فيديو القداس الذي ترأسه البطريرك الراعي في كنيسة بكركي اليوم ونص عظته: ما لم تتألف حكومة اختصاصيين غير حزبيين لا هيمنة فيها لأي طرف عبثا تتحدثون، أيها المسؤولون، عن إنقاذ، وإصلاح، ومكافحة فساد، وتدقيق جنائي/نص عظة المطران عودة لليوم: شهوة السلطة تكبل العقول فينتهج أربابها سياسة انتحارية تودي للهاوية

101

اضغط هنا لمشاهدة فيديو القداس الذي ترأسه اليوم البطريرك الراعي في كنيسة بكركي

الراعي: ما لم تتألف حكومة اختصاصيين غير حزبيين لا هيمنة فيها لأي طرف، عبثا تتحدثون، أيها المسؤولون، عن إنقاذ، وإصلاح، ومكافحة فساد، وتدقيق جنائي، واستراتيجية دفاعية، ومصالحة وطنية

نص المطران عوده: شهوة السلطة تكبل العقول فينتهج أربابها سياسة انتحارية تودي للهاوية

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي/ظهور يسوع لتلميذي عمّاوس
موقع بكركي/18 نيسان/2021
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان أنطوان عوكر وسمعان عطالله، أمين سر البطريرك الأب هادي ضو، بمشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور جمعية آل عطاالله الخيرية، عائلة المرحومة الأخت اليان الخوري من جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، رئيس مؤسسة البطريرك صفير الاجتماعية الدكتور الياس صفير، نجل الشهيدين صبحي ونديمة الفخري باتريك الفخري وعدد من المؤمنين التزموا الإجراءات الوقائية. بعد الانجيل المقدس ألقى الراعي عظة بعنوان “عرفاه عندما أخذ الخبز، وبارك، وكسر، وناولهما”، قال فيها:” (لو 24: 30-31).
1. هذا الترائي لتلميذي عمّاوس، في مساء أحد قيامة الربّ يسوع، هو ظهور إفخارستيّ، فنستطيع القول أنّه قدّاس يسوع الأوّل بعد قيامته. إنّ فيه أجزاء القدّاس الأربعة: خدمة الكلمة والذبيحة والمناولة والإرسال.
نحن نرجو أن تتفاعل قلوبنا عند سماع كلام الربّ في كلّ قدّاس، كما حدث للتلميذين، وأن نعرفه في ذبيحة الفداء ومناولة جسده كما عرفاه، وأن نحمل رسالة بشراه بدون تعب أو ملل كما فعلا بالعودة ليلًا إلى أورشليم لنقل الخبر، على الرغم من طول المسافة وعناء السفر.
2.يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، فأحيّيكم جميعًا مع تحيّة خاصّة لجمعيّة آل عطالله الخيريّة وعلى رأس الحاضرين سيادة أخينا المطران سمعان عطالله رئيس أساقفة بعلبكّ-دير الأحمر سابقًا. إنّنا نشجّع أعمال هذه الجمعيّة في خدمة المعوزين في العائلة وشدّ روابط التضامن والتعاون بين أعضائها.
كما نوجّه تحيّة لأولاد شقيقة المرحومة الأخت إليان الخوري، من جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات. وقد ودّعناها معهم منذ ثمانية عشرة يومًا. إنّنا نصلّي لراحة نفسها في الملكوت السماويّ ولعزاء جميع ذويها وأنسبائها وراهبات العائلة المقدّسة.
3. أجل نستطيع القول أنّ ترائي يسوع لتلميذي عمّاوس، في مساء أحد قيامته، كان قدّاسه الأوّل، ففيه أقسام القدّاس الإلهيّ الأربعة:
أ-قسم الكلمة هو تعليم يسوع للتلميذَين بشأن ما نطق به الأنبياء عن المسيح الذي يجب عليه أن يعاني تلك الآلام فيدخل في مجده. وراح يفسّر لهما ما جاء عن المسيح في جميع الكتب بدءًا من موسى وسائر الأنبياء (راجع الآيات 25-27).
