الفصل الرابع والأخير من كتاب د. رندا ماروني: “لبنان في علاقته بسوريا”/اعادة تركيب نموذج الدولة اللبنانية

229

الفصل الرابع والأخير من كتاب د. رندا ماروني: “لبنان في علاقته بسوريا”/اعادة تركيب نموذج الدولة اللبنانية

اضغط هنا لقراءة الفصل الأول من كتاب د. رندا ماروني: “لبنان في علاقته بسوريا”

اضغط هنا لقراءة الفصل الثاني من كتاب د. رندا ماروني: “لبنان في علاقته بسوريا”

اضغط هنا لقراءة الفصل الثالث من كتاب د. رندا ماروني: “لبنان في علاقته بسوريا”

اضغط هنا لقراءة الفصل الرابع والأخير من كتاب د. رندا ماروني: “لبنان في علاقته بسوريا”

اعادة تركيب نموذج الدولة اللبنانية
لقد تعددت المحاولات لاعادة تركيب نموذج الدولة اللبنانية، الا أنه لم يكتب النجاح لأي من هذه المحاولات ما عدا المحاولة الأخيرة منها نظراً لارتباط بناء نموذج الدولة اللبنانية واعادة تركيب السلطة فيه بتوازنات اقليمية ودولية. هذه  المحاولة الأخيرة، أتت مصاغة  كاتفاق حصل على الدعم الدولي والاقليمي والمحلي. الا ان النمذجة الجديدة لم تأتِ مطابقة للنصوص المتفق عليها ، بل انحرفت عنها نتيجة لظروف دولية واقليمية مستجدّة، مهدت لدخول لبنان الى نمذجة  جديدة نحاول تقصّي انتماءها

القسم الأول: اختلاف الطروحات
اذا كانت بعض المحاولات التي جرت لاعادة تركيب نموذج الدولة اللبنانية بعد ميثاق 1943، ركّزت على اعادة التركيب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فان المحاولة الاخيرة التي أُقرّت في الطائف ركّزت على  الجانب السياسي اي على اعادة  النظر في موضوع المشاركة في الحكم. واذا كانت هذه التغييرات قد أُقِرّت على صعيد النصوص فان الوضع على الارضي يتميز بواقع مغاير نتيجة استمرار التأثير الاقليمي على الواقع المحلي المشرذم هذا  التأثير الاحادي هذه المرة انعكس هوّة وعدم توازن بين الاطراف اللبنانية.

ومن ينظر الى هذه النصوص يراها تعكس الصورة الطائفية ذاتها وكأن شيء لم يتغير بعد خمسة عشر سنة من الحرب، الا بالاخذ من هذه الطائفة واعطاء تلك بعض الصلاحيات. ولكن الواقع اللبناني، بدأ يتغير، حيث تسير الامور ليس لمصلحة هذه الطائفة او تلك بل في اتجاه استيعاب سوري كامل للبنان واختصار كافة المؤسسات والهيئات والنقابات والاحزاب بنظام الاجهزة الامنية التي اطلق عليها في الاونة الاخيرة ” بالاشباح”.

وليس فقط اختصارها، بل اعادت تركيبها وتشكيلها وصياغة خطابها الاحادي وصبغ وسائل الاعلام، وهي المثقف للرأي العام، بهذا الخطاب وخلق العدو الوهمي كعدة عمل ايديولوجية لمعاقبة كل من عاكس الرأي او الموقف او التصرف او التطلع ونشهد اليوم تراجع القوى المعارضة لهذا الوضع السائد، اما لمنفعة مادية او لطموح قيادي وإمّا للخوف من العقاب وخاصة بعد سلسلة من الاغتيالات، لم تُكشف اسبابها ولا مرتكبيها، وسلسلة من الاعتقالات تخنق الاصوات المعارضة لهذا الواقع شيئا فشيئا وبعد قوانين وممارسات انتخابية تحاصر الارادة الشعبية وتلغي قرارها، فتصبح بهذا اقرب الى التوتاليتارية الستالينية التي رُكّبت في مجتمع اقطاعي، فهل المطلوب تحويل نموذج الدولة اللبنانية الى نموذج مشابه لنماذج محيطه من الدول العربية وبالتحديد الى  نموذج الدولة السورية حيث  حكم الحزب الواحد والرجل الواحد والرأي الواحد، وكل من خالف الرأي عاقبته الايديولوجيا وبالرغم من ان الديمقراطية اللبنانية لم تبلغ المستويات السياسية الفضلى، الا انها حافظت على درجة من الحرية والانفتاح لم يبلغها معظم بلدان العالم الثالث فهل المطلوب خنق هذه الحرية واغلاق هذا الانفتاح.

ان الحرية والانفتاح اللذين إتّسم بهما لبنان كانا في نظر الانظمة العربية، في واقع الامر فراغا سياسيا يمكن استغلاله لسبب او لاخر، وانعكس هذا بصورة او بأخرى في طرح افكار او محاولات جادة لاعادة تركيب نموذج الدولة اللبنانية بمسعى داخلي وخارجي يعكس صورة الاهداف الفئوية والتوازنات الاقليمية. وهكذا تكاثرت الاقتراحات والمشاريع الصادرة عن شخصيات وهيئات مختلفة بمبادرة خاصة ما عدا البعض منها الذي صدر اما عن رئاسة الجمهورية كالوثيقة  الدستورية لعام 1976 في عهد الرئيس فرنجية و”المسلمات الوفاق” التي عرضها الرئيس الياس سركيس فوافق عليها مجلس الوزراء في 5/3/1980،  او نتيجة لموافقة مجلس الوزراء كالبيان الوزاري ” لحكومة الوحدة الوطنية” الذي عُرض على المجلس النيابي في 31/5/1984 ونالت الحكومة الثقة على اساسه، او نتيجة لمناقشة من قِبل النواب وتبنّيه من قبلهم كوثيقة الوفاق الوطني التي اقرها مجلس النواب في مدينة الطائف السعودية في 22/10/1989 وبناء على دعوة اللجنة العربية المكلفة تسهيل حل الازمة اللبنانية.

لم يكتب الحياة لاي من هذه المشاريع المعروضة ما عدا الاخير منها نظراً لارتباط بناء نموذج الدولة اللبنانية واعادة تركيب السلطة فيه بتوازنات اقليمية ودولية. فنجاح اي مشروع يستند الى مقولة اساسية في فهم بنية السلطة في لبنان، الذي يشكل دولة كيان، لا دولة قطب، وهي ان الكيان اللبناني لا يمكن قراءة بنية  السلطة فيه من داخله فقط وبمعزل عن صراع الدول الاقطاب في محيطه القريب، فالسلطة في جبل لبنان كانت تعكس عبر التاريخ الحديث، توازن القوى الاقليمية بين كل من مصر وسوريا وعكا، على الاقل منذ القرن الثامن عشر، هذا اذا لم نرجع الى التاريخ القديم.

وهذا يعود الى طبيعة الفئات اللبنانية المتنافسة دائما والتي تبحث عن الدعم الخارجي لتحقيق لبنانها الداخلي، فكل يحلم بلبنان على طريقته الخاصة وكل له لبنانه. فالتركيبة السياسية التي تقوم عليها الدولة، والتوازنات في داخلها من جهة، وامتدادات الطوائف الخارجيّة من جهة ثانية، وموقع لبنان في قلب منطقة خاضعة للتجاذبات نظراً لأهميتها الستراتيجية من جهة ثالثة،، تجعل التوازن الذي تقوم عليه السلطة وبالتالي الدولة، متعدد الابعاد: داخلي، اقليمي، دولي.

أولاً: طروحات ما قبل اندلاع الحرب في العام 1975.
ان اقتراحات اعادة تركيب نموذج الدولة اللبنانية بدأت منذ فترة تزيد على الثلاثين سنة اي منذ اندلاع حوادث نيسان عام 1969 وعلى اثر ازمة  الستة اشهر التي سادت علاقات رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة في اواخر ولاية الرئيس شارل حلو حيث حاول كل منهما اثبات صحة اتجاهه وتدعيم موقفه بالتوجه الى الشعب فلنقل الى فئة معينة من المواطنين وقد شكل ذلك مناسبة لاظهار شعور المرارة وعدم الرضا الذي يكنه “الشارع الاسلامي”، وحتى بعض الفئات الاخرى المسيحية، عن حصر الرئاسة الاولى بالموازَنة وضرورة تعديل الدستور وهكذا تقدمت بعض الشخصيات والفئات باقتراحات لاعادة تركيب نموذج الدولة، اقتصر بعضها على اعادة النظر في التوزيع الطائفي وتضمن بعضها الآخر أفكار خجولة كالغاء الطائفية المقتصرة على الناحية السياسية ، فكافة المشاريع جاءت تعكس المصالح الخاصة لكل فئة وتعكس نظرتها في بناء نموذج جديد للدولة يتطابق مع توجهاتها الروحية والنفعية معا، ما عدا البعض القليل المعتدل منها.

لقد خلت كل هذه المشاريع من الفهم الحديث لبناء الدولة، وعكست الصورة المشوّهة والنظرة الضيقة التي لا مكان للمساواة فيها بين المواطنين، فمن هذه  الطروحات من ركّز  على الغاء الطائفية السياسية دون استحداث مجلس للشيوخ مع اعتماد الاكثرية العددية وانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب وطبعا مجرد ذكر هذه البنود او الشروط نعرف للتو من هي الفئة المستفيدة من هكذا طرح او هكذا نموذج للاصلاح ونعرف مسبقاً ما هي صورة النموذج المنتظر الذي يحقق الحلم باقامة دولة اسلامية .

ومنهم من ركّز على الغاء الطائفية السياسية مع استحداث مجلس للشيوخ واعتماد  النسبية وذلك ضمانا له لكسب مواقع اكثر على صعيد السلطة او على الاقل ان تشرّع له ابواب المنافسة للوصول الى السلطة مع الاحتفاظ بضمانة طائفية له من خلال مجلس  الشيوخ.
ومنهم من ركز على  اعتماد  التعددية ومشاريع الفيدرالية واللامركزية ضمانا لمستقبله الطائفي.
ومنهم من عدّل في التوزيع الطائفي واعتبره الصيغة  الاقرب الى الواقعية باعطاء نوع  من التوازن في التوزيع.

لقد تعددت المشاريع الداخلية ولم يؤخذ في الحسبان المشاريع الخارجية ودورها في  اعادة تركيب نموذج الدولة اللبنانية، كما تراوحت هذه المشاريع بين المتطرف اليساري والمعتدل اليساري والمتطرف اليمني والمعتدل اليمني مع تراجع ملحوظ للمشاريع العلمانية اللاطائفية التي تعتمد على دور الفرد بانتمائه المباشر الى الدولة اكان اجتماعيا ام ثقافياً او اقتصاديا وسياسياً وحتى نكون اقرب الى  الواقعية سنتناول مشاريع اعادة تركيب الدولة اللبنانية التي تعكس الاهداف الفئوية ومن ذلك نذكر :

-اقتراح الرئيس صائب سلام بجعل الرئاسة جماعية يتولاها مجلس رئاسي يتألف من ستة اعضاء : ماروني، سنّي، شيعي، ارتوذكسي، درزي وكاثوليكي وتكون مدة الرئاسة 6 سنوات يتناوب عليها بالمهمات الدستورية كل من اعضاء المجلس سنة فسنة.

-اقتراح النائب عدنان الحكيم بتصريحه بتاريخ 21 ايلول 1969 جعل الرئاسة تناوبية بين المسيحيين والمسلمين. يعكس هاذان الاقتراحان، اي، اعادة توزيع الكوتا الطائفية والمطالبة بحصص اضافية، الشعور بالغبن.

-اقتراح النائب الشيخ بهيج تقي الدين في الخطاب الذي القاه في مجلس النواب بتاريخ 4 كانون الاول 1969 بجعل انتخاب الرئيس يتم من قبل الشعب مباشرة كما هي الحال في فرنسا. ويتضمن هذا الاقتراح اعادة رسم الصورة  اللبنانية على قاعدة الاكثرية. ولم تتوقف الاقتراحات ومشاريع التغيير مع  حلول ولاية الرئيس سليمان فرنجية لاسيما في الفترة التي  اعقبت خلافه مع رئيس وزارته صائب سلام في ايار من عام 1973 واستقالة هذا الاخير اثر الغارة الاسرائيلية التي ذهب ضحيتها ثلاثة زعماء للمقاومة الفلسطينية في بيروت.[1]

وفي مقال منشور في 25/7/1974 حول “لبنان وازمة النظام” دعى المحامي عصام نعمان  لقيام جبهة راديكالية شمولية تعتمد : فصل الدين عن الدولة، انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر، انشاء مجلس للشيوخ يمثل كافة الطوائف ويشارك البت في القضايا المصيرية كإعلان الحرب وعقد الصلح والمعاهدات وتعديل الدستور، انتخاب مجلس النواب على اساس لا طائفي من قبل  كافة  المواطنين  البالغين 18 سنة من العمر وانطلاقا من جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة واعتماد الطريقة النسبية في توزيع المقاعد ناهيك عن انشاء محكمة دستورية عليا للمراقبة ومحاكمة  الرؤساء والوزراء.[2]

ولا يخلو هذا المشروع من التناقض، فمن جهة يدعو الى فصل الدين عن الدولة ومن جهة اخرى يثبت حقوق الطوائف عن طريق انشاء مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف. اذ اعتبر ان  مجلس الشيوخ ضمانة لكل الفئات في القضايا المصيرية. لكنه لم يتطرق الا للشق  السياسي في بناء هذه الدولة فيصبح لعبارة ” فصل الدين عن الدولة” معنى الغاء الطائفية السياسية ولا علاقة لهذا الطرح بنموذج الدولة الحديثة فعدم اعطاء المواطن حتى حق الاختيار بالانتماء لدولته وليس لطائفته يعطي هذا الطرح طابعاً مشبوهاً.

