علي الحسيني: العقوبات الأميركية لا تضيّع بوصلة حزب الله/علي رباح: حزب الله والدبلوماسية الإلهية: يحقّ لإيران ما لا يحق لأي كان

265

العقوبات الأميركية لا تضيّع بوصلة «حزب الله»
علي الحسيني/المستقبل/23 تموز/15

لم يعد صراع «حزب الله» العقائدي يقتصر على دعوته فقط إلى إزالة إسرائيل من الوجود، وهو الشعار الذي رفعه منذ نشأته، بل تخطاه إلى حدود وصلت به إلى عدد من الدول الغربية والعربية تحت عنوان مقاومة «الإستكبار العالمي« لكن بطرق متعددة تختلف فيها وسائل تدخله من بلد إلى آخر. من مقاومة لمواجهة اسرائيل على الأراضي اللبنانية إلى فرق وألوية ووحدات لكل واحدة منها تسمية ومهمة خاصة خارج حدود الوطن. هذا هو حال «حزب الله» اليوم الذي اصبح يتحكم بشبكات أمنية وعسكرية و»مافيوية»، تتوزع بين الداخل والخارج يرأسها أشخاص مطلوبون للعدالة الدولية لإرتباطهم بعمليات تزوير وجرائم إرهابية، منهم القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين الذي صدرت بحقه مع آخرين منذ يومين عقوبات أميركية لمشاركتهم بالحرب السورية ودعمهم النظام السوري في حربه ضد شعبه.

اليوم يغيب «حزب الله» عن ساحة الصراع مع إسرائيل، وهي القضية الأساس التي رفعها في بداية إنطلاق مقاومته ليتفرغ لدعم حكم الرئيس السوري بشار الأسد، متخطياً بذلك أحلام وآمال الكثيرين من أبناء بيئته الذين راهنوا ذات يوم على شعاري «الموت لأمريكا» و»الموت لإسرائيل» اللذين احتل مكانهما شعار يمارسه الحزب عملاً لا قولا فقط، وهو «الموت للشعب السوري«.

من خلال الجبهات المتعددة والمتنقلة التي يسير عليها «حزب الله»، فهو يجر معه طائفة بأمها وأبيها إلى المجهول، فمرّة يغرقها بالحروب وبالدماء، ومرّات يُرهقها بتبعات أفعاله وإنعكاساتها، غير آبه بمصير جمهور عريض كان له داعماً اساسياً في الكثير من المحطات واللحظات العصيبة قبل أن يعيش اليوم غربتين، غربة البعد عن الوطن وغربة إنحراف بوصلة مقاومة عوّل عليها لعقود من الزمن في سبيل تحرير أرضه ومنزله، قبل ان تغرق في وحول الصفقات وتحوّل بعض قادتها إلى مطلوبين للعدالة الدولية، منهم بدر الدين المتهم بضلوعه بعملية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. من التفرّد بقرار الدولة مروراً بالإغتيال الكبير ووصولاً إلى العقوبات الأخيرة بحق قيادي أساسي في تركيبته العسكرية والامنية، يُصرّ «حزب الله»على منح نفسه ترخيصا حصرياً يُجيز لنفسه التفلّت من ضوابط الشرعية الدولية وتلك التي تعتبرها الدولة اللبنانية مدماكاً أساسياً لقيامها. ففي الضوابط الأولى وتحديدا في ما خص القرار الاميركي الأخير بحق القيادي بدر الدين يُشير الدكتور في العلاقات الدولية أنطوان صفير إلى أن «القرار بحد ذاته لا يحمل التأويل كونه يندرج ضمن القرارات الشكلية التي تصدرها الولايات المتحدة الاميركية بحق العديد من الأشخاص الذين تعتبرهم أخلّوا بالقوانين الدولية، خصوصاً أن من فرضت عليهم العقوبات، هم في الأصل لا يذهبون إلى اميركا ولا توجد لهم مصالح على أرضها.