ب- قسم الذبيحة ظاهر في شخص يسوع الذبيح والقائم من الموت، والحامل آثار الصلب في جسده الممجّد، كما فسّر للتلميذين: “يجب على المسيح أن يعاني تلك الآلام قبل أن يدخل في مجده” (الآية 26). ذبيحته هي مصدر سلام داخليّ وطمأنينة، وسبب فرح وعزاء يأتينا من كون الله يحبّنا من دون حدود، والمسيح يحبّنا من دون قياس وحساب.
ج-قسم المناولة هو اكتمال قسم الذبيحة: “لمّا جلس معهما للطعام أخذ الخبز وبارك وكسره وناولهما” (لو 24: 30). لا تنفصل الذبيحة عن المناولة: المسيح يُذبح لفدائنا، وليكون لنا طعامًا للحياة الأبديّة، هو المسيح الكلمة تجسّد ليكلّمنا بكلام الحياة، وقبل الموت ذبيحة فداء عن خطايانا، وأعطانا ذاته غذاءً روحيًّا. هذه الأقسام الثلاثة: الكلمة والذبيحة والمناولة، تشكّل وحدة مترابطة ومتكاملة، من دون أيّ إنفصال الواحدة عن الأخرى، ومن دون أي ذوبان للواحدة في الأخرى. لذلك علينا المشاركة في القدّاس منذ دخول الكاهن إلى أمام المذبح حتى مغادرته بالبركة الأخيرة.
د-قسم الرسالة في ختام القدّاس يعيدنا إلى التلميذين اللذين قاما للحال، ونسيا التعب، واخترقا ظلام الليل، وعادا إلى أورشليم لكي ينقلا خبر قيامة يسوع من الموت.
4. أسّس الربّ يسوع سرّ الإفخارستيّا ليكون حاضرًا في حياة كلّ إنسان وجماعة. فهو “النور الذّي ينير كلّ إنسان يأتي إلى العالم” بشهادة يوحنّا الرسول (يو 1: 9). ويقول الربّ عن نفسه: “أنا نور العالم، من يتبعني لا يمشي في الظلام” (يو 8: 12).
لا يستطيع أحد أن يعيش من دون هذا النور الإلهيّ، وإلّا عاش في ظلمة نزواته ومصالحه وأنانيّته وحقده، وأضاع معنى الحياة، وأخطأ قراءة أحداثها وعلامات الأزمنة. النور الإلهيّ يحرّر من الخطأ ويجمع. يُضاف إلى هذا النور عنصرٌ أساسيٌّ هو المحبّة المنفتحة على العطاء. لو لم يصرّ تلميذا عمّاوس على إستضافة ذاك الغريب لـما عرفا أنّه يسوع عند “كسر الخبز”، ولـما إستعادا كلّ قواهما الروحيّة والمعنويّة والجسديّة.
5. إنّ الذين يصنعون الخير يختبرون حضور الله في حياتهم. اليوم شعب لبنان يتعرّض بكل فئاته ومناطقه، لحربٍ اقتصاديّةٍ ونقديّة ومعيشيّة مفتوحةٍ تستدعي مواجهتَها والانتصارَ عليها بالصمود الذي يبدأ بالبقاءِ في لبنان للحفاظِ على وجودِنا وهوّيةِ الأرضِ والوطن. الكنيسة، بطريركيّةً وأبرشيّات ورهبانيّات ومؤسّسات ومنظّمات خيريّة تابعة لها ومحسنين من أبنائها، كلّهم يلتزمون بتوفير الحاجاتِ الماديّةِ للعائلات المعوزة. إنّنا، بانتظارِ عودةِ مؤسّساتِ الدولة المركزيّةِ، ندعو جميعَ السلطاتِ المحليّةِ والبلديّاتِ واتّحاداتِ البلديّات، والجمعياتِ المدنيّةِ والأحزابِ والنوادي والتعاونيّات والنِقابات والفئاتِ الميسورة إلى توحيدِ الجهود، وإلى استعمالِ جميعِ القدراتِ الشرعيّة الاقتصاديّة المتوافرِةِ في القرى والبلدات والمناطق لتأمينِ إنعاشٍ اقتصاديٍّ وزراعيِّ وتجاريٍّ وسياحيٍّ وماليٍّ، من شأنه أن يؤمِّنُ مقتضياتِ الحياةِ والصمودِ للأفرادِ والعائلات، وأن يثني الشبابِ عن الهِجرة، ويساعد اللبنانيّين على منعِ سقوطِ وطنِهم، وعلى استعادةِ دولتِهم الواحِدة والمحرّرة من ذوي المصالح الخاصّة والمشبوهة.قَدرُنا أن نبقى أمناءَ على هذا الوطنِ ونمنعَ الاستيلاءَ عليه. قَدرنُا أن نقومَ من بين أنقاضِ الدمارِ والانحطاطِ والانهيار. قَدَرُنا أن نعودَ إلى النهضةِ والبناءِ والازدهارِ والسلام.
