شكرًا يا أمين، كلامك دُرر، ولكن ماذا بعد؟ واستطرد النائب: وقلت له إن الشيخ بشارة وفيّ ومخلصٌ لا ينسى من يقفون معه، وهو أيضًا مجرّب في المُلمّات وصاحب خبرة سياسية وقانونية و… وهنا طفح الكيل برياض الصلح فهتف: يا أمين بك.. فهمنا ما قلت له، لكن يهمّني أن أعرف ماذا قال إلياس السكاف؟ فأجاب النائب: والله يا رياض بك، قال لي إنه سبق له التعهّد لإميل إده بتأييده ولن يغيّر موقفه.
عندها ابتسم رياض الصلح بمرارة، وقال: كثر الله خيرك يا أمين بك، يللا يا شباب لنذهب ونهنئ إميل إده! هذه الواقعة تصدق تمامًا على حالة سوريا اليوم بين كلام أوباما المنمّق وتحليله البليغ الذي يأتي بعد أربع سنوات ونصف السنة من البيانات والتصريحات والتهديدات والاستنكارات، وفعل بوتين على الأرض.. «فيتوهات» في مجلس الأمن، وجسرًا جويًا لنقل السلاح، وتحالفًا نوويًا مع إيران، وأخيرًا.. مشاركة مباشرة في القصف الجوي لدعم نظام الأسد والميليشيات الإيرانية مستهدفًا مواقع سيطرة المعارضة المعتدلة.
حتى وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أعلن بالأمس أن «خمسة في المائة فقط من الغارات الجوية الروسية استهدفت مواقع (داعش)، بينما انصب الباقي على مواقع المعارضة المعتدلة»، ومنها مواقع يحاصرها النظام منذ سنوات في ريف حمص الشمالي الغربي، وذلك لتسهيل مهمة النظام باستعادتها. وتابع الوزير فالون أن الاستخبارات البريطانية لاحظت أن معظم الغارات «قتلت مدنيين». معلوم أن موسكو لم تتردد مطلقًا في القول إنها تنسّق مهامها مع قوات النظام «الشرعي» وتستقي منه بعض معلوماتها الميدانية، وهذا بعد إعلان بوتين نفسه «أن لا فرق بين داعش وأي من فصائل المعارضة المسلحة». وبالأمس، أيضًا بينما كان الرئيس الأميركي يشخّص ويحاضر ويحلّل، كانت مصادر حكومية في موسكو تعلن أن القصف سيستمر لأربعة أشهر! طبعًا، ثمّة من يقول إن لدى واشنطن استراتيجية تنتظر الوقت الملائم لإعلانها أو البدء بتطبيقها. كذلك، سمعت وقرأت أن واشنطن تسعى لتوريط موسكو في مستنقع الشرق الأوسط وتحويله إلى «أفغانستان ثانية» لبوتين هذه المرة. وقد يكون مثل هذا الكلام صحيحًا، لأن سياسة التغافل الحالية أسوأ وأغبى من أن تصدق، بدليل الاعتراف المذهل من الجنرال لويد أوستن، قائد القيادة الوسطى الأميركية، بأن استثمار 500 مليون دولار في تأهيل مقاتلين من المعارضة السورية المعتدلة أثمر تأهيل أربعة أو خمسة مقاتلين فقط! وعلى مسافة ليست بعيدة في «لا معقولية» المقاربة الأميركية «اكتشاف» الرئيس أوباما أنه «لولا الدعم الروسي والإيراني لكان نظام الأسد قد سقط»! بعد أربع سنوات ونصف السنة، مؤسف جدًا أن يجد الرئيس الأميركي حاجة، أصلاً، لقول مثل هذا الكلام البديهي.. وهو الذي عقد للتو صفقة نووية مع ملالي إيران. وأما عن توريط بوتين بـ«أفغانستان ثانية»، فمن المستحسن تذكير واشنطن بما أنتجته لها وللعالم الـ«أفغانستان الأولى»!

 

ماذا «يخبّئ» «حزب الله» وراء «أكمة».. تهديد «المستقبل»؟
علي الحسيني/المستقبل/04 تشرين الأول/15
بشكل غير اعتيادي وعلى نحو مُفاجئ، تبدلت اهتمامات «حزب الله» في لبنان والمنطقة، وتحولت أولوياته من الاستعداد الدائم والمستمر لحروب مرتقبة مع إسرائيل في شقّيها العسكري والأمني، إلى هجوم مركز ومتواصل ضد أبناء وطنه وتحديداً القوى الاستقلالية التي سقط لها على طريق الدفاع عن سيادة البلد في وجه المشروع الذي لا يزال يحمله الحزب، عشرات الشهداء وما زالت تتحمل تبعاته بتهديدات تتوزّع من السياسي إلى الجسدي.