ثانياً: الطروحات بعد اندلاع الحرب في العام 1975.
تكاثرت الاقتراحات في فترة الحرب[3] ففي عام 1975 طُرِح المشروع الذي انبثق عن المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في 19 ايار مركزا على وحدة لبنان، ورفض التقسيم، وهويته العربية وتقدمه الاجتماعي. ولم تتاخر “الاحزاب والقوى الوطنية” في طرح مفاهيمها العامة التي  عرفت “بالبرنامج  الوطني المرحلي للاحزاب والقوى الوطنية والتقدمية ” المعلن في 17 آب 1975 والمتضمن لاهم المبادئ التالية:
-الغاء الطائفية السياسية في التمثيل الشعبي وفي الادارة والقضاء والجيش
-اعتماد قانون جديد للانتخاب يجعل من لبنان دائرة واحدة ويأخذ بالطريقة النسبية
-تحديد حالات حل مجلس النواب وحصرها بثلاث: امتناع المجلس عن الاجتماع بعد دعوته ثلاث مرات، ردّه الموازنة برمتها، واسقاطه الحكومة مرتين في السنة الواحدة.
-تسمية رئيس الوزراء من قبل مجلس النواب
-اعتبارها نافذة المراسيم والقوانين التي يوقعها رئيس الوزراء خلال مدة معينة
-انشاء محكة عليا لمراقبة دستورية القوانين ومحاكمة الرؤساء والوزراء
-حصر حق السلطة التنفيذية اعلان حالة الطوارئ بحالة الحرب واقتصارها على وضع المرافق العامة في خدمة الدفاع الوطني دون مساس بالحريات العامة الاساسية. وفي عام 1976 شغلت الوثيقة الدستورية كافة الاوساط[4]، وهي البيان او النداء الذي وجهه الرئيس سليمان فرنجية الى الشعب اللبناني في 14 شباط 1976 على اثر زيارة له الى دمشق ونصت هذه الوثيقة على اعادة النظر في توزيع الكوتا الطائفية مع تكريس العرف بتوزيع الرئاسات الثلاث على الطوائف مع بعض التعديلات في صلاحياتها وبالرغم من تبني سوريا لهذه الوثيقة الا انها لم تمرّر من قبل القوى اليسارية والفلسطينية، فلبنان، آنذاك كان ساحة حرب بين سوريا والفلسطينيين المؤثرين في السياسة الداخلية كما ان معادلة ميزان القوى في السلطة السياسية قد امست غير ذات مفعول في دولة لم تعد تمارس سيادتها. ومن الاطلاع على الوثيقة المذكورة والتي وافق عليها مجلس الوزراء اللبناني يمكن الاستنتاج بانها تضمنت نمطين من الاحكام العامة والاحكام الخاصة بممارسة  السلطة وتنظيمها.

الاحكام العامة تتلخص بـ
-التأكيد على عروبة لبنان واستقلاله بالقول : ” بأن لبنان بلد عربي، سيد حر مستقل” .
-اعتراف العرب وسوريا باستقلال لبنان وسيادته
-الاهتمام بالمسائل الاجتماعية وضرورة مسايرة التطور ” في سبيل عدالة اجتماعية، احسن توزعاً عدالة تقوم على الانصاف والمساواة وترتكز الى الجهد او النشاط ” فلكل حسب ما يعمل ويكدّ … وخيرات هذه الارض لهم جميعا – اي للمواطنين – وبالسواء كل بمقدار ما يقسم لنفسه بالعمل والكد والاجتهاد. [5]
وفي ذلك نزعة نحو الاشتراكية، أتت كمحاولة للرد على الحركة المطلبية الاجتماعية والانمائية المتزايدة ولاشباع بعض الحاجات المعيشية.

-اعادة الاعتراف بالميثاق الوطني وتجديد الاخذ به كصيغة للتعايش بين اللبنانيين ولكن مع التسليم في نفس الوقت بضرورة تطويره وتطوير الدستور بعيدا عن الاعتقاد بالقدسية الدستورية.

-التمسك بالنظام الليبرالي التحرري ” فنظامنا-تنص الوثيقة- هو النظام الذي ارتضيناه جميعا، وفي ظله كان لنا ازدهار وصفاء”. ولا ضير من التمسك المذكور في اطار التركيز على الحقوق الاجتماعية للمواطنين وواجباتهم والعناية بالتعليم والتوجيه الوطني. وانطلاقا من تلك المبادئ التي تؤلف الاطار العام لتنظيم السلطات تعود الوثيقة الدستورية لتسطر بعض الاحكام التي تتناول هذا التنظيم:

-محاولة تدوين العرف والممارسة القائمة بتوزيع الرئاسات الثلاث على الطوائف الثلاث الكبرى : رئيس الجمهورية مارونيا، رئيس مجلس النواب شيعيا، ورئيس الوزراء سنياً. وفي ذلك انتقاص من حقوق الطوائف الاخرى والصغرى.

-توزيع مقاعد المجلس النيابي بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين مما يعني تعديلا لقاعدة 6/5 السابقة في التوزيع والموضوعة عام 1943 . وفي ذلك مراعاة لمطالبة المسلمين بضرورة تمثيلهم بنسبة تتفق مع عددهم المتزايد.

-انتخاب رئيس الوزراء من طرف المجلس النيابي بالاكثرية النسبية وقيامه  والوزراء بقسم اليمين الدستورية امام رئيس الجمهورية، وهذا لتدعيم مركز رئيس الحكومة الذي يصبح نابعا من الانتخاب مما يسمح بمقارنته بمركز رئيس الجمهورية من ناحية ولا يخلو الامر من بعض التعقيد اذ يجعله في ولائه موزعا بين رئيس الجمهورية ومجلس النواب. اما فيما يتعلق بالقسم ففيه طمأنة وتعهد، كتعهد رئيس الجمهورية بالعمل في سبيل لبنان  ومصلحته  العامة.  وفي ذلك ولاء للبنان وابعاد لاي انتقاد او تهمة الى رئاسة الوزارة ومفادها العمل عموما على تقديم قضايا الوطن العربي ووحدته على قضايا الاستقلال اللبناني والحفاظ عليه.

-اعتماد اكثرية 2/3 في المجلس لاقرار القضايا المصيرية. وهنا يظهر غموض عبارة القضايا المصيرية. فكيف يمكن ان نصنف هذه القضايا ؟ ومن  هي الهيئة الصالحة للقيام بالتصنيف المذكور ؟ بالطبع انها المجلس النيابي ولكن في أية اجماع وطني للبت في القضايا المهمة والمصيرية التي كان من الواجب اعطاء بعض الامثلة عليها كاعلان الحرب وعقد معاهدات الصلح والسلام والمسائل التي تمس وحدة الاراضي اللبنانية او اي تعديل في الحدود وشكل الحكم او الدستور…

-اعتماد اكثرية 55% لانتخاب رئيس الجمهورية في الدورات التي تلي الدورة الاولى وفي ذلك تعديل لقاعدة الاغلبية المطلقة التي تنص عليها المادة 49 من الدستور هذا عدا عن التعزيز الجديد  لمبدأ المشاركة بمعنى ان على المرشح الذي يود ان يفوز برئاسة  الجمهورية ان يؤمن  التأييد لترشيحه ليس فقط في اوساط نواب طائفة من الطوائف بل وفي اوساط نواب الطائفة الاخرى حيث انه لو افترضنا بان النواب المسيحيين او المسلمين قد اجتمعوا  حول نصرة احد المرشحين للرئاسة، فإن هذا الاجتماع يبقى عاجزاً عن إنجاح المرشح  اذ انه لن يشكل سوى اكثرية 50% اي دون الاكثرية المطلوبة.

-توقيع المراسيم ومشاريع القوانين من قبل رئيس الوزراء الى جانب رئيس الجمهورية وفي ذلك تدعيم آخر لمبدأ المشاركة واقتسام مسؤولية الاضطلاع بالسلطة التنفيذية وتعزيز لمركز رئيس الوزراء تكريساً للعرف المعتمد منذ 1943.

-الاخذ بمبدأ المراقبة الدستورية على القوانين وانشاء محكمة دستورية عليا للعمل على تطبيق هذا المبدأ. وفي ذلك استكمال للحياة الدستورية وتوطيد لحكم القانون.

-ازالة الطائفية الوظائفية ما عدا على مستوى وظائف الفئة الاولى.

لقد قدمت الوثيقة الدستورية، بالاضافة الى احتوائها لكثير من المبادئ المسلمات، طرحا شبه مفصل لحل مسألة المشاركة في الحكم على الصعيد الدستوري وهي جاءت لو اخذ بها لتكمل المبادئ التي يقوم عليها الميثاق الوطني وتُعمّق مبدأ المحاصصة في الحكم وتكرَّسها في نصوص دستورية وهذا ما تعبر عنه كلمات الرئيس فرنجية في معرض التدليل على مختلف الاحكام التي تؤلف الوثيقة: ” وستكون – اي الاحكام المذكورة – ركيزة جديدة  تضاف الى ركائز الحياة الوطنية في لبنان، وتستمد قوتها من الولاء اللبناني ومن الاخلاص في خدمته”.

وبالرغم من محافظة  الوثيقة على مبدأ المحاصصة الطائفية، فهي لم تكن بأسوا من الصور الطائفية التي تقترحها كافة المشاريع المطروحة. الفرق يتمثل في ان الوثيقة لا تفعل اكثر من تكريس العرف القائم بينما تأتي المشاريع المذكورة بمؤسسات طائفية جديدة قد لا تتلاءم بتاتا مع الطبيعة  اللبنانية واطارها السياسي.

اما في عام 1977 فقد عقدت “الجبهة اللبنانية” خلوة سيدة البير التي استمرت من 21 حتى 23 كانون الثاني لتعلن اعتماد  تعددية المجتمع اللبناني بتراثه وحضاراته الاصلية كأساس للبنيان  السياسي الجديد للبنان  الموحّد، وفي ذلك تعزيز للولاء المطلق للوطن ومنع للتصادم بين اللبنانيين بحيث ترعى كل مجموعة حضارية فيه شؤونها الثقافية والتربوية والمالية والامنية والاجتماعية وعلاقاتها الروحية والثقافية مع الخارج وفقا لخياراتها الخاصة. ومن نفس المنطلق ستتدخل الوثيقة الصادرة عن الجبهة نتيجة خلوتها في دير مار  عوكر لتؤكد في 23/12/1980 كون لبنان دولة مستقلة عبر العصور برفض الاندماج باي كيان اخر او ان يُنعت بغير ذاته مع الدعوة لتعديل صيغة 1943 وتحويلها نوعا  من اللامركزية السياسيّة او الفيدرالية في اطار لبناني واحد موّحد.[6]

1-وفي هذا الطرح نرى خوف المسيحيين على مصيرهم في محيط مسلم حيث يطالب فيه الشريك المسلم بتطبيق الديمقراطية   العددية، مع تغير الوضع الديمغرافي الذي يتجه عكس مصالحهم.

وهذا خوف بديهي في وطن لا يوفر فيه اي فريق، التعامل مع اطراف خارجية لتحقيق مكاسب داخلية وفي ظل التنافس للاستئثار بالسلطة اما نتيجة هذا الطرح فهي :

-تكريس الولاء للطائفة لا الولاء للوطن وهذا يحول دون بناء وطن حديث

-تكريس التمايز والاختلاف والتقسيم.

 وفي 11 ايار من نفس العام 1977 صدرت ورقة العمل عن المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى متضمنة اهم المبادئ التالية : لبنان سيد حر عربي ملتزم بقضايا العرب لاسيما القضية الفلسطينية ورفض التقسيم بجميع صوره، القبول باللامركزية الادارية، رفض سياسة المحاور، الغاء الطائفية السياسية في جميع المرافق، جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة واعادة بناء الجيش وتطبيق التجنيد الاجباري.[7] وبعد ايام قليلة اي في 16 ايار اذاعت “الجبهة القومية” “المبادئ الاساسية لوحدة لبنان” متضمنة استنتاج سقوط الضمانات الاجنبية، تثبيت الوحدة اللبنانية، انتماء لبنان العربي اللاطائفي، رفض الكيانات الطائفية وضرورة الغاء الطائفية السياسية وتحديث النظام الديقمراطي البرلماني.

 وازدحمت المشاريع عام 1980 “وكان اتحاد قوى الشعب العامل” اول المبادرين حيث اذاع مشروعه للتفاهم الوطني في شهر شباط مركزا فيه على تحرّر لبنان من خلال فك ارتباط بعض الفئات مع العدو ووحدة لبنان من خلال الغاء كافة المؤسسات الانفصالية وتحقيق السيادة من خلال العدالة الاجتماعية وكون عروبة لبنان حضارية مستقلة لا طائفية وفي 18 شباط قدم نقيب الصحافة اقتراحات وفاقية من عشر نقاط اهمها : اعتبار لبنان دولة مستقلة بنظام ديمقراطي برلماني، الانتماء العربي، منع اي وجود مسلح عدا القوات الشرعية، وضع نظام لامركزي على غرار ما تتبعه الدول المتقدمة وانشاء الجيش وقوى الامن على اساس وطني سليم[8] .

وفي الخامس من اذار 1980 وافق مجلس الوزراء على “المبادئ المسلمات للوفاق”[9] التي طرحها الرئيس الياس سركيس بعد استشارته لمختلف الاوساط. انها مسلمات لانها مقبولة من كافة الاطراف وتشكل قواسم مشتركة لمعظم المشاريع التي طُرحت. صيغت على شكل عموميات كمنطلق لوفاق لا بد ليكتمل من ان تجسده مشاريع اكثر تفصيلا وتناول :

-التأكيد على وحدة لبنان ارضا وشعبا ومؤسسات وعلى استقلاله وبالتالي على وجوب فرض سلطة الدولة على كافة الاراضي في اطار خطة امنية شاملة. ولسنا بحاجة للتذكير بأن هذا التأكيد مضمّن لكافة الطروحات السابقة.

-التمسك بالنظام الديمقراطي البرلماني الحر مع الاخذ بواجب تعزيزه وتطويره. وفي ذلك اعتراف بضرورة تعديل الدستور ليساير التطورات التي عرفها المجتمع اللبناني.

-التمسك بالنظام الاقتصادي الحر مع التأكد على دور الدولة في التنظيم والمراقبة والتخطيط الشامل بهدف اعمار لبنان وتطوير انتاجه وفي ذلك اعتراف بملاءمة الاقتصاد الليبرالي مع الوضع اللبناني ومبادراته الفردية وتطمين للفعاليات الاقتصادية في البلد.

-التأكيد على ضرورة الاخذ بمقومات الاستقرار الاجتماعي وبالتالي على اعتماد المساواة وتكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الشاملة بوصفها تحضِّر المناح المناسب لمعالجة موضوع الطائفية مستقبلا ومثل هذا الوعي للمعضلات الاجتماعية كان لا بد منه بعد ان اصبح المواطن مهددا بمعيشته وهو على كلٍّ حاضر في كافة اقتراحات الحلول.

-لبنان بلد عربي وعضو فاعل في الاسرة العربية ملتزم بميثاق الجامعة العربية، وليس في ذلك من جديد بل تأكيد على هوية لبنان العربية وتناولته كافة الحلول المطروحة

-ارساء علاقات لبنان مع الدول العربية على اساس مبدأ الحياد وعدم التدخل والابتعاد عن سياسة المحاور، اتقاء لعدم الوقوع في الخلافات العربية

-دعم القضية الفلسطينية ورفض مشاريع التوطين وسياسة كمب دايفيد طالما انها لا  تحقق اقامة وطن للفلسطينيين في ارضهم وتعمل على توطينهم في الدول المستضيفة لهم.

-العمل على تنفيذ قرارات مجلس الامن المتعلقة ببسط الحكومة لسلطتها على كامل ترابها الوطني ومن ضمنه الشريط الحدودي. وهذه نتيجة منطقية لمبدأ السيادة المنصوص عنه في البند الاول.