6. لا نستطيع بأيّ شكلٍ من الأشكال قبول ممارسة الجماعة السياسيّة وبخاصّة المقامين في السلطة، أعني خيارهم سلوك درب الإنهيار، مكابرتهم على قبول الحلول المتوافرة، إقفالهم كلّ باب يأتي منه الخير والمساعدات للشعب وللبنان، أكان من الدول المانحة، أم من صندوق الدعم الدوليّ، أم من الدول العربيّة الشقيقة، وبالمقابل إبقاءهم معابر الهدر والتهريب على الحدود الشماليّة والشرقيّة مفتوحة على مصراعيها.
العالمُ ينتظرُ أن تُؤلّفَ حكومةٌ ليتّخذَ المبادراتِ الإيجابيّةَ تجاه لبنان. ما من موفدٍ عربيٍّ أو دوليٍّ إلا ويُردِّدُ هذا الكلام. جميعُهم يَتوسَّلون المسؤولين عندنا أن يَضعوا خلافاتِهم ومصالحَهم وطموحاتِهم الشخصيّةَ جانبًا، وأن يَنكبّوا على إنقاذِ البلادِ. ما لم تتألفْ حكومةُ اختصاصيّين غيرِ حزبّيين لا هيمنةَ فيها لأيِّ طرفٍ، عبثًا تَتحدثون، أيهّا المسؤولون، عن إنقاذٍ، وإصلاحٍ، ومكافحةِ فسادٍ، وتدقيقٍ جنائي، واستراتيجيّةٍ دفاعية، ومصالحةٍ وطنيّة. إنَّ معيارَ جِديّةِ المطالبةِ بكلِّ هذه المواضيع هو بتأليف الحكومة. فلا تَلهُون المواطنين بشؤونٍ أخرى، وهم باتوا يميّزون الحقَّ من الباطل.
7. لكي تكون الحكومة الجديدة فاعلة وقادرة على إجراء إصلاحات وشدّ عُرى الوحدة الوطنيّة استُبعدت حكومة من كتل نيابيّة، لئلّا تكون مجلسًا نيابيًّا مصغّرًا تتعطّل فيها المحاسبة والمساءلة. واستُبعدت حكومة حزبيّة، منعًا لخلافات داخليّة تعطّل عملها. وكان الإتّفاق أن تكون حكومة من إختصاصّيين ذوي خبرة في شؤون الدولة وفي مختلف حقول الحياة، ومجلّين في أخلاقيّتهم ونتاجهم. فإذا بنا نسمع اليوم بحكومة من وزراء طائفيّين ومذهبيّين يعيّنهم السياسيّون. في دستورنا، لبنان دولة مدنيّة، طوائفها تنتمي إلى ربّها. وميثاقنا الوطنيّ يقتصر على الشراكة الوطنيّة في إطار المناصفة والمساواة. ليس لبنان بحكم هويّته دولة دينيّة وطائفيّة ومذهبيّة، بل الإنتماء إليه هو إنتماء بالمواطنة لا بالدين.
إنّنا نريد حكومة واحدة لكلّ اللبنانيّين وللبنان واحد، لا مجموعة حكومات في حكومة، لكلّ طائفة حكومتها داخل الحكومة، منعًا لنزاعات طائفيّة ومذهبيّة يرفضها عيشنا المشترك الذي يميّز لبنان عن سواه من الدول المحيطة.
