نوفل ضو: مفهوم الأمن القومي وهيبة الدولة

73

مفهوم الأمن القومي وهيبة الدولة  
نوفل ضو/الجمهورية/ السبت 10 حزيران 2017

يعيش اللبنانيون حالةً من الغليان الشعبي نتيجة ارتفاع وتيرة الجرائم المتكرّرة التي تكاد تصبح يومية ويذهب ضحيتها شبّان على قارعة الطرق على يد مسلحين يتجوّلون بحرّية تُقارب الفَلتان.

وعلى الرغم من ذلك تبدو المعالجات دون المطلوب كونها – في أحسن الحالات – تركّز على بعض التفاصيل المتعلقة بالذيول والنتائج، من دون مقاربة الجوهر المتمثّل بضرورة معالجة الأسباب وفقاً لقاعدتين ثابتتين:

– الأولى تقوم على أنّ الأمن الحقيقي هو الأمن الوقائي الذي يمنع وقوع الجريمة قبل حدوثها وليس الأمن الذي يُلقي القبض على المجرمين بعد وقوع الجريمة ويحاكمهم فقط.

– الثانية تقوم على ضرورة إحياء مفهوم السيادة القانونية للدولة في اعتبارها المرجعية الوحيدة لكلّ ما يتعلق بالسلاح والأمن والقضاء.
من دون هاتين القاعدتين لا هيبة لأيّ دولة، ومن دون هيبة لا سلطة لدولة على أرضها وشعبها، ولا أمنَ قومياً متكاملاً حقيقياً. فمفهوم الأمن القومي لم يعُد مقتصراً على التعريف التقليدي القديم الذي يقول إنه «حماية الحكومة والبرلمان للدولة والمواطنين عبر سياسات فرضِ السلطة، سواء كانت سياسية، إقتصادية، ديبلوماسية أو عسكرية»، ولكنّه توَسَّع ليشمل مجموعة واسعة من التحدّيات التي تؤثّر على الأمن الاجتماعي والاستقرار النفسي للمجتمعات.

فتحدّيات الأمن القومي ليست حكراً على الأعداء التقليديّين من دول أخرى، أو من منظمات إرهابية خارجية، بل إنّها تشمل التحدّيات التي تُشكّلها الجهات الفاعلة غير الحكومية صاحبةُ النفوذ على الأرض من خلال سلطة الأمر الواقع التي تفرضها، كما بالنسبة إلى عصابات المخدّرات، والمنظمات غير الحكومية خصوصاً متى كانت مسلّحة، وصولاً إلى مشَغّلي التجارات غير الشرعية والمهرّبين الذين عادةً ما يتنافسون على الأسواق والنفوذ والمربّعات الأمنية، فيحوّلونها محميّات للمجرمين والخارجين على القانون الذين يتّخذون منها مقرّات محصّنة لهم فينطلقون منها للقيام بجرائمهم ويعودون إليها للاحتماء من الملاحقات.

وانطلاقاً من هذه التعريفات العِلمية للأمن القومي، تبدو الدولة اللبنانية بقرارها السياسي المفترَض أن يكون حصراً في مجلس الوزراء، وبمؤسّساتها الدستورية وفي مقدّمها السلطة التشريعية، والأجهزة التنفيذية الأمنية والعسكرية والإدارية، والسلطة القضائية، أمام تحَدّي عجزها عن تحمُّلِ مسؤولياتها من دون أيّ شريك وبمعزل عن كلّ التبريرات والحجج والذرائع التي يتمّ التلطّي بها للإبقاء على استثناءات تشمل بعضَ الجهات (حزب الله – المنظمات الفلسطينية – العصابات المسلّحة الخ…) والمناطق (مربّعات أمنية بحجّة حماية بعض الشخصيات والقادة والمسؤولين – مناطق مقفَلة على الدولة – المخيّمات الفلسطينية – مخيّمات النازحين السوريّين الخ…).

الخطير في الأمر أنّ السلطة السياسية تكتفي حتى الآن بالتصريحات والمواقف والاستنكارات، بعيداً من أيّ سياسات تنفيذية لمعالجة الأسباب والتخفيف من الذيول. والأخطر أنّ المكوّنات السياسية والحزبية لهذه السلطة تتخلّى عن مسؤولية مواجهة فعلية وعملية للجريمة والمجرمين واستعادة هيبة الدولة وسلطتها، وتعطي الأولوية للمعارك الجانبية التي تخوضها مع معارضيها السياسيّين والإعلاميين وناشطي المجتمع المدني من خلال مصادرة حقّ اللبنانيين في اختيار ممثّليهم وفقاً للمواعيد الدستورية، ومن خلال العمل على قانون للانتخاب يَضمن لها الإمساكَ بالقرار لسنوات مقبلة، أو من خلال ملاحقات قضائية على خلفيات سياسية لا جرمية.

والمؤسف حقاً أنّ يتّهم بعضُ الوزراء معارضيهم بالمسّ بهيبة الدولة لتبرير محاولة تسخير القضاء ضدّهم، عوضَ التركيز على الفَلتان الأمني والسياسي والمالي باعتبارها العناصر التي تمسّ فعلاً وواقعاً بهيبة الدولة الداخلية وصورتِها الخارجية.

فالديموقراطية القائمة على سلطة تَحكم ومعارضة تراقب وتسأل وتُحاسب ليست هي من يَمسّ بهيبة الدولة وصورتها أمام اللبنانيين والعالم، وإنّما ممارسات أهل السلطة الذين يتصرّفون ضد المعارضة بما تتصرّف به الأنظمة القمعية والتوتاليتارية هي التي تضرب هيبة الدولة وتسيء إلى صورتها وصدقيتها.

والإعلام الحرّ الذي ينقل وجهاتِ النظر السياسية المختلفة ويلقي الضوء على المخالفات والتجاوزات ليس هو مَن يمسّ بهيبة الدولة وصورتها، وإنّما السلاح غير الشرعي الذي يُورِّط لبنان في مشكلات مع محيطه والعالم ويَستجلب التصنيفات المسيئة والعقوبات على المؤسسات المصرفية والاقتصادية، والذي يُردي شابات لبنان وشبابه على قارعة الطرقات، والذي يحوّل مساحات جغرافية من أرض لبنان جزراً أمنية ومافيوية مقفلة على الدولة وأجهزتها، هو من يضرب هيبة الدولة وصورتها وصدقيّتها.

وناشطو المجتمع المدني والقوى التغييرية ليسوا هم من يُسيء بالتحرّكات والتظاهرات واللافتات والشعارات التي يرفعونها إلى هيبة الدولة وصورتها في العالم، وإنّما تَجاهُل السلطة لتطلّعاتِهم وحيويتهم وديناميتهم هو ما يضرب هيبة الدولة وصورتَها وصدقيتها.

إنّ الحفاظ على هيبة الدولة مسؤولية مَن هم في السلطة بالدرجة الأولى، وواجبُهم مواجهة المخاطر التي تُحدِق بالأمن القومي للبنان واللبنانيين، لا مواجهة المعارضة التي تنتقِد تقصيرَهم وعجزهم وربّما تواطؤَ بعضِهم!

* عضو الهيئة المركزية لـ»14 آذار – مستمرّون»