-رفض كل اشكال التعاون والتعامل مع العدو الاسرائيلي

-علاقات لبنان بسورية خاصة تقوم على الاحترام المتبادل لاستقلال وسيادة كل من البلدين وهي تستند الى عامل التاريخ المشترك  والقربى بين الشعبين ومن الواضح ان توقيت هذا النص قد جرى بالاستناد الى ما يسود من ظروف سياسية

-ضرورة تنفيذ الاتفاقات المعقودة مع منظمة التحرير الفلسطينية، إنقاذاً للسيادة اللبنانية وصيانة للمقاومة الفلسطينية

-انفتاح لبنان على المجموعة الدولية في محيط الصداقة والتعاون في اطار الامم المتحدة مبتعدا عن سياسة المحاور. ويفسّر التركيز على دور الامم المتحدة بقيام هذه الاخيرة بعدة مبادرات لدعم استقلال لبنان ومنها ارسال قواتها الى الجنوب.

-تنمية الصلات مع المغتربين اللبنانيين وتعزيز جامعتهم إعترافا بما يقدموه من خدمات لوطنهم الاصلي.

 وهكذا يتبين بأن الصيغة التي اطلقها الرئيس سركيس ليست بأكثر من اطار عام قصد منه وضع اللبنانيين على طريق التفاهم بهدف مناقشة مختلف جوانب مشكلاتهم وايجاد المخارج المناسبة لها. ونستطيع تصنيفها بالمبادرة التوفيقية علّها تخفف من قسمة اللبنانيين حول الخيارات وتحد من تحالفاتهم الخارجية، على عكس بعض الطروحات التي تعكس وجهة نظر فئة معينة وطموحها الشخصي.

وفي 20 تشرين الثاني القى الرئيس سليم الحص محاضرة بعنوان لبنان والتجربة الديمقراطية اقترح فيها: اعتماد النظام الرئاسي بكل ابعاده وبعيدا عن استئثار اي طائفة بمنصب الرئاسة، الغاء الطائفية السياسية والادارية، تحقيق العدالة الاجتماعية والانمائية، تنمية النشاط الحزبي والنقابي اللاطائفي، تطوير صيغة عام 1943 وتعزيز الديمقراطية باعتماد اللامركزية الادارية الموسّعة. علماً ان الرئيس الحص استمر في التعاطي مع الموضوع وحاول تعميق طروحاته وتفصيلها في عدة محاضرات وبحوث لاحقة.[10] لاسيما من خلال اقتراح فتح نافذة باتجاه الغاء الطائفية حيث يتم تحديد الاكثرية الواجبة

(90%) لانتخاب احد المرشحين مهما كانت طائفته في الدورة الاولى لاحد المراكز السياسية الثلاث. اما في الدورة الثانية فتراعي الاكثريات المتبعة والقاعدة  العرفية في توزيع الرئاسات. ومن ثم تخفيض نسبة الـ 90% على مستوى الدورة الاولى الى 80%  ثم 70% ، وحتى النسبة المطلوبة حاليا في الدورات الثانية وذلك كلما انحسر الشعور الطائفي وقوي الشعور الوطني.

وكما في الرئاسات الثلاث كذلك في المجلس النيابي ناهيك عن اسقاط حق رئيس الجمهورية في اقالة الحكومة وضبط علاقة مجلس النواب بالحكومة اذ يحظر عليه اسقاطها اكثر من مرتين كل 3 سنوات وفرض اغلبية موصوفة. ( غير انّ مجلس النواب لم يسقط الحكومة اي مرّة، والمطلوب  اسقاط الحكومة ولو لمرّة واحدة من قبل مجلس النواب.)

وفي عام 1981 تكاثرت اقتراحات الحل وكان اهمها مشروع الـ 35 بنداً الذي اذاعه الرئيس سليمان فرنجية في 24 شباط وهو يعتمد الوثيقة الدستورية لعام 1976 بشكل اساسي ويضيف اليها بعض الاقتراحات ومنها : الحفاظ على النظام الاداري القائم مع اضافة ملاحق تنظيمية تحدد لا مركزية ادارية موسّعة، الحفاظ على الحريات وتعزيزها، وضع قانون جديد للانتخاب يتلاءم مع المستجدات، التأكيد على العرف القائم بتوزيع الرئاسات الثلاث واعتبار كل من الرؤساء الثلاث ممثلا لكل اللبنانيين واشتراك رئيس الوزراء والوزير المختص بتوقيع المراسيم وضمان سرعة اصدارها لدى رئيس الجمهورية.[11] كذلك قدم الرئيس صائب سلام  ورقة عمل للحوار في 3 ايار من نفس العام تدعو لصياغة ميثاق وطني اجتماعي واقتصادي جديد تحت شعار ” ان لا ديقمراطية سياسية بدون دييمقراطية اجتماعية ترافقها وتلازمها” ولاقامة هيئة وطنية عليا برئاسة رئيس الجمهورية هدفها وضع الميثاق الوطني الجديد المكتوب، وفي 29 تشرين الثاني 1989 حمل البند الرابع من مقترحات بشير الجميل رئيس الجمهورية المرتقب لعام 1982 ” تأكيد توافق اللبنانيين على ان اي خلاف فيما بينهم لا يستدعي البتة اللجوء الى السلاح… انما اعتماد التفاوض السياسي وسيلة لارساء صيغة الاتفاق اللبناني، وهي صيغة مرشحة لان تظل موضع تجدد وتداول مستمرين وعلى ان تستند الى ثوابت ضامنة هي : وحدة الارض، الامن والحرية والعدل لكل اللبنانيين والمساواة فيما بينهم، الانتماء الطبيعي للبنان الى محيطه وانتساب الدولة اللبنانية الى الجامعة العربية.

 وفي عام 1982 وقع الغزو الاسرائيلي للاراضي اللبنانية في محاولة لاعادة بناء نموذج الدولة اللبنانية وعزل الاطراف الاقليمية المؤثرة وصولا الى اتفاقية سلام بين لبنان واسرائيل في ظل  غياب الاهتمام السوفياتي عن مشاكل المنطقة وفي هذا  السياق تم التوقيع على اتفاقية 17 ايار الذي اتى متأخراً نظراً الى التراجع في الاهداف الاسرائيلية المرسومة خاصة بعد اغتيال الرئيس بشير الجميل وبعد عودة الاهتمام السوفياتي ودعمه لسوريا بعد وصول اندروبوف الى الحكم ولا نستطيع الغوص كثيراً بما كان سيكون عليه هذا النموذج فيما لو كتب له الحياة نظراً لأن المشروع اسرائيلي، ويتضمن موافقة للاطراف اللبنانية منها معلنة ومنها غير معلنة ومنها ايضا الرافضة، فلقد تم انتخاب الرئيس بشير الجميل على يد نفس النواب الذين كانوا عشية الاجتياح يدورون في فلك سوريا والذين لا مانع مبدئي لديهم ان يغيروا مواقفهم في مرحلة لاحقة مع تغير موازين القوى كما ان انهاء العمل العسكري الفلسطيني من لبنان كان يستند الى مواقف مؤيدية من كافة الطوائف والقوى السياسية اللبنانية، نتيجة ممارسات منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان على امتداد سنوات، وتحولها الى سلطة امر واقع تستند الى تواجد عسكري “داخلي” يلغي دور الدولة اللبنانية على القسم الاكبر من الاراضي اللبنانية، كما يلغي دور هذه القوى في مناطقها داخل مجتمعها الاهلي : مما ادى الى سكوت هذه القوى بكتلها الاساسية عن اقتلاع الوجود العسكري الفلسطيني من لبنان.

وفي 11/8/1983 قامت الهيئة العليا للطائفة الدرزية بالتقدم بمذكرة سياسية وامنية مؤلفة من 23 بنداً أهمها : احداث مجلس للشيوخ يشارك مجلس النواب التقرير في القضايا المصيرية وبعض القضايا المحددة كتعديل الدستور، الصلح والحرب، المعاهدات، تنظيم السلطات العامة والقوى المسلحة واعلان الطوارئ….، تسمية رئيس الوزراء من قبل مجلس النواب، اعتماد اللامركزية الادارية، زيادة عدد المحافظات( لكي يكون للدروز محافظة ) واحداث محكمة لمراقبة دستورية القوانين ومحاكمة الرؤساء والوزراء. [12]

 وفي 22/9/1983 صدرت الثوابت الاسلامية بعشرة بنود اهمها : استقلال لبنان وانتمائه العربي، اعتماد التخطيط والعناية الكاملة بالشأن الاجتماعي رفض اي شكل من اشكال اللامركزية السياسية والترحيب باللامركزية الادارية والغاء  الطائفية السياسية بكل وجوهها.[13]

وهنا نلاحظ استمرار التضارب في مواقف القوى المحسوبة عل اليسار حول نظرة كل فريق من اعادة بناء نموذج الدولة اللبنانية، ففي حين يصر الدروز على انشاء مجلس الشيوخ كضمان للاقليات نلاحظ ان المسلمين بشكل عام لا يأخذون هذا الطرح بعين الاعتبار ويترافق هذا مع غموض في الموقف من قبل بعض الاحزاب القومية التي تدعو للعلمنة في حين ان بيانها في 16 ايار 1977 اكتفى بذكر لالغاء الطائفية السياسية. كما نلاحظ الجزئية في كافة الطروحات الاصلاحية، التي قصرّت عن اعتماد الحداثة وأبقت على عصبياتها المعكوسة من خلال مشاريعها.

وفي الاول من تشرين الاول من عام 1983، انعقد مؤتمر الحوار الوطني، برعاية سورية، بعد حرب الجبل التي اعادت خلط الاوراق وبدّلت مواقع التحالفات، وانتفاضة 6 شباط، التي فرزت المناطق وقلصت من سلطة الرئيس امين الجميل، وبعد استجماع سوريا كافة الاوراق التي فقدتها في لبنان منذ الاجتياح الاسرائيلي، وبالرغم من الانتصارات العسكرية التي سجلتها القوى اليسارية بعد اعادة تشكيل تحالفاتها مع القوى السورية اقتضت المصلحة السورية بالابقاء على نموذج الدولة اللبنانية وعلى الامتيازات المارونية مقابل الغاء  اتفاق 17 ايار فمن شعار اسقاط امين الجميل الذي اطلقه جنبلاط وبري الى مشاركتهما في حكومة وحدة وطنية، أجّلت الاصلاحات المنشودة ووضعتها رهن الاعتبارات السورية وفي جدول اولوياتها وتطلعاتها.

انعقد مؤتمر الحوار الوطني [14] في سويسرا وضم معظم الفعاليات السياسية والمسلحة وذلك على مرحلتين : الاولى في جنيف في الفترة الممتدة ما بين 31/10/1983 و 4/11/1983 والثانية في لوزان في الفترة الممتدة ما بين 12 و 20/3/1984

وقد توزعت المناقشات في جنيف حول ثلاثة عناوين كبيرة : الوفاق والهوية،  الاصلاح السياسي والاجتماعي والاحتلالات وتواجد الجيوش الغريبة على الاراضي اللبنانية. وشهدت الجلسات من هذا المنطلق مداخلات وارواق عمل متعددة فيها إعادة لما سبق على العموم لمختلف الاطراف ان اقترحته في مناسبات متعددة ومنها نذكر على سبيل المثال : مداخلة الرئيس كميل شمعون باسم الجبهة اللبنانية مؤكدا على اسقتلال لبنان وتحريره واستمرار النظام البرلماني والالتزام بالنمط الاقتصادي الحر وتعزيز اللامركزية الادارية وزيادة عدد المحافظات وتوسيع صلاحياتها ناهيك عن إلغاء الطائفية الوظائفية. بينما استعاد الرئيس صائب سلام في طرحه “الثوابت الاسلامية” لعام 1982، وخلصت جلسات جنيف بتحديد هوية لبنان واسفر المؤتمر على اتخاذ قرار في هذا الشأن بتاريخ 4/11/1983 على الشكل التالي : ” لبنان بلد سيد ومستقل وواحد ارضا وشعبا ومؤسسات في حدوده المنصوص عليها في الدستور والمعترف بها دوليا وهو عربي الانتماء والهوية وعضو مؤسس وعامل بجامعة الدول العربية وملتزم بكافة مواثيقها على ان تُجسد هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء ان  تمحور المناقشات حول تحديد الهوية العربية للبنان استهدف حسم هذه المسألة بعد ان ساد اللغط كثيراً، حول كون اعتبار الميثاق الوطني لعام 1943، ان لبنان ذو وجه عربي ومحاولة البعض الرجوع عن الانتماء العربي. ومع ذلك لم تخلو المناقشات المذكورة من السجال حيث ان مضمون وروحية الميثاق الوطني (البند الثاني) واضح لجهة الاقرار بعروبة لبنان.

كذلك اتخذ المؤتمر قرارا بتأليف لجنة لمتابعة البحث في مشاريع الاصلاح المقترحة وقد اعتمدت اللجنة في اجتماعاتها الممتدة ما بين 5-10/11/1983 ” الوثيقة الدستورية” كمرجع وورقة عمل واظهرت توافقا ما حول ما جاء في الوثيقة ومنها : توزيع الرئاسات الثلاث على الطوائف الثلاث الكبرى، المناصفة في عدد اعضاء مجلس النواب، انتخاب رئيس الحكومة من قبل المجلس النيابي بالاكثرية النسبية، الاسراع في اصدار المراسيم والقرارات، استقلالية القضاء وانشاء محكمة عليا، تقرير اللامركزية الادارية، ازالة الطائفية من الوظائف مع المحافظة على المساواة في موظفي الفئة الاولى واجراء تشكيلات دورية لهم، تعزيز دور الجيش ووضع سياسية دفاعية وطنية، تكريس حرية الصحافة ووضع قانون جديد للجنيسة….واضيفت الى هذه البنود مواضيع اخرى في ما مجموعه 25 بندا تقريبا منها : حرية تأليف الاحزاب السياسية والجمعيات والنقابات، اقامة مجلس للشيوخ، انشاء نيابات لرئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس، اعتماد الاستفتاء في القضايا المصيرية، فصل النيابة عن الوزارة، تعديل قانون الانتخاب، زيادة على عدد النواب واطالة مدة ولاية رئاسة المجلس….

وبعد حوالي الشهر أي في 8/12/1983 وقبل ان تستأنف مفاوضات جنيف، في لوزان، جاءت الوثيقة الدستورية التي أذاعها البطريرك خريش،  باسم البطاركة الكاثوليك، متقاربة جداً من الثوابت الاسلامية التي طُرحت في 22/9/1983. ولكن دونما تحديد هوية لبنان العربية. ولم تشذ عن هذا التوجّه العام للثوابت الاسلامية ووثيقة البطاركة الكاثوليك، توصيات المؤتمر المسيحي العام المنعقد في بكركي بتاريخ 31/1/1984.

