الدكتورة رندا ماروني: عتبة مبرمجة وفئات مهمشة

348

عتبة مبرمجة وفئات مهمشة
الدكتورة رندا ماروني/04 حزيران/17

إن أفضل منظم للحقوق هو القانون، وأفضل منظم لعملية تداول السلطة هو القانون الانتخابي، وإن لإقرار قانون انتخابي في مجلس النواب أهمية كبيرة على أن يكون متوازنا ومنصفا يهيئ فرصا متكافئة للمتنافسين ويوسع رقعة المشاركة السياسية كخطوة أساسية لتجاوز الأزمات والمشاكل الناشئة.

وانطلاقا من الاتفاق المبدئي حول قانون للانتخابات على قاعدة النسبية في خمسة عشرة دائرة العالق في مرحلة العتبة، والمشكوك في أمر اعتماده حتى اللحظة نظرا لطبيعة القوى السياسية الحاكمة الباحثة عن استمرار أحجامها المضخمة ودراسة مكاسبها الخاصة في أي قانون مطروح.

إن موضوع العتبة في القانون الانتخابي على قاعدة النسبية في الدول المتعددة الطوائف والتي ما زالت أحزابها طائفية في تكوينها، هو مصدر للصراعات المفتوحة بين الفئات المتعددة المكونة للمجتمع، فكلما تم رفع سقف العتبة كلما ساهم ذلك في إقصاء أقليات وحصر التمثيل في الأحزاب الكبيرة مع وضع علامة استفهام أمام عبارة أحزاب خارجة عن التنظيم القانوني الحديث، حتى إنه من الممكن الاعتبار بأن رفع العتبة في النظام اللبناني الذي ما زال يقوم على الاعتبارات الطائفية في التوزيع هو انتهاك لحقوق الطوائف الصغيرة ومنعها من المشاركة الصحيحة كما يعتبر تجاوزا للدستور ومخالفا لقواعده،
حيث نص الدستور حرفيا على أن توزع المقاعد نسبيا بين المناطق ونسبيا بين الطوائف، أي انه أعطى شأنا في المشاركة لجميع الطوائف، ولم يختزلها في عتبة مرفوعة إلى أن يتم الاتفاق على إنشاء هيئة وطنية لوضع قانون خارج القيد الطائفي.

ومن نفس المنطلق الذي دعت له بعض الأحزاب بعدالة التمثيل بين المسلمين والمسيحيين وتقسيم الدوائر للوصول إلى الغاية المطلوبة، لا يمكن القفز فوق حقوق جميع المكونات وتهميشها بحجة العتبة. فالعتبة عادة تعتمد في الأنظمة الديمقراطية الحديثة التي تتنافس فيها أحزاب ديمقراطية علمانية لا أحزاب طائفية. وعادة لا تكون هذه العتبة مرتفعة نسبيا في المئة حيث تتراوح بين 0.67% في هولندا لتصل إلى 10 % في تركيا الأمر الذي يجعل مهمة الأحزاب الصغيرة مستحيلة، فكيف في لبنان حيث إن المعارضة للسلطة الحاكمة مشرذمة وليس لديها أي إطار منظم، كما إن رفع سقف العتبة في النظام الطائفي يعتبر مؤشرا واضحا للسعي لاحتكار السلطة.

إن ما يتم التداول به من نسب تتراوح بين العشرة والعشرين في المئة هو باختصار مخالف للدستور ولروحه ولما نص عليه، هذا الدستور الذي حرصت مواده على حفظ حقوق جميع المكونات الطوائفية في المشاركة في الحياة السياسية، كما إن جعل مستوى الحاصل الانتخابي هو نفسه مستوى للعتبة المرغوبة يعتبر تجاوزا لهذه الحقوق المنصوص عنها في الدستور وتجاوزا للطاقات الشابة الجديدة الراغبة في المشاركة في الحياة السياسية والغير منضوية في الأحزاب التقليدية.