لم تعد هناك محرمات سياسية يمكن أن يركن اليها «حزب الله» في طريقة تعاطيه مع خصومه السياسيين، ومع سقوط هذه المحرمات الناتجة عن سقوطه العسكري المدوي في سوريا، بدأ يبحث عن موقع جديد يُمكن أن يُعيد اليه البريق الذي فقده نتيجة انغماسه في هذه الحرب والتي تكبد خلالها ما لا يقل عن ألف عنصر بينهم أكثر من 300 سقطوا فقط في «مستنقع الزبداني»، وهو الذي ذهب إلى تلك الحرب من دون العودة إلى الدولة التي يتباكى اليوم على حكومتها ومؤسساتها بعدما أفرغها من قيمتها ورمزيّتها وبعدما حوّلها إلى بازار متنقل لتحقيق مكتسبات في المواقع وعلى الأرض.
من يتابع تصريحات قادة الحزب المستمرة ضد تيار «المستقبل» والآخذة بالانعكاس على جمهوره وبيئته بشكل سلبي وسيّئ، لا بد وأن يشعر تماماً بأن ثمة ما هو أبعد من مجرد اختلاف سياسي يمكن أن يصل في بعض جوانبه إلى حد الاغتيال الجسدي، وهو أمر واضح يظهر من خلال لغات التخوين والارتهان والعمالة للخارج، التي بات يفرد لها مساحات واسعة في إعلامه ولا يوفّر مناسبة عزاء أو فرح إلا ويستغلّها بأبشع صورها وكأن المطلوب تهيئة الظروف الفعلية للانقضاض على شركاء الوطن للتخلص منهم بأي وسيلة وبكافة الطرق.
هجوم نواب وقادة «حزب الله» المنظم ضد «المستقبل» والمندرج ضمن مخطط يهدف الى ضرب الاستقرار في البلد وإلى منع قيام الدولة ومؤسساتها وفي طليعتها رئاسة الجمهورية، بات يستوجب طرح مجموعة أسئلة حول الأهداف المبهمة والمخفية التي من أجلها يصوّب الحزب سهامه المسمومة. ماذا يريد الحزب من وراء هذه الهجمة الشرسة وإلى أين يُريد أن يصل بها وما هي المكتسبات التي يسعى إلى تحقيقها خصوصاً بعدما وصل شق كبير من تهديداته إلى حد المس بكرامة الشهداء؟، وهو الذي يُقيم الدنيا ولا يُقعدها لمجرد الاعتراض على قتله أطفال سوريا.
ومن منطلق أن السكوت عن اتهامات «حزب الله» لم يعد بالأمر الجائز لا سياسياً ولا أخلاقياً، فقد رد بالأمس رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة على اتهامات الحزب التي تخطت حدود اللياقة بعدما وصلت إلى حد الافتراء والتجنّي بالقول «عندما يتهم الحزب تيار المستقبل بهذه الاتهامات فإنه ينظر الى المرآة وعندما يرى ما يقوم به يرده الى الآخرين بينما هو الذي يرتكب هذه الأفعال على قاعدة «اللي فيكي حطيتيه فيي»، وقبله كتلة «المستقبل» التي أشارت إلى «دموع التماسيح التي يذرفها الحزب على حقوق الإنسان في اليمن، حلقة وحلقات التباكي الكاذب على دماء العرب والمسلمين«. ولتسأله عن «الانقلاب على إرادة الشعب اليمني وتورط الحرس الثوري الإيراني في الحروب الأهلية العربية، وعن دماء السوريين التي تُراق يومياً بآلات الحرب الإيرانية ومرتزقة بشار الأسد في الزبداني وحمص وإدلب وسائر الجهات على طول المساحة السورية وعرضها؟«. لكن بدل أن يركن الحزب إلى لغة الأدب والتعقل والاستعاضة عن مراجعة مواقفه بدل الاستمرار في لغة الكذب، راح يتهدد ويتوعد وكأن هناك أمراً قد صدر من غرفه السوداء، للذهاب أبعد من مجرد الكلام ولغة رفع الأصابع.
يبرع الحزب في تبديل الأدوار المُسندة اليه وفي اللعب على مخارج الحلول لأزماته بقدر ما يُجيد قلب الحقائق وحرفها، ويبرع أكثر في تقمص شخصية الضحية وفي تنصله من واجباته وارتكاباته على حد سواء. يجد الأعذار لقتله الأطفال وإحراق مدن وقرى بأمها وأبيها. يحتل أراضي في دول شقيقة كما هو حال ربيبه الإيراني، فيخرج ليُعلن أنها ضمن سياسة الدفاع عن العتبات المقدسة وحماية الحدود، لكنه يقف عاجزاً اليوم عن الرد على تساؤلات وانتقادات حول التنسيق الميداني بينه وبين إسرائيل في سوريا والقائم برعاية دولية من بينها إيران.
