ايلي الحاج/سمير جعجع في السعودية “حليف استراتيجي” يقطف ثمار صموده وطبيعته الصلبة

262

سمير جعجع في السعودية “حليف استراتيجي” يقطف ثمار صموده وطبيعته الصلبة
 ايلي الحاج/النهار/23 تموز 2015

لم يسبق أن حظي زعيم لبناني مسيحي بالتكريم الذي لاقاه الدكتور سمير جعجع في السعودية باستثناء الرئيس كميل شمعون الذي كان خلال عهده الرئاسي حليفاً للمملكة في مواجهة الرئيس جمال عبد الناصر، والشيخ بشير الجميّل قبل أن يصير انتخابه رئيساً لجمهورية لبنان أمراً واقعاً لا مفر من التعامل معه. التمعّن في الصور التي جمعت جعجع مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده وولي ولي عهده وكبار القادة السعوديين يقود إلى التأمل في مغزى كل هذين الحفاوة والاحترام لسياسي ورئيس حزب لبناني لم تهدأ حركته منذ دخل بقوة دائرة الأضواء في النصف الأول من الثمانينيات، ولم يكف عن التأثير في أحداث لبنان حتى وهو في سجنه الإنفرادي الطويل. هذه المرة يعود جعجع برصيد من دعم معنوي وسياسي كبير يصرفه أولاً في حسابه وحساب حزبه “القوات اللبنانية”، وبعدهما المسيحيين ممن لا يماشون الوجه الآخر لهذه الجماعة من اللبنانيين مثل النائب الجنرال ميشال عون، لا في تحالفه المخالف للطبيعة مع “حزب الله” الشديد الإرتباط بإيران والنظام السوري، ولا في نهجه المعطّل للمؤسسات الدستورية من رئاسة الجمهورية ونزولاً.

سمير جعجع أكثر من أنه أكبر صانعي اتفاق الطائف وشريك فيه – قبل أن ينقلب عليه وعلى جعجع نفسه نظام الأسد الأب والإبن لاحقاً – أعلنت الصور على حين غرّة، خلال زيارته الموفقة سلفاً للسعودية، أنه بات في موقع الحليف اللبناني المسيحي الأول للمملكة في لبنان، وربما الشريك المحلي الأبرز في استراتيجية كبيرة للمواجهة، استراتيجية قررت القيادة السعودية الجديدة اعتمادها دفاعاً عما تبقى من هوية عربية لهذه المنطقة من العالم في وجه الهجمة الإيرانية عليها من جهات متعددة، وتحديات الدورين المتصاعدين لإسرائيل وتركيا، وظروف هي الأسوأ لانشغال مصر بأحوالها السيئة وتفكك أنظمة ودول من حولها. يقطف “الحكيم” بذلك ثمار صموده وطبيعته الصلبة اللذين كلفاه كثيراً خلال أعوام مديدة مضت. وتكسب قوى 14 آذار بعض أوكسيجين، معنوياً على الأقل، وسط مخاوفها المتصاعدة من آثار للإتفاق النووي بين إيران ودول الغرب تتحرر طهران بموجبه من قيود تجارتها واقتصادها وتحصل على نحو 150 مليار دولار يمكن أن تصرف بعضاً منها على دعم الحركات والميليشيات الدائرة في فلكها من لبنان إلى اليمن مروراً بسوريا والعراق حتى البحرين.

فوق ربحه اللبناني في السياسة، تحوّل جعجع أيضاً مرجعاً وضماناً أيضاً لعشرات آلاف العائلات اللبنانية التي تكسب حياتها من عمل أربابها وأبنائها في المملكة ودول الخليج العربي. معبّرة هنا صورة جعجع يقص قالب حلوى عليه علم “القوات” خلال احتفال تكريمي على شرفه في السعودية. ولعلّه في قرارة نفسه كان شديد الارتياح إلى قيامه بهذه الزيارة التي كانت لتثير لغطاً كبيراً وحملات إعلامية شعواء واتهامات شتى من وسائل إعلام “التيار العوني” ومواقع التواصل الإجتماعي لأنصار هذا “التيار” لو لم يبرم مع الجنرال ميشال عون ورقة “إعلان النوايا”، التي بقيت نوايا، وقد تكون حسنتها الوحيدة بالنسبة إلى كل من طرفيها أنها كفت شر حملات التوتير الإعلامي عنه. ما الذي يتغيّر إذا اقتصر اتهام جعجع بتعطيل انتخاب رئيس لجمهورية لبنان على إيران و”حزب الله” ولم يسمّ ميشال عون؟ “هاجمناه وحمّلناه المسؤولية مليون مرة، ولا نتيجة”، يقول لسان حال “القوات”. واحدة بواحدة. سكوت من هنا يقابله سكوت من هناك. لكن الوضع قد يتغيّر في الأسابيع المقبلة. إذا كانت مرت على خير زيارة الدكتور جعجع الإستثنائية للسعودية عند العونيين، فإن ترجمتها مواقف لرئيس “القوات” تدافع عن اتفاق الطائف “الذي لا بديل منه حالياً”، كما يقول، سوف تشعل على الأرجح “التيار” ورئيسه الذي لا تخفي أوساطه الإستعدادات لإسقاط حكومة إدارة مرحلة الفراغ الرئاسي أو “حكومة المصلحة” ورئيسها تمّام سلام. “ستون سنة على الدولة”، يقولون، ما دام الرافضون على رفضهم لترئيس الجنرال عون على الجمهورية و”إعادة الحقوق إلى المسيحيين”، بدءاً بتعيين قائد جديد للجيش يرشحه “التيار”. وقد تكون هذه المرحلة الأسهل على الأرجح. الأصعب بعدها والإمتحان الأقسى لـ”إعلان النوايا” سيكون مع دخول مرحلة البحث في أسماء المرشحين التوافقيين للرئاسة. ستكون الحاجة ملحة في البيئة اللبنانية المسيحية إلى الإكثار من تلاوة النوايا، وحتى “الطلْبة” والصلاة والصوم.