إيلـي فــواز: المملكة وإسرائيل افتراضياً//زهير قصيباتي: تواطؤنا بين داعش والميليشيات

302

المملكة وإسرائيل افتراضياً
إيلـي فــواز/لبنان الآن/11 حزيران/15

ليس تفصيلاً أن يجتمع الضابط المتقاعد أنور العشقي، رئيس مركز جدّة للدراسات القانونية والاستراتيجية مع دوري غولد مُدير وزارة الخارجية الاسرائيلية في العاصمة الأميركية، وتحديداً في معهد الأبحاث الأميركي للعلاقات الخارجية برعاية إليوت أبرامز أحد أبرز المسؤولين الأميركيين في إدارة الرئيس السابق جورج بوش. طبعاً للصورة – دوري غولد يصافح أنور العشقي- أكثر من رمزية، بل رسالة تبعث المملكة العربية بها إلى الأطراف الإقليمية كافة، والأميركية خاصةً كما الإيرانية. الكلام في معهد العلاقات الخارجية إرتكز من قبل الطرفين على الخطر الإيراني وسبل مواجهته. التفصيل ليس في الاجتماع، فهو ليس الأول بين الطرفين على ما بات معروفاً. التفصيل المهم يكمن في أن الاجتماع كان ولأول مرة علنياً. والتفصيل أيضاً يأتي في التوقيت، حيث أنه فيما يمضي الرئيس باراك أوباما قدماً في توقيع اتفاق نووي مع إيران قد يدفع منطقة الشرق الأوسط إلى حروب أكثر، وفيما تمضي الادارة الأميركية الحالية أيضاً في التفاوض مع الإيرانيين وأنصار الله في مسقط من أجل حل الأزمة اليمنية من دون مشاركة كافة أطراف النزاع لا سيما السعودية، تعلن المملكة بشكل غير رسمي طبعاً عن اجتماع يجمع سعودي بإسرائيلي، كما تعلن عن استمرارها بعملية الحزم-الأمل في اليمن غير آبهة بنتائج اجتماعات الاميركيين بأنصار الله وبالحرس الثوري الايراني. عام 2002 أطلق الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز مبادرته للسلام مع إسرائيل، ولكن آنذاك كانت الظروف مختلفة نوعاً ما. فالأنظمة العربية كانت ما تزال قائمة، وجريمة الحادي عشر من أيلول حاضرة في الأذهان. كانت حدود الاشتباك مع اسرائيل التي أرساها الرئيس السوري حافظ الاسد ما زالت قائمة، وكان الهلال الايراني بالكاد فكرة يقف بوجهها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. أما اليوم فالأمور تغيّرت بشكل درامتيكي. لم يعد هناك أنظمة عربية قائمة وقوية، كما برزت قوى غير حكومية مسلّحة ولديها المال والعتاد والمقاتلين، تحتلّ أجزاءً من الدول العربية. ثم وبغياب الدور الأميركي لم يعد لشهية قاسم سليماني القاتلة حدود. والأهم أن إيران تتجه بخطوات ثابتة وبمباركة الرئيس أوباما إلى الاستحواذ على القنبلة النووية. لذا أن يصلّي الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين في المسجد الأقصى، وأن يعلن من الكنيست قيام الدولة الفلسطينية على أساس مبادرة الملك الراحل عبدالله فذلك زلزال سيغيّر حتماً وجه المنطقة لأجيال قادمة، وسيُعدّ عندها الإتفاق الأميركي الإيراني إن تمّ واستحواذ ايران على القنبلة النووية مجرد مفرقعة بسيطة أمام دوي هذا الانفجار الهائل الذي ممكن ان تتركه هكذا زيارة ان كان برمزياتها ام بمعناها السياسي ام حتى العسكري. تلك الزيارة إن حصلت بإمكانها أن تؤسس لنظام جديد في الشرق الأوسط، إسرائيل والمملكة العربية السعودية تكونان فيه لاعبان اساسيان. ثم هكذا زيارة إنْ حصلت ستعيد إيران الى داخل حدودها، وسوريا ولبنان وجزء من العراق الى الحاضنة العربية. طبعاً كل هذا افتراض ولكن من كان ليقول ان الولايات المتحدة برئاسة اوباما ستكون مع ايران الملالي في خندق واحد؟