مع بداية إظهار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، نتائج عملها الدؤوب طيلة سنوات إلى العلن وبعد اقترابها من إعلان وتحديد الجهة المتورطة بقضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أعلنت استنادها إلى معلومات ومعطيات ارتكزت من خلال التحقيقات إلى الظروف السياسية التي كانت سبقت عملية الاغتيال بفترة وجيزة، إن في مرحلة التحريض ضد شخص الرئيس أو من خلال الحملات المنظمة التي قادها النظام الأمني السوري اللبناني يومها. واليوم لا بد من النظر إلى تهديدات «حزب الله» باتجاه فريق محدد، على أنها تُشبه المرحلة التي سبقت اغتيال الحريري قبل أن تصل إلى مرحلة الاغتيال الجسدي.

 

مهرج الضاحية
حسين شبكشي/الشرق الأوسط/04 تشرين الأول/15
أخرج لبنان نماذج مميزة وناجحة ولافتة ومهمة من الكوميديانات والشخصيات الساخرة.. شخصيات تمكنت من نقش وحفر أسمائها في الوجدان والذاكرة وزرعت الضحكة وانتزعت الابتسامة من الملايين من المتابعين. والأسماء تتحدث عن نفسها، فمن الأسطورة الساخرة نجيب حنكش المعروف بشكله المميز وقفشاته اللاذعة، إلى صلاح التيزاني الذي اشتهر باسم «أبو سليم» وكان رمزًا للفكاهة البيروتية، ومحمود مبسوط ابن طرابلس المعروف باسم «فهمان»، وطبعا كان معه زميله عبد الله الحمصي المشهور بـ«أسعد» وكوّنا ثنائيًا رائعًا. ولا يمكن نسيان الفنان الكوميدي الاستثنائي أسطورة الكوميديا المسرحية اللبنانية حسن علاء الدين المعروف بـ«شوشو» صاحب الشوارب الكبيرة والجسد النحيل، وهناك فيلمون وهبي ووسيم طبارة وضاحك الليل المونولوغيست إيلي أيوب وماريو باسيل الكوميديان المتألق.. كل هؤلاء وغيرهم بطبيعة الحال ساهموا في أن ينشروا الضحك والسخرية بشكل حرفي مميز.
ولكن لبنان لا يزال مصدرًا مهمًا لإنتاج المواهب والكوادر الكوميدية الاستثنائية، ولعل الأبرز على الساحة هو حسن نصر الله المعروف باسم «مهرج الضاحية»، وهو شخصية في الحقيقة لها دور آخر وهو زعامة تنظيم إرهابي مجرم اسمه «حزب الله»، ولكنه تحول مع الوقت إلى كوميديان لبنان، بل العالم العربي، الأول وله جمهوره الذي يشاهده على شاشة التلفزيون الذي يملكه (وهي ميزة مهمة تجعله في محل منافسة أهم وأكثر تميزًا لأن منافسيه في الكوميديا لا يملكون هذه الميزة)، وتمكن الجمهور من معرفة «ستايل» مهرج الضاحية واندمجوا معه، فهو عاشق للبلازما والشاشات العملاقة التي تنقل اسكتشاته من أحد الكهوف في منطقة الضاحية الجنوبية ويكون واضعًا خلفه لوحة تحمل شعار إحدى المناسبات (لزوم تحميس الجمهور)، والجمهور الذي يشاهده لا يصفق ولا يضحك (فهذه موضة قديمة، استبدل بها مهرج الضاحية أسلوبًا مغايرًا هو الهتاف ورفع القبضات في الهواء) وينفعل ويقسم خلال الاسكتشات ويحتسي من عصيره المفضل.
مع كثرة الظهور لمهرج الضاحية سقط في دائرة النمطية والتكرار الممل في نفس المواضيع، ولكنه استمر في انتزاع الضحكات من كل المتابعين، لا فرق بينهم في العمر وبلد المنشأ لأن مهرج الضاحية ابتكر كوميديا عابرة للحدود بامتياز وأصبح لمتابعيه «اسكتشات» مفضلة له مثل «نحن نقاوم» و«النصر لنا في الزبداني» و«إيران لا تتدخل في الشأن اللبناني» و«لا توجد ثورة في سوريا» و«الأسد نظام ديمقراطي»، وهو بحنكة ومهارة الكوميديان المتمرس يعلم تمامًا أن هذه النوعية من الاسكتشات تلقى رواجًا لدى الجمهور فيستمر في تكرارها بشكل دوري. لقد حفر اسمه اليوم كأهم كوميديان في المنطقة، وخصوصًا مع كبر سن سمير غانم وعادل إمام وحسين عبد الرضا، فبالتالي لم يعد في الساحة سواه، وهذا حس فني لمهرج الضاحية يحسب له ولا شك. برافو حسن نصر الله.. استمر، فلقد أوجدت لنفسك مهنة أنت بارع فيها وأثبتّ حضورا غير عادي. سبحان من فضحك وجعلك كوميديانًا!