وما إذا كانت تُعتبر العقوبات مُقدمة لخطوة ما يمكن ان تتخذها اميركا لاحقاً بحق الحزب، يرى أن «الموضوع بحد ذاته ليس بجديد« مستبعداً أن يكون مقدمة لخطوة ما كبيرة لأن السبب محصور بدعم الأشخاص المذكورين للنظام السوري، ولغاية اليوم لا يوجد كلام أو حلول معينة في الأفق القريب حول الأزمة السورية«. وبحسب صفير «فإن الموقف الاميركي تجاه أفراد من حزب الله لا يدخل في أساس موضوع تدخّل الحزب في سوريا، ولن تكون له انعكاسات قانونية»، مضيفاً: « الموضوع من اساسه متعلق بحل كل الازمة في المنطقة، وهذا ما سيتضح لاحقا من خلال الإتفاق الإيراني – الأميركي. أمّا النائب السابق صلاح حنين فيدخل مباشرة الى صلب الموضوع ليُعلن أنه «كان من الاوائل الذين عبّروا عن الثقة بالمحكمة الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس الحريري والتي يعوّل كثيراً على قرارها في ما يتعلق بإصدار حكمها النهائي بحق بدر الدين او غيره، ولذلك علينا إنتظار قرارها النهائي لتقول، هذا هو القاتل وقرارها سيكون صائباً وواقعياً». وبشأن العقوبات الأميركية بحق بدر الدين وآخرين، يقول حنين: « للدول الكبيرة خططها ومصالحها ورؤيتها الخاصة في بعض المواضيع وهي تتصرف وفق توجّهات سياستها، على عكسنا نحن الذين نرى الخارطة من خلال مجهر وعادة لا تكون الصورة واضحة بالنسبة الينا»، مؤكداً أنه كان أوّل من نبّه على خطورة ما يقوم به «حزب الله» يوم سلب قرار الشعب اللبناني في ما يتعلق بالسياسة الخارجية وتحديدا في مواجهة اسرائيل، وبعدها بثماني سنوات أي في ايار 2008 تنبّه الآخرون إلى خطر هذا المشروع علينا وعلى الدولة». ومع أمله في الوصول إلى حل مع «حزب الله» وتسليم الشرعية للدولة وحدها، يستعير حنين عبرا من الماضي ليؤكد حتمية الخلاص من الاوضاع الشاذّة. « الم نكن نعتبر أن خروج الفلسطيني من لبنان وبعده الإسرائيلي ولاحقاً السوري، من عاشر المستحيلات؟ الم نكن أيضاً نعتقد بإستحالة إنتهاء الحرب المذهبية اللبنانية؟ اذا لا شيء اسمه مستحيل للتخلص من الحالة الشاذة التي نعيشها اليوم على كل الصعد». ويختم بالقول «مشروع حزب الله من خارج الدولة خطر على الجميع، ومن يريد أن يشارك في مشروع الدولة فإن هذه المشاركة لا تقتصر على وجود عدد من النواب أو الوزراء في المؤسسات، بل تتعداها الى تسليمها القرار والإعتراف بشرعيتها».

«حزب الله» و«الدبلوماسية الإلهية»: يحقّ لإيران ما لا يحق.. لأي كان
علي رباح/المستقبل/23 تموز/15

كان العالم في زمان «حزب الله» فسطاطين: «المقاومون» الذين ينتفضون بوجه القرارات والقوانين الدولية باعتبارها «غطرسة غربية»، و»عملاء» إسرائيل و»الشيطان الأكبر» ممّن يرضخون لقرارات المجتمع الدولي ووصايته على شعوب المنطقة. لا تسعف الذاكرة جمهور «محور الممانعة» لتذكّر السجالات بين «حزب الله» و»14 آذار» حول «المقاومة الدبلوماسية». ففي زمن تهلّل فيه «المقاومة» لـ»الدبلوماسية الايرانية النشطة»، وتصف انجازها للاتفاق النووي مع «الشيطان الاكبر» بـ»الانتصار النموذجي»، يصبح تاريخ «مقاومة» «حزب الله» لـ»الدبلوماسية اللبنانية» وللقرارات الدولية تفصيلاً من الماضي.