تواطؤنا بين «داعش» والميليشيات
 زهير قصيباتي/الحياة/11 حزيران/15

ليست أميركا ولا أوروبا أو روسيا والصين بريئة من تضخُّم وحش «داعش» الذي يمدُّ أذرعته لتلتف حول المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج. وكلما نصحتنا واشنطن بالصبر لجيل أو أكثر لكي ينبلج فجر الانتصار على الوحش، يتجدَّد السؤال ذاته عن التآمر والتواطؤ ولغز أسطورة التنظيم الذي بات العالم كله عاجزاً عن التصدّي لشروره. لدى الأميركي يكفي التحضير لتجنيد سنّة من عشائر الأنبار، استعداداً لمعركة في حرب طويلة. وهو فصل يكفي لإحصاء أرقام إضافية من قتلى العراقيين الأبرياء الذين ينتظرون ساعة خلاص من رعب «داعش» وخبث حكومة بغداد التي أغلقت أبواب العاصمة في وجه النازحين، فقط لأنهم من السنّة… وخلاص مما يخطط له سيد البيت الأبيض الذي بات متَّهماً باستكمال فصل آخر من فصول المحافظين الجدد، على طريق «إمبراطورية» الخراب في العالم العربي.

لدى الروس، يكفيهم للاطمئنان توسيع مسرح القتل بعيداً، وجعله محرقة لـ «الإرهاب»، حتى من ذاك النوع الذي قاومهم في الشيشان، ومن كل مَنْ يُعارض الديكتاتوريات الحليفة في الشرق. لدى الأوروبي، تكفي شمّاعة مجلس الأمن وشَلَلُه، نتيجة الانقسام الأميركي- الروسي أو ما سُمِّي حرباً باردة، ما زالت تلائم مصالح واشنطن وموسكو، ما دامت أصابعهما بعيدة من حرائق العرب ومجازر المنطقة. ولأن علينا الانتظار لجيل أو أكثر، لكي يُهزم وحش «داعش»، لن نسأل كم من البلايين ستجنيها أميركا وروسيا من بيع العرب أسلحة، وأي مساحات ستحرقها الحروب مع «الخليفة»، بل نسأل عن قوائم الشهداء الأبرياء الذين سيسقطون ضحايا للخديعة الكبرى… ورغم ذلك يتقدّم «داعش» كلما ضلّلونا بانتصار. «داعش» هو ابن الوحش الذي تخرّج من سجون الاحتلال الأميركي للعراق، والسيطرة الأميركية على أفغانستان، وسحق الروس للشيشان… «داعش» وخليفته من فصيلة دم الديكتاتوريات العربية التي فرضت لعقود طويلة حجْراً على المواطَنة، وحوَّلت الأوطان إلى مجرد أنظمة. بين «داعش» والديكتاتورية هل من خيار؟ بين التنظيم وتوحُّشه والميليشيات التي ترتَكِب فظائع باسم الحرب على التكفير، أيُّ دين؟ ألم يقتُل «داعش» من المسلمين ما يكفي لتلمُّس أصابع التآمر لتدمير المنطقة، ودائماً تحت ستار الفتنة المذهبية، وتحريض التنظيم على الشيعة بالمطلق، وسعي الميليشيات الشيعية إلى الانتقام من كل السُّنّة؟ «داعش» تلميذ نجيب للديكتاتوريات، والحال أن العرب، سُنَّة وشيعة، مواطنين لا حكومات ولا سلطات، تواطأوا بصمتهم على الجلاّد الكبير الذي كان يسوقنا جميعاً إلى سجونه بسوط إسرائيلي… لتحرير فلسطين. تضخَّم الديكتاتور، أسَّس جمعية من المشرق إلى المغرب، جنرالات يتبادلون خبرات تحصين السجون، وبيع الحريات في جمعيات الأنظمة. من هناك كانت الجذور الأولى للإرهاب. انتهت اللعبة، استُحضِر الدين بدل فلسطين. حلَّت لعنة أفغانستان. «داعش» اليوم، بعد تصفية بن لادن والانتصار على أوهامه، اليوم بكل خرابه وما لا يقل عن مئات آلاف القتلى في العالم العربي منذ 2011، أليس ثأراً لـ11 أيلول (سبتمبر)؟ كيف يكون الغرب حريصاً على حرياتنا فيما يتجاهل بحور الدماء، من العراق إلى سورية وليبيا؟هل كان ضعفنا مع جمهوريات القذافي وبن علي والأسد وعلي صالح، كافياً لتبديل الجلاّد؟ أم إن الوهن جبنٌ أغرى الديكتاتور بشطب الوطن والهوية، حتى إن حلّ «داعش» شَطَبَ الخرائط وكل معالم الإنسانية، ودمَّر ما بقي من حضارة؟ في البدء كان إرهاب جمهوريات الجنرالات… وبين سجونها وصمتنا «المتواطئ»، كَبُر الوحش وانهارت كل خطوط الدفاع. فلنستمع إلى نصائح الأميركي، ودروس الروس، وطبول «داعش» وإيران والميليشيات… نتلمَّس رؤوسَنا، وننتظر جيلاً، من الرعب.