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،
8. نأمل ان نتعظ من جائحة كورونا التي إجتاحت الكرة الأرضيّة بكاملها، من دون سلاح وجيوش وأموال، وركّعت الجميع بدءًا من الكبار، فتؤول بنا جميعًا إلى وقفة وجدانيّة مع الذات ومع الله، لكي يدرك كلّ واحد منّا هشاشة الحياة، ويبدّل مجرى حياته، ويوجّهه إلى الخير والحقّ والجمال. لله المجد والتسبيح الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
#البطريرك_الراعي #شركة_ومحبة #البطريركية_المارونية #بكركي #الراعي

نص عظة المطران عوده: شهوة السلطة تكبل العقول فينتهج أربابها سياسة انتحارية تودي للهاوية
وطنية/الأحد 18 نيسان 2021
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.
بعد الإنجيل المقدس، قال في عظته: “وصلنا إلى الأحد الخامس من الصوم الأربعيني المقدس، الذي نعيد فيه للقديسة مريم المصرية، النموذج الحي للتوبة الحقيقية، والمحبة الإلهية. عاشت القديسة مريم المصرية في الإسكندرية، بعدما غادرت والديها بعمر الثانية عشرة، واستسلمت لحياة الرذيلة. لم تكن تبتغي الربح المادي، إنما أحبت الخطيئة والانغماس فيها. عشقها للخطيئة، جعلها ترغب في إيقاع شبان جدد في شباكها. لذا، صعدت إلى سفينة كانت تحمل حجاجا ذاهبين إلى أورشليم لتعييد عيد رفع الصليب الكريم المحيي، واستطاعت خلال الرحلة أن تغوي رجالا كثيرين. عندما حل عيد رفع الصليب، حاولت مريم أن تدخل الكنيسة وسط الحشود، فشعرت بقوة تمنعها. حاولت عدة مرات أن تدخل، لكن عبثا، فبدا لها أنها غير مرغوب بها في بيت الرب. عندئذ، أدركت مريم عظم خطاياها، ووقفت خارجا تبكي بمرارة. وعندما رأت أيقونة والدة الإله، خاطبتها واعدة إياها أنها حالما تسجد للصليب المحيي ستنبذ إنسانها القديم، وتترك طريق الخطيئة. بعد مخاطبة العذراء في الأيقونة، حاولت الدخول فاستطاعت وسجدت للصليب الكريم، ثم وقفت أمام أيقونة العذراء تشكرها، فسمعت صوتا من السماء يقول: “إذا عبرت الأردن تجدين راحة مجيدة”.
أضاف: “غادرت مريم أورشليم، باتجاه الأردن. قصدت كنيسة القديس يوحنا المعمدان، حيث تناولت القربان المقدس، ثم انطلقت إلى الصحراء لتقضي بقية حياتها. هناك، حاربت مريم أهواء حياتها السابقة، وعلمها ملاك الكتاب المقدس. مرة، خرج الكاهن زوسيماس إلى البرية، قاصدا لقاء إنسان يشبع عطش روحه، فالتقى مريم التي طلبت منه أن يأتيها بالمناولة المقدسة يوم الخميس العظيم. عندما حان الموعد، ناولها الأب زوسيماس القدسات، ثم غادرها على أمل اللقاء في الموعد نفسه من السنة المقبلة. عندما رجع في العام التالي، وجدها طريحة الأرض، يحرس جسدها أسد، وقد رقدت بعدما تناولت من يده القدسات سابقا. فدفنها، وكتب سيرتها التي يحتذى بها”.