استؤنفت مفاوضات جنيف،  في لوزان في الثاني عشر من شهر آذار 1984 واستمرت حتى العشرين منه. وكان من المفترض ان تتم المفاوضات في جو سياسي وعسكري أقل تأزماً نتيجة لإلغاء الحكومة اللبنانية في 5/3/1984، قرارها بالموافقة على الاتفاق اللبناني الاسرائيلي الموقع في 17/3/1983. وكان من المفترض ان تطرح البنود الاصلاحية التي وضعت في جنيف في جلسات المرحلة الثانية للمؤتمر الوطني. بيد ان هذه الموضوعات لم يجري التذكير بها سوى عرضاً في كلمة الرئيس الجميّل في اليوم التالي لعمل المؤتمر، عن طريق إشارته الى ضرورة القيام بإصلاحات تستند الى “الوثيقة الدستورية” و “قرارات لجنة المتابعة” وقرارات “جبهة الخلاص الوطني” (جمعت الرئيسين فرنجية وكرامي ووليد جنبلاط).

ثم شرع كل فريق بطرح تصوّره الذاتي للحلّ،  فالرئيس عادل عسيران تلا ورقة عمل أهم ما تضمنته عدا عن المساواة التامة وإلغاء الطائفية على جميع المستويات، جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة والاخذ بنظام التمثيل النسبي والفصل في صحة النيابة من قِبل القضاء بالاضافة الى انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب.  وقدّم المحامي نبيه برّي مشروعاً للحلّ اهم ما احتواه من جديد،  انتخاب رئيس الجمهورية من قبل المجلسين،  بأغلبية 55% ولمدة 3 سنوات قابلة للتجديد،  انتخاب رئيسي المجلسين ونائبيهما لمدة الولاية التشريعية، اعتبار القوانين والمراسيم المحالة الى الرئاسة للنشر نافذة حكماً في مهلة الثلاثين يوماً المحددة لذلك… بينما وضحت التوجهات الفيدرالية مع المشروع المشترك لحزبي الكتائب والاحرار الذي ينطلق من تعددية المجتمع اللبناني لينتهي بجعل لبنان جمهورية عربية مستقلة اتحادية تتكون من مقاطعات عدّة مع تفصيل وتحديد لصلاحيات السلطات الاتحادية….. وبالمقابل وزّع الرؤساء عسيران، سلام، كرامي والاستاذان برّي وجنبلاط ورقة عمل مشتركة تنسّق بين ما اقترحه هؤلاء انفرادياً وتجعل من مجلس الوزراء “في إطار المشاركة الفعلية والثابتة”  السلطة الاجرائية والادارية العليا للدولة عن طريق إيلائه الكثير من الصلاحيات التي يمارسها رئيس الجمهورية، كعقد الاتفاقات الدولية والتصديق عليها، إقرار الحرب والسلم واعلان التعبئة العامة وحالة الحرب… ناهيك عن توسيع قاعدة التمثيل بتخفيض سن الاقتراع الى 18 سنة وانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه لمدة سنتين وإطلاق حرية العمل الحزبي وإخضاع الجيش لسلطة وزير الدفاع ووضع سياسة دفاعية تتلاءم مع عروبة لبنان… وبعدها تتالت المداخلات والاقتراحات نذكر منها ورقة عمل تقدم بها رئيس الجمهورية كخلاصة لعدة ورقات وتعتمد “مركزية سياسية تضمن وحدة الشعب والارض ولا مركزية إدارية موسّعة تُشرِك الشعب مباشرة في تنمية مناطق البلاد كافةً، ومشاركة الطوائف في الحكم والادارة من خلال توزيع المناصب السياسية عليها: رئاسة الجمهورية، مجلس النواب،  الحكومة، واستحداث نيابة لرئاسة الحكومة للشؤون الانمائية، ومحكمة دستورية (وإمكانية إضافة مجلس للشيوخ)[15].

وتم في الجلسة التاسعة للمؤتمر وضع ورقة عُرضت كقاسم مشترك لمختلف الاوراق والمداخلات وكان من المفروض ان يوافق عليها بالنظر لتفصيلاتها ومزاوجتها مختلف الطروحات[16] بيد ان شيئاً من هذا لم يحدث واتجه المؤتمرون في نهاية الجلسات لتأجيل موضوع الاصلاح باعتمادهم في 20/3/1984 لبيان نهائي يقول بأن مؤتمر الحوار الوطني… وقد قطع شوطاً بعيداً في دراسة المواضيع الدستورية والاجتماعية التي عُرضت عليه…. يقرر بالاجماع- تشكيل هيئة تأسيسية لوضع مشروع دستور جديد للبنان مكوّنة من 32 عضواً يختارهم رئيس الجمهورية بالتعاون مع أعضاء هيئة الحوار الوطني،  على ان تتقدم بتقرير عن نتائج اعمالها خلال ستة أشهر “هذه المهمة الاصلاحية التي ستعاود محاولة السير بها” حكومة الوحدة الوطنية التي تمّ التوافق على إنشائها، لا سيما من خلال الاتفاق، اتفاق اعضائها على نص بيانها الوزاري وعرضه على المجلس النيابي لنيل ثقته في 31/5/1984، هذا البيان الذي وصف على انه ميثاق وطني جديد.

وقد تأثر البيان الوزاري بمشروع 13/3/1984 الذي تضمن ملخصاً لورقتي عمل الكتائب والاحرار من جهة وورقة عسيران – سلام – كرامي – بري جنبلاط من جهة اخرى والذي كان من المنتظر ان يعتمده مؤتمر لوزان.

وقد شرعت الحكومة المؤلفة في محاولة تنفيذ بنود البيان الوزاري وقرارات لوزان بتأليفها في شهر أيلول 1984 ثلاث لجان[17] الاولى “استشارية دستورية” لوضع دستور جديد للبنان، الثانية للجنسية، والثالثة للمراسيم. بيد أن تطور الاوضاع على الارض حال استمرار اللجنتين الاوليين في عملهما وثم على إثر توقيع اتفاق دمشق الثلاثي في أواخر عام 1985 تم  تجاوز إطار البيان الوزاري.

ولكن قبل توقيع هذا الاتفاق أي خلال عام 1985 تجددت دعوات الاصلاح وإعادة تركيب نموذج السلطة في لبنان.

فجاء البيان الختامي للمؤتمر التأسيسي “لجبهة الاتحاد الوطني” الصادر في شتورا في 6/8/1985 ليرفض التعددية المجتمعاتية (الجبهة اللبنانية) ويطالب بإنهاء الطائفية لاسيما السياسية والتشديد على الحقوق الاجتماعية وإقامة التوازن الصحيح بين السلطتين وبالخصوص إيلاء السلطة الاجرائية برئيس الوزراء كونه المسؤول وحده امام المجلس والشعب، وضع قانون انتخابي جديد على أساس النسبية وجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، الاصلاح الاداري واعتماد الكفاية والنـزاهة ووضع قانون جديد للجنسية….

وكان قد سبق للشيخ محمد مهدي شمس الدين ان طرح في كرّاس صادر عن مكتبه في 12/6/1985 جملة من المقترحات تحت عنوان “الديمقراطية العددية”.[18]

فبعد ان يلاحظ ضياع اللبنانيين امام المشكلات والمفاهيم الطائفية وكون اللبنانيين المنتمين الى طائفة او مذهب واحد لا يدينون بمذهب سياسي واحد وبأن ليس في لبنان مناطق طائفية صافية وبأن انتماء المواطن اللبناني الى دولته لا يتم سوى من خلال طائفته وبأن النظام الطائفي قضى على المساواة وعطّل العدالة وعمل القانون والمؤسسات…

يدعو الشيخ شمس الدين الى إلغاء الاسس والتمايزات الطائفية في جميع مواقع النظام بدءاً برئاسة الجمهورية وانتهاء بأصغر وظيفة وجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة واعتماد الاستفتاء الشعبي في القضايا المصيرية وصولاً للأخذ بنظام الديمقراطية العددية القائمة على مبدأ الشورى (والمبنية على مفهوم الاكثرية العددية واعتبار الوحدات السياسية تتكون من مواطنين أفراد وليس من طوائف او مذاهب،  هذا عدا عن اقتراح إنشاء واستحداث بعض المؤسسات لاسيما مجلساً للشيوخ. واقترح الدكتور ادمون نعيم في محاورة معه في 18/11/1985 إبراز المجموعتين المسلمة والمسيحية داخل المجلس النيابي وانتخاب رئيس الجمهورية كذلك اختيار رئيس المجلس وإعطاء الثقة للحكومة بأكثرية كل من هاتين المجموعتين ناهيك عن تعديل الدستور (ضرورة توفر غالبية الثلثين).

وفي اواخر العام 1985 جرت محاولة سورية جادة وحازمة لإعادة بناء نموذج الدولة اللبنانية من خلال ما عرف بالاتفاق الثلاثي في وقت كانت سوريا فيه تسيطر على كافة الاراضي اللبنانية ما عدا بيروت الشرقية معقل المسيحيين، والهدف الاخير لسوريا لاستكمال سيطرتها على كافة الاراضي اللبنانية.  لقد استطاعت ان تخرق المنطقة المسيحية من خلال المسؤول عن الامن في القوات اللبنانية،  إلا أنها لم تستطع ان تفرض إرادتها في تمرير الاتفاق وباءت محاولتها في إعادة بناء نموذج الدولة عن طريق الاتفاق الثلاثي بالفشل.

وكان هذا الاتفاق يحمل تغييراً جذرياً لنموذج الدولة فيما لو طُبِّق.[19] لقد شمل مجموعة من المبادئ العامة التي تهتم بتحديد هوية لبنان ووحدته ونظامه السياسي وتحريره، فلبنان بلد سيد حر مستقل… عربي  الهوية والانتماء (وتجسد الدولة ذلك في جميع الحقول والمجالات) موّحد يرفض الطروحات اللامركزية السياسية كالفيدرالية والكونفدرالية والكانتونات واللامركزية الانمائية والامنية.

ويضع مبادئ النظام السياسي، داعيا الى استبدال الصيغة الطائفية بصيغة وطنية ووضع دستور جديد يستند الى 10 احكام ومبادئ اساسية اهمها : النظام الجهوري الديمقراطي البرلماني، السيادة الشعبية، والمساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، صيانة الحرية الشخصية والدينية وحرية الرأي والتعبير واقامة الجمعيات والاحزاب…، الاقتصاد الحر المنظم والمخطط، تعميم اوسع وافضل تمثيل ويعتمد المحافظة دائرة انتخابية صوناً للانصهار الوطني وللتعبير الصحيح عن ارادة العيش المشترك وتعميم الانتخاب عند اتمام السن الثامنة عشرة، استحداث مجلس للشيوخ يتولى مع مجلس النواب البت في القضايا المصيرية كتعديل الدستور، الحرب والسلام المعاهدات والاتفاقات الدولية، انظمة الاحوال الشخصية المذهبية وقانون الجنسية وانتخاب مجلس الشيوخ.

بعدها ينتقل الاتفاق للتحدث عن مرحلة انتقالية يتم فيها انجاز الاصلاحات والتخلص تدريجياً من النظام الطائفي بعد مرور سنة واحدة لانهاء حالة الحرب بدءاً من تشكيل حكومة جديدة، وإذ يجري توسيع المجلس النيابي بتعيين نواب جدد وفقا لمبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين والمثالثة بين الطوائف الثلاث الكبرى (الموارنة – السُنَّة – الشيعة). اما المرحلة الانتقالية المذكورة فتنتهي بقرار من مجلس النواب بمجرد بدء العمل بالغاء الطائفية كليا ووفقا لما يلي:

-تطرح الحكومة خلال النصف الثاني من اول مجلس نيابي منتخب مشروعا تحدد فيه تاريخ البدء بالغاء الطائفية في التمثيل النيابي، الرئاسات الثلاث والوزارات ووظائف الفئة الاولى وتكون الاغلبية المطلوبة لاقراره ثلثي اعضاء المجلس النيابي.

-اذا لم يقُر المشروع تصبح الاكثرية اللازمة لاقراره 55% ابتداء من النصف الثاني من ولاية المجلس النيابي الثاني المنتخب.

-واذا لم يُقر المشروع عندئذ يتقرر حُكماً إلغاء الطائفية في المناصب المذكورة خلال النصف الاول من ولاية المجلس المنتخب الثالث.

اما في المرحلة الانتقالية، فرئيس الجمهورية ينتخب في الدورات التي تلي الدورة الاولى بأكثرية 55% من عدد اعضاء المجلس الذي يستوجب لانعقاده اكثرية 10/7 عدد الاعضاء. وهو يتولى دون حق التصويت رئاسة مجلس الدفاع الاعلى، اجتماع مجلس الوزراء في حالات محددة كحالة اقرار البيان الوزاري، اعلان حالة الطوارئ، حل مجلس النواب، وإقرار أي مشروع قانوني دستوري او انتخابي. انه يصدر مرسوم استقالة اي من الوزراء بعد موافقة رئيس الورزاء، ولا تتم الاقالة الا بعد موافقة المجلس الوزاري.

أمّا مجلس الوزراء فيتألف من رئيسه وعدد من وزراء الدولة والوزراء ويعقد جلساته باغلبية الثلثين ويتولى السلطة الاجرائية بوصفه المسؤول امام السلطة التشريعية. والى جانبه إرتؤي إقامة مجلس وزاري يتألف من رئيس مجلس الوزراء ومن وزراء الدولة، ويتخذ قراراته بالاجماع ويتولى اقتراح الخطوط الكبرى لسياسة الدولة وتحديد خياراتها الاساسية والموافقة على المراسيم التي لا تحتاج الى موافقة مجلس الوزراء وقد أُفرِدت فقرة خاصة بصلاحيات رئيس مجلس الوزر اء من ترؤس الجلسات وإدارتها الى الاشراف على تنفيذ مقررات مجلس الوزراء والمجلس الوزاري ومتابعة أعمال الوزارات والادارات.

وفي هذا الاطار تتشكل الحكومة بعد استشارات الزامية يجريها رئيس الجمهورية ووضع لائحة باسماء الوزراء من قبل الرئيس المكلّف. وفي حال إمتناع رئيس الجمهورية عن توقيع مراسيم التأليف خلال اسبوعين يحتكم رئيس الحكومة الى المجلس فإذا نال اغلبية 55% يصبح واجب الرئيس اصدار المراسيم.

وفي حال امتناع رئيس الوزراء عن تقديم التشكيلية الوزارية الى الرئيس خلال شهر يعتبر معتذراً ويعاد فتح باب الاستشارات. علماً ان جميع المراسيم ومراسيم احالة القوانين يجب ان توقّع من قبل الرئيس ورئيس مجلس الوزراء والوزير المختص وتحدد مهلة 30 يوماً لتوقيعها من قبل الرئيس وعند إنقضاء المهلة دون توقيع او ردّ معلّل يصبح المرسوم نافذاً للحكم. اما فيما يتعلق بالسلطة التشريعية فارتؤي زيادة عدد النواب ضمن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين والمثالثة بين الطوائف الثلاثة الكبرى بانتظار إلغاء طائفية التمثيل.  كذلك اقتراح انتخاب رئيس المجلس واعضاء مكتب المجلس لمدة سنتين قا بلتين للتجديد الى ما هنالك من اشارة لاقامة المجلس الاعلى والمحكمة الدستورية ومجلس اقتصادي واجتماعي ووضع قانون جديد للجنسية.

