وسام سعادة: التقمّص العاطفي في مواجهة المظلومية الظالمة//نعيم قاسم: والأجل غير المسمّى ميرفت سيوفي

332

«التقمّص العاطفي» في مواجهة «المظلومية الظالمة»
وسام سعادة/المستقبل/10 حزيران/15

الهولندي فرنس دو فال من أهم علماء الرئيسيات والسلوكيات الحيوانية في عصرنا. كتاباه عن «سياسات الشمبانزي» و»القرد الذي في داخلنا» يشكّلان مدخلاً مختلفاً وكليّ الأهمية للعلم السياسي. أكثر ما اعتنى به دو فال هو دراسة السلوكيات التي تنمّ عن «الشعور بشعور الآخر» أو الـ Empathy، التي يمكن ترجمتها أيضاً «التقمّص العاطفي» أو «التشاعر» أو «التعاطف» أو حتى «المؤاساة» ليس فقط عند الأنواع الأكثر تطوراً من القردة، بل في معظم المملكة الحيوانية. بدلاً من تعميم حتميات البقاء للأقوى، والتزاحم بلا هوادة، على ما استوحته «الداروينية الاجتماعية» من المملكة الحيوانية، اشتغل دو فال على المنحى المعاكس تماماً: بيّن كم أنّ الشعور بشعور الآخر متجذّر في الطبيعة، وبيّن أن ذلك سيف ذو حدّين أيضاً، كمثل أن تستغل قدرتك على تحسّس حساسيّة غيرك، وهو ما تقوم عليه أساساً كل فكرة الاعلان والتسويق والدعاية. يبقى أنّ تجذّر «التشاعر» في السلوك، يجعله شبكة أمان أساسية خاصة حين تستوعب المنظومة الأخلاقية هذا الاكتشاف العلمي. أعمال دو فال توحي اذاً بأن ثمة سلوكا يساريّا في المملكة الحيوانية ككل!

هل من علاقة بالسُعار الحاصل في هذه المنطقة من العالم؟ نعم. هناك أناس احساسها، ما شاء الله كم هو مرهف، تجاه تجاوز حقوق الانسان هنا، انما يتبلّد شعورها تماماً، ان لم يكن اكثر، تجاه قتل الناس بالسلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية، وهناك من يتحسّس الاحتمال الطائفي لأي انتقاد يوجّه الى «حزب الله» لكنه لا يشعر أبداً بأنّ ثمّة احساسا بالوجع عند سنّة العراق أو سنّة سوريا، وهناك طبعاً من لا يريد أن يشعر بشعور الألم عند الشيعة أو عند المسيحيين وهكذا، وهناك من يتخوّف على أقلية ويهدّد أخرى، ومن يرفض أن تمسّ مشاعر دينية لهذه المجموعة ويمتهن مقدّسات وكرامات أخرى.

هل يعني ذلك أنّه في هذه المنطقة من العالم، ان نظرية دو فال حول فطرة الحيوان للشعور بشعور الآخرين لا تعمل؟ لا. انها تعمل رغم مناخات الاحتراب الأهلي، لكن تعمل في مقابلها أيضاً ذهنيات «داروينية اجتماعية» تصوّر الصراع الدائرة رحاه هنا وهناك، على أن البقاء فيه للأقوى، ليس فقط سياسياً بل أهلياً واثنياً أيضاً، وأن الخاسر سوف يلغى وجوده الاجتماعي تماماً. المشترك بين الممانعين و«الداعشين« كامن هنا: قمع أي شعور بشعور الآخرين واعتبار الشعور بالآخر خيانة أو ردّة أو الأمرين معاً.

وبمثل هذه «الداروينية الاجتماعية» من الدرجة العاشرة، يدبّج كتّاب السوء مقالاتهم، فيعتبرون أن أي شعور مع الشعور بالظلم الذي يشعر به ملايين السوريين بسبب من نظام آل الأسد فيه خدمة للامبريالية، وأي شعور بالشعور بالظلم الذي يشعر به ملايين العرب السنة في العراق فيه خدمة لـ»داعش»، وأي شعور بالشعور بالظلم الذي يشعر به «الأكراد» فيه تهديد لمصالح العرب القومية، وأي شعور بالشعور بالظلم الذي تكابده المرأة ليس وقته الآن، وهكذا. هنا، ليست المشكلة استغلال «التعاطف المتبادل» كما حذّر دو فال. المشكلة ان هناك ثقافة سياسية صاخبة تدمن صبحاً ومساء تحذير القواعد المحسوبة عليها من مغبّة هذا الشعور الفطري، المصدري لكل أخلاق وقيم حسنة، ولكل برّ في المجتمع، ولقطع الطريق على «التقمّص العاطفي»، بالترويج لـ»داروينية اجتماعية»، وسواء كانت الأخيرة بصلصة «حزب الله» أو «داعش»، فالمنطق هو: انها معركة البقاء فيها للأقوى، والخاسر فيها لن يُرحَم. والمقولة الأخيرة بالتحديد، بأن الخاسر لن يُرحَم، ليست نفياً لكل أخلاق، بل هي عجز عن الدخول الى علم السياسة، وما «التقمّص العاطفي» الذي نقّب عنه دو فال في أبحاثه العلمية، الا النقطة الواصلة بين علمي الأخلاق والسياسة. بقدر ما يغيب هذا «التقمّص العاطفي» في الخطاب الاستئصالي المسعور، بقدر ما يوجد ممارسته الميدانية في معاش الناس، في الأشكال الفطرية لـ»حط حالك مطرحه»، و»الله لا يجرّبنا».

