اميل خوري/عون يغامر في معالجة مرض الجمهورية هل يكون لموقفه تأثير على الحوار المرتقب؟

282

عون يغامر في معالجة مرض الجمهورية هل يكون لموقفه تأثير على الحوار المرتقب؟
اميل خوري
النهار
11 كانون الأول 2014

هل يمكن القول إن موقف العماد ميشال عون من الانتخابات الرئاسية بتقديمه مصير الجمهورية على مصير هذه الانتخابات هو رد سلبي على مبادرة الدكتور سمير جعجع، وقد يكون له انعكاس سلبي على نتائج الحوار المرتقب بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، أم يكون للحزب موقف آخر يضع عون بين خيارين: إما تأييد هذا الموقف، وإما عدم تأييده، فيكون الافتراق بينهما لأن المصالح المشتركة تكون قد انتفت بينهما، فلا عون يعود يرى في تحالفه مع “حزب الله” سلّماً يرتقي به الى سدة الرئاسة الأولى وهو يخوض معركة لبلوغها، ولا “حزب الله” تبقى له حاجة لتغطية عون المسيحية له، لأن رئاسة الجمهورية العتيدة تغطي الجميع، والتطورات في المنطقة تجعل الحزب لا يعود في حاجة إلى هذه التغطية.

وقول العماد عون إن مصير الجمهورية يهمه أكثر من مصير رئاستها يدل على أنه يريد إقامة الجمهورية الثالثة التي دعا اليها في أعقاب مؤتمر الدوحة اعتقاداً منه أن إجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون الستين قد يؤمن له ولحلفائه الفوز بأكثرية المقاعد النيابية التي تنتخبه رئيساً للجمهورية، خصوصاً أنه بات هو الأقوى عندما اعتبر أن هذا القانون استعاد حقوق المسيحيين.
لكن عون خاب ظنه في انتخابات لم تأتِ له بالاكثرية التي كان يأمل فيها، فصار الاتفاق على أن يكون العماد ميشال سليمان هو الرئيس التوافقي كونه من خارج 8 و14 آذار، ومع ذلك فإن عون لم يفقد الأمل في الوصول إلى قصر بعبدا، لكنه عندما رأى أن الاكثرية النيابية غير مضمونة لانتخابه طالب بإجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية وعلى أساس قانون جديد يترجم المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في مجلس النواب ترجمة صحيحة وفعلية، وهو ما جعله يقترح تفسيرا للمادة 24 من الدستور التي تنص على هذه المناصفة. وكما تهرب من الانتخابات الرئاسية الى الانتخابات النيابية مشروطة بقانون جديد يستعيد حقوق المسيحيين بعدما تبين ان قانون الستين لم يستعدها كاملة، رد على دعوة انتخاب رئيس للجمهورية بطلب البحث في مصير الجمهورية، وقد يكون يعني بذلك اقامة الجمهورية الثالثة التي دعا اليها بعد مؤتمر الدوحة ولم يستطع اقامتها لأنه لم ينتخب رئيساً لها، وان قيام هذه الجمهورية يتطلب اعادة النظر في اتفاق الطائف، أو وضع اتفاق بديل يعيد الى المسيحيين الحقوق التي خسروها في الطائف، وإلا ظل رئيس الجمهورية رئيس ادارة أزمات وليس رئيس حلول لها يجب إيجادها قبل انتخابه. وهذا معناه أن يبقى لبنان في غرفة الانتظار فيما المؤسسات فيه تتآكل الى ان تُعرف نتائج التطورات في المنطقة لمعرفة من يصبح الناخب الاقليمي الكبير في انتخابات الرئاسة في لبنان، أو الى ان يتفق اللبنانيون على تعديل الطائف، أو أن يتفقوا على إقامة جمهورية جديدة للبنان قد لا يتفقون عليها من دون حرب جديدة… بحيث يمكن القول إن العماد عون يريد معالجة الجمهورية المريضة لكنه يغامر حيال احتمال موتها.
وموقف العماد عون هذا يختلف عن موقف غالبية الاحزاب والكتل النيابية التي تلتقي على تقديم انتخاب رئيس الجمهورية على أي موضوع آخر، وان الرئيس الجديد هو الذي يحاول أن يصلح ما في هذه الجمهورية من خطا وسدّ ما فيها من عيوب وشوائب. وهذا الموقف يناقض موقف جعجع ويؤكد ان لا اتفاق بين الاقطاب الموارنة على انتخاب رئيس للجمهورية، ويتحملون تاليا مسؤولية تعطيل هذا الانتخاب واستمرار الشغور الرئاسي الى اجل غير معروف.
لقد أحس الدكتور جعجع بشعور اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا عندما اعلن استعداده قبل أشهر لسحب ترشيحه لمرشح يصير الاتفاق عليه، ثم عاد وطرح مبادرة دعا فيها العماد عون الى ان يتوجه نواب “تكتل التغيير والاصلاح” الى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية من المرشحين المعلنين وغير المعلنين، او الجلوس معا للتفاهم على بعض الأسماء والتوجه بها الى المجلس لينتخب منها من يشاء. لكن عون تهرب من البحث في الموضوع وطرح البحث في مصير الجمهورية التي لم تعد بوضعها الراهن قابلة للحياة.
لذلك فإن عودة الكلام على دعوة المسيحيين الى الاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية يكون قد رد عليها العماد عون بما لا يحقق هذا الاتفاق، فيتحملون عندئذ هم المسؤولية امام الله والوطن والتاريخ، لا بل يتحملها الزعماء الذين جاروا عون في موقفه التعجيزي. لذلك فإن المسؤولية تقع عليهم وحدهم، وليس من الحق المساواة بين من يقوم بواجبه ومن لا يقوم به، وليس من الحق أيضاً بل من الظلم وضع الجميع في سلة واحدة وأخذ الصالح بجريرة الطالح.