ولقد تعرض الاتفاق للانتقاد الشديد من حزب الكتائب والقوات اللبنانية الذين اعتبروا انه يضع لبنان تحت الانتداب السوري من خلال نصوص الفصل الرابع الذي يتناول العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا.  علماً ان الاتفاق يكرّس الطائفية ويجسّدها بأوج صورها قبيل التنازل عنها بعد انتهاء الفترة النتقالية. ناهيك عن بعض سمات الازدواجية والتعقيد على مستوى إقامة مجلس وزراء ومجلس وزاري الغاية منه التحكّم بالسلطة الاجرائيّة.

والواقع ان اللبنانيين قد اختلفوا على القسمة ولم يدركوا ان البساط قد سحب من تحت أقدامهم،  فما نفع الاصلاحات إذا لم تكن السلطة في يد اللبنانيين وهذا ليس تقليلاً من أهمية الاصلاح وإعادة بناء نموذج حديث طبعاً ولكن المنافسة وصلت الى درجة الانتحار والاندحار.

وفي عام 1986 انشغل الرأي العام بما روّج له ودُعي “بالمشروع المسيحي وفيه دعوة لتكريس العُرف القائم بالنسبة للرئاسات الثلاث واعتماد المناصفة في توزيع مقاعد المجلس النيابي وفي الوظائف الهامة واقتراح استحداث 6 نواب لرئيس الجمهورية يمثلون الطوائف الست الكبرى ما عدا طائفة الرئيس ويشكلون مجلسا استشارياً للرئيس ويحلّون محلّه مجتمعين في حالة خلوّ سدّة الرئاسة ناهيك عن الأخذ. بانتخاب رئيس الحكومة من قبل المجلس النيابي واللامركزية الادارية الموسّعة…

وفي العام 1987 استفتيت عشرات الشخصيات  السياسية والمعنية بالوضع في إطار “حوار من أجل الوحدة”[20] بمناسبة مرور 12 سنة على بدء الاحداث فجاءت مداخلاتهم على العموم إعادة لما سبق وقيل ما عدا البعض منها وعلى الخصوص المشروع الذي تقدّم به نبيل خليفة[21].

فبعد مقدمة تُظهر الاهمية الجيوبوليتكية للبنان وضرورة تحقيق طمأنة المسيحيين وإرضاء المطالب المادية والنفسية للمسلمين في توازن قائم على معطيات أربع: الضمانات، الحقوق، الوحدة والحرية، وبعد الاقرار بالواقع الطائفي والتنوّع الثقافي للبنان يستخلص خليفة وجوب كون الحكم توافقياً يرتكز بدوره على أربع أسس مترابطة:  حكم الائتلاف الواسع بمشاركة الجميع، النسبية في التمثيل على مختلف المستويات، اللامركزية دون الإضرار بالوحدة والمؤسسات المستحدثة كضمانة للجماعات وحفظ مصالحها الحيوية.

وينعكس مثل هذا الحكم التوافقي بإيلاء السلطة التشريعية الى جمعية وطنية مؤلفة من مجلس للنواب    (120 عضواً)[22] ومجلس للشيوخ (68 عضواً) موزعين بالمناصفة على المسلمين والمسيحيين[23] ومنتخبين عن طريق الاقتراع العام الاكثري لمدة 4 سنوات وبالاستناد الى المحافظة كدائرة انتخابية بالنسبة للنواب ومن قبل كل طائفة ولمدة 6 سنوات بالنسبة لمجلس الشيوخ.  ويشارك هذا الاخير في التشريع لا سيما في القضايا المصيرية مثال: تعديل الدستور، الحرب والسلم، المعاهدات، مسائل الاحوال الشخصية مع حق النقض لصالح كل طائفة حيال القوانين المتعلقة بمعتقداتها الروحيةوالثقافية.  تولى السلطة التنفيذية الى مجلس رئاسي من 6 أشخاص يمثلون الطوائف الست الكبرى في البلاد وينتخبون من قبل الجمعية الوطنية لمدة خمس سنوات وبأغلبية لا تقل عن 55% في كلا المجلسين. ويضطلع أعضاء المجلس الرئاسي بمجموعة من الشؤون: رئاسة الجمهورية، الداخلية والامن،  السياسة الخارجية، الدفاع، العدل والاقتصاد والتربية. ويرتبط بهذه الشؤون بالاضافة الى الامانة العامة للمجلس  الرئاسي مجموعة من الامانات (الوزارات المساعدة) المناطة بأشخاص ينتمون الى بقية الطوائف.

ونرى هذا المشروع قد تأثر بالنظام السويسري واتى في سياق سلسلة من الطروحات التي تعتمد التعددية للمجتمع اللبناني. وعادة ينادى بهذه الطروحات نتيجة ردات فعل تجاه احداث معينة وفي الاوقات الحرجة المتسمة بالخطر المداهم على الوجود المسيحي في لبنان. ولكن من المستبعد ان يتحول هذا الى نموذج علماني كونه لا يدرح فيه اي اقتراحات او تدابير لهذا التحول (اي ازالة كل المؤسسات الطائفية وعلى كافة الصعد) تربط المواطن مباشرة مع الدولة  وليس عبر الدخول الى الدولة بواسطة الطائفة .

وما يصحّ لنقد هذا المشروع، يصح لنقد المشاريع الاخرى المنادية بالآحادية او لنقل بالآحادية الطائفية اي المنادات بالغاء الطوائف لحسابها الخاص وليس لحساب الدولة. وفي هذا نرى الفيدرالية الطائفية اخف شراً من الآحادية الطائفية. اذ لا تلحظ في طروحاتها اي تدابير لنقل المواطن من الانتماء الطوائفي على كافة المستويات الى الانتماء المدني، فتصبح بهذا كلها طروحات مشبوهة متسمة وممعنة في التطرف. وما يثير التعجب ان المواطن في لبنان ليس له الخيار الا بالانتماء لطائفته.

اذ لا يوجد له الحق بالخيار المدني والانتماء  الوطني، فكيف تنتقد الفيدرالية الطائفية، وهي واقع مفروض في ظل غياب الخيار المدني.

أما في عام 1988 وعلى الرغم من انشغال الاوساط السياسية وتحضيرها لعملية الانتخابات الرئاسية التي لم تتم في موعدها، لم تخلوا الساحة من عرض بعض المشاريع الاصلاحية نذكر منها خصوصاً مقترحات للرئيس أمين الجميل عرضها في آذار ، أهم ما جاء فيها إلغاء للطائفية على مراحل  وبتصويت يستوجب توفّر أغلبية 95% من أعضاء المجلس النيابي الاول و 75% من المجلس النيابي الثاني و 3/2 من المجلس النيابي الثالث . وفي ذلك إعادة لمقترحات من نفس الطبيعة، ولكن بأكثرية أقل،  أدلى بها الرئيس سليم الحص وأخذ بشيء منها الاتفاق الثلاثي لعام 1985.

ومع اضطلاع اللجنة العربية السداسية[24] بمهمة للاتصال والمساعي الحميدة في الازمة اللبنانية وعودة الاشتباكات العنيفة بين المنطقتين الشرقية والغربية من بيروت وتأزم الوضع لا سيما ابتداء من 14/3/1989 صدر عن الاجتماع الدرزي الموسع المنعقد في 25/3/1989 في خلدة بيان “الوثيقة الوطنية” – يعرض للمصاعب اللبنانية وأسباب استجداد النـزاع المسلح واستمرار الازمة والتأكيد على سلسلة من المواقف التي تعتمدها الطائفة الدرزية واقتراح جملة من التدابير السياسية،  الاقتصادية والاجتماعية[25] بعدها يعود لطرح “صيغة لبنان الوطن والمجتمع والدولة” فيرى في 16 بنداً ضرورة الحفاظ على وحدة الشعب والارض ورفض كافة الطروحات التعددية من فيدرالية وكونفدرالية ولامركزية إنمائية…. ومطالبة بفصل السلطات والمساواة التامة والانتقال من الصيغة الطائفية الى النظام الوطني اللاطائفي عن طريق وضع قانون جديد للانتخاب، إقامة مجلس للشيوخ ذي صلاحيات أساسية محددة ويعمل على تحقيق التوازن في الانماء والوظائف الاساسية، إناطة السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً ورئاسة الدولة برئيس للجمهورية لا تتعارض صلاحياته مع قيام الحكومة بمهتها السياسية الاجرائية كاملة بوصفها المسؤولة امام الرأي العام والسلطة التشريعية … ولم يتأخر الرئيس صائب سلام مرّة جديدة من التقدم الى اللجنة العربية السداسية بمشروع مفصّل أهم ما فيه تحديد وموازنة علاقة رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء عن طريق تقصير الولاية الرئاسية الى 4 سنوات، وانتخاب رئيس الحكومة من قبل المجلس النيابي وجعل هذا الاخير الحكم النهائي في تشكيلة الحكومة وعدم سحب الثقة منها سوى بتوفر أغلبية 55% من الاصوات وإيلائها السياسة العامة للدولة في كافة المجالات ناهيك عن تخطيط لإلغاء الطائفية تدريجياً في فترة تقارب الـ 15 سنة[26] وكان أهم ما تضمنته مذكرة المحامي عمر كرامي الى اللجنة رفض كافة أشكال التقسيم والأخذ بسلطة مركزية قوية وإلغاء تام وعلى كافة المستويات للطائفية السياسية في لبنان.[27]

القسم الثاني: اتفاق الطائف والنموذج المغاير.
لقد كانت هذه آخر المقترحات قبل الدخول في النمذجة المرسومة في الطائف فأتت النمذجة الجديدة حصيلة تحركات عربية مكثفة ودعم دولي شبه مطلق اعقبت انفجار الوضع العسكري والقصف المدمر، فعلى إثر الجهود العربية التي قامت بها اللجنة السداسية والتي ترأسها وزير الخارجية الكويتي، إتخذ مجلس الجامعة العربية في 27/4/1989 قراراً قضى بوقف شامل لاطلاق النار وتأليف قوة مراقبين عرب (بقيت في حيّز التنظير[28] للاشراف على تنفيذه. غير ان عدم تجاوب الاطراف المعنيين بالازمة أوقف المسعى مما دفع لانعقاد مؤتمر القمة العربي الاستثنائي في الدار البيضاء لحل الازمة في الفترة الممتدة بين 23-25/5/1989. وتألفت بنتيجته ما بدأته اللجنة السداسية والاتيان بتسوية للازمة في فترة اقصاها 6 اشهر يتم خلالها تحضير الاتصالات اللازمة مع المسؤولين اللبنانيين، لاسيما النواب، وتسهيل اجتماعاتهم في الخارج تخفيفاً للضغوط الداخلية عليهم، وذلك لمناقشة امور الاصلاح ومن ثم الاجتماع في لبنان لانتخاب رئيس لمجلس النواب ورئيس للجمهورية وتأليف حكومة موحدة تتخذ  القرارات بشأن تواجد القوات السورية فضلاً عن مطالبة الاسرة الدولية المساعدة في جعل إسرائيل تنسحب من جنوب لبنان تنفيذا لقرارات مجلس الامن الدولي لاسيما القرار رقم 425 .

وعلى رغم تجميد عمل اللجنة بإعلانها في 1/8/1989 عدم تمكّنها من بلوغ الغاية المنشودة ووصولها الى الحائط المسدود[29] بيد أنها عاودت بتشجيع ودعم دولي مجدد وكامل، استئناف نشاطاتها واتصالاتها المكثفة مع كافة القوى المعنية داخليا وخارجيا وتمكّنت في 16/9/1989 من إصدار بيان من نقاط سبع قبلته الاطراف اللبنانية وفيه وقف شامل لاطلاق النار وفك للحصارات ودعوة لاعضاء المجلس النيابي للاجتماع في 30/9/1989 لإعداد ومناقشة وثيقة الوفاق الوطني التي سبق وأعدتها اللجنة الثلاثية وأذاعها ونصّها وزير الخارجية السعودي رسمياً في 18/9/1989، وهكذا كان، إذ اجتمع النواب في مدينة الطائف السعودية واعتمدوا الوثيقة العربية كأساس لمناقشاتهم التي استمرت ما يزيد عن الثلاثة اسابيع وأقرّوا الوثيقة المذكروة مع ادخال بعض التعديلات عليها، وصدقوا عليها رسمياً في جلسة المجلس النيابي التي انعقدت في مطار القليعات العسكري اللبناني قبيل إنتخاب رئيس جديد للجمهورية في 15/11/1989 والسؤال الذي نطرحه، هل استحق هذا النموذج الجديد الذي أُقّر، خمسة عشرة سنة من الحرب.

فالنصوص اعادة صياغة نفس النموذج، واعادت النظر في موضوع المشاركة الطوائفية على صعيد السلطة لارساء التوازن، وهو بالامر الحسن فيما لو اقتنعت كل طائفة بحصتها من المشاركة دون الجنوح الى الرغبة في الهيمنة السياسية. الا ان المشكلة الاكبر من النموذج الطوائفي هو التنافس الدائم بيت الطوائف للحصول عل امتيازات أكثر على حساب بعضها البعض مما يؤدي الى مردود سيء على الديمقراطية واستثارة العصبيات الطائفية. اما التطبيق، فأتى انقلاباً على الطائف نتيجة لاستكمال السيطره السورية على لبنان للأسباب التي ذكرناها في مقدمة هذا البحث. وإن نصّت الوثيقة والقانون ببرمجة الخروج السوري بمدة أقصاها السنتين، وإن نصّت أيضاً بإناطة السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء، وإن نصّت ببعض الامور الاصلاحية الاخرى، فإن النصوص لم تعد ذي معنى في ظل هذه الهيمنة. فأصبح هناك هوّة كبيرة بين نص اتفاق الطائف وبين ممارسة اتفاق الطائف.

وبدل ان يسير لبنان باتجاه النموذج الديقمراطي الحديث، وان يتغلب على نمذجة ليبرالية – طائفية ، سار في اتجاه نمذجة توتاليتارية طائفية، لا تحتويها النصوص، انما ساهم في تركيبها النموذج السوري وبعض المنافع الضيّقة الداخلية، حتى بدا النموذج القديم والنموذج النصِّي الجديد، أشبه بالانجاز  العظيم اذا عُمِل على تنفيذه، حيث ظهرت هوّة كبيرة بين النصوص والممارسة. فأتت الاصلاحات تعيد صياغة نفس النموذج، وأتت إستكمال الوصاية السورية لتضفي نموجاً مغايراً.