بمعنى وخلافا لما تم الترويج له من قبل أحد القارئين في النظام النسبي على إحدى المحطات التلفزيونية، فالحاصل الانتخابي هو نتيجة قسمة عدد المقترعين الفعليين على عدد المقاعد المخصص في دائرة معينة، وليس عدد المسجلين في الدائرة، فإذا كان عدد المسجلين في دائرة معينة 150 ألف مسجل أقترع منهم مئة ألفا، وإذا كان عدد المقاعد المخصصة لهذه الدائرة هي عشرة مقاعد، فبقسمة مئة على عشرة، أي بقسمة عدد المقترعين الفعليين على عدد المقاعد نحصل على الحاصل الانتخابي وهو عشرة آلاف صوت، أي عشرة في المئة من عدد المقترعين. وكلما كانت مستوى العتبة الانتخابية موازية للحاصل الانتخابي، كلما تم استبعاد الأحزاب الصغيرة عن الساحة البرلمانية، لذا من المفروض وخاصة في نظامنا الطوائفي أن تكون مستوى العتبة الانتخابية أدنى من الحاصل الانتخابي للسماح للفئات المختلفة بالمشاركة بقدر أكبر في الحياة السياسية ومنعا للإقصاء.

إن النسب المئوية التي قد تنالها اللوائح المعارضة والتي لم تحصل على الحاصل الانتخابي المطلوب ومن خلال اعتماد العتبة المرتفعة ترحل بدون وجه حق إلى اللوائح الفائزة التي سوف تستحوذ على أصوات لم تنتخبها أصلا وهذا ما يعتبر تزويرا لإرادة الناخبين من خلال ترحيل صوت الناخب من المرشح الذي أنتخبه إلى مرشح آخر لم ينتخبه أصلا خلافا لإرادته، وهذا يعتبر مخالفا لمقدمة الدستور في الفقرة دال منه، “على أن الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية”، كما انه يعتبر مخالفا لنص المادة السابعة من الدستور التي تساوي بين المواطنين في الحقوق السياسية، كما هو مخالف للمادة 13 التي تحفظ حرية أداء الرأي، فكيف يتم تجاوز رأي المواطن في مرشح معين وتجيير صوته لمرشح آخر دون وجه حق. ومن المرجح إن اعتماد العتبة المرتفعة في حال تم اعتماد قانون الانتخابات القائم على القاعدة النسبية، لا بد له أن يثير العديد من المشاكل والاعتراضات من الفئات المستبعدة.

وفي النظر إلى مثال صارخ شبيه بالمجتمع اللبناني الطوائفي فقد أثار اعتماد العتبة في العراق الكثير من المشاكل والخلافات القانونية بالرغم من أن العتبة المعتمدة لم تتجاوز الستة في المائة، حيث قامت القوى المتضررة باللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا واعتبرت إن العتبة الانتخابية المنوي تحريرها تشكل عقبة بالغة الصعوبة للقوى المستقلة والديمقراطية فهل سيخوض لبنان نفس التجربة والمعاناة العراقية وسنشهد عتبة مبرمجة وفئات مهمشة؟

عتبة مبرمجة
وفئات مهمشة
فيها إبداع
سلطة متعطشة
للاحتكار والاستحواذ
بأفكار مدهشة
تروج لها تشرحها
بأوصاف مزركشة
تطبعها في الأذهان
وعلى أفخر الأقمشة
تصفها عبيرا متناغما
بروائح منعشة
وفي الخلاء تعيد حساباتها
بخطوط مخربشة
وعقل مرتبك
وأفكار مرتعشة
أتقدم عليها أو تتركها
لمصير ها مستوحشة
تخاف تسرعا يسرع فيها
بخطوات مفركشة
يقلبها بعيدا عن مسارها
فتظهر مهشهشة
فهي لا تبغي شيئا
سوى عتبة مبرمجة وفئات مهمشة.