وبقدر ما أنّ الأنواع الوضيعة من «الداروينيين الاجتماعيين» من نوع «إما أن نقطع رقابهم أو يقطعوا رقابنا» يتلبّسون ثوب المنظر، من هو الخصم للامبريالية، ومن هو اليسار ومن هو اليمين، ومن الصالح ومن الطالح، فإنّ «التقمّص العاطفي» هذا يظلّ المنبع الأساسي لأي تحريك سياسي جدّي في الاتجاه المعاكس. وما معنى «الموقف اليساري» مثلاً في هذه المنطقة من العالم اليوم، ان لم يكن شرطه وأوّله، «التقمّص العاطفي» لكل العذابات، بدلاً من الاستلاب في مظلومية بعينها، بشكل يجعلها مظلومية «حق حصري» ظالمة بالضرورة لغيرها، من دون أن تشعر، واذا شعرت تنهر نفسها، بأنّه ملاك «شيعة السفارة» أو «يسار السفارة» يوسوس لها مؤامرة في رأسها؟ كل مظلومية «حصرية» هي مظلومية مفترية، وفاشلة. المظلومية النافعة هي التي يتفاعل فيها مظلوم مع مظلوم مختلف عنه.

نعيم قاسم والأجل غير المسمّى
ميرفت سيوفي/الشرق/10 حزيران/15
يَطلع علينا نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله من حين لآخر، بتصريحات «لئيمة» يتبارى فيها هو وجوقة حزب الله في إعادة استهلاك محلّي لخطابات أمينه العام حسن نصرالله، فحزب الله مأزوم من قمّة قيادته حتى أفراده الذين يرسلهم إلى القتال ويعودون في طابور طويل من النعوش والجنازات التي تطلق فيها القذائف الصاروخيّة على عين الدولة والجيش والقوى والخطة الأمنيّة معهم!!
استوقفتنا بالأمس في خطاب السُمّ الذي يطلقه الشيخ نعيم قاسم في وجه لبنان واللبنانيين ثلاث نقاط لا رابع لها، ونختصر الأولى في قول قاسم بالأمس: «حزب الله قرر ان لا يعتمد على مجلس الامن او الامم المتحدة، او جهات عربية واجنيية في مواجهته»!! هذا الكلام وإن كان واقعاً يفرضه حزب الله بقوّة السلاح على اللبنانيين إلا أنّه ليس الحقيقة، فحزب الله ليس دولة بل ميليشيا ومجلس الأمن الدوليّ والأمم المتحدة والجهات العربيّة والدوليّة لا تُعير في الأصل اهتماماً إلا بقدر إثارته للإرهاب في بلادها، وهنا نذكّر نعيم قاسم باستماتة حزبه وتسويقه في مرّات عديدة عن مفاوضات تجرى بينه وبين دولة غربية من هنا وأخرى من هناك، وإذا زارهم سفير غربي يهلّلون ويحلّلون بأنّه اعتراف من دولة ما بهم!! والنقطة الثانية التي استوقفتنا في كلامه بالأمس هي قوله: «قررنا ان نعتمد على بندقية مجاهد يتوكل على الله لأخذ حقنا بأيدينا، وتحرير أرضنا ولو كره الكافرون والمنافقون»، وهنا نريد أن نسأل نعيم قاسم: من هم الكافرون والمنافقون يا شيخ نعيم؟! وما الفرق بين لغتك ولغة خليفة داعش أبو بكر البغدادي، كلاكما داعش في توزيع تهم التكفير والنفاق؟! وأنت ونحن نعرف يا نائب أمين عام حزب الله أنكم «عبيد» كلمة يتلفّظ بها علي الخامنئي وأنّكم تقبضون أجوركم ورواتبكم من إيران منذ عقود، وفي هذا أنتم عملاء مرتهنون خائنون للبنان وطنكم الذي أدخلتموه في حرائق الأجندة الإيرانيّة علّكم تستطيعون أن تمنعوا سقوط مشروع إيران في سوريا!! ‘