فما هي هذه الاصلاحات التي اعادت صياغة نفس النموذج ؟ وما هو النموذج المغاير التي عملت سلطة الوصاية على تمريره ؟

اولا : اعادة صياغة نفس النموذج.
تركّزت الاصلاحات السياسية على رئيس الجمهورية، مجلس الوزراء، الوزير، مجلس النواب، وصولاً الى الغاء الطائفية السياسية.
في مجلس النوا ب، ظهرت جلياً إرادة أعضائه في إعطاء مجلسهم أرجحية على بقية الهيئات  من حيث الشكل من خلال تقديم الحديث عنه في النص،[30] وهذا طبيعي في نظام برلماني. وجرى جعل ولاية رئيس المجلس ونائبه لمدة ولاية هذا الاخير ( يعني 4 سنوات بدلا من سنة واحدة كما تنص المادة 44 من الدستور اللبناني) . وهذا جديد في المشاريع الاصلاحية[31] وفيه تدعيم لمركز رئاسة المجلس[32] ويتعلق هذا الامر بالتوازنات الطوائفية في النظام، وباعطاء الشيعة موقع موازن للموارنة والسنة، أمّا اختيار المحافظة كأساس للدوائر الانتخابية (بعد تعديل التوزيع الاداري القائم) فسبق للاتفاق الثلاثي أن اعتمده، حيث تُوزّع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين ونسبياً بين الطوائف والمناطق. أضف الى الاخذ بفكرة تعيين حكومة الوفاق الوطني[33] بعض النواب استثنائيا لملئ المراكز الخالية والمستحدثة في المجلس[34] وكان هذا الامر قد نوقش في المرحلة الثانية من مؤتمر الوفاق الوطني المنعقد في لوزان عام 1984 وتضمنه  البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية لعام 1984 تمكيناً للمجلس من الاستمرارية في تأدية مهامه وتوسيع المشاركة فيه عن طريق ضم الفاعليات السياسية والميليشياوية المستجدة والنافذة ومحاولة تدجينها بتحويل صراعها المسلح على الارض الى صراع سياسي داخل الندوة في وقت لا تسمح فيه الظروف باللجوء الى مقولة الانتخاب الركن الاساسي في  الانظمة الديقمراطية. وأخيراً، أردف تعزيز مركز المجلس النيابي بالنص على استحداث مجلس للشيوخ مستقبلا ًعندما يجري انتخاب مجلس نواب على أساس لا طائفي، وبالتالي بمسألة الغاء الطائفية السياسية وهي مسألة غير مبرمجة في الوثيقة، مع الملاحظة ان استحداث مجلس للشيوخ لم ترتأيه وثيقة اللجنة العربية وأضيف في الطائف كرفع للعتب وبناء على الحاح من قِبل ممثل الطائفة الدرزية في الاجتماعات وفي سياق عرض المطالب المذهبية والعمل بسياسة “المحاصصة” وتأكيداً لدور الطائفة الدرزية كطائفة أساسية في التركيبة لها ما لغيرها من رئاسات. وهكذا حُشر واستلحق النص عليه في نطاق التحدث عن مجلس النواب ودون اي تنسيق او تكيّف مع بقية النصوص او إيضاح لتركيب وصلاحية هذا المجلس المستحدث.

ولكن من الطبيعي ان تُقابل الطروحات الطائفية، طروحات طائفية أخرى، فالغاء الطائفية السياسية وحدها، قد يلائم طائفة معينة ولكنه لا يلائم الطائفة  الدرزية التي لديها طموحات سياسية وبنفس الوقت تريد الحفاظ على كيانها الدرزي وفي الحقيقة لا نستطيع انتقاد هذه المطالب في ظل استمرار اللعبة التنافسية بين الاطراف اللبنانية حيث يبقى مشروع الدولة الحديثة غائب كلياً عن المداولة.

اما في موضوع رئاسة الجمهورية، فلقد استحوذ البحث في هذه المسالة على قدر كبير من المناقشة. وقد بدأ التكلم عنها بصيغة توفيقية لا تخلو من الابهام، بالنص على ان رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة… وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء. وإذا كان المقصود بهذا النصّ إظهار التوجّه في جعل رئيس الجمهورية قائداً فخرياً للقوات المسلحة في الوقت الذي يعطى فيه مجلس الوزراء حق تسيير شؤون القوى المسلحة من حيث العديد والتجهيز واشغالها في وقت السلم والحرب والتصرف بها. ولكن هذا المقصود ليس بالاكيد ولا يخلو هذا النص من اللبس لجهة التفسير اذ لو كان المقصود إبقاء رئيس الجمهورية قائداً فخرياً، كان بالأحرى الاكتفاء بالنص تحت بند رئيس الجمهورية على انه القائد الاعلى للقوات المسلحة، بينما يصار النص على خضوع هذه الاخيرة لسلطة مجلس الوزراء تحت بند مجلس الوزراء.

بعدها تعدد الوثيقة صلاحيات رئيس الجمهورية بـ 16 عدا النص عن عدم تبعية ومسؤولية الرئيس حال قيامه بوظائفه الا في حالتي خرقه للدستور وخيانته العظمى. ان اهم هذه الصلاحيات التي اعتبرها البعض[35] تتجاوز حتى ما يتمتع به الرئيس بموجب نصوص الدستور القائم  وما كانت ترتأيه الوثيقة الدستورية لعام 1976  وهذا طبعا لا يتطابق مع الواقع ، هي :

-ترؤسه مجلس الوزراء متى يشاء دون ان يصوت. والمقصود على ما يبدو بهذا النص، دعوة رئيس الجمهورية الى عدم ترؤس جلسات مجلس الوزراء سوى في بعض الحالات الهامة والمسائل المصيرية.[36]

-ترؤسه مجلس الدفاع الاعلى، وهذا منطقي طالما انه القائد الاعلى للقوات المسلحة.

– إصدار ونشر المراسيم واعادتها الى الحكومة خلال 15 يوما من إيداعها له، فاذا ما أصرّ عليها مجلس الوزراء او انقضت المهلة المذكورة اصبحت نافذة حكما، كذلك القوانين التي يستطيع الرئيس ان يعيدها الى مجلس النواب ضمن المهل المحددة في الدستور (30 يوماً و 5 ايام)، واذا انقضت هذه المهل اصبحت القوانين المحالة الى الرئاسة نافذة حكما ووجب نشرها.

– تسمية رئيس الحكومة المكلّف بناء على استشارات نيابية ملزمة يطّلع عليها من رئيس مجلس النواب وبالتشاور معه[37] ويصدر مرسوم التكليف منفرداً بينما يصدر مراسيم تشكيل الحكومة بالاشتراك مع الرئيس المكلّف. وفي ذلك نقل الصلاحيات من رئاسة الجمهورية الى المجلس النيابي وزيادة في تفعيل دور رئيس المجلس النيابي.

– إصدار مراسيم استقالة الحكومة والوزراء وإقالتهم واعتماد السفراء واستقبالهم ومنح الاوسمة، وكلها من الاختصاصات التي يأخذ بها الدستور والمقررة لرئيس الدولة في الانظمة البرلمانية.

– تولّي المفاوضات لعقد المعاهدات الدولية وابرامها بالتعاون مع رئيس الوزراء.

إن هذه الصلاحية اعيدت الى الرئيس إثر مناقشات الطائف بينما أناطتها الوثيقة العربية بمجلس الوزراء ولكن أضيفت إليها لازمة التعاون مع رئيس الحكومة وضرورة توفر توقيع رئيس الحكومة الى جانب توقيع رئيس الجمهورية على المعاهدة.

او على الاقل مثل هذا التوقيع المزدوج على رسائل تفويض الممثلين اللبنانيين القائمين بالمفاوضات والموقعين للمعاهدة المعنية.

– توجيه الرسائل الى مجلس النواب عند الضرورة ودعوته للانعقاد في دورات استثنائية بالتعاون مع رئيس الحكومة ( يعني بمرسوم موقّع من قبله وقِبل هذا الاخير كما تعود وتوضح الوثيقة في الترتيب رقم 4 من رئيس الوزراء – ج 4) وهذا مستحدث

– الاطلاع على جدول اعمال مجلس الوزراء من رئيسه وعرض اي امر من الامور الطارئة على المجلس من خارج جدول اعماله.

-دعوة مجلس الوزراء للاجتماع استثنائيا كلما راى ذلك ضروريا ولكن هذه  المرة بالاتفاق مع رئيس الحكومة.

ان هذه الصلاحيات بالاضافة الى حق منح العفو الخاص وهو مكرّس لرؤساء الدول في النظم البرلمانية، اصبحت اقل مما تتمتع به الرئاسة بموجب نصوص الدستور، بعد تعديل المادة 17 منه التي كانت قد اناطت السلطة الاجرائية بكاملها برئيس الجمهورية.

لقد ارتبطت ممارسات رئيس الجمهورية لقسم كبير من اختصاصاته إما برئيس الحكومة او بمجلس الوزراء الذي اصبح صاحب السلطة التنفيذية.

 وهذا ما يضعف من السلطة التنفيذية في المجتمعات التعددية خاصة في الحالات التي لا يكون فيها اكثرية برلمانية متجانسة. أما في لبنان فأتت الاكثرية البرلمانية متجانسة من حيث التحالف مع السلطة المهيمنة. حيث تمّ اللجوء الى استعمال البدع الانتخابية، التي تُهمش الارادة الشعبية وتفبرك مجالس على قياس مصلحة سلطة الوصاية وحلفاؤها. وطبعاً هذا تشويه للواقع اللبناني وإلغاء طوائف بكاملها، لحسلب طوائف أخرى أو بالاحرى لحساب سلطة الوصاية في ظل اعتماد النظام الطوائفي.

اما رئيس مجلس الوزراء في النموذج المعدل، قد خصّص بعنوان مستقل في الوثيقة الوفاقية، وجرى ايضاح اختصاصات رئيس الحكومة على الشكل التالي :

-ترؤس جلسات مجلس  الوزراء وهذه المرة بصورة اصلية ومبدئية كما يفهم من سياق  النص لاسيما وان هذه الجلسات ستعقد في مقر خاص بالمجلس (كما تنص الوثيقة لاحقاً) ومنفصل عن مقر رئيس الجمهورية الذي يحتفظ بحقه في ترؤس الجلسات المذكورة (عند  الضرورة وبصورة استثنائية).

-اجراء الاستشارات النيابية وتوقيع مراسيم تشكيل الحكومة مع رئيس الجمهورية وتقديم بيان حكومته الى مجلس النواب وطلب ثقته في مهلة لا تتعدى 30 يوما، وفي ذلك قطعاً للاستمرار غير المحدّد في ممارسة السلطة لحكومة شُكِّلت حديثاً دون نيلها ثقة المجلس، وعلى ان لا ترقى مثل هذه الممارسة لاكثر من تصريف الاعمال بمفهومه الضيق مما يحسم الوضع لجهة عدم صلاحية الحكومات، قبل نيلها الثقة وبعد تقديم استقالتها، بممارسة الاختصاصات ذات الصفة التقريرية وقصرها على الاعمال الادارية العادية.

-توقيع جميع المراسيم ( ما عدا مرسوم تسمية رئيس الحكومة وقبول استقالة الحكومة او اعتبارها كذلك) ومنها مراسيم دعوة مجلس النواب للانعقاد في دورات استثنائية، ومراسيم اصدار القوانين واعادة النظر فيها.

-دعوة مجلس الوزراء للانعقاد ووضع جدول اعماله وتوقيع المحضر الاصولي للجلسات

-متابعة اعمال الادارات والمؤسسات العامة والتنسيق بين الوزراء واعطاء التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل، وعقد جلسات عمل مع الجهات المعنيّة في الدولة بحضور الوزير المختص.

-اعتباره حكماً نائباً لرئيس مجلس الدفاع الوطني .

وعلى العموم فان الصلاحيات التي أنيطت برئيس  الحكومة والتي كرّست لصالحه قدراً كبيرا من المشاركة على مستوى الرعاية والادارة والتمثيل، قد شاركه فيها مؤسسة مجلس الوزراء.

اضحى مجلس الوزراء حسب وثيقة الوفاق، مركز السلطة الاجرائية. فهو الذي يضع السياسة العامة للدولة في شتى المجالات ويضع مشاريع القوانين والمراسيم ويتخذ القرارات المناسبة لتنفيذها بعد اصدارها ومتابعة هذا التفنيذ

-يشرف على اعمال كافة اجهزة الدولة  المدنية والعسكرية دون استثناء

-يتصرف بالقوات المسلحة ويتدبر شؤونها

-يعيّن موظفي الدولة، ويصرفهم ويقبل استقالتهم وفق القانون ( وهو ما يمارسه فعلاً وعرفاً)

-يقوم بحل مجلس النواب بناء على طلب رئيس الجمهورية. [38]

ان هذه الاختصاصات ، تدعمت بجملة من الاحكام المساعدة في ترسيخ النزعة التأسيسية لمجلس الوزراء الذي يتعين عليه ان يعقد اجتماعاته في مقر خاص به (بينما تعقد الاجتماعات عادة في مقر رئيس الجمهورية) ووفق اصول وقواعد وإجراءات توفر اغلبية 2/3 الاعضاء والقرارات تتخذ مبدئيا بالتوافق، وإذا تعذّر ذلك فبأكثرية الحاضرين بالنسبة للمسائل العادية وبأغلبية الثلثين للمسائل الاساسية. [39]

وكان بالتالي منطقيا ان تعتبر الحكومة مستقيلة عند فقدها اكثر من ثلثي عدد الاعضاء المحدد في مرسوم التشكيل ( طالما ان ذلك يفقدها النصاب القانوني وينتقص بالتأكيد من كثافة مبدأ المشاركة) او عند وفاة او استقالة رئيسها ( عملا بمبدأ المسؤولية الجماعية ومفهوم المشاركة) او عند بدء ولاية رئيس الجمهورية وولاية مجلس النّواب او عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي.وبالاجمال فإن هذا التحوّل بالصلاحيات وإناطة السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء من شانه ان ينتقل بهذا الاخير من مجلس اداري للبنان الى مؤسسة جماعية للحكم في لبنان يعكس  الصورة التعددية اذا عمل بقانون انتخاب يحقق تمثيلاً صحيحاً يقوم على اسس علمية معروفة ومتبعة في النماذج الحديثة حيث يترادف فيها النظام الاكثري مع الدائرة المصغّرة وحتى الفردية، ويترادف فيها النظام النسبي مع الدائرة الموسّعة. هذا اذا توافق اللبنانيون على الاستمرار في النظام الطائفي دون السعي لتجاوز الطائفية.

اما المطالبة بالغاء الطائفية السياسية فقد  أُجّلت ولم تُسّجل تحديد مهل معينة لبلوغ هذا الالغاء (عكس ما يرتأي الاتفاق الثلاثي لعام 1985) تاركاً المسألة، لاختصاص اول مجلس نيابي ينتخب بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين ويتخذ الاجراءات المناسبة تحقيقا للالغاء على اساس الاقتراحات والدراسات التي تقدّمها هيئة وطنية يرأسها رئيس الجمهورية وتضم رئيس الحكومة والمجلس وبعض الشخصيات السياسية والفكرية الاجتماعية. وعلى ان يسبق الغاء الطائفية مرور فترة إنتقالية هي أيضاً غير محددة، يتم خلالها تجاوز قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في مختلف الوظائف والقضاء والمؤسسات المدنية والعسكرية العامة والمختلطة والمستقلة ما عدا وظائف الفئة الاولى وما يعادلها حيث تكون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين دون تخصيص اية وظيفة لاية طائفة. اضف الى الغاء ذكر الطائفة والمذهب من بطاقة الهوية.

