حـازم الأميـن/زوجات المجاهدين والضابط الأردني

175

زوجات “المجاهدين” والضابط الأردني 
حـازم الأميـن/لبنان الآن
11.12.14

سألت في أحد الأيام ضابط أمن أردنياً في دائرة مكافحة الإرهاب إذا ما اكتشف في سياق تتبعه تنظيم “القاعدة” دوراً لنساءٍ ناشطات في الخلايا الإرهابية، فأجابني على نحو قاطع أن شكوكاً ساورتهم ذات يوم بدور لنساء الناشطين في “القاعدة” فما كان من دائرة مكافحة الإرهاب إلا أن أرسلت عبر قنوات التواصل المعهودة في العمل الأمني إلى “من يهمه الأمر” في تنظيم “القاعدة” أن أي دور يوكل لنساء في هذا السياق سيعني حملة اعتقالات تطاول زوجات الناشطين، وسيعني أيضاً إدخال كل من هي متزوجة بـ”مجاهد” أو تربطها علاقة قرابة به في دائرة الشكوك والاستدعاء للتحقيق في كل مناسبة.

وأضاف الضابط: “نحن نعرف ما يُمثله النساء لهؤلاء الناشطين من احتمالات أن يعرضها التوقيف والاعتقال لما لا يرغب القاعديون في أن تتعرض نساؤهم إليه. ولهذا استجابوا لشرطنا، ونحن بدورنا احترمنا وعدنا لهم باستبعاد نسائهم من الاستدعاءات”.

الحرب على الإرهاب لعبة لا تجيدها على ما يبدو أجهزة الأمن اللبنانية. فالطريقة التي يُدار فيها ملف مبادلة الجنود اللبنانيين الذين تختطفهم “النصرة” و”داعش” كشفت عن خِفّة في التعاطي مع هذا الملف المعقّد.

فما الذي فعلته السلطات اللبنانية بعد استحضارها ملفي الزوجة السابقة للبغدادي والزوجة الراهنة لأبو علي الشيشاني؟

من الواضح أن عمليتي توقيف زوجتي البغدادي والشيشاني ليستا إنجازاً أمنياً، فهما كانتا موجودتين بمعرفة الأجهزة الأمنية في لبنان. الأولى كانت وصلت إلى لبنان بعد عملية مبادلة راهبات معلولا، والثانية تقيم مع طفليها في إحدى مناطق طرابلس التي تؤوي لاجئين سوريين. وبالتالي فقد تم استحضارهما للحاجة إلى أوراق مفاوضة حول الجنود المختطفين من قبل “النصرة” و”داعش”. أما تسريب الخبر حول توقيفهما بصفته إنجازاً أمنياً، فسنكتفي بوصف وزير الداخلية نهاد المشنوق له: “لقد كان خطأ كبيراً”.

لكن “الخطأ الكبير” كان سبقه خطأٌ كبير آخر: ما هي خطة السلطات اللبنانية للتفاوض حول زوجتي الرجلين؟ ذاك أن لبنان في مفاوضته على جنوده المختطفين مكبل أيضاً بحقيقة أنه دولة، وهذه الأخيرة لا يمكن لها أن تقوم بعملية اختطاف. توقيف أي شخص يجب أن يُرفق بأسباب وبارتكابات. أن تكون فلانة زوجة مجرم فهذا لا يكفي لتوقيفها. يجب أن تكون قد شاركت في الجريمة. ويجري الآن بحث عن جرائم ارتكبتها زوجة البغدادي (السابقة) وزوجة الشيشاني (الراهنة)، ويبدو أيضاً أن القضاء لم يعثر على جرائم، فأعادهما إلى الأمن العام للتحقيق معهما مجدداً. وما رشح من احتمالات التهم حتى الآن هو أنهما تقيمان على نحو غير شرعي على الأراضي اللبنانية، شأنهما شأن أكثر من مليون لاجئ سوري.

القانون اللبناني يُلزم أي جهاز أمني يلقي القبض على مقيم غير شرعي على الأراضي اللبنانية بإعادته إلى بلده وتسليمه إلى السلطات فيها. ما يعني أن الأمن العام اللبناني الذي أعاد القضاء إليه زوجة البغدادي السابقة وزوجة الشيشاني الراهنة سيجد نفسه أمام هذا الاحتمال. وأمام هذه المعضلة سنجد أنفسنا أمام مزيد من التعقيدات في ملف جنودنا المختطفين. فكيف سيتصرف البغدادي والشيشاني مع الجنود إذا ما سلمت السلطات اللبنانية زوجتيهما للنظام السوري؟ أطلقوا العنان لخيالكم أيها اللبنانيون، وأجيبوا عن هذا السؤال.

والمسألة الأعقد هو أن كرة “الزوجات” قد تكبر، ذاك أن مئات “المجاهدين” أرسلوا زوجاتهم إلى مخيمات اللجوء في لبنان وفي الأردن وفي تركيا، وأن يعتبر لبنان أن هؤلاء الزوجات هن مشاريع مفاوضة فذلك يعني دخوله في نفق فضلت دول حققت نجاحات في الحرب على الإرهاب، تفاديه.

وهنا يجب أن نستعيد كلام الضابط الأردني مصحوباً هذه المرة بحقيقة أن الأردن تمكّن أكثر من غيره من الحد من مخاطر الإرهاب.