السفير د. هشام حمدان/غبطة البطريرك: متى ستطالب بإحالة جريمة تفجير المرفأ إلى المحكمة الجنائية الدولية؟

100

غبطة البطريرك: متى ستطالب بإحالة جريمة تفجير المرفأ إلى المحكمة الجنائية الدولية؟*
السفير د. هشام حمدان/20 نيسان/2021

تتنافس بعض الدول على وضع يدها على حركة إعادة إعمار مرفأ بيروت. برز مؤخرا دور لإلمانيا، علما أنّ المشاريع الفرنسية ما زالت على الطاولة. وهكذا يتكامل وضع اليد على الثروات البحرية للبنان. فالصين كان لها مجد مرفأ طرابلس. وروسيا لها مجد الغاز والبترول في شمال لبنان. والولايات المتحدة جيّرت لإسرائيل، مجد الغاز والبترول في جنوب لبنان، أما فرنسا وربما إلمانيا، فلهما مجد ما تبقى من غاز وبترول لبناني من الشمال إلى الجنوب، وكذلك مجد مرفأ بيروت.

لننظر جيدا في هذه الخارطة. فهذه الدول لا تقدم أموال الإستثمار لإستخراج الغاز والنفط هبات للبنان بل ديونا إضافية في عنق مواطنيه. هذه المرّة ثمة أرباح هائلة والديون لن تكون مزعجة كالمديونيّة السابقة. وعلى اللبنانيين أن يدركوا أن مديونيتهم السابقة قد تحل ايضا، لكن مقابل تقديمات سياسيّة مرّة أهمها توطين الفلسطينيين في لبنان، وربما مقابل توطين كل اللاجئين الراغبين من مسيحيي الشرق. هكذا تسقط ذريعة التوازن بين الطوائف، وإن لا تنتهي مشكلة التوازن بين المذاهب. بعضها سيربح وبعضها سيخسر. الخاسر هي المذاهب التي أسست لبنان ولاسيما من الموارنة والدروز والشيعة.

ولننظر مجددا في تلك الخارطة. لا شك أنكم ستلاحظون غياب أي دور عربي فيها. وهذا طبيعي، فقد انتهى دور العرب السياسي في لبنان. ففي خريطة الشرق الأوسط الجديد استكمل القضاء نهائيا على أية فكرة قوميّة عربيّة أو غيرها، وكذلك أيّة فكرة بعودة الخلافة الإسلاميّة أوالدولة الإسلاميّة وولاية الفقيه. كل الدول المعنية بتلك الأحلام صارت نجوما في فلكنا الذي تتحكم به شمس واحدة تعطيها النور الذي نراه فيها.

ولننظر مرّة جديدة في هذه الخارطة. سنلاحظ بالطبع، أن السياسيين أنفسهم الذين ساهموا في رسم قواعد مرحلة إعادة الأعمار الأولى، يعيدون رسم قواعد الإعمار للمرحلة الثانية. وفي المرحلة الأولى، كان جيل الأبناء من رعيل أمراء الحرب الذين ورثوا مقاعدهم من الجيل الإستقلالي الأول، فتمرسوا في السياسة اللبنانية، لكن في مدرسة الحرب وما تفرضه من ولاءات للخارج، وفقا لمن يدفع الأموال، ويقدم السلاح، ويساند في السياسة. هم تعلموا فنون التجييش الطائفي والمذهبي، وايضا فنون القتل والتهديد والترهيب، وكذلك فنون الإنصياع من دون تردد، مقابل المال والسلطة.

أما في المرحلة الثانية الحاليّة، فإن هذا الجيل من الأبناء يدفع بأبنائه لمتابعة المسيرة. ولأن أبناءهم من الهواة الذين لا يفقهون سر اللعبة، فإنهم مضطرون لمتابعة رسم القواعد الجديدة بأنفسهم. وحدهم الهواة الذين خسروا آباءهم من السياسيين الذين رسموا مرحلة إعادة الإعمار الأولى، يتصرفون على هواهم. ومنهم “الشيخ” سعد إبن الشهيد “الشيخ” رفيق الحريري، الذي صار اسمه “مسيو” سعد” بعد أن نقل بنجاح البندقية من الكتف السعودي إلى الكتف الفرنسي. ومسيو سعد كان يفترض ان يقود المرحلة الثانية للإعمار، لكن عناد هاو آخر هو جبران ميشال عون، عقّد له الأمور. ف”مسيو” سعد يواجه مشكلة “مسيو” جبران، وأيضا مشكلة “مسيو” الأمين العام لحزب إيران. هذان الأخيران لا يريدان “مسيو” سعد أن يقود المرحلة الجديدة. وعليه كان لا بد من الإعتماد على “مستر” دياب وهو هاو سياسي بامتياز، للدفع في بدء المرحلة الثانيّة لإعادة الإعمار مع تأجيل تنفيذ قرار من سيقود المرحلة الثانيّة. وهكذا برز الطلب الهجين والفاضح لهواة من حكومة ال”مستر” دياب يطلبان من المدعي العام، وبراءة الأطفال في أصوتهما، أن يعلن أن تفجير المرفأ ليس جنائيا، أي ليس عملا حربيا ولا إرهابيا.

لم يهتم هذان الهاويان إلى أنهما يقدمان المزيد من الفضائح المدويّة في واقع التدخل السياسي في عمل القضاء في لبنان. فبالنسبة لهما ولمن جاء بهما، فإن كل الشعب اللبناني هواة. يسمع، يثور، يشتم، ثم يتعب وينسى وينكفئ، لذلك لا حاجة للتوقف عند الراي العام. لكن أن لا يهتمان لوجود عشرات السفراء الأجانب والمنظمات الدوليّة الحكوميّة وغير الحكوميّة، فهذا أمر يدعو إلى العجب. لا، لاعجب في ذلك، فالهواة ومن خلفهم، ابواق ودمى للقوى الدوليّة الفاعلة في لبنان، يحتمون بها ويتركونها تدير إلية تنفيذ الأمر. هم يقدمون الآن نموذجا فاضحا في انتهاك فواعد العدالة وسيادة الدستور والقانون، لكن هناك من سبقهم قبلا إلى وضع إطار تنفيذي لترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، منتهكا بكل وقاحة، قواعد العدالة وسيادة الدستور والسيادة الوطنية.

لاحظنا في السابق، أنّ الشعب اللبناني الهاو لم يخرج عن ضجيجه الفارغ ضد الفساد. ومن يرسم السياسة من الخارج، يدرك أنه يخضع لهواة همهم فقط السلطة والمال ايضا. جيشنا الوطني هو الذي قدّم الحماية حتى الآن، لسيادة الدستور والسيادة. ونأمل من قضائنا الوطني ان يحمي أيضا، سيادة الدستور والقانون. لم نقل أن يحمي قواعد العدالة ليس لأننا لا نؤمن بانه لا يريد ذلك، وإنما لأننا مقتنعون أنه لا يستطيع ذلك. ولذلك طالبنا باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدوليّة. فلو لجأنا إلى تلك المحكمة لما تجرأ الهاويان ومن خلفهما، الطلب من القضاء الوطني مثل هذا الطلب الهجين.

نعود من جديد إلى القائد المرتجى لهذه المرحلة من تاريخ لبنان، إلى غبطة البطريرك الراعي لنقول: متى ستطالب بإحالة جريمة تفجير المرفأ إلى المحكمة الجنائية الدوليّة؟
*- صدرت في جريدة نداء الوطن بتاريخ 14 نيسان 2021