أما النقطة الثالثة والأخيرة التي استوقفتنا واستفزتنا في كلام نعيم قاسم وصلفه وعنجهته «الكسرويّة» إذ قال: «إما أن تنتخبوا الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، وإما أن يؤجّل الأمر إلى أجل غير مسمّى، والله أعلم كم يطول هذا الأمر»، ونحن هنا لا اعتراض لنا على انتخاب ميشال عون رئيساً إن توافق المسيحيّون على انتخابه، ولكنّ نعيم قاسم بلغ من «وقاحة» الممارسة السياسيّة بأن فوّض لحزبه «الشيعي» فرض الرئيس «الماروني» على المسيحيين والمسلمين على اختلاف مذاهبهم وتياراتهم السياسية مستخدماً التهديد بقوله: «أفضل لكم»، بمعنى آخر هو يهدّد الجميع بقوله «أحسنلكم»!!
ربّما علينا أن نذكّر الشيخ نعيم قاسم بالحكاية التي تروى منسوبة إلى «جحا» بطل الأقاصيص الشعبيّة، علّه يتواضع قليلاً ولا ينصّب نفسه مكان رب العزّة في تحديد مسار الأجل غير المسمّى، لكأنّه هو المتصرف في الأكوان وهو من يقرّر نيابة عن السماء والأرض، وتقول الحكاية الشعبيّة: يحكى أنه في سالف الزمن عاش وحكم ملك جبّار وكان عنده حمار ذكي عادة ما يصطحبه في حله وترحاله ويجلسه قربه على العرش ليُشْركه في الحكم وعادة ما كان يتعامل معه بالإشارات والنهيق، ومن شدّة ولع الملك وإعجابه بحماره رصد جائزة مالية كبيرة لمن يتمكّن من تعليم الحمار فنون الكلام ونطق الحروف وأقرّ مع الجائزة حكماً بالإعدام شنقاً في كلّ من يفشل في المهمّة الملكيّة. طمع كثيرون بالجائزة وتقدّموا للمهمّة، وفشلوا بالتأكيد، فأنزل الملك بهم عقوبة الإعدام، وقبل تنفيذ حكم الاعدام كان الملك يتوجه الى المعلّم او الطبيب الفاشل قائلاً له «هل تظنّني أبلهاً كي أصدق أن الحمار يمكن أن يتكلم»… وظلّ الحال هكذا فتساقطت الرؤوس بالمئات طيلة أكثر من عام، الى أن تقدّم «جُحا» الفقير الجائع للامتحان بعدما بلغه خبر الجائزة المالية فطمع بها، ومثلَ بين يدي الملك وأعلمه انه بإمكانه تعليم الحمار النطق لكن بشرط أن يمهله 10 سنين، وأن يُنعم عليه الملك بكل ما لذّ وطاب وبالدنانير الكثيرة ليصرفها على الحمار طوال فترة تعليمه له، قبل الملك إلا أنّه احتجّ على طول فترة التعليم، فصاح جحا: «يا جلالة الملك، الطفل الصغير يحتاج الى سنين لكي يتعلم النطق، فما بالك بحمار»!! عندها اقتنع الملك ووافق على الصفقة التي طلبها جحا وأنزله مع الحمار في قصر فخم مملوء بالخدم. وعندما عاد جحا إلى بيته ندبت زوجته حظّها، واسودّت دنياها فعمّا قريب سيقطع رأس زوجها «الغشيم»، واجتمع الناس على جحا متسائلين عمّا فعله، وكيف سيستطيع تعليم الحمار أن يتكلّم، وسأله أحدهم جحا قائلاً له: «أأنت مجنون؟! كيف لك أن تعلّم القراءة لحمار، ستكون نهايتك الإعدام مثل العشرات الذين سبقوك؟! فأجابه حجا مبتسماً: «بعد عشر سنوات إمّا يموت الحمار أو يموت الملك أو أموت أنا»!! في عمر لبنان ليس هناك محلّ من الإعراب لقول نعيم قاسم: «يؤجّل الأمر إلى أجل غير مسمّى» يستطيع لبنان أن ينتظر لأنه «لا يموت»، بينما الأحزاب تموت والبشر يموتون والحمير كذلك، شاء نعيم قاسم أم أبى…