كما ارتأت وثيقة الطائف اعادة النظر بالتقسيم واعتماد اللامركزية الادارية الموسعة على مستوى الوحدات الصغرى ( القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائمقام.

كما دفع هاجس اخضاع الحكام كما المحكومين الى سيادة القانون والحرص على استمرار التعاون بين السلطات من خلال الحفاظ على التوازن فيما بينها، الى التذكير بجملة من المقترحات التي سبق وتضمنتها معظم الورقات الاصلاحية المطروحة ومنها :

-تشكيل المجلس الاعلى المنصوص عنه في المادة 8 من الدستور لمحاكمة الرؤساء والوزراء بعد سنّ القانون الخاص بأصول المحاكمة أمامه

-إنشاء مجلس دستوري مهمته تفسير الدستور والمراقبة الدستورية على القوانين والبت بالطعون الانتخابية مع توسيع اطار الجهات الصالحة لمراجعته. فبالاضافة الى رئيس الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي، مُنح الحق بمثل هذه المراجعة لعشر نواب، ولرؤساء الطوائف، وهذا جديد  ويجسد ما لرجال الدين من تأثير وما للنظام الطوائفي من جذور وترسّخ وإن حدّدت مسائل مراجعة هؤلاء بالاحوال الشخصية، حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية وحرية التعليم الديني.

والى ما هنالك من اصلاحات تتناول وضع قانون جديد للانتخاب وانشاء مجلس اقتصادي واجتماعي تنموي ذي صلاحية استشارية، وتوفير العلم للجميع مع احترام حرية التعليم الخاص وتعزيز التعليم الرسمي وتطوير المناهج وتوحيد مادتي التاريخ والتربية تدعيماً للانصهار الوطني مؤيداً باعلام حرّ ومسؤول. ناهيك عن تعزيز قوى الامن الداخلي والقوّات المسلحة وتحديد مهامها بالدفاع عن الوطن، وعند الضرورة، حماية السلامة العامة بناء على قرار من مجلس الوزراء، حل مشكلة المهجرين والدعوة لتحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي بتنفذ القرارات الدولية لاسيما منها القرار رقم 425 وتنظيم العلاقة الاخوية والمميزة  بين لبنان وسوريا.

ثانياً: النموذج المغاير.
لقد وافقت سوريا على هذه الاصلاحات، التي اندرجت في نفس السياق والتوجه العام للوثيقة الدستورية لعام 1976 والبيان الوزاري لعام 1984 وبالتالي لميثاق عام 1943 والتي عملت على إعادة توزيع الكوتا الطائفية والى تغيير قواعد اللعبة السياسية في اطار المؤسسات الدستورية ولكن الممارسة انحرفت عن القواعد، تحت تأثير الوصاية السورية واستمرار النزعة التنافسية اللبنانية حتى جعلت نموذج 1990 الواقعي، بعيداً عن النصوص، اقرب الى التوتاليتارية او بالاحرى على طريق التوتاليتارية التي يُعمل على تركيبها في نموذج ليبرالي طوائفي، فهل هذه المحاولة ستكلل بالنجاح ؟

مع العلم ان النصوص لم تكن بالمثالية بل اعتراها شوائب كثيرة حيث فُصِّلت على قياس المشاركة وحصة كل طائفة فأتت العلاقة بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية غير متوازية نصاً، نتيجة تعزيز رقابة المجلس على الحكومة، في حين قيدّت حق السلطة الاجرائية في حل المجلس بشروط من الصعب جداً توافرها، فأدى ذلك، من حيث النصوص، الى خلل في التوازن بين السلطتين  لمصلحة السلطة الاشتراعية، لان صلاحية حل المجلس من قبل السلطة الاجرائية، في النظام البرلماني، تعادل حق المجلس في ممارسة رقابة مستمرة على الحكومة وسحب الثقة منها عند الاقتضاء. كما ادى ذلك الى تقليص دور رئيس الجمهورية كضابط لعمل المؤسسات الدستورية.

هذا في النصوص اما في الممارسة فقد طغت التوازنات الطائفية على الاصول والقواعد البرلمانية فالاتجاه الذي سلكته المشاركة الطوائفية في السلطة حصر عملية اتخاذ القرار بالرؤساء الثلاثة. فكانت النتيجة

” ترويكا طائفية”. فرئيس الجمهورية  وجد في الترويكا تعويضا لصلاحيات فقدها، ورئيس المجلس وجد فيها ما يمكّنه من توظيف نفوذه بحكم موقعه الجديد، ورئيس الحكومة رأى فيها وسيلة لتوفير الاستقرار لحكومته في مجلس ليس فيه اكثرية برلمانية ثابتة مستقرة داعمة للحكومة.

فكانت النتيجة، تتنافى وتتناقض جذرياً مع مبادئ النظام البرلماني ضاربة بعرض الحائط أسس وعمل المؤسسات ولزوم الفصل بينها.

فعلى صعيد أسس المؤسسات وعملها، أثرّت سلبا على دور المجلس في مراقبة الحكومة. وأدت الى مصادرة دور مجلس الوزراء الذي أنيطت به السلطة الاجرائية.

أما على صعيد الفصل بين السلطات، فلقد أدت الترويكا الى ربط العلاقة بين السلطتين الاشتراعية والاجرائية بالعلاقة بين اعضاء الترويكا. والعلاقات هذه متقلبة تستبد بها الاهواء والمصالح الخاصة ولا تقوم على قواعد دستورية مستقرة وثابتة.

فرئيس الحكومة يجد نفسه غير قادر على ممارسة الحكم الا بدعم رئيس المجلس له، لان لا وجود لأكثرية برلمانية يعتمد عليها، وهذا الدعم لا يحصل عليه إلا بإشراك المجلس في اتخاذ القرارات الاجرائية. فكيف يعقل ان يشارك رئيس المجلس في اتخاذ قرارات تصدر عن الحكومة، في حين انه مفروض بالمجلس مراقبة اعمالها وتصويب سياستها ومحاسبتها، واذا كان التعاون بين السلطتين الاشتراعية والاجرائية من خصائص النظام البرلماني، فالتعاون لا يعني مشاركة سلطة في إتخاذ قرارات السلطة الاخرى، إنما يعني تسهيل عمل كل سلطة من جانب السلطة الاخرى، في اطار التكامل والانسجام ومن ضمن الصلاحيات والقواعد التي رسمها الدستور .

 وهنا لا بد من طرح السؤال الاتي : هل الترويكا خروج على وثيقة الطائف ام هي نتاج طبيعي له ؟

إذا ما نظرنا الى المبادئ الدستورية العامة التي نص عليها اتفاق الطائف من حيث التأكيد على فصل السلطات والنظام الديمقراطي البرلماني، وتشديد رقابة المجلس  النيابي على الحكومة، ومن حيث تحول مجلس الوزراء في نصوص  الطائف مؤسسة قائمة بذاتها، تتخذ فيها القرارات الاجرائية وتوسع في اطارها المشاركة الطوائفية في السلطة، نرى ان الترويكا تتناقض جذريا مع ما جاء في اتفاق الطائف، فهي تقضي على دور مجلس الوزراء كمؤسسة، وتقلص عمليا قاعدة المشاركة الطوائفية في السلطة الاجرائية، وتقف حاجزاً  في وجه ممارسة المجلس رقابة فاعلة على الحكومة. أما إذا  اخذنا في الاعتبار الموقع الذي خصّ به إتفاق الطائف رئيس المجلس والنفوذ الواسع الذي منحه اياه من دون ان يقيده عمليا بأي محاسبة، في الوقت الذي قلّصت صلاحيات رئيس الجمهورية، وفي غياب اكثرية برلمانية منظمة وفاعلة داعمة للحكومة، نرى ان الترويكا جاءت كنتيجة طبيعية لاتفاق الطائف واذا ما اعتبرت الترويكا خروجاً عن اتفاق الطائف او نتاجا له تبقى النتيجة واحدة هي قيام دولة بثلاثة رؤوس، تخطف فيها الترويكا دور المؤسستين الاشتراعية والاجرائية وتنعكس سلبا على عملها وتتأثر فيها العلاقات بين المؤسسات الدستورية بالعلاقات بين اعضاء الترويكا، وتتجذر فيها الطائفية والمذهبية  في الوقت الذي يُرفع شعار الغاء الطائفية السياسية ويتم صوغ الوحدة الوطنية على اساس تقاسم الحصص والنفوذ[40] واذا ما اعتبرت الترويكا خروجاً عن اتفاق الطائف او نتاجاً له، فمن المؤكد ان ممارسات كثيرة اتت خروجاً عن اتفاق الطائف منها ما يتعلق بالمجلس الدستوري ومنها ما يتعلق بالقوانين الانتخابية وغير الانتخابية التي لا تراعي النصوص والمبادئ الدستورية بحجة ان المجلس سيد نفسه، ووضع نصوص قانونية تخدم مصالح خاصة وضيقة، وذلك تحت العبارة الشهيرة “بصورة استثنائية ولمرة واحد وخلافاً لاي نص آخر…”

وغيرها الكثير من التجاوزات التي لا تعد ولا تحصى وطبعاً  لا نستطيع تجاهل دور السلطة الوصية في كل هذه التجاوزات والممارسات بعد استكمال سيطرتها على كافة الاراضي اللبنانية واستجماعها كافة الاوراق، هذه السلطة التي عملت على تقويض المعارضة واعداد رموز ونخبة جديدة تظهر ولائها. واذا ما عدنا الى الاسس التوتاليتارية التي وضعتها HANNA Rent، نرى صدى لهذه الاسس في ممارسات السلطة الوصية فمباشرة بعد استكمال السيطرة بدأت بالاعتقالات والاغتيالات والامساك بكافة خيوط السلطة بالرغم من ان هذه السلطة الوصية تعتمد على عدة حلفاء داخليين.

_عملت على ضرب الطبقات الاجتماعية اللبنانية، فغابت الطبقة الوسطى وتضررت الميسورة، باقتصاد مشلول اغرقه الهدر والفساد واتفاقيات مُلزِمة له لا تخدم مصالحه.

_عملت على خلق عدو وهمي ورفع شعار الوطن في خطر ومارست اعمال العنف تحت رآية هذا الشعار  لضرب الاعداء الحقيقيون، وهم كل من عارض وانتقد. فالعنف هو وسيلة لانقاذ الوطن من العدو الصهيوني.

نقل مركز السلطة الفعلي الى سلطة الوصاية وتفريغ الدولة من مركز القرار Deplacement du pouvoir  . فالجهاز الحكومي ليس سوى واجهة تتوارى خلفها السلطة الحقيقية التي تفرض الخضوع الاعمى في تنفيذ الاوامر. حيث ان سلطة الوصاية كانت قد كلّفت اللواء غازي كنعان بالاشراف على السياسة اللبنانية طوال عشرين عاماً.

كما تم القضاء على التسلسل الهرمي في اجهزة الحكم فمورست سياسة عزل الافراد والمسؤولين وضرب عمل الحكومة  اللبنانية وعمل المجلس النيابي وتم الاكتفاء بالترويكا والنظام الشخصاني.

كما عملت على إزالة قيادات كل الاحزاب المعارضة القائمة والابقاء على قيادات كل من يخضع لهذه السياسة او بالاحرى قيادات الحلفاء.

كما عملت على اطلاق الدعاية للحكم وهو نسق كلي او شمولي لا يتسامح مع وجود اي حزب معارض وهذا ما تم من خلال القضاء على القيادات الحزبية المعارضة وإعادة فبركتها بشكل يتلاءم وينطق بما تقوله السلطة. كما لا يتسامح هذا النسق الشمولي مع اي حرية للرأي العام وهكذا عمل على محاربة وسائل الاعلام وفرض قوانين واستخدامها في تسكير بعض الوسائل الاعلامية لتكون عبرة لغيرها فتسهل عملية التدجين.

كما انه خلف واجهة الحكم الظاهري، نجد نواة السلطة في الدولة بيد الشرطة السريّة التي عُمِل على تسميتها ” بالاشباح” التى لا تحمل اسماء، وتمارس كل التجاوزات من تهديد وضرب وخطف وتصفية جسدية اما المهمة السياسية ” للاشباح” تكمن في الابقاء على الاعداء الموضوعيين ” العدو الصهيوني” لاحكام القبضة على الحكم من خلال الايديولوجيا، فكل من خالف الرأي، أُلصقت به تهمة التعامل مع العدو الصهيوني.

 وبعد، هل نحن على طريق التوتاليتارية، طبعاً بالرغم من كل الذي يحدث لا نستطيع القول اننا بتنا نموذجاً مشابهاً للنموذج السوري، فالبرغم من إحكام سلطة الوصاية قبضتها على الوضع الداخلي اللبناني، فهي تعتمد  على حلفاء داخليين مستفيدين من هذه السياسة، والعدو الحقيقي الذي يتم ضربه باسم العدو الموضوعي هم فئة واحدة لا بل نصف فئة واحدة من اللبنانيين، والسؤال الذي يطرح هل اذا امتد العدو الحقيقي ليشمل اكثر من فئة من اللبنانيين، هل يبقى هذا الإحكام في السلطة موجود، وهل اذا ضربت مصالح أكثر من فئة من اللبنانيين تبقى المعادلات كما هي. وهل اذا انتفت الصيغة التنافسية بين اللبنانيين تبقى سلطة الوصاية على حالها.

ان ارتكاز السلطة الوصية على حلفاء داخليين، مستفيدة من التنافس فيما بينهم لتركيز وصايتها لا يعني ان هذا التركيز هو هدفها النهائي بل الاحتواء الكامل وهذا الاحتواء لا يتم فقط من خلال تأمين مصالح حلفائها او من خلال علاقة قائمة على المنفعة بل من خلال السيطرة الكاملة ولا يتم ذلك الا من خلال ضرب كل فئة على حدة، وواحدة تلو الاخرى مستخدمة الطبيعة التنافسية اللبنانية للوصول الى مآربها النهائية. فتركيب التوتاليتارية في النموذج اللبناني وقف على نجاح هذه السياسة وعلى استمرار التنافس بين الفئات اللبنانية، فلنكن لها بالمرصاد، أمّا الاستمرار في السياسات الحاضرة والموروثة، فان مآله المزيد من تداعي الدولة اللبنانية والنجاح في تركيب التوتاليتارية.

1- اعتبرت رئاسة الجمهورية ان قضية السيادة هي مسؤوليتها الاو لى واتخذت مواقف ومبادرات مهمة بمعزل عن رئاسة الوزراء، فاختار رئيس الوزراء التخلي احتجاجا وتأزم الوضع تماما وكاد ان يتحول الى اعمال عنف. اضف  الى تحوّل الهمس الذي كانت تتناقله بعض القيادات الاسلامية الى احتجاج علني وشديد ضد “اختلال التوازن الوطني والديقمراطي لمصلحة فئة معينة”.