«حزب الله» الذي يحتفل اليوم على أنغام «الدبلوماسية الايرانية»، وقف لسنوات طويلة بوجه «الدبلوماسية اللبنانية»، ولطالما ردّد مقولة إن «الدبلوماسية والسياسة الناعمة لا تنفعان مع المجتمع الدولي». تحت هذا العنوان، أفشل الحزب جهود الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوم زار واشنطن عام 2002، في مهمّة غاية في التعقيد، لإقناع إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بإزالة تحفّظها على إنجاح مؤتمر «باريس 2»، حيث كان لبنان يعيش ذروة تأزّم الوضع الاقتصادي بعد سنوات من حكم إميل لحود. أطلق «حزب الله» النار على اسرائيل ليصيب «دبلوماسية رفيق الحريري»، وكانت حجّته أن المقاومة لا تقبل النقاش! ارتكب رفيق الحريري «خيانة عظمى«، في نظر «حزب الله» حين تساءل عن الحكمة من إشعال جبهة الجنوب، فيما هو يلف العواصم لإخراج لبنان من أزمته. لكنّ محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، يستطيع، برحابة صدر، أن يلتقي جون كيري وصقور المجتمع الدولي، حتى ولو وعدهم بأن يبقى «حزب الله» في ساحات الحرب التي ترضي «السيّد الأميركي». في التاريخ غير البعيد، وقف «حزب الله» بوجه القرار 1559، باعتباره «قراراً صهيونياً»، ووصف يومها تيري رود لارسن، مبعوث الامم المتحدة لمراقبة تطبيق القرار بـ»المندوب السامي» وبـ»مندوب الوصاية». لا يهم إن برّر «حزب الله» فعلته بالقول «إن مقاومته للدبلوماسية اللبنانية وللقرارات الدولية، انما جاءت لحماية المقاومة وسلاحها. ذلك السلاح الذي كان من «المحرّمات» على طاولة الاستراتيجية الدفاعية الوطنية، ومن «الثوابت» في بازار المفاوضات الاميركية- الايرانية. المهم أن «المشهد الصهيوني» الذي اتّسم به لبنان عام 2005 بفعل القرار 1559، سيتكّرر في ايران، لكنّه سيُعطى هذه المرة صفة «المشهد المقاوم». غداً سيعيّن الامين العام للامم المتحدة مبعوثاً خاصاً الى ايران لمراقبة تطبيق الاتفاق النووي؟ نعم. هذا المبعوث سترافقه لجنة تفتيش وستكون ايران مُلزمة بفتح ابوابها امامها؟ نعم. ستدخل هذه اللجنة الى المواقع العسكرية، وستقابل علماء وغيرهم، وستكون ايران، بمرشدها وبحكومتها وبمجلس نوابها، ملزمة بالتعاون معها ؟ نعم. علي أكبر ولايتي، مستشار السيّد خامنئي، يصرخ ويرفض عمليات التفتيش؟ نعم، لكنّه يعلم أن هذا الصراخ لن يأتي بنتيجة، خصوصاً أن «الدبلوماسية الايرانية النشطة» وافقت على الشروط الغربية! والأهم من كل ذلك، لا بل الأجمل، أن يكون تيري رود لارسن هو المبعوث الدولي الى ايران لمراقبة تطبيق الاتفاق!.. قمة «الكوميديا«. ليست هذه الاسئلة هامشية. قد يدفعها الانقسام السياسي بعيداً من السطح، لكنها ستتسرب الى عمق الوعي الجماهيري. ومع كل اطلالة للمبعوث الدولي من إيران، يتهشّم شيء من «حزب الله» الذي قاوم «الدبلوماسية اللبنانية» وهلّل لـ»الدبلوماسية الايرانية». يحق للّبنانيين أن يسألوا: إذا كان «الولي الفقيه« بجلالة قدره يتعاون مع المجتمع الدولي في تطبيق القرار 2231، فلماذا يحرّم على اللبنانيين التعاون معه في تطبيق القرار ؟ ولماذا «يُحرّم« على اللبنانيين ما يُحلّله لايران في بازار مفاوضاتها مع «الشياطين«؟ أيضاً ستكون الإجابة، «يحق لـ«الإلهيين« ما لا يحقّ لـ«العملاء«.