شارل الياس شرتوني/الفاشيات الشيعية،التوتاليتارية البدائية وتدمير الذخر الاجتماعي اللبناني

73

الفاشيات الشيعية،التوتاليتارية البدائية وتدمير الذخر الاجتماعي اللبناني
شارل الياس شرتوني/21 حزيران/2021

“آل انتصار الاسلام الاسلامي…الى قسمة بيروت الى مدينتين، أولاهما للانكفاء والاقتتال والاحتراب، …والتواصل بين الاهل وقراهم، واجتماعهم،ولهجاتهم والبيوت المتراصة، والسياسة التي تجمع بين كثرة الأهالي ووحدة المرجع الديني والتي لا يضبط نزاعاتها الا العداء لمركز يقوم خارج الأهالي (جنوب بيروت).أما المدينة الأخرى، وهي بيروت التقليدية والتاريخية، فتنظر اليها المدينة الأولى نظرتها الى ميدان حرب، أو الى سادوم وعامورة، والى بابل. انها “القرية الظالمة” التي يحل تدميرها والقضاء عليها ،… اذ تعيث الأولى فيها فسادا، وتفجيرا، وتهجيرا، وتخويفًا ، واذلالا وانكارا… ” وضاح شرارة، المدينة الموقوفة،١٩٨٧.

الفاشيات الشيعية، التوتاليتارية البدائية وتدمير الذخر الاجتماعي اللبناني
قراءتي لمقال جهاد الزين ” في زمن المارونية السياسية تأسس الضمان الاجتماعي… في زمن الشيعية السياسية يحتضر الضمان الاجتماعي …”، دفعتني لكتابة هذا المقال حول دور الفاشيات الشيعية في تدمير الذخر الاجتماعي اللبناني (Social Capital) كجزء أساسي من السياسة الانقلابية التي تستهدف الكيان الوطني اللبناني. تأتي هذه السياسة في سياق منازعة الشرعية الكيانية للوطن اللبناني وحيثياته الميثاقية والتعاقدية، كما تعبر عنها المقولات الشائعة في الاوساط الشيعية، وتفكيك أوصال دولة القانون وتحويلها الى غطاء صوري لتخريج عملية وضع اليد على مؤسساتها ومواردها كما ظهرته استراتيجية السيطرة على السلطات الدستورية الثلاث من خلال سياسات الارهاب والتعطيل والتحالفات الانتهازية والاستتباع، وإدخال البلاد في ديناميكية نزاعية استغراقية على تقاطع الصراعات الاقليمية والداخلية كما ظهرتها مداخلات حزب الله في سوريا والعراق وغزة…، والعملية الارهابية في مرفأ بيروت ومدلولاتها لجهة تغيير الديناميكيات المدنية والاقتصادية والاجتماعية والاستشفائية والتربوية، وتفكيك الإرث المؤسسي كما تظهره أزمة الضمان الاجتماعي، ودلالاتها لناحية تحديث العمل السياسي في بلادنا، عبر ادخال مفهوم وسياسات دولة الرعاية (Welfare State-État Providence) واستحداث الوزارات والمؤسسات العائدة لها التي أوكلها آنذاك الرئيس فؤاد شهاب الى الأب اندريه لوجنيسيل اليسوعي. إن أزمة الضمان الاجتماعي وتداعياتها الكارثية على مدخرات اللبنانيين وضماناتهم الصحية والاجتماعية ما هي إلا صورة عن عملية تفكيك الحيثيات الاستراتيجية للكيان الوطني اللبناني، التي تبلورت في العقود الستة الاخيرة من خلال استهداف الوجود المسيحي وما أسس له من خيارات سيادية وثقافية وسياسية وحياتية ديموقراطية وتعددية وليبرالية.

إن خطورة ما يجري يتجاوز الحدث السياسي المسطح الى مدلولاته على مستوى نسف المفاهيم التي أسست للنموذج الديموقراطي والليبرالي الذي طبع المسار الوطني اللبناني على تعرجاته ومفارقاته ونزاعاته، لحساب سياسات انقلابية متواترة دمرت متكآت السلم الأهلي في البلاد، والتماسك الدولاتي، وقوضت مكتسبات الحداثة لحساب سياسات السيطرة المتوالية (القومية العربية، التحالف اليساري-الفلسطيني، الاحتلال السوري، سياسة النفوذ الشيعية الايرانية على الصعيد الاقليمي). إن سياسة القضم التي تعتمدها وترمز إليها الفاشيات الشيعية من خلال تقويض الكيان الدستوري للدولة، وتحويل الدولة الى مصدر لتمويل الريوع والحيازات والزبائنيات، وترسخ النزعات الاوليغارشية، وتوسيع رقعة الاستثناءات السيادية من خلال الوضعية الپارادولاتية التي تتمدد عسكريا وسياسيا على حساب الكيان الدولاتي الوطني، وتشريع الاستباحات المعنوية والمادية من خلال الاجتهاد الشرعي ومسوغاته الانتهازية المتحركة، والقضم العشائري للكيان الدولتي وروافده القانونية والمدنية وولاءاته الارادية والتعاقدية، والعمل الارهابي والاقتصادي المنحرف، ليسوا بالأمور الحادثة، بل جزء من السياسة الانقلابية بأبعادها السياسية والعسكرية والايديولوجية.

إن اخطر ما في هذا النهج هو المسار التماثلي الذي تدفع به توتاليتارية بدائية نافية لكل غيرية، ولفكرة التعددية بابعادها الثقافية والحياتية ومنطلقاتها الليبرالية، وضرورة انتظامها انطلاقا من تسويات ديموقراطية لا تستقيم دون التداول الحر والقيم السياسية والاخلاقية الجامعة، التي تتجاوز منطق صراعات القوى وسياسات السيطرة التي تحكم المتخيل السياسي الاسلامي. إن التداعي المضطرد للمبنى الميثاقي والتعاقدي للدولة اللبنانية لحساب سياسة سيطرة شيعية معلنة، هو مدخل لمتاهات نزاعية سوف تحيلنا الى الفراغات الاستراتيجية المتنامية في منطقة فقدت نقاط ارتكازها المعنوية والسياسية لحساب صراعات نهيلية وجيوپوليتيكية مفتوحة. إن معالجة الازمات المتضافرة ( المالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية…) ومسائل الحوكمة الفاشلة ليست ممكنة خارجا عن جدلية الاستقرار السياسي والعمل الاصلاحي البنيوي الذي تفترضه الانهيارات النافذة وتردداتها، وهذا لن يتم في ظل سياسات القضم الشيعية المعتمدة ومضاداتها في الاوساط السنية الأصولية ومحاورها الاقليمية المناوئة، ومن خلال تبدد الدولة الوطنية ومرجعياتها الديموقراطية، ومحاورها