وتابع: “مثلما بدأت التهيئة للصوم بالتوبة مع العشار والابن الشاطر، تعود كنيستنا المقدسة لتذكرنا بالتوبة عبر سيرة القديسة مريم المصرية. تحديد آخر أحد من الصوم الكبير المقدس لقديسة تائبة هو تذكير لنا بأن التوبة شرط أساسي للدخول إلى ملكوت الله، وهذا الأسبوع هو الفرصة الأخيرة لنا كي نتوب قبل مجيء الختن، في الأحد المقبل. اللص الشكور، أبدى توبة حقيقية فأصبح أبرز مثال عن أن التوبة هي مفتاح الملكوت. غالبا ما يتجاهل المسيحيون صحتهم الروحية. لقد سلم المسيح رسله سلطان حل الخطايا أو ربطها قائلا لهم: من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت (يو 20: 23). إنتقل هذا السلطان إلى الأساقفة والكهنة من خلال سر التوبة والإعتراف الذي، بسبب عدم ممارسة المسيحيين له، دعاه الآباء القديسون الدواء المنسي. الجسد المريض يحتاج دواء ليشفى، وقد لمسنا هذا الأمر مع الوباء الذي غزا العالم. كذلك الروح تمرض، ووباؤها يدعى الخطيئة، أما الدواء الذي وضعه ربنا لشفاء النفوس فيدعى التوبة. والتوبة تعني العودة، على مثال الإبن الشاطر، والقديسة مريم المصرية، التي تفوقت على كل الخطأة بخطاياها، ومع ذلك عادت تائبة، فرحمها الرب. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: إخجل عندما تخطىء، ولا تخجل عندما تتوب. فالخطيئة هي الجرح، والتوبة هي العلاج. الخطيئة يتبعها الخجل، والتوبة تلزمها الجرأة. لكن الشيطان قد عكس هذا الترتيب، لأنه يعطي جرأة في الخطيئة، وخجلا من التوبة. الخجل مصيدة يوقعنا فيها الشرير كي لا نخلص، فيما مزق الرب إلهنا كل أشراك الشيطان بصليبه الكريم، لكي يخلصنا من خطايانا، ويفتح لنا أبواب الفردوس”.
وقال: “إذا، فيما تسبب لنا خطايانا الموت، تمنحنا التوبة فرصة الحياة مجددا، أي فرصة البقاء مع الرب الذي هو الطريق والحق والحياة (يو 14: 6). مهما كان شكل خطايانا، أو مهما كثرت وتعددت، علينا ألا نقع في اليأس، لأن ربنا سبق فقال لنا: لم آت لأدعو أبرارا بل خطأة إلى التوبة (لو 5: 32؛ مر 2: 17؛ مت 9: 13)، تماما كما حدث مع القديسة مريم المصرية”.
أضاف: “الإنسان الذي يتبع وصايا الرب، حتى ولو عاش في مجتمعات موبوءة بالخطايا، لا يتزعزع بهجمات الشرير، ولا يبتعد عن الدرب القويم. وإذا ضعف، لا ييأس من الخلاص، بل يسارع إلى الإعتراف بتوبة، أي يرجع فورا إلى الرب، حصنه، على حسب قول النبي داود: الله لنا ملجأ وقوة… رب الجنود معنا (مز 46: 1 و7 و11). الله يقيمنا من موت الخطيئة، لذلك نعيد قول كاتب المزامير في خدمة الهجمة: رب الجنود هو ملك المجد (مز 24: 10). فلنتذكر دائما أن من كان مع الله، وكان الله معه، لن يتزعزع لأي سبب، حتى أقسى التجارب، وما أكثرها في هذه الأيام بسبب أناس أحبوا اتباع الشرير وألاعيبه بدل العودة إلى الرب والتوبة إليه”.