انظر : ” الوثيقة الاولية للعمل الوطني في المرحلة القادمة من تاريخ لبنان ” الصادرة  عن  الاجتماع الوطني” المنعقد في نادي جمعية متخرجي المقاصد الاسلامية في بيروت بتاريخ 19/5/1972 (جريدة المحرّر 20/5/1973)

2 – عصام نعمان : الى اين يسير لبنان، دار الطليعة بيروت 1979، ص 33 وما بعد

وتجدر الاشارة الى ان نعمان عدل موقفه لاحقا لجهة القبول بانتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب واقترح عدة مشاريع  ” للتغيير والتطوير الديمقراطي” تستند الى مبادئ اهمها : تحديد هوية لبنان على اساس كونه وطن عربي كامل السيادة اعتماد تقسيم اداري جديد للبنان ( 14 محافظة تكون الدوائر الانتخابية)  واللجوء الى الاستفتاء، لتقرير المسائل الهامة ووضع قانون جديد للاحزاب  السياسية (نفس المرجع، ص 88 وما بعد و 214 وما بعد).

3- كان هناك اكثر من 15 صيغة وفاق في فترة 5 سنوات (1975-1980) راجع موجز لهذه المشاريع في مجلة ” الموقف اللبنانية” بيروت، 25 شباط 1980، ص 8 وما بعد . ولمجمل المشاريع المطروحة وبالتفاصيل راجع ملف مشاريع و فاقية لدى المركز العربي للمعلومات، (بيروت) انظر ايضا : يسوف قزما الخوري : مشاريع الاصلاح والتسوية في لبنان ( 1927-1980) ، الدار الحمراء،  بيروت.

4- مراجعة مبادئ الوثيقة في القسم الوثائقي، انظر نص الوثيقة في صحيفة النهار او السفير او الانوار تاريخ 15/2/1976

5- ومثل هذه  الصيغة لا تختلف كثيرا عن الصيغة الماركسية اللينينيه ” من كل حسب مقدرته ولكل حسب عمله”

6- راجع نص الوثيقة في الصحف اللبنانية تاريخ 24/12/1980 وهناك تعليقات كثيرة علهيا راجع مثلا صحيفة النهار تاريخ 26-27-28-29/12/1980

7  سيعاد طرح هذه الورقة بخطوطها العريضة في 3/10/1983

8    وفي 19/2/1980 اقترح المحامي محسن سليم مشروعاً للوفاق يحتوي على بعض المبادئ المتضمنة لمشاريع سابقة مع التشديد عل مسألة الولاء للبنان وطابعه المميز وإن شكّل جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي. اما الرئيس الاسبق شارل حلو الذي تقدم بصيغة للوفاق في نفس اليوم فقد اظهر الروح والعاطفة والمصلحة المشتركة التي تجمع بين اللبنانيين معتبراً بأن المجلس النيابي هو الميدان الطبيعي للمحاورة مقترحاً اقامة مجالس استشارية في= الميدان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والدستوري ومطالبا بخدمة العلم من خلال جيش متماسك مشدود القوى والقوات. وفي 20/2/1980 جاهرت رابطة النواب السابقين بصيغتها للوفاق المؤلفة من 5 نقاط هي :  لبنان دولة مستقلة سيدة وموحدة، إنه عضو في الجامعة العربية، وهو يتابع دعمه للقضية الفلسطينية، وعليه واجب تعزيز الجيش وقوى الامن، كذلك اجراء إصلاحات دستورية وتعديل قانون الانتخاب على أساس المحافظة وارساء قواعد ديمقراطية اجتماعية واقتصادية سليمة.

 9- انظر نص المبادئ المسلمات في صحيفة النهار تاريخ 6/3/1980

10- راجع على الخصوص سليم الحص : نافذة على المستقبل، دار العلم للملايين، بيروت 1981.

وايضا نقاط على الحروف، المركز الاسلامي للاعلام والانماء، بيروت 1987

11- بعدها توالت اقتراحات الرئيس فرنجية اللاحقة في مختلف مؤتمراته وندوا ته الصحفية الدورية على نفس النسق مع بعض التفاصيل والاضافات النابعة من الظروف والتطورات المستجدة. ونذكر منها على الاخص مشروعه للحل السياسي تاريخ 5/9/1985 الذي ينطلق بدوره من الوثيقة الدستورية لعام 1976 ويضيف عليها بعض البنود.

راجع ايضا الوثيقة الدستورية في الملحق الوثائقي.

12- منير ابو فاضل ( لبنان القضية ، بيروت ، 1984

13- اصدر اللقاء الاسلامي اللبناني الموسع المنعقد في دمشق في 8/7/1985 بياناً تضمن : تحقيق المساواة  الكاملة في الحقوق والواجبات، تحقيق المشاركة الفعلية في ادارة الحكم، وضع دستور جديد ينهي الى الابد حالة التركيب الطائفي ليقيم مكانها  حالة الوحدة الوطنية، اعادة النظر في السياسات التربوية والانمائية والاجتماعية…

14- راجع جورج بشير، امراء الطوائف، دون ناشر، بيروت، 1984

15- اعتبرت هذه الورقة ملخصاً لخطاب رئيس الجمهورية في 14/2/1984 .

16- راجع النص لدى طلال سلمان:  جنيف لوزان : المحاضرات السرية الكاملة،  المركز العربي للمعلومات ، بيروت 1984.

17  بينما انهت لجنة المراسيم عملها بتقرير رفعته الى مجلس الوزراء.  علماً ان هذا الاخير اتخذ قراراً في 22/3/1985 بإلغاء 29 مرسوماً وتعديل 24 من تلك التي صدرت عامي 1982 و 1983.

18  وفي هذا الوقت تمّت الدعوة الى اعتماد الديمقراطية التوافقية للأزمة في لبنان.  وكان الدكتور انطوان مسرّة على رأس دُعاة هذا النمط من الحكم  بمعنى الائتلافي التوافقي وإعطاء كل مجموعة حق النقض لحماية نفسها من قرارات الاكثرية التي قد تتعارض مع مصالحها وتوجهاتها.

19-  يمكن مراجعة نص الاتفاق الثلاثي في الملحق الوثائقي.

20 – انظر جريدة السفير اللبنانية ابتداء من 13 نيسان 1987.

21-انظر نص المشروع كالماً في صحيفة السفير اللبنانية تاريخ 19/5/1987.

22 – اقترح لملئ المقاعد الشاغرة في المجلس وإكمال عدده حتى 120 ، اختيار هؤلاء النواب من قبل المجلس نفسه مع مراعاة الاتجاهات السياسية السابقة للنواب المتوفين وما استجدّ من اتجاهات سياسية (بالنسبة للنواب الجدد).

23 -وزع اعضاء مجلس الشيوخ كالتالي: 16 موازنة، 5 روم ارثؤذكس ، 3 روم كاثوليك ، 2 أرمن ارثوذكس وواحد لكل من الارمن الكاثوليك، السريان ارثوذكس، وكاثوليك، الكلدان، النساطرة، اللاتين، الانجيليين والاقليات مع العلمانيين، 14 سُنّة ، 14 شيعة، 4 دروز وواحد لكل من العلويين والاسماعليين.

24- انبثقت اللجنة العربية السداسية من اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية المنعقد في تونس ابتداءً من 13/1/1989 وترأسها وزير خارجية الكويت،  وقامت باتصالات ومباحثات مكثفة مع الشخصيات اللبنانية الرسمية،  والدينية والسياسية الحزبية والاوساط العربية بهدف تسهيل حل الازمة اللبنانية.

25- سبق ان  تضمنت المذكرة الدرزية تاريخ 11/8/83 قسما كبيرا من هذه البنود

26  راجع نص المشروع في السفير 29/3/1989 و 5/4/1989 .

27- vراجع نص المذكرة في السفير 8/4/1989.

[28] وضع جهاز المراقبين العرب الذي ارتؤي تأليفه من دول اعضاء اللجنة العربية السداسية تحت قيادة العميد الكويتي على المؤمن. بيد ان التهديد الذي وجه الى المراقبين ولاسيما الى هذا الاخير، أخّر وصولهم الى لبنان في مرحلة اولى ليصرف النظر عن مهمتهم في مرحلة لاحقة علما ان الاخضر الابراهيمي، الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية والمبعوث الخاص للجنة الثلاثية العليا الى لبنان يستعين بوصفه رئيسا للجنة الامنية التي نصّ عليها اعلان وقف اطلاق النار ببعض الضباط الجزائريين.

[29]  اعتبر هذا البيان غير صريح للسلطات السورية كون تعليل وصول اللجنة الى “الحائط المسدود” يعود الى تعارض وجهات النظر بين هذه الاخيرة وسوريا حيال فهم السيادة اللبنانية.

[30]  احتل التكلم عن مجلس النواب في وثيقة اللجنة الثلاثية العربية الفقرة (د) بينما احتل الفقرة (أ) في النص ا لذي اقرّه النواب في الطائف

[31]  ارتأى الاتفاق الثلاثي جعل مدة ولاية رئيس المجلس سنتين، علما ان المجلس اعطي في اتفاق الطائف حق طرح الثقة برئيسه ونائبه بعد مرور سنتين على ممارسته مهمامه، ولكن هذا الحق اخضع لضوابط مشددة تتمثل بتوقيع عريضة لحجب الثقة من 10 نواب على الاقل وموافقة ثلثي الاعضاء موافقة يصعب توفرها عموماً

[32]  هناك نصوص اخرى واحكام تالية في الوثيقة تساهم في تعزيز مكانته وأبويته لمختلف السلطات، مثال استشارة  رئيس المجلس في تسمية رئيس الحكومة واعتبار المجلس حكماً في دورة استثنائية عند استقالة او اقالة الحكومة وحتى تشكيل حكومة جديدة وقصر حل المجلس على حالتي التقاعس عن القيام بدوره التشريعي رغم دعوته المتكررة للانعقاد ورده مشروع الموازنة برمته مع اشتراط اتخاذ قرار الحل بأغلبية ثلثي عدد اعضاء ملجس الوزراء.

[33]   ساهم انقضاء 17 سنة على انتخاب اعضاء المجلس النيابي في تضاءل تمثيليته للرأي العام واعتبر من غير المنصف اناطته امر التعيين في وضعه الراهن وهو يجدد لنفسه دون انتخاب. وبذلك اصبحت ” حكومة الوفاق الوطني” الجهة الاكثر صلاحية لتولي امر التعيين طالما انها تعكس في تشكيلها الواقع القائم على الارض بالاضافة الى تمتعها بثقة مجلس النواب وله فيها اكثر من ممثل

[34]   تناقص عدد اعضاء المجلس النيابي لاسيما بسبب الوفات ليصبح في نهاية عام 1989 حوالي 71 نائبا اي بنقص حوالي 28 نا ئبا عن العدد الاصلي

(99 نائبا)  لمجلس النواب. وكانت الوثيقة العربية للوفاق الوطني اللبناني  قد أرتأت جعل عدد اعضاء المجلس 128 نائبا في حين لم يوافق النواب المجتمعون في الطائف على ذلك وخفضوا العدد الى 108 نواب. وفسر اصرار النواب على التخفيض المذكور وقصر الزيادة على العدد الاصلي للمجلس على 9 نواب لاثكر من سبب نذكر منها :

-الحفاظ  على  حد ادنى من التوجهات السائدة في المجلس اذ ان اعتماد العدد 128 (يعني بالاضافة الى المراكز الشاغرة) تعيين حوالي 55 نائباً جديدا اي ما يزيد  عن 3/4 العدد الباقي من النواب مما قد يؤدي الى انتهاج سياسة مغايرة للسياسة القائمة وفقدان المجلس لشخصيته.

-ابقاء عدد النواب المسيحيين كما هو ( 54 نائبا) مما يوفر على الطائفة خلافات بين مختلف مذاهبها عند اقتسام نسبة المقاعد الجديدة، وبالتالي استمرار الطائفة الما رونية في امتلاك عدد من النواب (30 نائبا) يفوق مجموع نواب بقية المذاهب المسيحية ويتعدى عدد نواب اية طائفة اخرى كالطائفة السنية او الشيعية مثلا وهما اكبر الطوائف الاسلامية وسينالان عددا متساويا من النواب. علما ان الاتفاق الثلاثي لعام 1985 يرتأي اعطاء  الموارنة عددا متساويا من النواب مع كل من السنة والشيعة.

[35]  قارن موقف المكتب السياسي من الوثيقة الوفاقية في اجتماعه تاريخ  6/11/1989 (جريدة السفير اللبنانية في 7/11/1989) وسبق للدكتور سمير صباغ ان ابدى رأيا قريبا من ذلك ( راجع السفير 6/10/1989) بينما جاء ما قيل انه ملخص موقف لمصلحة الاعلام في حزب الكتائب اكثر اعتدالا وقربا من القراءة الموضوعية لاحكام وثيقة الطائف (راجع السفير 18/11/1989)

[36]  يقول الرئيس الياس الهراوي ” قد تكون هناك في بعض الاحيان قضايا  لا تستدعي حضور الرئيس فليناقشها الوزراء  بعضهم مع بعض”… ( مقابلة في جريدة الديار اللبنانية تاريخ 10/12/1989)

[37]  لم تكن القيادات السنية متحمسة لما سبق وورد في الوثيقة الدستورية لعام 1976 وفي الاتفاق الثلاثي لعام 1985، لجهة اختيار رئيس الحكومة بالانتخاب في مجلس النواب قبل تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكشيل الحكومة. واعتبرت ان في ذلك مزيداً من  القيود على تحرك رئيس  الحكومة ازدواجية في ارتباطه (برئيس الجمهورية وبرئيس المجلس) وان كان من شأن  انتخابه ان يزيد من تمثيليته ويدعم بالتالي مركزه في وجه رئيس الجمهورية. وهكذا استعيض عن طرح الانتخاب بالمشاورات النيابية الملزمة التي يتبلغها رئيس الجمهورية من رئيس المجلس.

[38]  علماً ان قرار الحل تعلق وانحصر بحالتي رفض مجلس النواب، الالتئمام طوال عقد عادي او طوال عقدين استثنائيين متواليين لا تقل مدّة كل منهما عن شهر. وحالة ردّه الموازنة برمتها بقصد شل يد الحكومة عن العمل. اضف الى عدم جواز الحل للاسباب نفسها التي دعت الى حله المرّة السابقة. وفي ذلك، تحصين لمركز المجلس النيابي.

[39]  عددت الفقرة الاخيرة من ترتيب رقم 6 تحت عنوان مجلس الوزراء المسائل الاساسية كالتالي :

-حالة الطوارئ والغاؤها الحرب والسلم – التعبئة العامة، الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة، الخطط الانمائية الشاملة والطويلة المدى، تعيين موظفي الفئة الاولى وما يعادلها، التقسيم الاداري، حل مجلس النواب، قوانين الانتخابات، الجنسية، الاحوال الشخصية واقالة الوزراء.

[40]  د. عصام سليمان، الجمهورية الثانية بين النصوص والممارسة، دون ناشر، بيروت، 1998، ص 23