وتابع: “منذ أيام، في 13 نيسان، استذكرنا بداية الحرب التي دامت سنوات وخلفت ضحايا ودمارا وويلات، لكن يبدو أننا لم نتعلم من دروسها القاسية، ولم نعلن توبة صادقة عن كل الخطايا التي اقترفناها بحق وطننا، ولم نأخذ العبر. فما عجزت عنه الحرب أوصلنا إليه زعماء وسياسيون وحكام عاثوا فسادا، وأشبعونا وعودا، وأوصلونا إلى الجحيم. ترى هل التخلص من الأنا صعب إلى هذا الحد؟ هل نبذ المصلحة الخاصة، وإجراء الإصلاحات التي تحولنا إلى دولة عصرية ناجحة صعب؟ هل العمل الدؤوب من أجل إخراج البلد من جو الصراعات والمناكفات والأحقاد وتصفية الحسابات مستحيل؟ يومها كان البعض يريد أن يجعل من لبنان وطنا بديلا، أما اليوم فاللبنانيون يفتشون عن وطن بديل يحميهم ويؤمن لهم حياة كريمة. عند ذاك كان الآخرون يصفون حساباتهم على أرضنا، اليوم السياسيون اللبنانيون يصفون حساباتهم مع إخوتهم اللبنانيين، وفي الحالتين المواطن وحده يدفع الثمن. كنا نعاني التدخلات الأجنبية والاحتلالات، فإذا بنا اليوم نعاني من التبعية للخارج ومن المعارك العبثية والسطو على مقدرات البلد وأموال المواطنين، ومن تقاسم الحصص والمراكز، ومن التغاضي عن هدر حقوق لبنان واللبنانيين طالما حقوق المسؤولين محفوظة. هؤلاء صادروا قرار اللبنانيين وتحكموا بمصائرهم ورهنوا مستقبلهم ومستقبل أولادهم برهاناتهم على الخارج، وكأن الترياق سيأتينا من هذا الخارج. ألم يع اللبنانيون أن الخارج لا يعمل إلا لمصلحته، وأنه يستعملنا مطية يتخلص منها عندما ينتهي دورها؟”
وقال: “بالأمس كان الصراع بين الطوائف، أما اليوم فالطوائف تنمو على حساب الوطن، والدويلة على حساب الدولة، ومصلحة بعض الأفراد على حساب المجتمع، ومصلحة الفرد على حساب الجماعة. شهوة السلطة تسيطر على العقول وتكبلها، فينتهج أربابها سياسة انتحارية تودي بلبنان واللبنانيين إلى الهاوية. أصبح بضعة زعماء يحكمون البلد على أشلاء المواطنين، يتحكمون بمصير الناس ويعملون لمصالحهم الخاصة، يستعملون الشعب وقودا لحروبهم وأضاحي، غير آبهين بمصير البلد وبآلام الشعب وكرامته. وهنا سؤال مصيري وجودي يطرح نفسه: هل لبنان هو الهدف والغاية أم المصلحة والحزب والطائفة؟ وهل لبنان وطن نهائي لكل أبنائه أم هو معبر وجسر ووسيلة؟ إن اللبناني الحقيقي، إلى أي طائفة انتمى، يعمل من أجل مصلحة لبنان لا طائفته أو مرجعيته الخارجية. الانتماء الحقيقي الصادق إلى الوطن هو ما سينقذ لبنان واللبنانيين من الهاوية التي دفعهم إليها الطائفيون المفتشون عن مكاسبهم الشخصية عبر التغني بطوائفهم. عوض التفكير بمستقبل الساسة يجب التفكير بمستقبل الوطن الذي يكاد يضيع. عوض الاهتمام بمصير الزعماء ومستقبلهم السياسي يجب الإهتمام بمصير الوطن. عندما كانوا متفقين تقاسموا المغانم وأهملوا البلد، وعندما اختلفوا أضاعوا البلد. مخجل رأي زعماء العالم بزعمائنا. نحن نخجل وهم لا يخجلون بل يتابعون نهجهم التدميري، ويربطون مصيرنا بانتخابات هناك ومحادثات هنالك. وعوض أن ننأى بأنفسنا عن مشاكل محيطنا، نأى العالم بنفسه عنا، وأشاح وجهه عن خطايانا الكثيرة التي كلفتنا ضياع البلد وضياع ماء الوجه، ولا يلزمنا اليوم إلا شيء من الشجاعة للاعتراف بالمسؤولية والانصياع للمحاسبة، وإذا اقتضى الأمر التنحي وترك المجال لمن هم قادرون على الإنقاذ. توبة مريم المصرية أتاحت لها الوصول إلى القداسة، فهل من يفهم؟”
وختم عوده: “لا بد من التوقف عند ما شهدناه بالأمس من تصرف قد لا يكون يليق بالسلطة القضائية التي طالبناها بإبعاد السياسة عن عملها، والانتفاض على الوضع المزري. كما نطالب كافة الأجهزة الرقابية بالاستفاقة من سباتها العميق، والقيام بواجبها الرقابي بحزم ومسؤولية، لئلا تقضي الفوضى على ما تبقى من إدارات الدولة. حفظكم الرب من مكائد الشرير، وأهلنا جميعا للوقوف أمام منبره الرهيب بلا لوم ولا عيب، وأن نستحق المشاركة بالمائدة الفصحية ومعاينة جمال الملكوت السماوي”.